علاقة الفنون ببعضها

علاقة الفنون ببعضها

لا توجد علاقة شكلية بين الرسم والموسيقى. هناك علاقة حب أو علاقة عائلية.
الصفات التي تعطى للموسيقى هي نفسها التي تعطى للرسم، مثلاً التأليف، والأرموني أو الملوّن... إلخ.. المختص بالموسيقى يعطي لبعض المؤلفين الموسيقيين صفة الملونين في موسيقاهم. كذلك المختص بالرسم يعطي إلى هذا الفن صفة سمفونية ألوان.

صفات لا تعني شيئاً، ولا تزيد أو تنقص من قيمة العمل الموسيقي الكبير أو العمل الفني التشكيلي. الفن يتخطى الصفات المعطاة له، فالاستماع إلى عمل لـ«باخ» مثلاً أو لـ«موزارت» أو لـ«بتهوفن» ليس بحاجة إلى صفة تعظيمية أو إطراء، كذلك التمتع بالنظر إلى لوحة لـ «فيلاسكيز» Velazquez أو لوحة لـ «رامبرانت» Rembrant تجعل من الناظر إلى هكذا أعمال فنية بغنى عن البحث لإيجاد صفة إطراء وتكبير لأعمال كبرى، إذ هي، أي الأعمال, تطغى على الكلمة وتجعل السامع أو الناظر في حالة صوفية أو حالة قريبة من الحالات الدينية، أليس الفن قريباً من الدين أو الإيمان بكل خير وحق وجمال؟

أما علاقة الرسام بالموسيقى، فهي حاصلة في التاريخ الفني في العالم الأوربي، ومنعدمة في العالم العربي، هل لأن الفن لم يصل في عالمنا إلى التواصل لأنه لم يصل بعد إلى بعض الكمال؟ هذا موضوع آخر.

في مدينة الفن «فيينا» Vienna وفي أوائل القرن العشرين، كان الرسامون قريبين من المؤلفين الموسيقيين، وكانت تربطهم ببعضهم البعض صداقات وثقافة وحب. أذكر هنا الموسيقي الكبير «جستاف ماهلر» Gustave Mahler الذي رافقت إحدى سمفونياته الفيلم السينمائي الكبير «الموت في البندقية» Mourir a Venise.

«ماهلر» وغيره كانوا محاطين بالرسامين والشعراء في تلك المدينة الخالدة التي طبعت الموسيقى العالمية طابعاً مخلداً لها ولمن عاشوا فيها أمثال «موزارت» Mozart وغيره من الكبار الذين أعطوا للإنسانية أجمل عطاء ألا وهو الحب والراحة والذوق الكبير.

هنا لابد من ذكر الرسام «كليمت» Klimt الذي ولد أيضاً وعاش ودرس الفن في مدينته «فيينا»، وصار من كبار رسّاميها. ومن صفاته أيضاً أنه كان عاشقاً دائماً ومعشوقاً، وهذا ما تفسّره لوحاته وهي ذات شهرة عالمية اليوم، واسمه كل ما مرت السنون زاد ترداده وزادت شهرته، وهكذا الموسيقي «ماهلر» الذي ذكرته سابقاً، ومن الصدف أن «كليمت» الرسام و«ماهلر» الموسيقي يحملان اسم «جوستاف» نفسه.

عندما نذكر هؤلاء الفنانين، لابد من ذكر «بول كليه» هذا الرسام والموسيقي الذي كان له دور في خلق نظرة جديدة - حديثة في القرن العشرين مع زميله الكبير «واسيلي كاندنسكي» Kandinsky.

***

الموسيقى تمثل أو تعبّر عن الوقت، أي أنها تسمع في وقت أدائها، ثم تمر كما يمر الوقت، أما الرسام فهو يوقف الوقت، يوقف الزمن، يجمّد الوقت على لوحته، هو يرسم ويلوّن وقتاً يبقى ويدوم على لوحته، هذا إذا كانت اللوحة تحمل في أشكالها وألوانها قيمة فنية تؤهّلها لأن تبقى، ويبقى معها الوقت الذي رسمت في حينه.

***

قلت إن صلة الفنون ببعضها صلة قرابة، هي تمثّل عائلة، كل فرد فيها، أي كل فن له تعبيره الخاص، بواسطة أبجدية خاصة، للرسم ألوانه وأشكاله، وللموسيقى أنغامها وألحانها، وللشعر أحرف وكلمات.

فهنيئاً لمَن يحمل في جسده وروحه شعوراً بالجمال.

الشعور بالجمال ليس سوى شعور بالفن الكبير، الذي أعطاه الخالق لبعض مخلوقاته ليحقّقوه، وللبعض الآخر للتمتّع به.

 

 

 

أمين الباشا