مساجد الكويت بين الأصالة والمعاصرة عبدالغني عبدالله تصوير: فهد الكوح

مساجد الكويت بين الأصالة والمعاصرة

مساجد حديثة ولكن عناصرها الروحية للعمارة الدينية الإسلامية.. أصلية.. وتتطابق مع تلك التي اتفق عليهـا البناءون المسلمون على مر العصور وما يبدو عليها من تنوع.. إنما هو تطوير أملته البيئـة والمعاصرة. ولكن في حرص شديد على أصالتها.

العناصر الضروريـة للمسجـد تتمثل في قطعـة أرض.. يحوطها ما يعزلها عن البيئة.. لها مداخل ومخارج تسمح بدخول المرتادين في سهولة ويسر، ثم بعد ذلك تجيء العناصر الأخرى كالأروقة والمجنبات والقبلة والمئذنة ودورات المياه والميضأة والصحن وغير ذلك.

مساجد الكويت قديمهـا وحديثها تشتمل على هذه العناصر جميعها.. فهي موجودة أولاً، ثم جـاء الإبداع والتفنن في إخراجهـا بعـد ذلك، ليس بقصـد التغيير ولكن تماشيا مع ظروف البيئة المحلية، وقـد جـاءت المساجد الحديثة في الكويت على نمط حلو المذاق، بعد أن قـام الفنان المسلم بتنـاول طبيعة العمارة وتفكيك عناصرها إلى عناصر أولية، وأعاد تركيبها من جديد.. وعندما أعـاد تركيبها من جديد فإنـه جاء بالصحن في شكل جديد ورواق الصلاة في شكل آخـر وهكـذا.. والنتيجـة أنه أتى بصيـاغة إيقاعية جـديدة للعناصر المعمارية بعد تحليلها إلى سطوح وأحجـام هندسية.. حقق فيها فاعليته الفنيـة التي استشعرها في نفسه تعبيراً عن موقفـه إزاء دار العبـادة الإسلامية، ولما بدأ في تصميمها كان أمامه عدد كبير من الطرز المعمارية.. فاختار منها بهدوء وثقة، وحقق بها ما نعتبره اليوم حديقـة للطرز المعمارية الإسلامية في المجال الـديني. وبعد  المعماري جاء الفنان فزخرف بهدف إذابة مادة الجسم وتحطيم وزنه وصلابته فأعطاه الخفة.. وهو اتجاه روحاني وطابع لامادي استخـدم النور واللون باستخدام الزخارف الدقيقة للوصـول إلى هذه القيمة الروحية، وإثباتاً لذلك انظر إلى زخـارف مسجـد الكويت الكبير، على حوائطه وقبلتـه.. زخارف فسيفسائية دقيقة ورائعة تتوه بالرائي بعيداً هناك ليفكر فقط في الخالق العظيم.. فلا يسمع إلا حفيف الهواء وذكر الله والتبتل إليـه سبحانـه وتعالى، ولا ترى إلا تكرار الزخارف إلى ما لا نهاية.. لا مكان للفراغ. ولا تأويل للتكرار.

انتشار المساجد قديمها وحديثها في الكويت يتجلى بوضوح من وجود القباب والمآذن للرائي أينما ذهب مما يعلن بوضوح أن الكـويت بلـد مسلم وأن الإسـلام بخير.

حينما نلتصق مع هـذه النماذج المعماريـة الحديثـة للمساجد في الكـويت: نجـدها في صياغتهـا تحقق فاعلية الفنان والمعمار المسلم التي استشعرها في نفسه تعبيراً عن موقفـه الكـامل الإيـمان بدينـه وطبيعتـه، ولذلك جاءت هذه الصياغة لتثير الإحساس بالجمال الفني وتلزم الرائي بضرورة الخشوع للخالق العظيم.. مع كل ما فيها من وقار واحتشام وسمو فني.

مع حركة التحديث في الكـويت حدثت نقلة مهمة للغـاية في مجال العمارة الدينية.. هذه النقلة أخـذت بالحديث كله.. مما نتج عنه عمارة دينية رائعة ذات مذاق خاص في الكـويت فعلى سبيل المثال، فقد تم الأخـذ بالقبة الضخمة الجالسة على الأرض والمستخدمة كبيت للصلاة، وهو نمط معماري قليل الاستخـدام في العالم، وكانت الكويت من أسبق البلاد المستخدمة له، ولم يسبقها إلا مثلان تقريبا الأول في حي الدفاع بمدينة كراتشي، والثاني في المركز الإسلامي ببرلين الغربية أما المثلان في الكويت فهما مسجد الشيخـة فاطمة بضاحية عبدالله السالم ومسجد الشيخ صباح الناصر بـرأس السالمية، الأول قبة مخروطية ضخمة، والثاني قبة مدرجة تحمل قبة صغيرة فوقها، والاثنتان تشكلان بيت الصلاة في كل مسجـد، وهذا النمط يحتـاج إلى جهد ودقـة وتصميم خـاص لأن أي نسبـة في الخطأ تمثل خطـراً جسيماً على المبنى ككل. ومع أنماط البنـاء الحديثـة تم الاستغناء تماماً عن الحوائط الحاملة للسقف وحل محلها الحوائط الساترة إذ إن الجهد الأساسي لحمل الأسقف صار يتكفل به قـوة الخرسانات المسلحـة والأعمدة والدعائم الخرسانيـة.. وعلى هذا النحـو فإن العمائر الجديـدة قويـة، عظيمـة الاحتمال مما يقلل من حالات الترميم في المستقبل المنظور، كـما أنـه يزيد من مقـاومتها لعوامل الطبيعة القاسية وتطرفها..  ويؤكد لنا ذلك تلك الكتلة المعمارية الضخمة لمسجد الكويت الكبير، بحيث جاءت مهيبة شامخة مرتفعة وعظيمة.

الـزخرفـة على الحوائط والأعمدة والدعائم وباطنية القباب نتيجة لذلك جـاءت سهلة وميسورة بأي من الوسائل والمواد المستخدمـة حيث إن التشطيبات المعمارية جاءت مستوية إلى حد كبير مما يجعل الأرضية المستخدمة في الزخرفة ممهدة منذ البداية أمام الفنان ليعطي لها ما يشاء من طاقته الفنية بواسطة الوسائل والخامات الحديثة.

وتطورت المآذن بشكـل مثير للانتباه ففي حين كـانت المآذن تستلهم طرزا قديمة معروفـة.. أيوبيا، مملوكيا، عثمانيا، أندلسيا.. وغير ذلك، صارت تستخدم أنماطا جديدة، وقـد قفز المعمار الإسلامي الكويتي قفزة واسعة نحو أنماط جديدة مستلهمة مـن أشكال متداولة لقممها: شكل الشمعـة مثل مئذنة مسجـد الشيخ صباح النـاصر برأس السالمية، ومثل مئذنة مسجد الشيخة فاطمة، وشكل الفانوس مثل مئذنة مسجد الأذينة بالسالمية، وشكل المظلة المغلقة مثل مئذنة مسجد الزبن.

الأشكال القديمة

هذا ولم تهمل الأشكال القديمة أيضاً فما زال لدينا الشكل الأندلسي والمغربي والمملوكي والعثماني ولعل عين الرائي تنبهر أمام ارتفاع مسجد الكويت الكبير (74 مترا) وشرفتها الأندلسية الواحدة.. ولأول مرة يستخـدم المصعـد الكهربائي إلى جـوار الدرج في الوصـول إلى شرفتها، إلا أن النجـاح الـذي أصـاب هندسة تـوزيع الصوت وتكبـيره في العصر الحديث وكونه حل مشكلة المناداة على الصلاة بـاستخـدام مكبرات الصوت ودفعه بالرمزية إلى النمط المعماري للمئذنة فإننا نجد أن عمارة المآذن في الكـويت صارت تكتفي بشرفة واحدة للمئذنة مع زيادة الإبداع الفني في عمارتها وزخرفتها. هذا إذا ما عرفنا أن بدنها صار قوياً رشيقاً مع استمرار إعمارها بالدرج والنوافذ مع ارتفاع بدن المئذنة طلبا للإضاءة والتهوية، هذا واستمرت كل مآذن الكـويت الحديثة مثلما القديمة تحمل فوق قمتها هذه الأشكال الكروية أو الكمثرية أو البيضاوية وفوق الجميع يقف الهلال الشهير في عمارة المآذن، وإن كـان الجوسق (القبـة فـوق الأعمـدة) يختلف من مئـذنـة لأخرى أو أن يجيء هذا الجوسق مغلقا تتخلله نوافذ فقط كنهاية للمئذنـة، كـما هي طبيعة بناء المآذن في العالم الإسلامي، ومن المؤكـد أن المآذن الكـويتيـة في ثوبها الحالي تعطي انطبـاعاً بتطـور كبير في تصميمهـا وإخراجها مما يجعلها أكثر حداثة.

وازداد بيت الصلاة فخـامـة عن ذي قبل، فقـد استخـدم الفنـان المسلم مهـارته في إضـافـة جـو من الترف الوقور على بيت الصلاة وساعده في ذلك هذا الثراء الكبير في مواد الزخرفة، مع الاستعـانة بآلات حديثة تمكن من اللصق الجيد أو التكسية الفخمة على الحوائط الداخلية.. وهـو في ذلك لم يبتعد عن الروح الأصيلـة للفن الإسـلامي وفلسفتـه المبـدعـة في استخدام الوحدات الهندسية والنباتية المحورة تماماً عن الطبيعـة، كـما أنه استخـدم الـوحـدات الكتابيـة بشكل يفوق التصور، وبعض هذه النماذج عملت بواسطة تلبيس الرخام الأسود على صنوه الأصفر أو الأبيض في شرائط كتـابيـة تـدور حـول عقود بيت الصلاة، وأكثر ما استخدمت حول المحراب وفوقه، وتقتصر في الغالب على الآيات القرآنية واسم الجلالة أو اسم الرسول صلى الله عليه وسلم.. إلى جانب بعض العبارات الدعائية.

لعبت الفسيفساء الزجاجية دوراً كبيراً في المساجد الحديثة مما أضاف ثراء زخرفيا كبـيراً على داخلية بيوت الصـلاة والمثير حقاً في هـذا الجانب أنه على الرغم من التباين في الألوان والزخارف إلا أنها بعيدة عن الألوان الصارخة ومكتفيـة بالهادي منها في دور فني يحافظ على الأنماط الـزخرفيـة التي استقـرت عليهـا الفنـون الإسلاميـة، وهي تعطي بعد إخراجها علي هذا النحو طاقـة روحية هائلة للرائي وتضفي وقـاراً عظيم الأثر على داخلية بيت الصـلاة. وأضيف إلى بيت الصـلاة الكثـير من المستحدثات: التوزيع الجيد للصـوت والضـوء، الفرش الفخم، المكتبات الصغيرة، كراسي المصاحف، تكييف الهواء مما يعطي للمتعبدين جواً منـاسباً يـمارسون فيه العبادة بشكل مريح. ألحق ببيت الصلاة في كثير من مساجد الكويت الحديثة مصلى خاص بالنساء وهو رغم مظهره المنفصل تماماً إلا أنه من داخل المصلى على اتصال كامل ببيت الصلاة رؤية وسماعاً وذلك بفضل المشربيات الخشبيـة ويمكن أن نلاحظ ذلك في مسجد الكويت الكبير ومسجد المزيني ومسجد الشيخ صباح الناصر.. وبعض المساجد استحـدث مصلى صغيرا ملحقا ببيت الصـلاة يستوعب جماهير المصلين في الصلوات الخمس العادية ويظهر ذلك جلياً في مسجـد الكويت الكبير.. والمصلى هنا لـه محراب خاص.. وفي أيـام الجمع ينضم إلى بيت الصلاة الكبير ليشكل معه وحدة واحدة. ومن الجدير بالذكر أن مسجد الكويت الكبير قد ألحق به غرف خاصة تفتح على بيت الصلاة تستخدم للإذاعة والتلفزة مباشرة تسهيلاً لعملية نقل الصلاة على الهواء مباشرة.

روح الكويت في عمارة المنبر والمحراب متميزة.. ويتجلى ذلك في أنهما مجموعة واحدة منبران ومحراب - المحراب في الوسط - أو منبر واحد، وكون المنبر مرتبطاً بعمارة المحراب في أغلب الأحوال وفي التصميم الأصلي للعمارة فإننا نلاحظ سلما (درجا) من داخل حنية المحراب التي جاءت متسعة في أغلب المساجـد، وإن لم يمنع ذلك وجود محاريب عبارة عن حنية داخل حائط القبلـة مثلما هي في مسجـد اللهيب، ويصبح المنبر عبارة عن شرفة تطل على بيت الصلاة أو شرفتين طلبـا للتماثل ذلك المبدأ الفني الإسلامي الشهير، والجديد هنا أن المنبر يعتبر أحد العناصر المعمارية الأصلية في مبنى المسجد وليس عنصرا مضافا كما نلاحظ في مناطق أخرى كالشام ومصر وشمال إفريقيا، ومن هنـا جـاءت زخرفـة المنابر  والمحاريب كوحدة متكاملة ومن خلف حائط القبلة نجد بروزا يحتوي فراغ المنبر والمحراب.

أثر البيئة

كان للبيئة أثرها على عمارة المساجد في الكويت، فمعظم المساجد إن لم يكن جميعها أغلقت بيت الصلاة بمدخل ثلاثي أو أكثر يأخذ من رواق مستحدث أمامه فكأن القـادم من صحن المسجد عليه أن يدخل الرواق الجانبي أمـام رواق الصـلاة ثم إلى رواق الصـلاة (بيت الصلاة)، كـما استحدث المعمار الكـويتي حـديثـاً ظاهـرة تغطية الصحن تغطيـة كاملة وهذا من شأنـه  أن يعطي انطبـاعاً بتغير النمط المعماري أو العناصر.. إلا أنه بنظرة فـاحصة لا نجد تغييراً كبيراً.. وربما لا يتعدى التغيير مجرد تغطيـة الصحن، وذلك كله يؤمن المصلين من تطرف الجو صيفاً وشتاء، والصحن يضم رغم ذلك أربعة أروقة جانبية كل رواق يتكون من بلاطة واحدة ويلاحظ ذلك بشكل جلي في مسجد الشيخ فهد السـالم بالسـالميـة (الشيخة بدرية).

يضم كل مسجد الكثير من الملحقات مثل المكتبات الكبيرة وغـرف البحث (مسجد الشيخ صباح النـاصر ومسجد المزيني) دورة المياه الحديثـة والميضأة من العنـاصر الجديرة بالملاحظة إذ بلغت طـوراً عظيما من النظـافـة والحداثـة، وكـذلك المخازن وغرف الإعـاشة، والمياه الحارة والباردة.

الكثير من المساجد أخـذت كل ما في المساجد الأخرى في العالم الإسلامي من عنـاصر معمارية- المدخل التـذكـاري (مدخل تتقدمه ظلة) في مسجد اللهيب - الأقواس المشقوقة (تقسيـم العقد الواحد أو القوس إلى نصفين متساويين وسحب كل نصف للخلف) في مسجد الشيخ صباح الناصر بـالسالمية- الظلة المفتوحة على بيت الصلاة على شكل مظلة مفتوحة (في مسجد الزبن بشارع المغيرة)، وضع المسجد المائل على الشارع الرئيسي ليتوافق وضع القبلة مع الاتجاه الصحيح فتجيء صفوف المصلين غير مـاثلة في مسجـد الشيخـة بدريـة بالسالمية، المئذنـة المملوكية في مسجد المزيني بشارع الخليج الرحبة بعد المدخل في العديد من المساجد، اللوحة التذكارية لتاريخ الإنشـاء واسم المنشىء في جميع المسـاجـد تقريباً، سكن للمؤذن وللإمام و... و... عديد من العناصر تتميز بها المسـاجد الحديثـة في الكـويت، وهـو أمر يضعها دائماً في مصاف العمائر الدينية في العالم الإسلامي.

المسجد الجامع الكبير

عندما نتحدث عن المساجد الحديثة في الكويت، لا يمكن إغفال المسجد (الجامع) الكبير أحد روائع العمارة الإسلامية الدينية الحديثة ليس في الكويت فقط ولكن في العالم ككل.. فهو مسجد ثري في عمارته وزخرفته بشكل لافت للنظـر حتى أنـه بلغ مبلغ الظاهرة الفنية، وهو المسجد الرسمي للدولة، وقد بني في موقع متوسط بالعاصمة (الكويت) أمام قصر السيف  العامر على شاطئ الخليج العربي، وقد شغل مساحة من الأرض حوالي 45 ألف متر مربع منها 20 ألف متر مغطاة إضافة إلى 5 آلاف متر صحنا مكشوفا، والباقي مساحات خضراء وكان افتتاح هذا المسجد الجامع يوم 22 أكتوبر عام 1979.

عمارة المسجد

ككل المساجد فإن عناصره المعمارية هي الشائع وجودها في المساجد ويمكن لنا ملاحظة ذلك بشكل جلي.. فالمساحة الكبيرة أعطت المهندس المعماري متسعاً يبرز فيه هذه العناصر بحرية كاملة.

صحن رئيسي كبير ومتسع إضافة إلى صحنين آخرين صغيرين جانبيين، وكلها تقود إلى مداخل المسجد إضافة إلى المدخل الرسمي الخاص وهو عنصر مستحدث في العمارة الإسلامية الدينية، ويحيط بالصحن الكبير ثلاثة أروقة يتكون كل رواق من بائكة واحدة يكونها عدة عقود (أقواس) ويطلق على هذه البوائك اسم (المجنبات).

أما رواق الصلاة فينقسم إلى ثلاثة أقسام: الرواق الكبير، والمصلى اليومي، ومصلى النسـاء إضافة إلى الاستراحة الرسمية الملحقة به من جانب المدخل الرسمي، ويمكن في أيام الجمع والمناسبات والأعياد أن تفتح الأبـواب ما بين المصلي اليومـي والـرواق الكبير ليشكل الاثنان رواقاً واحـداً أكثر اتساعاً.. أما مصلى النساء فيفصلـه عن الرواق الكبير مشربية تحجب الرؤية من الـرواق الكبير وتتيحها لمصلى النساء علاوة على أن وجـود المصلى في الدور الثاني يساعد على جعل صلاة النساء فيها أكثر حرية وأكثر اتصالاً وفي نفس الوقت على اتصال كامل بالصلاة مشاهدة وسماعاً.

المستحدثات

للمسجد محرابان أحدهما خـاص بالمصلى اليومي مما يجعله مسجداً متكاملاً في أوقـات الصلاة العادية.. أما في أيام الجمع والمنـاسبات فيتم فتح الرواق الكبير مع المصلى اليومي، أمـا المحراب الثاني فهو محراب الرواق الكبير، وهـو ينضم في مجموعـة واحـدة داخل أطر زخرفيـة مع المنبرين الخشبيين بحيث يجيء المحراب في الـوسط وعلى يمينـه ويساره منبران خشبيـان يستخـدم أحدهما، أمـا الثاني فللتماثل.. والمحراب تغطيـه نصف طاقيـة ذات عقـد مدبب تقريباً، وحول المحراب وزخرفته يـوجد إطـار رخـامي.. ثم يجئ إطـار آخـر خارجي ليجمع المنبرين والمحراب داخل مجموعة واحـدة، وتلعب الوحـدات  الزخرفية الكتابيـة والهندسية بشكل فائق الـروعـة في زخـرفـة هـذين العنصرين المهمين من عنـاصر المسجـد.. وفـوق المحـراب  منطقة زخرفية كتـابية تضم بعض الآيـات القـرآنيـة والعبـارات الدعائية.

يتسع المسجد الجامع لصلاة حوالي 8 آلاف مصل في وقت واحـد منهم 500 سيـدة في مصلى النسـاء، 350 رجـلا في المصلى اليومي، عدد كبير يمكن للمسجد الجامع استيعابه في وقت واحد بلا شك.

أما المئـذنة فهي أعلى مئذنـة في المنطقة ككل - 74 مترا - ذات بدن ممشوق وشرفـة واحدة ورأس يحمل الهلال ويمكن الصعـود لها بـالدرج أو بمصعد كهربـائي، وهي ذات نمط أندلسي ولون أبيض ويمكن رؤيتهـا من بعد ممـا يجعلها واحدة من أفخم المآذن في دولة الكويت. هناك العديد مـن العناصر المستحدثة في عمارة هذا المسجـد الجامع، فهنـاك المدخل الرسمي  وهنـاك أيضاً محطـة الإرسال الإذاعي والتلفزيوني إضافـة إلى مـرآب السيـارات الـواقع أسفل المسجد الجامع ويستـوعب حوالي 500 سيـارة في وقت واحـد. هـذا ويمكن اعتبار وجـود إدارة دائمة للمسجد من المستحـدثـات في عمارة المسـاجـد وإدارتها.. ولا ننسى وجـود غـرف البحث والاطـلاع والمحـاضرات والمكتبة الكبـيرة والأرضيات العـازلـة للصوت إضافـة إلى تكييف الهواء صيفاً وشتاء.. وتبريد وتسخـين المياه للشرب والوضوء والاغتسال، وهندسـة توزيع الصوت داخل المسجد وخـارجه.وتوزيع الأضواء وتركيب الثريات الفاخرة.هذا إذا ما استثنينا وجود المساحات الخضراء وأحواض الزهور ولذا يمكن القول إن المسجد الجامع في الكويت جاء جامعاً وكبيرا في كل ما يمكن إضافته للعمارة الدينيـة الإسلامية، علاوة على كونه جامعاً لصلاة المسلمين في أيـام الجمع والأعياد والمناسبات ومسجداً رسمياً لدولة الكويت.

مسجد الإمام الحسين رضي الله عنه

أنشئ هذا المسجد في العـام 1976م، في ميدان حـولي بالكـويت.. ويمكن للرائي أن يميز وجوده بسهولـة بالنظر إلى عمارته وزخـارفه الفريدة ومـآذنه الأربع المتشـابهة تقريباً.. وقد جـاءت عمارة المسجد مائلـة قليلا في مسقطها الأفقي على الطـريق العـام حتى يتناسب اتجاه القبلة مـع الصلاة بـدون ميل في الـوقوف.. وهو عنصر معماري ليس بـالحديث على عمارة المساجد فهو موجـود في أكثر من بلد إسلامي، وفي الكـويت يوجـد ذلك العنصر منـذ وقت ليس بالقليل.

ثلاثة مداخل محورية على الصحن المكشوف، كل مدخل يتقـدمه ثلاثـة عقود أوسعها العقد الأوسط وتشكل العقود الثلاثة بائكـة أمام المدخل تقف على عمد مجلدة بـالرخام وذات تيجان مبتكـرة وأورمات مرتفعة حتى تصل إلى أرجل العقد الأمر الذي يجعل العقد يبدو وكـأنه عميق.. ذو أرجل طويلـة. ومن الصحن يمكن عبور الليوان (رواق جانبي) إلى بيت الصلاة وهذا الرواق الجانبي عبارة عن بلاطة واحدة يكـونها بـائكـة واحـدة ذات صف من العقـود (الأقـواس) النصف دائرية تقـف فوق دعائم خمس إضافة إلى قـوسين صغيرين على الأجناب ملتصقـة بالحوائط.

ويغطي رواق الصلاة سقف مسطح يتخلل وسطه قبة عميقة تستند إلى أربعـة أعمـدة ضخمـة كل منها ثماني الأضلاع أقرب إلى الدعائم منها للأعمدة.. وكـل تاج ضخم هو في الحقيقـة ثلاثة تيجـان تبـدأ في حجم رأس العمود وتنتهي بحمل السقف على شكل أكبر ويحلي هذه التيجـان زخارف جصية تضم وحـدات زخرفية نباتيـة وهندسية شبه مقرنصات ضحلة.

الحوائط المحيطـة بـالصحن يتخللهـا نـوعان من النـوافـذ على صفين فوق بعضهما النـوافـذ السفليـة طولية كبيرة وصغيرة بالتنـاوب أما العلوية فهي وإن كانت كبيرة وصغيرة بـالتناوب أيضا إلا أنها تجيء في جملتهـا بشكـل أصغر من صف النـوافـذ السفلي.. والعلـويـة مغلقة ببلاطـات مخرمـة وزجـاج ملـون وذوات عقود مدببة متناسقـة أما المحراب فهو واحد من أهم المحـاريب حنيـة داخل فـراغ بحائط القبلة أقيمت له نصف طاقية علوية بعقد مدبب.

وبالمسجد أرج مآذن كل اثنتين متشابهتان وتبدأ المآذن الأربع من أركان بيت الصلاة.. المئذنتان القريبتان من الصحن متشابهتـان تتكون كل منهما من ثلاث شرفـات وأربع حطات: الحطة الأولى مربعـة وتحمل الشرفـة الأولى والحطة الثـانية مثمنة وتحمل الشرفة الثانية والحطة الثالثة أسطوانية وتحمل الشرفة الثالثة والحطـة الرابعة هي الجوسق الذي ينتهي بالقبة والهلال، أما المئذنتـان الباقيتان فهما المتصلتان بجـوار القبلـة فكل منهما تتكون مـن ثلاث حطـات وشرفتين وهما تماثلان السـابقتين عـدا الحطـة الأولى والشرفـة الأولى ولذا فكك منهما أقصر من المئذنتين السابقتين.

الزخارف

تلعب الزخـارف دوراً فـائق الروعة في إضفـاء جلال فني وسمو عظيـم على عمارة المسجد بعناصره المختلفـة سـواء من داخله أو خـارجـه حيث تكثر الزخارف الجصيـة بوحـداتها الزخرفيـة الهندسيـة والكتابية والنباتية.. أمـا الكتابية فتضم عمارة المسجد كـما عظيما من الـوحـدات الكتابيـة من آيات القرآن الكـريم والعبـارات الـدعـائيـة ويمكن القـول بأن المسجد يضم ثروة زخرفية فنية إسلامية رائعة فحول الصحن من الخارج والداخل جاءت الزخارف غنية وثرية وقد تمت كتـابة بعض من آيات سورة يس على حوائط الصحن من الداخـل، أما بيت الصلاة فيضم وحـده مجموعة زخـارف رائعـة أكثرهـا على حنيـة المحراب وحولـه وباطنية القبة وبدايتهـا وقد جاءت الزخرفة التي نفذت بألوان زيتية مشتملة على أوراق وأغصان نبـاتية بشكل حلزوني متماثل على أرضيـة ذات ألوان ذهبية أو زرقاء فـاتحة أو صفراء فـاتحة بحسب مناطق الزخرفة.. أمـا الوحدات الزخرفية فقـد  نفـذت بألـوان أزرق غامق وأخضر وأصفر وأحمر. وتحمل الحوائط الخارجية فوق رأسها شرفات بـديعـة الأمـر الـذي جعل الحوائط تنتهي بشكل مناسـب، هذا ولا يفوتنا التـوزيع الجيـد للأصوات والأضواء ويتـوسط القبة في بيت الصلاة ثريا ضخمة يجعل وجودها وحدة فنيـة متكاملة مع باطنية القبة.. ويضم المسجـد دورات للمياه وأماكن للوضـوء للنساء والرجال كل على حـدة.. كـما يضم مصلى للنساء.

أبواب بيت الصلاة جاءت من خشب اللوز وتمت زخرفتهـا في كشمير بشكل يـدعـو إلى الكثير من الإعجـاب، إذ إن زخـرفتهـا جـاءت بحفـر مـائل مشطوف بزخارف نبـاتية عبارة عن فروع وأوراق نباتية ووريدات وزخارف هنـدسية ووحدات كتابية والرائي لهذه الزخرفة سوف يتأكد لديه وبدون شك قـدرة الصانع والفنـان المسلم في صياغـة هذا النوع الصعب من الزخارف المحفورة على الخشب.

أما جامع الإمام الصادق فقد بني عام 1345 هـ تحت اسم مسجـد "الحاكة" وتم تجديـد بنائه في عام 1399 هـ (1979 م) في مدينة الكويت العاصمة وفي أحد أحيائها الأكثر ازدحامـا بالحركة التجـارية والبشر، ويتضح تاريخ الإنشاء من اللوحتين التذكاريتين الموجودتين إلى جوار المدخلين الجانبيين اللذين يقودان إلى صحن المسجد.

وعمارة هـذا الجامع يبـدو عليهـا لأول وهلـة ضخامة ووقار بشكل يوحي بذلك الاهتمام الكبير بعمارة المسـاجـد في دولـة الكـويت، وهـو في نفس الوقـت يضم العنـاصر المتعـارف عليهـا في العمارة الدينية الإسلامية.

يمكن الـدخول من المدخل الرئيسي عبر ثـلاثـة عقود مسطحـة تحملهـا أربعـة أزواج من الأعمـدة الرشيقة، ثم عبر ثلاثـة أبواب ضخمة خشبية ذات عقود مدببة ثـم إلى رحبة متسعـة وعـبر ثلاثـة عقود أخرى يحملها زوجان من الأعمدة يمكن الوصول إلى صحن المسجـد المغطى وهو مستطيل الشكل لـه مدخـلان ثنائيان في أجنابـه ونلاحظ أن المداخل الثلاثة محورية تفتح على منتصف الصحن.

من الصحن يمكـن المرور عبر مـدخل خماسي إلى بيت الصلاة وهذا المدخل ذو أبواب خشبية بزخارف هندسية وفوقه شرائط كتابية ومن ناحية بيت الصلاة نجـد أن هـذه الأبواب قـد تمت زخـرفتها على نفس المنوال، ويجيء من فوقها المشربيـات المصنوعة من خشب الخرط والتي من ورائهـا جـاء مصلى النسـاء بشكل يجعلهن على اتصال بـالمسجد رؤية وسماعا. وفي مواجهـة ذلك نجد حـائط القبلة والـذي يتكون من محراب وحنيتين إحـداهما تشكل المنبر والثـانيـة تقود إلى درج يلتف من خلف المحـراب ويقـود إلى المنبر ويدور حول ذلك جميعه واجهة خشبية مزخرفة بشكل فائق الروعة وليجعل لحائط القبلة مكاناً مميزاً معمارياً وزخرفية، ليس في الجامع فقط بل في مساجد وجوامع أخرى كثيرة. وبيت الصلاة متسـع تتخلله ثـماني نوافـذ اثنتان منهـا يمين ويسار المحراب وثلاث في الحائط الأيمن ومثلهـا في الحائط الأيسر من أجل الإضـاءة والتهويـة ويغطيـه سقف مسطح تتخلله قبة ضخمـة باطنيتها مزخـرفـة وفي رقبتهـا ست عشرة نافذة بعقود مدببة.. وزخارف القبة من الـداخل هـادئة ومئزنـة ويمـلأ فراغهـا من الداخـل ثريـا ضخمة، وتقف هـذه القبـة الضخمـة على أربعة أزواج من الأعمدة المرتفعة ذات تيجـان عبـارة عن شبـه مقرنصات ضحلة وبسيطة.. ولا يضم بيت الصلاة أيـة أعمـدة أو دعائم أخرى رغم اتساعه.. وقد تم تجليـد أسفل حـوائط بيت الصـلاة بألواح رخـامية من اللـون الأسود. وللمسجـد مئـذنتـان متشـابهتـان بـدايتهما من النهايـة الخلفيـة لبيت الصلاة ولكل مئذنـة بـدن مثمن الأضلاع وثلاث شرفات منها واحدة مغلقة هذا بالإضافة إلى جوسق (قبـة على بدن مثمن الأضـلاع) ومفتوح من الثمانية أضلاع وتجيء القبة بارزة للخارج والجوسق مرتد للداخل عن بدن المئذنة بشكل واضح. وعلى العموم فعمارة المسجد مائلة على الطريق العام لتصحيح وقفة المصلين دون ميل ولاستقبال القبلة بشكل صحيح.. كما أن للنسـاء مدخـلاً خـاصاً بهن بجـوار المدخل الجانبي الخاص بالصحن ويتكون المسجد من طابقين عدا بيت الصلاة الـذي يرتفع سقفـه بارتفـاع الطابقين. أما القبـة الضخمة التي تغطي بيت الصلاة فجاءت زخرفتها من الخارج بأشكال نجميـة عبارة عن نجمة ثمانية الأضلاع تبدأ بنجـوم كبيرة عنـد قاعدة القبة وتتصـاغر من الاتجاه الأعلى وتحمل القبة هلالا ضخما يجلس فوق قاعدة مخروطية تقريباً ويجلس الاثنان فوق قمة القبة وعلى أي الأحوال فإن عمارة المسجد تعطي مذاقاً جديداً في عمارة المساجد الحديثة في دولة الكويت.

 

عبدالغني عبدالله 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات