تغيُّر المناخ يُفاقم مِحنة الفقراء

تغيُّر المناخ يُفاقم مِحنة الفقراء

يتحقق الأمن الغذائي عندما يتمتع البشر كل في جميع الأوقات بفرص الحصول، من الناحيتين المادية والاقتصادية، على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي حاجاتهم التغذوية وتناسب أذواقهم الغذائية كي يعيشوا حياة توفر لهم النشاط والصحة. لذا فإن هذا الهدف يبقى مراوغا وعصيا على التحقق رغم الإنجازات الهائلة التي حققتها البشرية ككل في زيادة غلة الإنتاج الزراعي.

فهذه الزيادة تتبدد باستمرار بسبب التوسع غير المبرر في إنتاج الوقود الحيوي على حساب إطعام الفقراء والجوعى في الدول الفقيرة، والذين تجاوز عددهم أخيراً حاجز المليار نسمة، أي شخص واحد من أصل ستة أشخاص.

وفي إطار حشد المجتمع الدولي لقدراته لمواجهة هذا الوضع، نظمت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) في أكتوبر الماضي منتدى بعنوان «إطعام العالم - عام2050»، جمع نحو 300 خبير دولي، لمناقشة القضية.

وخلال النصف الأول من القرن الحالي، وبموازاة النمو السكاني العالمي إلى 9 مليارات نسمة تقريباً، سوف يزداد الطلب العالمي على الأغذية والعلف والألياف بمقدار الضعف تقريباً في حين أنّه يرجّح أيضاً حدوث ازدياد مطرد في استخدام المحاصيل لإنتاج الطاقة الحيوية ولأغراض صناعية أخرى.

وبذلك، سيمارس الطلب الجديد والمعتاد على الإنتاج الزراعي ضغطاً متزايداً على الموارد الزراعية الشحيحة أصلاً. وفي حين سيتعيّن على الزراعة أن تتنافس مع المستوطنات الحضرية المتسّعة للحصول على الأراضي والمياه، سيجدر بها أيضاً العمل على جبهات رئيسية أخرى هي: التكيّف مع تغير المناخ والمساهمة في التخفيف من وطأة تأثيراته، والمساعدة على الحفاظ على الموائل الطبيعية، وحماية الأنواع المهددة بالخطر والمحافظة على مستوى عالٍ من التنوع البيولوجي. وكما لو أنّ هذه التحديات لم تكن كافية لوحدها، سيعيش في معظم المناطق عدد أقلّ من السكان في المناطق الريفية وسيكون عدد أقلّ أكثر منهم من المزارعين. وسيكونون بحاجة إلى أنواع جديدة من التكنولوجيا لزراعة كمّ أكبر من المحاصيل باستخدام مساحة أصغر من الأراضي وقدر أقلّ من اليد العاملة.

مشكلات تستدعي حلاً

ويطرح هذا التصور عدداً من التساؤلات المهمة. فهل سيكون باستطاعتنا مثلاً إنتاج ما يكفي من غذاء بأسعار معقولة أم أنّ ارتفاع أسعار الأغذية سيُغرق عدداً أكبر من سكان العالم في براثن الفقر والجوع؟ كم هي قدرتنا الاحتياطية من حيث الأراضي والمياه لإطعام العالم في عام 2050؟ ما هي أنواع التكنولوجيا الجديدة التي يمكن أن تساعدنا على استخدام الموارد الشحيحة بقدر أكبر من الفعالية وعلى زيادة غلال المحاصيل والثروة الحيوانية وجعلها مستقرّة؟ هل إننا نستثمر بما يكفي في البحوث والتطوير من أجل تحقيق الإنجازات في الوقت المطلوب؟ هل ستتاح الأنواع الجديدة من التكنولوجيا لمن هم أكثر حاجة إليها أي الفقراء؟ كم يجدر بنا الاستثمار لمساعدة الزراعة على التكيّف مع تغير المناخ وكم يمكن للزراعة أن تساهم في التخفيف من الأحداث المناخية المتطرّفة؟

وذكرت ورقة عمل أصدرتها «الفاو» على هامش المنتدى أن أشد الأقاليم فقراً التي تعاني أعلى معدلاتٍ من الجوع المُزمن يُحتَمل أن تكون من بين الأسوأ تضرُّراً من جرَّاء ظاهرة تغيُّر المناخ. ومن الممكن أن يتزايد اعتماد العديد من البلدان النامية، خصوصاً في إفريقيا على واردات الغذاء.

وتقدِّر ورقة أن الآثار بالنسبة لإنتاج الغذاء حتى عام 2050 على الأقل، لن تتجاوز الحدّ الأدنى لكنّ توزيع الإنتاج قد ينطوي على عواقب وخيمة للأمن الغذائي. وتحذِّر ورقة العمل من أن البلدان النامية قد تواجه هبوطاً يتراوح بين 9 و21 بالمائة في إنتاجيتها الزراعية نتيجةً لارتفاع معدلات درجات الحرارة.

وتؤكد ورقة العمل المتخصّصة أن تغيُّر المناخ يبرز اليوم في مقدمة التحديّات الرئيسيّة التي تواجه قدرة الزراعة على تلبية الاحتياجات الغذائية لسكان الكوكب، الذين يتوقع أن تبلغ أعدادهم نحو 9.1 مليار نسمة بحلول العام 2050.

في تلك الأثناء، ينطوي العديد من الخيارات التي يتيحها القطاع الزراعي للتخفيف من حِدة تغيُّر المناخ على فوائد كامنة تعزيزاً للأمن الغذائي وقُدرات التكيُّف لعواقب الظاهرة. ومن أبرز الأمثلة الواعدة في هذا السياق احتجاز الكربون بوتيرةٍ متزايدة في التربة من خلال أنشطة الزراعة الحرجية، وصَون الغابات، والتقليل من العزق بالإضافة إلى رفع كفاءة إدارة المغذّيات وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة.

وبالمقياس العالمي، تُطلق الزراعة نحو 14بالمائة من الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري، في حين ينحصر نحو 74 بالمائة من مجموع العوادم المنطلِقة من الزراعة وكذلك معظم إمكانيات التخفيف التقنية والاقتصادية الممكنة (من حِدة آثار تغيُّر المناخ) - أي نحو 70 بالمائة - في نطاق البلدان النامية.

وتلاحظ ورقة العمل التي أعدتها المنظمة (فاو) للنقاش من قِبَل منتدى الخبراء المعتزم أن أيّ جدول أعمال يتناول قضية تغيُّر المناخ، لابد أن يستعرض ويقيـًّم مساهمات الزراعة المحتملة في جهود التكيّف للـظاهرة والتخفيف من وطأتها، بطرح خياراتٍ تُراعي صَون مساهمة القطاع في تدعيم الأمن الغذائي وتنميته.

التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه

تساهم الزراعة في الوقت الحاضر بنحو 14 في المائة من مجموع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (6.8 بليون طن من ثاني أكسيد الكربون). ومع ذلك فبوسعها من الناحية التقنية التخفيف من هذه الانبعاثات بما بين 5ر5 إلى 6 بلايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا، فقط من خلال احتجاز الكربون في التربة أساساً في البلدان النامية.

ومع ذلك، بقيت الزراعة إلى حد كبير قضية هامشية في المفاوضات الخاصة بتغير المناخ، مع بعض الاستثناءات المتصلة بإزالة الغابات والأنشطة المتصلة بالتخفيف من تدهور الغابات. وقد حددت الفاو في العام 2009 ثلاثة أسباب رئيسية لذلك هي: (1) كثرة عدد المجالات والنظم الزراعية، والنظم الزراعية الإيكولوجية والمزارعين؛ (2) عدم تطوير منهجيات القياس، والإبلاغ والتحقق، أو شدة ارتفاع تكاليف هذه المنهجيات المطلوبة للتصدي لجوانب عدم اليقين المتصلة بالاستمرار، والتشبع، والتسرب وتحقيق التدخلات لقيمة مضافة؛ (3) ولأن مجال آليات التمويل الحالية يميل إلى استبعاد كثير من الأنشطة الزراعية، بما في ذلك العديد من أساليب احتجاز الكربون في التربة.

وسيكون من الضروري التكيف مع تغير المناخ - بما في ذلك القدرة على التخفيف من التعرض لصدمات الطقس الشديدة - ومواجهتها لضمان الأمن الغذائي العالمي في المديين القريب والبعيد على السواء. وبقدر تحقيق أنشطة معينة لأهداف التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره، يمكن لهذه الأنشطة أن تتيح فرصاً جديدة للتمويل. ومن العقبات الرئيسية أمام ذلك الحاجة إلى البيانات، والأطر القانونية والمؤسسية التي تقلل من تكاليف المعاملات المرتبطة ببرامج التخفيف من آثار تغير المناخ.

التوسع في إنتاج أنواع الوقود الحيوي

ازداد إنتاج أنواع الوقود الحيوي من السلع الزراعية الأساسية بسرعة في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن تستمر هذه الزيادة في المستقبل، وهذا يرجع أساساً إلى سياسات تدابير الدعم والحصص في البلدان المتقدمة، التي ترجع بدورها إلى الحرص على التخفيف من آثار تغير المناخ عن طريق الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أو موازنتها، وتعزيز أمن الطاقة بالحد من الاعتماد على استيراد النفط، ودعم المزارعين عن طريق زيادة الطلب على المحاصيل التي ينتجونها.

ولقد كان التأثير من حيث التخفيف من آثار تغير المناخ متفاوتاً حتى الآن، لأن الحد من غازات الاحتباس الحراري يختلف كثيراً باختلاف أنواع الوقود الحيوي المنتجة وأنواع المواد الخام المستخدمة في عملية التصنيع وتكنولوجيا الإنتاج. وتشير التقديرات إلى أن الانبعاثات تكون في أدنى مستوياتها (من 10 إلى 30 في المائة) في حالة إنتاج الإيثانول من الذرَة في الولايات المتحدة. وفي أعلى مستوياتها (70 إلى 90 في المائة) في حالة إنتاج الإيثانول من قصب السكر في البرازيل، وكذلك في حالة إنتاج الجيل الثاني من أنواع الوقود الحيوي. وفي جميع الحالات، سوف تنخفض الانبعاثات بقدر ما يؤدي التوسع في إنتاج الوقود الحيوي إلى الإسراع بتحويل الغابات أو أراضي المراعي إلى أراض محصولية.

ولقد كان التأثير على أمن الطاقة محدوداً، لأن أنواع الوقود الحيوي السائلة مازالت تمثل جانباً ضئيلاً من استهلاك الطاقة - نحو 1.5 في المائة من مجموع الوقود المستخدم في النقل البري، ونحو 0.2 في المائة من مجموع استهلاك الطاقة. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن ترتفع حصة الوقود الحيوي المستخدم في النقل البري إلى 5 في المائة بحلول العام 2030، بينما تشير تقديرات المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية إلى أن هذا الرقم يمكن أن يصل إلى 8 في المائة بحول العام 2050، تبعاً للسياسات المطبقة والتكنولوجيات المستخدمة.

وعلى الجانب الآخر، أحدثت الزيادة في إنتاج الوقود الحيوي بالفعل آثاراً كبيرة على أسواق المنتجات الزراعية والأمن الغذائي. فالوقود الحيوي هو أكبر مصدر للطلب الجديد على السلع الزراعية الأساسية في السنوات الأخيرة، حيث تمثل في الوقت الحاضر نحو 7 في المائة من استخدام الحبوب الخشنة على مستوى العالم (سترتفع إلى 12 في المائة بحلول العام العام 2018 )، و9 في المائة من استخدام الزيوت النباتية على مستوى العالم (سترتفع إلى 20 في المائة بحلول العام 2018)، و2 في المائة من الأراضي المحصولية على مستوى العالم (سترتفع إلى 4 في المائة بحلول العام 2030). وهكذا يكون إنتاج الوقود الحيوي قد ساهم في إحداث الزيادة الحادة التي حدثت أخيراً في أسعار السلع الأساسية الزراعية وفي توقع بقاء الأسعار في المستقبل أعلى مما كان ومن الممكن أن تكون عليه في حالة عدم التوسع في إنتاج الوقود الحيوي.

وارتفاع أسعار المواد الغذائية يقلل من قدرة المستهلكين على الحصول عليها (بما في ذلك معظم فقراء العالم الذين يشترون من المواد الغذائية أكثر مما ينتجون، وينفقون نسبة كبيرة من دخلهم على المواد الغذائية الأساسية). وتشير تقديرات المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية إلى أن عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية قبل سن الالتحاق بالمدارس في أفريقيا جنوب الصحراء وفي جنوب آسيا يمكن أن يرتفع بما يصل إلى 5 ملايين في حالة السيناريو القائم على حدوث توسع حاد في إنتاج الوقود الحيوي حتى سنة 2050.

ومع ذلك فإن الأسعار المرتفعة والأسواق الجديدة تفيد أيضاً بائعي السلع الأساسية الزراعية. ففي المدى القصير، ستكون المنافع من نصيب المزارعين في البلدان المتقدمة - ممن يحصلون دون صعوبة على مستلزمات الإنتاج والتكنولوجيا ويستطيعون الوصول إلى الأسواق (وكذلك يحصلون على الدعم بحكم السياسات المطبقة). أما في المدى البعيد، فسوف تفيد الأسعار المرتفعة أيضاً المزارعين والاقتصادات الريفية في البلدان النامية - إذا توافرت السياسات والاستثمارات المناسبة اللازمة لزيادة قدرتهم على الحصول على مستلزمات الإنتاج والتكنولوجيا وتمكنهم من التمتع بالائتمان والوصول إلى الأسواق (وتضمن لهم حيازة الأراضي).

الأمن الغذائي

سيؤثر تغير المناخ وتنمية إنتاج الطاقة الحيوية على الأمن الغذائي بأبعاده الأربعة - توافر الإمدادات الغذائية، والحصول عليها، واستقرارها واستخدامها. توافر الإمدادات الغذائية: قد يكون تأثير تغير المناخ على إنتاج الأغذية على المستوى العالمي ضئيلاً، ومع ذلك فمن المتوقع حدوث انخفاضات شديدة في المناطق التي تعاني بالفعل من انعدام الأمن الغذائي. ويمكن أن تشهد البلدان النامية انخفاضاً يتراوح بين 9 و21 في المائة من الإنتاجية الزراعية الكلية الممكنة نتيجة للاحترار العالمي. فعلى الرغم من أن زيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي من المتوقع أن يكون لها تأثير إيجابي على غلة كثير من المحاصيل، فإن جودة المنتجات الزراعية من حيث قيمتها التغذوية قد لا ترتفع تماشياً مع ارتفاع الغلة.

وعلى الرغم من أن زيادة الطلب على منتجات الوقود الحيوي قد تؤدي إلى زيادة إنتاج السلع الزراعية الأساسية، فإن جانباً كبيراً من الزيادة في الإنتاج سيتم تحويله بعيداً عن الاستخدامات الغذائية.

الحصول على الإمدادات الغذائية: وسيكون التأثير على القدرة على الحصول على الإمدادات الغذائية متفاوتاً، إذ أن أي انخفاض في الدخول الزراعية نتيجة لتغير المناخ سوف يؤدي إلى انخفاض قدرة الكثيرين من فقراء العالم على الحصول على الإمدادات الغذائية، بينما ستؤدي زيادة الطلب على السلع الزراعية الأساسية من أجل إنتاج أنواع الوقود الحيوي إلى زيادة الدخول الزراعية التي يحصل عليها بعض المنتجين، وإن كانت ستؤدي أيضاً إلى زيادة أسعار المواد الغذائية بالنسبة للمستهلكين. ومن المتوقع أن يكون أقوى تأثير سلبي لتغير المناخ على الزراعة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهذا يعني أن أفقر الأقاليم وأكثرها معاناة من انعدام الأمن الغذائي سوف تعاني أيضاً من أكبر انكماش في الدخول الزراعية. وعموماً، فمن المتوقع أن ترتفع أسعار المواد الغذائية بدرجة معقولة تماشياً مع حدوث زيادات معقولة في درجات الحرارة حتى سنة 2050. أما بعد سنة 2050 ومع حدوث زيادات أخرى في درجات الحرارة، فمن المتوقع حدوث زيادات كبيرة في الأسعار. فسوف يؤدي التوسع في إنتاج أنواع الوقود الحيوي إلى زيادة الضغط على الأسعار.

وفي المقابل، يمكن أن يؤدي تحسين الحصول على أنواع الوقود الحيوي إلى تحسين نوعية الهواء داخل المنازل في ظروف المعيشة الفقيرة المعتمدة على حطب الوقود، أو الفحم النباتي أو روث الحيوانات في علميات الطهي والتدفئة، ويمكن أن يؤدي إلى تقليل الوقت الذي يقضيه النساء في جمع حطب الوقود، وإلى تحسين صحتهن، وزيادة الوقت الذي يقضينه في رعاية الأطفال وتغذيتهم.

وتُورد ورقة العمل التي أعدتها «الفاو»، أن تغيُّر المناخ يشمل الأبعاد الأربعة للأمن الغذائي من توافر الغذاء، وقدرة الوصول إليه، وقدرة استخدامه، واستقراره.

وبالمقياس الكَمّي لتوافر الغذاء فإن زيادة تركّزات ثاني أكسيد الكربون في الأجواء يُتوَقع أن تنعكس إيجابياً على تعزيز غلال العديد من المحاصيل، حتى وإن ظلّت المتحصّلات التغذوية للمحاصيل بلا تحسّن نوعي إزاء التحسّن الكمّي.

ومن شأن تغيُّر المناخ أن يزيد حدّة تقلبات الإنتاج الزراعي على امتداد جميع المناطق، مع التفاقُم في تَردي الأحداث المناخية الحادّة.. في حين ستتعرّض أفقر المناطق إلى أعلى درجات عدم الاستقرار في الإنتاج الغذائي.

على صعيد ثانِ، فإن تغيُّر المناخ يُحتمَل أن ينطوي على تعديلاتٍ في ظروف مأمونيّة المواد الغذائية وسلامتها مع تزايُد ضغوط الأمراض المنقولة والوافدة عبر الحاضنات، والماء، وتلك المحمولة بواسطة الغذاء ذاته. وقد يترتّب على ذلك هبوطٌ كبير في الإنتاجية الزراعية، وفي إنتاجية الأيدي العاملة وقد يفضي إلى تفاقُم الفقر وزيادة معدّلات الوفيّات.

إفريقيا

من المرجَّح أن يتأثر الإنتاج الزراعي والغذائي سلبياً لدى العديد من الُبلدان النامية، بسبب تغيّر المناخ وخصوصاً في البلدان ذات مستويات الدخل المحدودة والمعدلات المرتفعة من الجوع والفقر، نظراً لكونها بالفعل عُرضةً إلى حد كبير لآثار الجفاف والفيضانات والأعاصير.

وفي إفريقيا قد يُفاقِم الاتجاه اعتماد العديد من البلدان على واردات الغذاء.. خاصةً على ضوء التقديرات التي تُسقِط انخفاضاً في الناتج الزراعي للقارة يتراوح بين 15 و30 بالمائة من الآن وحتى الفترة 2080 - 2100.

أمّا أشدّ الآثار السلبية قاطبةً بسبّب تغيُّر المناخ على الزراعة فالمتوقّع أن يشهدها إقليم إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. أي أنّ أفقر المناطق وأشدّها انعداماً من حيث الأمن الغذائي من المقدَّر أن تعاني أشدّ انكماشِ في مستويات الدخل الزراعية.

المناخ حاسم

وتؤكد ورقة العمل التي أعدتها المنظمة (الفاو) أن تكيُّف القطاع الزراعي لسياق تغيُّر المناخ ينطوي على تكاليف باهظة لكنه حاسم لأمن الغذاء، والحدّ من الفقر، وصَون النظام الايكولوجي.

ومن هنا، فإن الزخم الراهن للاستثمار في السياسات الزراعية المحسّنة والمؤسسات والتقنيات تحقيقاً لغاية الأمن الغذائي وأمن الطاقة، إنما يتيح فرصةً فريدة لإدراج إجراءات الحدّ من التغيُّر المناخي والتخفيف من آثاره في صُلب الاستراتيجية المعتزمة لخدمة القطاع الزراعي.

وما تلاحِظه ورقة العمل المطروحة للنقاش على منتدى الخبراء المعتزم أن الزراعة ظلّت إلى وقتٍ قريب قضيةً هامشية إلى حد بعيد في إطار المفاوضات بشأن تغيُّر المناخ، خِلافاً لبعض الاعتبارات التي تناولت أنشطة مقاوَمة إزالة الغابات ووقف تدهور المناطق الحرجية. ومن بين الأسباب التي حدّدتها «الفاو» وراء هذا الاستثناء، التوجُّه العام من قِبَل آليّات التمويل لعدم تضمين العديد من الأنشطة الزراعية، وبضمنها أنشطة احتجاز الكربون.. في سياق اختصاصها.

 

 

 

أحمد خضر الشربيني