مفهوم الإسلام والمسلمين في القرآن الكريم

مفهوم الإسلام والمسلمين في القرآن الكريم

موضوع هذا المقال ربما يثير غضب واحتجاج بعض العلماء، وكثير من المسلمين المتشددين، الذين يتمسكون بالتفسير التقليدي القديم للقرآن الكريم ولمدارس التفسير العريقة.

وأنا لا أدّعي أنني ممن يفتون أو يفسرون القرآن الكريم، أو من أصحاب مدارس التفسير الجدد، وإنما أنا مجرد مفكرة وباحثة في العلوم الإسلامية أعرض هنا بعض ملاحظاتي في مجال أبحاثي العلمية في الدراسات الإسلامية بعد خبرة أكثر من ربع قرن في التدريس بقسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة جنيف بسويسرا، وبعد حضور مؤتمرات دولية على أعلى مستوى في مجال حوار الأديان في معظم الدول الأوربية، إلى جانب كثير من دول العالم الإسلامي، وخاصة في مصر وفي الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والمغرب وتونس وتركيا وإيران، وبمشاركة فقهاء ومفتين وعلماء وخبراء، وبعد مناقشات حامية ومستفيضة معهم ومع حاخامات وأساقفة وقساوسة مخضرمين في علم اللاهوت، وعلم مقارنة الأديان.

إن أول ما يلفت الانتباه في كثير من التفسيرات الخاصة بالآيات التي ذكرت فيها كلمات الإسلام أو المسلمين في القرآن الكريم أن معظم الفقهاء والمفسرين أسرعوا بتفسير هذه الكلمات على أن الإسلام هو الدين الذي جاء به الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) ونشره في القرن السابع الميلادي في الجزيرة العربية، وأن المسلمين هم أتباع محمد (صلعم)، وكذلك فعل معظم المترجمين الذين ترجموا معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية والفرنسية ارتكازاً على التفسير التقليدي للقرآن الكريم.

ولكننا لاحظنا أن هذا التفسير التقليدي القديم يعتبر «انكرونيزم» Anachronisme، أي يتعارض مع السياق التاريخي للأحداث التي تذكرها الآيات، إذ كيف تأتي كلمة إسلام ومسلمين على لسان فرعون وإبراهيم والحواريين، بالرغم من أن هؤلاء جميعاً وجدوا وعاشوا وماتوا قبل ميلاد الرسول محمد (صلعم)، وقبل نزول القرآن الكريم وقبل نشر الإسلام في الجزيرة العربية بقرون طويلة. سيجيب بعض الفقهاء بالقول إن الإسلام كان موجوداً وأن جميع الرسل كانوا مسلمين ويبشرون بالإسلام، وأن النبوّة متصلة وحلقة الأنبياء متصلة ينشرون ديناً واحداً هو الإسلام. هذا صحيح، ولكن كلمة «إسلام» في كثير من الآيات التي سنذكر بعضاً منها ليست اسم علم، ويجب ألا تكتب Islam Capital letters-Majiscules بالحروف البارزة في اللغات الأجنبية.

فكلمة «إسلام» في كثير من الآيات الكريمة في القرآن الكريم لا تعني رسالة محمد (صلعم) فقط، وإنما تعني الخضوع لله سبحانه وتعالى، ودين التوحيد بالله أي الجزء الأول من الشهادة «أشهد أن لا إله إلا الله» Monotheisme، فإذا أخذنا - مثلاً - الآية الكريمة: ومَن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (آل عمران الآية: 85).

كلمة «الإسلام» في هذه الآية الكريمة لا تعني فقط الدين الذي جاء به الرسول محمد (صلعم)، وإنما تعني مفهوم الإسلام لله سبحانه وتعالى والتسليم له ولإرادته، وتعني الدين الأول الذي عرفه الإنسان، دين الفطرة، منذ بداية التوحيد بالله، وهو الدين الذي جاء به إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى والأسباط وجميع الأنبياء والرسل أجمعين، وهو دين التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد، والخضوع له، والإيمان بالقدر والملائكة والكتب السماوية كلها، والبعث، وأن الرسول محمد (صلعم) هو آخر كل هؤلاء الأنبياء الذين جاءوا يبشرون بهذا الدين وينشرونه، وإن محمد (صلعم) جاء ليكمل رسالاتهم جميعاً ويختمها، ويبلغ الإنسانية جمعاء، ما جاء في هذه الآية الكريمة: قل آمنا بالله وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (آل عمران، الآية 84).

ونجد هذا المفهوم نفسه في الآية الكريمة (آل عمران - الآية 64) {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} فمن غير المعقول أن تكون كلمة «مسلمون» في هذه الآية تعني أتباع محمد (صلعم)، وإنما تعني أن يشهد أهل الكتاب بأنهم مؤمنون بالله الواحد الأحد، وأن تسليمهم لله كامل وأن خضوعهم لله خضوع تام.

كذلك الحال بالنسبة للآية الكريمة فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون ، فمن غير المعقول أن يشهد الحواريون أتباع عيسى أنهم مسلمون بالمعنى الدارج أي أتباع محمد (صلعم) من قبل أن ينزل الإسلام على الرسول محمد، ومن قبل حتى أن يولد محمد، وإنما معنى كلمة «مسلمون» هنا أنهم أسلموا وجههم لله وهم مؤمنون بالله الواحد الأحد.

وفي هذه الآية الكريمة أيضاً مفهوم «الكفر» بمعنى عدم التصديق برسالة عيسى وليس بمعنى الشرك بالله، فلم يكن الحواريون مشركين، بل كانوا يهوداً، واليهود موحدين بالله الواحد الأحد، ولكنهم كفروا بعيسى كنبي، وكفروا بمحمد كنبي، أي أنهم كفروا برسالة كل من عيسى ومحمد، أي أنهم لم يؤمنوا بعيسى ولا بمحمد ولم يصدقوهما، وكفروا بهما، ولكنهم لم يكفروا بالله الواحد الأحد.

ومن هذا المنطلق ومن هذا المفهوم وبالقياس، هل يمكن أن نفسر الآيات الكريمات التي تقول: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد (سورة المائدة، الآية: 73)، أو الآية الكريمة لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم (سورة المائدة، الآية: 72) بمعنى أنهم كفروا برسالة محمد (صلعم) دون أن يكفروا بالله أو يشركوا به أي أنهم ليسوا مشركين؟

فالفرق شاسع بين المشركين الذين يعبدون آلهة عدة (إله الشمس وإله الحرب وإله الجمال وإله الحب.. إلخ) كما كان يفعل الإغريق والفراعنة والمشركين في الجزيرة العربية قبل بعثة الرسول محمد (صلعم)، وبين الذين يؤمنون بالله ولكنهم يكفرون بمحمد (صلي الله عليه وسلم).

ومن ثم هل يمكن أن نعتبر اليهود والمسيحيين من أتباع عيسى، أي الأوربيين والأمريكان حالياً، خاصة البروتستانت الذين لا يؤمنون بالثالوث مثلما يؤمن به الكاثوليك، ليسوا مشركين، ولكنهم كفروا برسالة محمد (صلعم) دون أن يكفروا بالله ودون أن يشركوا بالله الواحد الأحد؟

كذلك الآية الكريمة: إن الدين عند الله الإسلام (آل عمران، الآية: 19)، فكلمة الإسلام في هذه الآية أيضاً بمعنى التسليم لله وحده وهو المعنى الموجود في الآية السابقة لهذه الآية (الآية 18) شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ، لأن الذين أوتوا الكتاب - أي اليهود والنصارى - كانوا موجودين قبل نزول الإسلام ديناً جديداً على الرسول محمد، ومن ثم فليس من المنطقي أن نشرح ونفسر هذه الآية على أن كلمة «الإسلام» هنا تعني فقط الدين الذي أنزله الله على الرسول محمد، فهذا التفسير غير عقلاني ولا براجماتي، وكان يمكن أن ينطلي على السذج من الناس، أما الآن فيجب أن نفسر القرآن الكريم تفسيراً منطقياً عقلانياً بالإقناع والمنطق، وليس بأسباب النزول أو بالظروف التي نزلت فيها الآية، لأن القرآن نزل لكل الناس ولكل زمان ولكل مكان. فإذا استمررنا في التفسير بأسباب النزول وبظروف وملابسات نزول كل آية كريمة يصبح القرآن وكذلك الإسلام مقصوراً، وخاصاً بالقوم الذين نزل فيهم القرآن، وتم نشر الإسلام كدين جديد بينهم أي عرب الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي فقط، وهذا يتعارض مع مقولة أن الإسلام دين عالمي يصلح لكل زمان ولكل مكان، وكذلك يتعارض مع عولمة الإسلام، ومع صلاحية الإسلام كدين عالمي في المجتمعات الغربية في أوربا وأمريكا وأستراليا.

نتمنى أن تنتشر هذه المفاهيم لمصطلحات الإسلام والمسلمين والنصارى، أي المسيحيين، كما جاءت في القرآن الكريم. وهذا التفسير العقلاني يجب أن يكون ركيزة لحوار الأديان، وكذلك أساس للتعامل مع المسيحيين في مصر وفي لبنان وفي فلسطين، منعاً للفتنة الطائفية بين المسيحيين و«المسلمين الحاليين» أي أتباع الرسول محمد (صلعم)، فمن غير المعقول أن نستمر في نعت المسيحيين واليهود، وكذلك الأوربيون والأمريكان والأستراليون «بالكفار المشركين بالله» مثل كفار قريش والجزيرة العربية في القرن السابع، لأن أهل الجزيرة العربية قبل الرسول محمد (صلعم) كانوا مشركين، يعبدون عدة آلهة وأصنام، ثم إنهم كانوا أيضاً كفاراً لأنهم كفروا بمحمد (صلعم) فهم كانوا إذن «مشركين وكفار»، أما اليهود والمسيحيون حالياً فهم مؤمنون وموحدون بالله، وهم أهل كتاب يؤمنون بالله الواحد الأحد، ولكنهم يكفرون بالرسول محمد (صلعم).

-----------------------------------------
صنعت لك
عرشا من الحرير.. مخملي
نجرته من صندل
ومسندين تتكّئ عليهما
ولجة من الرخام، صخرها ألماس
جلبت من سوق الرقيق قينتين
قطرت من كرم الجنان جفنتين
والكأس من بللور
أسرجت مصباحا
علقته في كّوة في جانب الجدار
ونوره المفضض المهيب
وظله الغريب

صلاح عبدالصبور

 

 

 

فوزية العشماوي