عصر المشاركة.. د. أحمد أبوزيد
عصر المشاركة.. د. أحمد أبوزيد
عرفت العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين بأنها عصر المعلومات، نظرا للتأثير الهائل لتكنولوجيا المعلومات على كل مظاهر الحياة، واعتماد كثير من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على تلك التكنولوجيات وما توفره من معلومات واسعة ومتنوعة، واهتمام الملايين في كل أنحاء العالم بتوفير تلك المعلومات وإتاحة الوصول إليها في سهولة ويسر، وتبادلها مع الآخرين وحفظها وتخزينها، للرجوع إليها من خلال الكمبيوتر والإنترنت. وقد أصبحت المعلومات سلعة يتم إنتاجها وتوزيعها واستهلاكها كما هو الشأن بالنسبة للسلع المادية، ومع ذلك فإن الكثيرين يتهمون نمط التعامل مع المعلومات بالسلبية على أساس أنه نمط استهلاكي إلى حد كبير يعتمد على الإنترنت كقاعدة بيانات يتهافت عليها الجميع للحصول منها على ما يريدون دون صعوبة أو تكاليف تذكر. وليس من شك في أن الشبكة الإلكترونية الدولية تتمتع بقدرة خارقة على نشر المعلومات حول كل جوانب المعرفة مع إرشاد المتعاملين معها إلى مصادر المعلومات التي قد لايتاح لهم الوصول إليها بغير هذه الوسيلة. ويصدق هذا على سكان العالم الثالث بوجه خاص إذ لا تتوافر لديهم الإمكانات المادية التي تساعدهم على اقتناء تلك المصادر، بل إنهم قد لايعرفون بوجودها أصلا.. ولكن المؤكد في الوقت نفسه أن تلك السلبية التي يتحدث عنها الكثيرون ليست سلبية مطلقة. فالإنسان مبدع وخلاّق بطبعه ويستطيع تعديل وتحوير كل ما يتوافر لديه من تكنولوجيات، مهما كانت بسيطة وبدائية، لتتلاءم مع احتياجاته وثقافته، وبذلك يسهم بشكل أو بآخر في صنع وتقدم الثقافة الإنسانية بوجه عام. وفي قصة شهيرة يلجأ إليها كثير من الكتاب للتدليل على تلك المشاركة، عن سقوط طائرة في إحدى مناطق الغابات النائية عثر السكان البدائيون على بعض زجاجات الكوكاكولا، التي لم يكونوا قد رأوها أو سمعوا عنها من قبل واحتاروا حول طبيعتها وفائدتها ولكن ذلك لم يمنعهم من أن يستخدموها بطريقتهم الخاصة في إشباع بعض أغراضهم الحياتية اليومية، التي تختلف كل الاختلاف عن الغرض الأساسي من إنتاج ذلك المشروب، لدرجة أن زعيم تلك القبيلة شبك إحدى الزجاجات في طرف الهراوة التي يستخدمها في الحرب ويستعين بها في (تأديب) الخارجين عليه وعلى أعراف القبيلة، مما يشير إلى ميل الإنسان في المشاركة ولو بشكل بدائي في تطوير التكنولوجيات التي تصل إليها يداه. ولكن باستمرار تقدم تكنولوجيا المعلومات وازدياد كثافة التدفق المعلوماتي وتعقد النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في العالم وشعورالأفراد المتزايد بكيانهم الذاتي وفاعليتهم كأفراد في بناء مجتمعاتهم تغيرت النظرة إلى تلك المعلومات والتكنولوجيات، وظهر موقف جديد يعبر عن عهد جديد أكثر إيجابية، حيث لا يكتفي فيه الأفراد والجماعات والمؤسسات بالحصول على المعلومات التي تساعدهم في تحقيق أهدافهم الخاصة ولكنهم يتولون هم أنفسهم (صنع) وابتكار معلومات جديدة والعمل على تداولها، ودعوة الآخرين لمناقشتها في حرية ووضوح دون فرض أي قيود لضمان سرية المعلومات وحمايتها كما هو مألوف بالنسبة لكثير من الأنشطة العلمية والاقتصادية بالذات والتمسك بمبدأ الملكية الفكرية. وظهر بذلك مايطلق عليه الآن اسم عصر المشاركة Age Of Participation الذي تزداد فيه دوائر الاتصال والتبادل اتساعا بغير حدود أو قيود، وتضم ملايين البشر الذين يشاركون معا في مناقشة المشكلات وإيجاد حلول لها، بل وإثارة مسائل وقضايا جديدة عن طريق الشبكات الدولية. وفي ذلك يقول جوناثان شوارتز Jonathan Schwartz إن عصر المعلومات يفسح الآن الطريق أمام عصر المشاركة الذي يتولى فيه الأشخاص العاديون صنع الأخبار والأفكار وبرامج التسلية تماما مثلما يستهلكونها، وأن الشبكات الإلكترونية أصبحت تؤلف نوعا من المنفعة العامة أو الخدمات الاجتماعية شأنها شأن الكهرباء أو السكك الحديدية والتي تهيئ الفرصة لإحراز التقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. عصر المشاركة فعصر المشاركة هو العصر التالي لعصر المعلومات وهو عصر يتحدى مبدأ ملكية المعلومات ويعارض بالتالي سياسة الملكية الفكرية التي كثر الحديث عنها والتحمس لها في أوساط معينة، بالذات في الدول المتقدمة، ويؤمن على العكس من ذلك بضرورة فتح مصادرالمعرفة أمام الجميع، أي أنه عصر إتاحة المعلومات والمشاركة من خلال تفاعل شبكات متسعة من الأفراد في حل المشكلات وإبداع موضوعات وعلاقات وروابط لم تكن مطروقة من قبل على مثل هذا النطاق الواسع. فلقد أصبح المواطن العادي في كثير من المجتمعات يدرك أن من حقه إسماع صوته عن الأمور التي تهمه وتتأثر بها حياته. وإذا كانت التوجهات السياسية والاقتصادية في عصر المعلومات تؤازر الحماية وتتطلب السرية على الأقل في بعض المجالات فإن عصر المشاركة يرتبط بالانفتاح وتبادل الآراء والأفكار والخبرات مما يحقق النجاح والتقدم وذاك بعكس الحماية التي تؤدي إلى العزلة والجمود والانغلاق. وقد تترتب على المشاركة بعض النتائج السلبية مثل تراجع بعض ملامح الهوية الخاصة نتيجة تسلل عناصر دخيلة إليها، ولكن المحصلة الأخيرة هي تحقيق درجة عالية من التفاهم، والتقارب والتماسك على مستوى أوسع، بل وبزوغ هويات ذات مقومات اجتماعية وثقافية وسياسية جديدة، أكثر ثراء وعمقا وتنوعا. فالحماية والسرية واحتكار المعلومات وإخفاؤها عن الآخرين لتحقيق مكاسب أو مزايا خاصة والاحتفاظ بالتفوق أمور تتعارض تماما مع مقومات عصر المشاركة، التي ترتكز على الثقة وليس على الشكوك والارتياب والالتجاء إلى التآمر. فالثقة المتبادلة هي العملة المستخدمة في عصر المشاركة. وليس من شك في أن المشاركة هي الاستجابة المنطقية للأوضاع والتحديات السائدة في العالم الآن، ولذا تبدو للكثيرين على أنها حق أخلاقي وأدبي للجميع، وبخاصة بعد انتشار الإنترنت وسهولة التواصل والحصول على المعلومات وزيادة الإقبال على المدونات التي هي في الوقت ذاته تعبير وعلامة ومؤشر على ازدهار فلسفة المشاركة، ليس فقط كوسيلة للتعبير عن الرأي ولكن أيضا كأداة وعامل في إرساء قواعد التفاهم واحترام الثقافات والقيم المختلفة والمتباينة والتوفيق بين المصالح المتعارضة وتوطيد العلاقات وإيجاد نسق من الضوابط وعوامل المواءمة، فضلا عن إبرازالتفرد والتنوع الخلاق. في هذه الحدود يمكن اعتبار عصر المشاركة نهاية ليس فقط لعصر التحكم في المعلومات، ومنعها عن الآخرين إلا بشروط معينة كما تقضي بذلك سياسة الملكية الفكرية المرتبطة بعصر المعلومات، ولكن أيضا مؤشرا على قرب نهاية كل أشكال التحكم والتسلط، نتيجة للتحولات التي تطرأ الآن على مختلف النظم الإنسانية وإعادة النظر في جميع التنظيمات الاجتماعية والسياسية. فالمشاركة مفهوم يعكس في بعض أبعاده التمرد ورفض كثير من الأوضاع القائمة التي تستند إلى مبدأ التسلط في كثير من جوانب الحياة ابتداء من التنظيم العائلي في كثير من المجتمعات إلى علاقات العمل في المجال الاقتصادي إلى البعد الإنساني في النظم السياسية التسلطية، وغير ذلك من الأوضاع التي تركز سلطة اتخاذ القرارات المؤثرة في حياة ومصير الآخرين في أيدي فئة محدودة من الأشخاص. وربما كانت حركة الطلاب عام 1968 خير تعبير - داخل دائرة محدودة - عن هذا التمرد ورفض التحكم والمطالبة بالمشاركة والتطلع إلى المستقبل. وليس من شك في أن المجتمع الإنساني يتعرض الآن لكثير من الصدمات التي تهز كيان العلاقات والقيم والنظم التقليدية المتوارثة، ولكنها هزات تعتبر مقدمات للتخلص من الركود والجمود تمهيدا لتحقيق التقدم ونشأة مجتمع مختلف يقوم على المشاركة وليس على التسلط. والاتجاه العام في معظم أنحاء العالم يشير إلى تراجع الأوضاع التسلطية بالمعنى الواسع للكلمة، الذي يتجاوز نظم الحكم والتنظيمات السياسية الرسمية. ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى التدفق المعلوماتي، وسقوط الحواجز بين الأفكار والآراء ووجهات النظر المتباينة إلى جانب تأثير العولمة بالرغم من كل ما يؤخذ عليها من سلبيات. فالتدفق المعلوماتي والانفتاح على الآخرين وتطور مايعرف الآن باسم المصادر المفتوحة Open Sources تساعد كلها على توطيد أقدام عصر المشاركة، وما سوف يترتب عليه من قيام عالم جديد قد يبدو طوباويا صعب المنال، ولكن المشاركة هي الوسيلة الوحيدة لتبادل الاحترام والاعتراف بالآخر وإزالة المخاوف والتغلب على الصراعات وهو مايصبو إليه الكثيرون. مصدر مفتوح ضد الرقابة استراتيجية المصدر المفتوح تتيح الفرصة لتعدد الآراء وتنوع وجهات النظر، وهو تنوع إبداعي خلاّق يؤدي إلى التغيير الذي يهدف إلى إحراز التقدم عن طريق إتاحة الاختيارات المختلفة وحرية الانتقاء. فكلما اتسع نطاق المشاركة زادت فرصة الاختيار السليم المؤثر في صنع المستقبل، بما يتلاءم مع رغبات المجتمعات وتطلعاتها. والمبدأ العام الذي يحكم استراتيجية المصدر المفتوح هو أن تعدد وجهات النظر أفضل من فرض السرية والتكتم في اتخاذ القرار وأن تنوع مصادر التفكير وتعدد العقول المفكرة أكثر أمنا من السرية، وضمانا ضد الفشل واندلاع الصراعات. وواضح أن هذا المبدأ الذي يدعو إلى المشاركة يتعارض تماما مع سياسة فرض الرقابة على التفكير والتدخل في حق التعبير وحرية تبادل المعلومات، كما أنه يرفض التحكم في إدارة العلاقات داخل المجتمع والتي من شأنها إبعاد الناس عن فهم الواقع وحقيقة الأوضاع التي تمس حياتهم. فالتدفق المعلوماتي يساعد على التوصل إلى الحقائق من خلال المقارنة، وبالرغم من كل ماقد ينشأ عن زيادة المعلومات من المصادر المختلفة من تضارب وبلبلة في كثير من الأحيان فإن تلك هي الوسيلة الفاعلة للوصول إلى الحقيقة في آخر الأمر. وبالرغم مما قد يكون في ذلك من تعارض مع سياسة الملكية الفكرية، فالمؤكد هو أن منهج المصادر المفتوحة يساعد على إبراز التفكير الأصيل وتنمية الإبداع الذاتي وإن كان يؤدي أحيانا إلى تمسك المبدعين بأفكارهم الخاصة وفرض السرية عليها وهو مايتناقض مع استراتيجية المشاركة. ولم تسلم استراتيجية المصدر المفتوح مع ذلك من بعض الانتقادات، على الرغم من الاتجاه العام الذي يسود العالم الآن نحو المشاركة. فبعض المفكرين يرون أن هذه الاستراتيجية تتيح للدول الغنية المتقدمة السطو على المنجزات الفكرية للدول الأقل تقدما ولذا يشبهونها بـ«السرطان» الذي يتغذى وينمو على حساب إنجازات الآخرين. فهي صورة مستترة أو متخفية من الكولونيالية الفكرية والثقافية، وذلك في الوقت الذي تحرص فيه تلك الدول والحكومات المتقدمة أشد الحرص على فرض السرية على ممتلكاتها الفكرية وتمنعها عن الآخرين إلا بشروطها الخاصة على ماسبق أن ذكرنا. ولقد وصل الأمر بالاتجاه نحو المشاركة واتباع سياسة المصادر المفتوحة إلى تبني بعض السياسات الجديدة التي تعكس بشكل واضح وإن لم يخل من المبالغة المدى البعيد الذي قد تصل إليه تلك السياسة في قوة الدعوة إلى المشاركة في مختلف جوانب الفكر والحياة ابتداء من مناقشة مشكلات التعليم، وبخاصة فيما يتعلق بوجود خط فاصل بين التعليم العام والتعليم الفني والرغبة في إزالة الفوارق بينهما لإعداد أجيال ذات ثقافة متعددة الجوانب، إلى مناقشة الشكل الذي يجب أن تكون عليه حكومات الغد ومدى الحرية في فحص وانتقاد سياساتها الداخلية والخارجية واتجاهاتها العامة، والعلاقة بين الدولة والمواطنين، بل ومناقشة الحق في ممارسة مختلف ألوان الشذوذ السلوكي. والظاهرة الجديدة في هذا المجال هي الاتجاه نحو عقد ندوات أو (مؤتمرات) لا تراعى فيها القواعد والتقاليد المألوفة ولذا يطلق عليها اسم «لامؤتمر» Unconference ولا يشترط في المشاركين في مثل هذه الاجتماعات أن يكونوا من المتخصصين المهنيين، على اعتبار أن الهدف الأخير هو المشاركة في إبداء الآراء وتبادل الخبرات في حرية تامة وإلقاء الأضواء على المشكلات المطروحة وطرق وأساليب حلها ونقل هذا كله لأصحاب القرار، مما يعني في آخر الأمر مشاركة كل المهتمين بصرف النظر عن توجهاتهم السياسية أو انتماءاتهم الاجتماعية في التوصل الى القرار وصياغته والإفادة منه في النهاية، وتلك هي قمة التمرد على التحكم والتسلط في مختلف جوانب الحياة وليس فقط في المجال السياسي. ومن الطبيعي أن يرفض أنصار سياسة المشاركة واستراتيجية الانفتاح على جميع المصادر كل أشكال الرقابة، وبخاصة تدخل الحكومات في مراقبة ماتنشره وسائل الإعلام المختلفة بما في ذلك مايتم بثه على الشبكة الدولية، وإغلاق المواقع التي ترى تلك الحكومات أن فيها تنديدا بسياستها وتهديدا لوجودها أو التي تتعارض مع قيم المجتمع. فعصر المشاركة هو عصر الحرية المطلقة في التعبيرعن الرأي ونقد الأوضاع والآراء والأفكار السائدة في المجتمع، وإنتاج المعلومات ونشرها وتداولها واستهلاكها. إنه عصر التمرد على القرارات الفوقية التي تصدر عن الرغبات الخفية أو الصريحة للتحكم والتسلط. وهذا معناه عدم انفراد أجهزة الحكم باتخاذ القرارات وفرضها على المواطنين، ومراعاة صدور تلك القرارات عن طريق الاتفاق والموافقة والرضا. والطريف هنا أن اللامؤتمر يعقد دون أن يكون هناك جدول أعمال محدد أو أوراق وبحوث للمناقشة، وإنما يكتفى بتقديم ورقة عامة ومختصرة تشتمل على عناوين المشكلات الأساسية أو رءوس الموضوعات التي يراد فحصها، وتترك بعد ذلك الحرية للجميع للإدلاء بآرائهم وتصوراتهم الخاصة لأبعاد تلك المشكلات. وإذا كان إطلاق المجال للمشاركة واستراتيجية المصدر المفتوح يساعد على نمو وتطور التفكير الإبداعي والتجديد وهما عنصران أساسيان لإحراز التقدم فإن هذه المشاركة ذاتها التي تقوم على أساس تبادل الآراء والخبرات تتطلب توافر قدر معين من الثقة بين الأطراف المختلفة الذين يشتركون جميعا في الرغبة في تحقيق أهداف أو مصالح معينة. كما أن تلك الثقة تساعد المجتمع ككل على اختيار أفضل السبل لتحقيق التقدم المنشود.. فالمسألة تتطلب إذن ليس فقط توفير المعلومات والإفادة منها بل العمل أيضا على صنعها وإبداعها وتنميتها وتطويرها ونشرها وتسخيرها لتحقيق التغير والتقدم.وهو الأمر الذي تسهم الشبكات الدولية في إنجازه بكل اقتدار. زوال الهيمنة والأمر لايخلو بعد ذلك من المفارقة. ففي الوقت الذي يتكلم فيه الكثيرون عن إيمانهم الشديد بمبدأ المشاركة والتمسك بها كقيمة وقاعدة أخلاقية ونمط سلوكي فإنه حين يصل الأمر بهم إلى التنازل فعلا عن جانب من السلطة التي يمتلكونها لأعوانهم أو للأجيال التالية فإن الوضع يتغير تماما. وهذا لايمنع على أية حال من أن الاتجاه العام يسير قدما نحو المشاركة وزوال الهيمنة والقضاء على الانفراد بالسلطة, سواء في الحكم أم في إدارة المنظمات أيا كان مجالها, وأن المشاركة سوف تكون في مجتمع الغد عنصرا أساسيا في النظرة إلى العالم world view وليست مجرد أسلوب لإدارة العلاقات. فسياسة المشاركة هي أحد العوامل الكبرى التي تؤثر الآن - ولو في حدود معينة - وسوف تؤثر بدرجة أكبر في المستقبل في جميع جوانب الحياة بكل نظمها وأنساقها وقيمها وأنماطها السلوكية, لأنها تمزج بين النظرية والتجربة، ولكن تحقيقها على الوجه الأوفى يتطلب تضافر كل القوى وكل الجهود والرغبة الصادقة والجادة في تغيير الواقع القائم، وهو أمر ليس من السهل تحقيقه, وإن كان الاتجاه العام يشير إلى التمسك به والعودة إليه، خاصة أن المفهوم يرتبط إلى حد كبير بمفهوم الديمقراطية التي تعني مشاركة المواطنين في النشاط السياسي ونظام الحكم. إلا أن هناك دائما فجوة واسعة وعميقة بين النوايا والتجربة الواقعية مما يشكل نوعا من التحدي بل والأزمة الإنسانية التي تحتاج إلى البحث العميق الذي يجعل المشاركة مقبولة فعلا في ممارسات الحياة اليومية بكل تعقيداتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي تتساند وظيفيا بشكل يحافظ على كيان المجتمع واستمراره في الوجود. فهل تتحقق هذه الأماني والآمال؟!.
|