الفلسطينيون في الشتات واقع بائس بين قضبان الماضي والمستقبل.. ثناء عطوي

الفلسطينيون في الشتات واقع بائس بين قضبان الماضي والمستقبل.. ثناء عطوي

منذ ستين عاماً، هي عمر النكبة، والأجيال الفلسطينية تتعاقب على دروب الهجرة والشقاء، تزدحم مخيمات اللاجئين بالمآسي، ويشكّل الفلسطينيون في لبنان والأردن وسورية ومخيمات الشتات العربية، جماعة محرومة، بلا أمل أو مستقبل، في ظل أوضاع الحاضر البائسة. أما الماضي فكان كله مرارة وقتامة. ولا ذنب لهم سوى أنهم احتملوا أخطاء القادة، وسوء تقديرهم، حتى وصل الحال إلى ما هو عليه.

في هذا التحقيق المصوّر تحاول «العربي» رصد الأوضاع اليومية للاجئين الفلسطينيين في مخيمات الشتات في كل من لبنان والأردن.

وكان من المفترض أن تجري استطلاعاً ثالثاً في المخيمات السورية لولا عراقيل التصاريح الرسمية التي حالت دون استطلاع أوضاع اللاجئين في سورية.

في هذين الاستطلاعين: آمال وأحلام، آلام وعذابات، ومحاولات يومية للتكيف مع الواقع الراهن، أيّا كان بؤسه، أملاً في غد أجمل. نتمنى ألا يصبح محالاً في يوم من الأيام.

حَملَ الفلسطينيون همَّ القضية، وتحمَّلوا أوزار وأخطاء قادتهم. عاشوا حروب لبنان وأيامه الصعبة، وتعرضوا للقتل والذبح في معارك الوطن والاحتلال. مخيماتهم الاثنا عشر الموزعة حول المناطق اللبنانية أشبه بـ«جيتوات» معزولة، تحاصرها من الخارج إجراءات الأمن اللبنانية المشددة، وينمو في داخلها جيل كامل من الأطفال الفلسطينيين، وسط بيئة تغرق في البؤس والفقر والإحباط.

الأجيال الفلسطينية في مخيمات لبنان:
«جيتوات» معزولة وبيئة غارقة في الفقر والإحباط

مربعاتٌ ضيقة لا تزيد عن الكيلومتر الواحد هي مخيمات اللاجئين في لبنان. تكتظُّ بالسكان الذين ازدادت أعدادهم بشكل مطرد منذ واحد وستين عاماً، من دون أن تزداد مساحات السكن والعيش.

مخيمُ الرشيدية في جنوب لبنان. واحد من هذه المخيمات التي تقعُ على بعد أميال من فلسطين المحتلة. يسكنُ في المخيم خمسة وعشرون ألف لاجئ فلسطيني. تتداخل البيوت والأحياء إلى حد يكاد لا يمر معه الهواء، لا حيِّز للأفراد ولا مكان لأي استقلال. الحاراتُ تضيق بسكانها كما البيوت، ولكلِّ عائلة فلسطينية غرفتان في أفضل الأحوال. يتكوَّم كل خمسة أو ستة فتيان وفتيات كباراً وصغاراً في غرفة واحدة، والأم والأب في غرفة أخرى. يحلمُ الأطفال هنا بلُعب وغُرفٍ مستقلة وأماكن للدرس بدلاً من السطوح. يتطلعون إلى بيوت لا تتسلل إلى داخلها مياه الشتاء، إلى حجرات دافئة وأسقف من حجر بدلاً من الزنك. ثقافةُ الشارع في المخيمات هي السائدة، الشوارع بكل ما تحويه من نهمٍ وانفلات، هي مكان اللهو والتسلية الرئيسي للأطفال والفتيان. يُمضون معظم أوقاتهم في الأزقَّة، بسبب ضيق منازلهم وعدم توافر أماكن الترفيه والتسلية. مراكز الإنترنت القليلة في المخيمات لا تستقطبُ إلا قلة أصلاً، لعدم قدرة الأغلبية على دفع ثمن بطاقة الحساب البالغة خمسمائة ليرة، أي أقل من نصف دولار تقريباً. الفقرُ والبطالة وفقدان الأمان ظواهر تنتشر في مخيمات اللاجئين في لبنان، ونتائج الدراسات والأبحاث حول واقع الفلسطينيين مُقلقة إلى حد كبير.

مشاركة هامشية في الاقتصاد

مساهمة الفلسطينيين في الإنتاج الاقتصادي اللبناني هامشية، وقوانين العمل اللبناني الجائرة تمنع الفلسطينيين من مزاولة 72 مهنة. تنحصرُ فرص العمل بالمواسم الزراعية وبعض الأعمال الهامشية. وتؤكد دراسة حديثة أجرتها مؤسسة «شاهد» لحقوق الإنسان، أن 85 في المائة من أرباب الأسر هم عمال باليومية لا تتوافر لديهم مداخيل شهرية ثابتة، ما يؤدي إلى غياب الاستقرار الاقتصادي. فيما تشير دراسة أجرتها الأونروا، إلى أن أكثر من 70 في المائة من الأسر الفلسطينية تعاني حالة فقر، ويقلُّ دخلها الشهري عن خط الفقر الرسمي لمستوى المعيشة في لبنان. تُعتبرنسب التسرب والرسوب في مدارس المخيمات هي الأعلى في العالم، بحسب دراسات متخصصين في الشئون التربوية، وتشيرُ دراسة مؤسسة «شاهد» إلى غياب متابعة الأداء الدراسي لنسبة عالية من الأطفال وصلت إلى 30 في المائة، وتَبين أنه لا يوجد من يتابع الفروض المدرسية لـ30 في المائة من الأطفال، علماً أن 90 في المائة من التلاميذ الفلسطينيين يدرسون في مدارس الأونروا، التي تراجع مستواها خلال العقدين الأخيرين. وأكدت الدراسة نفسها أن 72 في المائة من سكان المخيمات غير راضين عن الخدمات التعليمية والصحية التي تقدمها الأونروا. وأكدت دراسة أجرتها اليونيسف إلى ارتفاع معدل وفيات الأطفال الرضع داخل المخيمات إلى 120 وفاة لكل 1000 ولادة حية، كما أشارت دراسة معهد العلوم التطبيقية النرويجي FAFO إلى أن فلسطينياً واحداً من بين كل خمسة فلسطينيين يعاني من مرض نفسي أو عضوي مزمن، إضافة إلى ارتفاع نسبة الإصابات والإعاقات الجسدية من جراء الحروب.

«العربي» في مخيم الرشيدية

« العربي» اختارت مخيم الرشيدية في جنوب لبنان الذي يبعد نحو 22 كيلومتراً عن فلسطين المحتلة، واستطلعت أوضاع اللاجئين والواقع الاجتماعي والإنساني المظلم داخل المخيم، إضافة إلى جوانب الحياة المتعلقة بالمسكن والتعليم والصحة وأوقات الفراغ والطموحات والآمال. عائلة حياة عباس أو أم عيد المؤلفة من خمسة أولاد يعيشون في مخيم الرشيدية كان منزلهم أول منزل دخلناه. لا يُشبه مسكن هذه العائلة البيوت المألوفة، سقفٌ من الأترنيك، جدرانٌ متفسخة آيلة للسقوط لا أثر عليها للطلاء، أثاثٌ رثٌ، وحمامٌ لا تتوافر فيه الشروط الصحية الضرورية. أمراضٌ كثيرة مزمنة أصابت أم عيد عباس، التي خضعت قبل شهر لعملية قلب مفتوح على نفقتها الخاصة، كما تقول: «وصلتُ للموت لأنني أرجأت العملية أكثر من مرة بسبب ضيق الحال، لم أكن أملك قرشاً من الملايين الستة التي دفعتها. نحن بالكاد نؤمِّن لقمة يومنا، ننتظر الأجاويد ليتصدقوا علينا بالخضار والخبز وغيره من المواد الغذائية، كما ننتظر مساعدات الأونروا كل ثلاثة أشهر، المؤلفة من الحبوب والزيوت والحليب، وهي في واقع الحال لا تكفينا لشهر واحد. عملُ زوجي في قطاف الليمون موسمي ويستمر شهرين أو ثلاثة فقط ، وبأجرة تبلغ 15 ألف ليرة يومياً، بمعدل عشرة دولارات، ومجموع شهري يصل إلى ثلاثمائة ألف ليرة (200 دولار).

تحكي أم عيد واقعها المرير بحسرة، تُصرُّ علينا أن نجول في المنزل، تُشير بيدها إلى ما وراء السرير حيث توجد فجوة في الحائط، نسألها إذا ما كان سبب الفجوة قذيفة ما، فتقول لا، نحن نعيش على الشارع مباشرة وخلف جدران الغرفة طريقٌ عام. لقد اقتحمت إحدى السيارات التي تضيق بها شوارع المخيم عن طريق الخطأ جدار المنزل، ولولا لطف الله لكانت اقتلعت السرير ومعه زوجي الذي كان نائماً عليه في تلك الأثناء. لقد يئسنا من المراجعات واللجوء إلى هذا وذاك في الأونروا وخارجها، من أجل مساعدتنا على ترميم المنزل وبناء سقف له. من يرانا في الشتاء يحزن لحالنا، ننشرُ الأوعية البلاستيكية على مساحة المنزل كي لا نسبح في المياه، نُفرغها كل حين وتمتلئ مجدداً كما يمتلئ قلبي قهراً وحزناً من هذه الحياة، لقد ضاقت بنا الدنيا ويئسنا من هذا الوضع، نعيش كالدجاج في قن، نعاني الجوع والبرد والقلة، والعالم ينظر إلينا بعيون باردة.

تبكي أم عيد وهي ترثي نفسها قائلة اسمي عكس قدري، حياة أو أم عيد، أية حياة قاسية تورطتُ فيها وأي عيد لم أره في حياتي. تسحبُ كيساً كبيراً من تحت طاولة الأغطية وفرش النوم، تُخرج ثياباً عتيقة قطعة قطعة، وتقول «هكذا نكسو أجسادنا، ننتظر ما لا حاجة للناس به من خارج المخيم لنرتديه، ومثلنا معظم السكان هنا، لا قدرة لأي عائلة على شراء ملبس أو الخروج في نزهة أو الجلوس في مطعم. لقد دفعتني الظروف الصعبة إلى إخراج الأولاد من المدرسة، لم نعد قادرين على شراء الكتب والمصاريف الرمزية التي تتطلبها المدرسة. ميسون ومروى لم تكملا المرحلة المتوسطة، الأولى تساعدني في المنزل والثانية علَّمتها الخياطة، أما عيد فقد أرسلته إلى أحد الكاراجات ليتعلم مهنة الحدادة والبويا. بقي فقط محمد وعدي في المدرسة، عُدي مجتهد جداً وهو يثابر على دروسه، ويكرر باستمرار أنه يريد أن يصبح طبيباً ليساعدني في العلاج ويشفيني. أحزن وأبكي من قلبي عندما أراه متأثراً بواقعنا إلى هذا الحد، أخافُ جداً ألا أتمكن من مساعدته على متابعة تحصيله، وأقلق من أن يعيش أولادي حالة فقر مستمرة كالتي نعيشها منذ زمن، لا أدري إلى متى سيستمر هذا الظلم يا ربي؟!

أجيال محرومة

مروى ( 12 عاماً) ابنة أم عيد تعشقُ الرسم لكن لا قدرة لها على شراء الأوراق والألوان، تقول: «تعلمتُ الخياطة لأساعد والديَّ لكني لا أحبها، كنت أُفضِّل المدرسة لكنني ضعيفة في صفي وأبي عاجز عن تأمين نفقات أستاذ الدروس الخصوصية، تركتُ المدرسة لأنني شعرت أن مصاريفي أصبحت كثيرة وتفوق قدرة أهلي، لكنني أشعر بالوحدة والفراغ في المنزل، أبدأ يومي بمساعدة شقيقتي الكبرى في أعمال المنزل وأبقى جالسة حتى المساء في أغلب الأحيان. أخجلُ أن تزورني صديقاتي، بيتنا من التنك وضعه مزرٍ لا سقف له ولا أثاث لائق فيه، أذهبُ أنا إلى بيت خالي أحياناً أزورهم وأعود. في المدرسة كنا نأخذ أنا وشقيقي مصروفنا اليومي خمسمائة ليرة لكل واحد، اليوم لم يعد لي حاجة بها أتركها لوالدتي كي تُضيفها إلى مصروف البيت وتشتري بها الطعام لي ولاخوتي. لا يهمني المال، أحلمُ كثيراً بغرفة لي وخزانة أضع فيها ملابسي. أتحسَّرُ عندما أشاهدُ واجهات الثياب في السوق، لم يتسن لي أن أشتري فستاناً على ذوقي ولا مرة، أحبُّ أنا وشقيقتي ميسون الثياب الجديدة، نحلم بها دائماً، لكنها ليست من نصيبنا ولا قدرة لنا على دفع أثمانها».

أسئلة اللاجئين الصعبة

تتساقط أحلامهم وتتقدم أحزانهم. لقد تعبوا من أثمان القضية والنكسات المتتالية.همُّهم تحول تدريجياً من حق العودة إلى لقمة الخبز وسقف الدار. المخيم هنا وفلسطين على بعد كيلومترات شائكة، شعبٌ وأرض منفصلان بقوة الظلم والطغيان، ظلمٌ سينفجر غضباً في وجه العالم. عائلة سلام ومحمد المصري من عوائل مخيم الرشيدية التي تعيش تحت وطأة العوز أيضاً، ثلاثة أولاد وأب يعاني مرضاً عصبياً مزمناً جراء إصابته برصاصة في رقبته. خمسة أدوية يتناولها الأب يومياً تتكفل ببعضها فقط الأونروا. تقول سلام «زوجي عاطل عن العمل لأنه مريض باستمرار، نتقاضى مائتي ألف ليرة لبنانية شهرياً ( 135 دولاراً) من مؤسسة الشئون الاجتماعية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومائة ألف ليرة يقدمها لنا شقيق زوجي. أوزع المدخول على ثلاثة أمور أساسية: أدوية زوجي، مصروف المنزل، خرجية الأولاد. أعطي الأولوية للأدوية لأننا إذا ما تأخرنا في شرائها فسيصاب زوجي بنوبات عصبية حادة، يخاف أثناءها الأولاد كثيراً، ويهرعون إلى حضني للاختباء. أصبحتُ أقطع الطعام عن المنزل ولا أقطع الدواء. أنا وزوجي وأولادي الثلاثة نعيش في غرفتين تحتاجان إلى إصلاح وترميم، أنتظر مساعدات الأونروا الغذائية كل ثلاثة أشهر بفارغ الصبر. أُقنِّنُ في استخدام الزيت والحليب والسكر باستمرار، لأنني لا أقدرعلى شراء هذه المواد في كل وقت. غالباً ما تكون جيوبي فارغة، وأفواه أولادي جائعة. في الأيام الصعبة أُعدُّ مناقيش الزعتر، أو البطاطا المطبوخة والمقلية، اللحم والدجاج لا يدخلان منزلنا إلا قليلاً. الأطفال يحتاجون إلى الترفيه والتسلية وهنا لا يتوافر ذلك. نحن فقراء إلى درجة أننا عاجزون عن الخروج من حدود المخيم. إنَّ أي نزهة تحتاج إلى تكاليف النقل والطعام والملاهي وغيرها. لا يعرفُ أطفالي معنى الفرح، يحتاجون إلى كل شيء، ولا يتوافر لهم شيء. لطالما انتظرت اليوم الذي أستطيع فيه أن أختار لهم ملابسهم من السوق، وهذا لم يحصل ولا مرة، دائماً نحن تحت خط الفقر، وكل ثياب أولادي قديمة تجمعها لي عائلتي من سكان بيروت ويرسلونها لنا كل فترة. أنا مؤمنة بالله وأضع عينيَّ في عينه، همّي أطفالي هم سندي وأملي.

لا أريد شيئاً من الدنيا إلا أن يتعلموا ويجنبهم الله قسوة الدنيا».

إلهام (8 سنوات) ابنة سلام طفلة فلسطينية مليئة بالحيوية ذات سحنة سمراء جميلة، قالت إنها تريد أن تكبر وتصبح معلمة، هي تحب المدرسة أكثر من المنزل، لا شيء أفعله هنا. تقول، «أبي مريض وأمي دائماً مشغولة بالمنزل، وأنا لا أملك لعبة واحدة. أريد ألعاباً أضعها على سريري كباقي الفتيات، حاولت أن أوفر من مصروف المدرسة لكنني لم أستطع، أنا أحصل على 500 ليرة أشتري بها منقوشة أو كيس بطاطا، أشتهي البوظة وتبقى في عيني كل يوم، أشرب ماء من صنبور المدرسة، أو آخذ معي الماء من المنزل لأنني لا أقدر على شراء العصير هناك».

محمد شقيق إلهام ( 6 سنوات) متوتر ومشدود من الانتظار كما تقول والدته. إدارة المدرسة ستُنظِّم رحلة إلى مدينة صيدا بعد أيام، سيزور الطلاب متحف الصابون ومدينة الملاهي ويتناولون طعام الغداء في الاستراحة، لم يسبق له أن زار هكذا أماكن تقول الأم، بدأتُ أشعر بالخوف عليه من هذه الرحلة، وأفكر جدياً أن أمنعه من الذهاب لكثرة ما يتحدث عن الموضوع. يُقاطعها أحمد قائلاً أريد الذهاب فأنا أحب الملاهي ومنذ سنتين لم أذهب وألعب. كلُّ عطلة أحد نذهب إلى السكَّة فقط ونتنزه، لا يوجد شيء هناك، أريد ألعاباً وبلاي ستايشن كي لا أبقى في الشارع تحت الشمس، أريد أن ألعب في المنزل لكن بماذا ألعب»؟!

أرقام مقلقة حول واقع اللاجئين

الدراسات حول واقع الفلسطينيين كثيرة والمؤشرات خطيرة. الباحثون متشائمون من مجمل الظروف التي يواجهها الجيل الفلسطيني. دكتور علم اجتماع المعرفة وعالم النفس العيادي سلمان قعفراني، أجرى ثلاث دراسات حول «العنف ضد الأطفال الفلسطينيين» و«الآثار النفسية للحرب على أطفال مخيم البارد» و«المخدرات في مخيم عين الحلوة وصيدا القديمة»، في دراسته الحديثة حول المخدرات التي تمولها جمعية «عمل تنموي بلا حدود»، تم اختيار عيِّنة من خمسمائة شاب فلسطيني، تتراوح أعمارهم ما بين 12 و25 سنة، أجابوا عن سؤال محدد حول إذا ما سبق لهم وجربوا الحشيشة أو الكوكايين أو الدخان والكحول والنرجيلة وغيرها. لقد صرَّح 30 في المائة من الشبان أنهم اختبروا سيجارة الحشيشة، و50 في المائة منهم يعرفون أصدقاء يتعاطون الكوكايين، و60 إلى 70 في المائة اختبروا الحبوب المهدئة. الدكتور قعفراني أكد أن «الحبوب المهدئة يتناولها شباب المخيمات كالسكاكر، علماً أن لها مفعول المخدر تماماً, وخصوصاً الهيرويين إذا ما تناولها الإنسان مع الكحول». وقال «فوجئت خلال إجراء الدراسة بانتشار مادة التنر على مستوى عالٍ بين الشباب، فأكثر من نصف العينة جرَّبوا تنشق التنر، والأخطر من ذلك أن الحبوب المهدئة والمخدرة تصل بسهولة إلى المخيمات عبر تجار السوق السوداء. إن كل ما هو غير موجود في لبنان موجود في المخيمات الفلسطينية، والأخطر أن المخدر مضروب، فالتجار يستخدمون بودرة الأطفال أوالحجارة وغيرها، يسحقونها لتصبح ناعمة ويبيعونها للشباب على أساس أنها كوكايين».

الدراسة نفسها أظهرت أن 15 في المائة من أفراد العينة لا يملكون أوراقاً ثبوتية، بمعنى أنهم يتحولون إلى حبيسي المخيم نتيجة الإجراءات التي تفرضها الدولة اللبنانية على مداخل المخيمات. وأشارت الدراسة إلى أن الشباب يتوزعون على ثلاث فئات: 18 في المائة منهم ينضوون في إطار التنظيمات الفلسطينية، آخرون عاطلون عن العمل، والباقون يمارسون أعمالاً يومية. وأظهرت الدراسة أن نمط الشخصية الفلسطينية متوتر، وأن نسبة كبيرة من الشباب يعانون الخوف ويفتقدون الاستقرار، وأن 60 في المائة يصفون أنفسهم بالمتوترين ومعظمهم من المدخنين. وتُبيِّن نتائج البحث أن المشكلة الأكبر في المخيمات الفلسطينية هي التسرب المدرسي، فالمدرسة لم تعد تحظى بأي احترام ومن يتابعون تعليمهم هم نسبة قليلة لا تتجاوز 7 في المائة. وأشار قعفراني إلى أن التلميذ الذي يتسرب من المدرسة، لا مهنة لديه، ومسكنه رديء والبنية التحتية عنده مدمرة، فيصبُّ مباشرة في خدمة سوق العمل الاستغلالي والمتوحش. يقضي أوقاته في الشارع ذهاباً وإياباً، تتكون لديه مفاهيم سيئة حول الرجولة والقبضنة وأخذ حقه بنفسه، وذلك كله يؤدي إلى أنماط سلوكية سيئة». يضيف: «في ظل هذا الواقع لا يعود أمام الشباب إلا الخروج من المخيم وتحدي ظروفهم الصعبة أو الغرق في الدين، ذلك أن المجموعة الدينية تُشكل نوعاً من الحماية لهؤلاء الشباب، وبالتالي تتكوَّن لديهم بنية ثقافية واجتماعية وفكرية قاتمة، وبنية عنفية أيضاً. تصبح المخيمات مأوى للإرهابيين، وأكبر دليل على ذلك أن عدداً كبيراً من شباب المخيمات الفلسطينية في لبنان ذهبوا وقاتلوا ضمن مجموعات معروفة في حرب العراق». وأكد أن كل الأبواب السيئة مفتوحة أمام النشء الفلسطيني، وبحجة الخوف من التوطين الذي يجردهم من حقوقهم، سيجدون أنفسهم يمارسون مكرهين أموراً كثيرة. إنهم قنابل نووية موقوتة سيأتي وقت وتنفجر شظاياها في كل مكان.

 

ثناء عطوي