جون سينجلتون كوبلي صورة ربيكا بويلستون

جون سينجلتون كوبلي صورة ربيكا بويلستون

عندما رسم الأمريكي جون كوبلي هذه اللوحة في العام 1767م، كان في التاسعة والعشرين من عمره. أي أنه لم يكن قد زار بعد أي بلد أوربي. ومع ذلك فإن هذه اللوحة تبدو في تركيبها وأسلوبها، أقرب بكثير إلى أساليب الأساتذة الأوربيين منهم إلى المدرسة الأمريكية الناشئة آنذاك.

فقد درس كوبلي الرسم عند حميه بيتر بيلهام، غير أنه كان في الواقع عصامياً علَّم نفسه بنفسه من خلال دراسة النسخ التي كانت قد وصلت إلى أمريكا عن أعمال الأساتذة الأوربيين القدامى. كما أنه لم يفوت فرصة دراسة أية لوحة أوربية أصلية علم بوجودها في جواره. وما إن أصبح في الثانية والعشرين من عمره، حتى ذاع صيته في مختلف المدن الأمريكية، وبدأت الطلبات تنهال عليه من نيويورك وفيلادلفيا، وحتى كندا. وكانت معظم هذه الطلبات صوراً شخصية لأثرياء المجتمع، ومنها اللوحة التي نحن بصددها هنا.

كانت ربيكا بويلستون عندما جلست أمام كوبلي ليرسمها، في الأربعين من عمرها. أي أنها كانت بمقاييس ذلك الزمن عانساً فاتها قطار الزواج، بالرغم من كونها ابنة الملياردير البوسطوني نيكولاس بويلستون.

أثبت كوبلي مهارة فائقة وإحساساً بالذوق والأناقة في هذه اللوحة من خلال مواجهة هذا التحدي الخاص. فبدلاً من إخضاع هذه السيدة إلى عملية تجميل تصغيراً لسنها، نراه يحافظ على ملامح المرأة الأربعينية، ولكنه يقدمها إلينا مفعمة بالجاذبية والحيوية.

فأول ما يلفتنا في هذه اللوحة هو «اللباس العشوائي» الذي يُرتدى داخل البيت، والذي ما كان أحد يجرؤ على الظهور به في اللوحة غير الأرستقراطيين الأوربيين. ولكن هذا اللباس العشوائي يبدو مدروساً جيداً، فقماش الحرير الأبيض يفصح أكثر مما يخفي، والمشلح الأحمر والأزرق يضفي نضارة تتراسل تماماً مع نضارة الورد في السلة.

فبدلاً من تسمير هذه السيدة على مقعد فاخر في الصالون الكبير في قصرها، نرى الرسام هنا يأخذها إلى حديقة الفيلا، بكل ما في الطبيعة من رمزية إلى عفوية الشخصية وصدقها. حتى سلة الزهور بين يدي صاحبتها تبدو طبيعية جداً وبعيدة عن التصنع، وكأنها كانت فعلاً في الحديقة لقطافها.

وبالتمعن في وجه هذه السيدة، تطالعنا ابتسامة خفيفة، تكاد تكون ساخرة، إيحاءً بمزاج طيب ونفسية مرحة أو قابلة للمرح.

فالمستوى التقني الممتاز في هذه اللوحة «وخاصة في رسم القماش والدانتيل وحتى تمثال الأسد في نافورة المياه» يؤكد أن كوبلي كان قد درس جيداً كبار الأساتذة الأوربيين أمثال روبنز وفان ديك. ولكن ذلك ما كان ليكون كافياً لولا عبقريته الشخصية في التعامل مع صورة هذه السيدة، بكل ما تمثله من تحديات بسبب عنوستها.

تجدر الإشارة إلى أنه بعد رسم هذه اللوحة بست سنوات، تزوجت الآنسة بويلستون أحد كبار ملاك الأراضي، وطلب زوجها من الرسام كوبلي أن يرسم له زوجته في لوحة ثانية.

 

 

 

عبود عطية







«صورة ربيكا بويلستون»، (128 × 102 سم)، (1767). متحف الفنون الجميلة، بوسطن. جون سينجلتون كوبلي (1738 - 1815م)