إقبال شاعر أسس دولة! عبدالتواب عبدالحي

ليس أغرب ما في حياة شاعر الشرق محمد إقبال وسيرته، أنه خاض بحار الشعر، وأسرار ال " خودي " أو النفس.. ودار في دروب السياسة والفلسفة والقانون والاقتصاد وآداب اللغات.. لكن الغريب أنه لعب دوراً رئيسياً في إنشاء دولة باكستان.. ولولاه ما كان للمسلمين، في شبه القارة الهندية، دولة مستقلة! .

... والقصة تستأهل عناء الترحال، إلى موطن إقبال!

من عشقي لشاعر الشرق العظيم محمد إقبال.. عايشته وبحثت سيرته: في الكتاب. والمكان. والزمان! تتبعته من موطن لموطن على أرض الواقع في باكستان.. من مسقط رأسه في مدينة سيالكوت إلى مدينة لاهور عاصمة البنجاب، ومركز الثقل الثقافي لباكستان كلها، حيث عاش فيها ومات. تنقلت معه من ديوان شعر لديوان.. حتى أوراقه الخاصة، وذكريات ابنه جافيد إقبال عنه.. وحتى مرقده الأخير في أحضان مسجد "بادشاهي" بلاهور!

على أن أخطر حقيقة اكتشفتها في بحثي بطول حياة إقبال، أنه لولاه ما استمر محمد علي جناح - مؤسس دولة باكستان- في العمل السياسي، ولولاه ما أنشئت للمسلمين في الهند دولة مستقلة! قادتني إلى هذه الحقيقة أحداث قصة واقعية. كان ذلك صيف سنة 1936. تعقدت أمور السياسة في الهند، وسد الإنجليز كل المنافذ أمام أي أمل في الاستقلال. وبذرة إنشاء دولة للمسلمين في الهند، كانت مجرد جنين في بطن استقلال شبه القارة الهندية كلها.. كانت جزءًا من كل، فإذا استعصى الكل، استحال الجزء!

وسافر محمد علي جناح إلى لندن، وفي نيته أن يعتزل النضال، ويضع نهاية لعمله السياسي! امتلكه اليأس والإحباط، لولا أن كتب له إقبال خطابًا ملهماً مشحوناً بالوطنية والحث على استئناف النضال.. قال له في سطوره الأخيرة: " إنك المسلم الوحيد في الهند الذي تنظر إليه جماعة المسلمين ليرشدها إلى طريق الخلاص"!..

... كان لهذا الخطاب فعل السحر، وكأنه شحنة من كهرباء. استعاد عمد علي جناح نفسه. قطع إقامته في لندن، وعاد إلى الهند. استأنف النضال بروح تثب فوق تلال الصعاب. عقد مؤتمراً عاماً لمسلمي الهند، في لاهور، 23 مارس 1940.. واتخذ المؤتمر قراراً محدداً: إنشاء دولة لمسلمي الهند، تشمل ولايات البنجاب والحدود الشمالية والسند وبلوثسستان! ونشط تشودري رحمة علي، الطالب بجامعة كمبريدج، يرسم الخرائط المساحية للوطن المسلم الجديد. وابتكر للدولة اسما: باكستان. الباء أول حرف في ولاية بنجاب. والكاف من كشمير. والسين من السند. ومقطع "تان" من بلوشستان!.. وإن قال البعض بتفسير آخر للاسم: "باك" بمعنى نقي في اللغة الأوردية. و"ستان" بمعنى مكان العيش. باكستان إذن، طبقاً لهذا التفسير، هي: أرض الأنقياء! وفي 14 أغسطس 1947، أعلن رسمياً ميلاد باكستان، دولة مستقلة لمسلمي الهند. تحقق الحلم! إلا أن حلم الدولة كان له في وجدان إقبال تاريخ قديم. في 29 ديسمبر1930، أمام مؤتمر لمسلمي الهند بمدينة الله أباد، ألقى محمد إقبال خطاباً سياسياً جامعاً.. فيه قال: " إن من صالح الإسلام والمسلمين في جنوب آسيا أن تكون لهم دولة مستقلة، في الأقل في ولايات الشمال الغربي من شبه القارة الهندية، حيث تتركز الأغلبية الهندية المسلمة.. ويبدو لي أن هذا هو المصير النهائي للمسلمين في تلك المناطق"! وكان هذا الخطاب هو النبوءة المبكرة بإنشاء دولة باكستان.. وإن تطور فكر إقبال، تاليا، بمناقشاته ومحاوراته مع محمد علي جناح، ليتسع نطاق الدولة المأمولة ليشمل البنغال في شمال شرق الهند.. والذي انفصل بعد سنرات من إنشاء باكستان، تحت اسم "بنجلاديش"!

ومازالت أشعار إقبال وأفكاره السياسية تتردد على ألسنة الكثيرين من المثقفين ورموز السياسة الباكستانية. وفي لقاءاتي مع الرئيس الراحل محمد ضياء الحق، كثيراً ما سمعته يستشهد بشيء من أشعار إقبال، ويقول: " كان إنشاء الدولة المسلمة هو هدفه الأسمى الذي صاغه شعراً.. ونثراً.. وخطابة "!

أشعار عميقة.. ورسالة أكثر عمقاً

ابتدرني جافيد إقبال، رئيس المحكمة الشرعية العليا في لاهور، وابن الشاعر الفيلسوف السياسي الاقتصادي القانوني محمد إقبال: "ليس عندي كثير أضيفه إلى سيرة أبي الراحل، فوق ما ذكرته عنه في كتابي زنده رود.. أو: نبع الحياة الدائم ".. ثم أهداني الكتاب الضخم بأجزائه الثلاثة. سهرت على الكتاب 4 ليال متواصلة. كنت كلما أزددت معرفة بإقبال، تضاعف عطشي إلى سيرته الحية!

زرت بيت العائلة الذي ولد فيه إقبال بمدينة سيالكوت، مسيرة 85 كيلو متراً، من لاهور. يسمونه منزل إقبال " Iqbal Manzil". وهو الآن متحف ومزار تاريخي. زرت كذلك بيته الذي بناه في لاهور، وعاش فيه حتى مات. بناه وأسماه باسم ابنه جافيد - جافيد بالأوردية تعني: الخالد الدائم !- ثم وهبه له حال حياته، وظل يدفع لابنه كل شهر 50 روبية إيجاراً! وختمت الزيارة الباحثة بمقبرته في أحضان مسجد بادشاهي العظيم بلاهور، وقرأت الفاتحة على روحه، وما تيسر من آي الله!

والسباحة في بحر إقبال عملية مضنية. أشعاره عميقة وعويصة، حتى على من يجيدون اللغة الأوردية! وقد كانت رسالته في الحياة أيضاً عميقة وعويصة.. كان هدفه الذي يصوب عليه دائماً: تدمير الأساطير المزيفة، وعبادة الفرد.. وإفساح الطريق واسعاً بين المخلوق والخالق مباشرة! وكان أميناً مع الحياة، ومع تعاليم الإسلام. اقرأه يقول: "عبِّد طريقك بفأسك.. فالطريق إلى جهنم، أن تطأ طريق غيرك"!

في الجانب العقائدي، كان محمد إقبال يؤمن بضرورة تحريرعقل المسلم من عقم خمسة قرون من النعاس والظلم. وكخطوة أولى، كان يرى تطهير الطريق إلى الله من آفة عبادة الفرد، ومن المرائين الذين يتظاهرون بالصلاح والتقوى " Pharisees". وكان ينشد:

قوموا.. أيقظوا فقراء العالم من سُباتهم..

هزوا شبابيك البيوت.. والحيطان..

دمروا كل آثار الماضي البغيض..

ابحثوا عن الحقول الجدب التي لا تنتج للفلاح خبز يومه..

اجمعوا محصولها.. وفي الفرن احرقوه!

انفوا من بيوت الله كل واعظ يعظ..

بغمغمات ثقيلة تسدل حجاباً بين العبد والخالق!

وفي الجانب السياسي، كان إقبال ضد التعصب. يعشق الحرية. هي عنده شيء لابد منه " Sine que non" لتنمية النقس، وازدهار الذات. يقول إقبال: في ظل العبودية، تصاب الحياة بهزال شديد، وتتضاءل حتى تصبح كنهير صغير. بينما تزدهر في ظل الحرية وتتعاظم، حتى لتصبح محيطا ًبلا شطآن"!

وكان إقبال محباً للديموقراطية. وضد الأوتوقراطية وحكم الفرد. نشرت له "الجريدة المدنية والعسكرية" في الهند، 30 يوليو 1930، رسالة بليغة.. فيها يقول: " إن ظن أحد أن الديموقراطية تشبه نزهة حالمة في بحيرة اللوتس، فهو لم يقرأ في التاريخ كلمة! الحقيقة عكس ذلك تماماً. إذ إن الديمرقراطية تطلق كل أنواع الطموح والإلهام والهموم والآلام التي كبتها حكم الفرد، أو عجز عن تحقيقها!.. وهي في الغالب هموم وطموحات لا يمكن تحقيقها كاملة. لكن بمناقشتها على نحو مفتوح، في الصحافة والبرلمان، يتعلم الناس كيف يقبلون حلولاً لهمومهم وطموحاتهم، قد لاتكون حلولاً مثالية، لكنها حلول عملية قي نطاق ظروف العصر ومعطياته. والحكومة الديمرقراطية تواجه عادة بعض الصعوبات في إدارة شئون الحكم،. لكنها صعوبات أثبتت الخبرة الإنسانية، عالمياً، أنه من الممكن التغلب عليها "!. .. وفي رسالة أخرى نشرتها له الصحيفة نفسها، 28 مايو 1937، يقول إقبال: " إن قبول الإسلام للديموقراطية الاجتماعية، في صورة تتواءم مع مبادئه الشرعية والقانونية، لايجوز أن يعتبره البعض ثورة. إنه مجرد عودة إلى النقاء الأصلي للشريعة الإسلامية"!

... ولبعض هذا، أو لكله، كان محمد علي جناح يطلق على إقبال لقباً طويلاً: " النافخ في بوق فكر الإسلام وثقافته.. وبشير نهضة المسلمين "!

عندما توقفت الساعة

من هو محمد إقبال؟ من أين جاء؟ وكيف قطع خطاه على خط الحياة؟ وخاض بحر الشعر، وأسرار ال "خودي " أو النفس، ودار في دروب السياسة والفلسفة والقانون والاقتصاد؟ ثم : كيف الآن مرقده؟!

هو، في الأصل، من كشمير. الجد كشميري، نزح إلى مدينة سيالكوت العاصمة التاريخية القديمة لولاية البنجاب، أواخر القرن ال 18. لكن أي جد فيهم؟ ربما كان جده الأكبر الشيخ جمال الدين، أو جده الأول الشيخ محمد رفيق! أما أبوه، الشيخ نور محمد، فالمؤكد أنه ولد في سيالكوت. إذن هو يحمل اسماً كاملاً بهذا الطول: محمد إقبال نور محمد محمد رفيق جمال الدين. لاحظ أن الأسماء ثنائية!

ولدته أمه السيدة " إمام بيبي" في بيت العائلة بسيالكوت، يوم 3 ذي القعدة سنة 1294 هجرية، الموافق 9 نوفمبر 1877. وقد رأيت ساعة الحائط في غرفة نومه ببيته "جافيد منزل " بلاهور، وهي متوقفة بالضبط على لحظة موته: الرابعة وثلاث دقائق، فجر 21 أبريل 1938. تحسب عمره باليوم والساعة والدقيقة، تجده: 22077 يوماً. و4 ساعات. و 3 دقائق!

تدخل بيت العائلة، أو منزل إقبال بمدينة سيالكوت، يملأ أنفك عبق التاريخ. جده الشيخ محمد رفيق، اشترى هذا البيت في فبراير 1861. من الصعب تحديد الغرفة التي ولد بها إقبال، لكنها على الأرجح واحدة من غرف ثلاث، في مؤخرة المنرل ذي الطابقين. وفي إحدى هذه الغرف أيضاً، ولد ابنه "جافيد"، في 5 أكتوبر 1924. ظل أقبال يعيش في هذا البيت حتى الصف للتاسع الدراسي، ثم انتقل إلى لاهور ليواصل دراسته. لكنه لم ينقطع عن زيارته، كل إجازة صيف، وكأنه على موعد غرامي! وفي هذا البيت تلقى دروسه الأولى على يد والديه، ثم شقيقه الأكبر الشيخ عطا محمد، ومعلمه الخاص شمس العلماء سيد ميرحسان، والشاعر ميرزا داغ حاكم ولاية دلهي، الذي كان أول من رصد في إقبال وميض شرارة الشعر! هنا أيضاً كتب إقبال أول قصيدة شعر، فبراير 1900، وعمره لا يتجاوز 23 سنة.. إنها "ناله يتيم"، أو "صرخة يتيم".. فيها يصور بؤس اليتيم، وانعدام إحساسه بجذوره، وضياعه!

أما أبوه الشيخ نور محمد، فكان يقرأ أعماله قبل الطبع. وكان معجباً بصفة خاصة بأشعار ديوانه " أسرار النفس ".. أو "Asrar-i-Khudi".. يترنم بأبياتها بلذة وفخار، كلما خلا لنفسه!

بعد وفاة أبيه، سنة 1930، تنازل محمد إقبال عن البيت لأخيه الأكبر الشيخ عطا محمد. ثم اشترت الحكومة الباكستانية البيت سنة 1971، لقاء 125 ألف روبية، رممته وحولته إلى متحف وأثر تاريخي!

مزيج من الثقافات

كان إقبال متمكناً من اللغة العربية، فقد حصل على درجة البكالوريوس فيها من جامعة البنجاب بلاهور. لهذا ترصد في أشعاره كثيراً من الألفاظ العربية، إلى جانب الكلمات التركية والفارسية، وكلها موظفة ومذابة في اللغة الأوردية! حصل بعد ذلك على إجازة القانون من جامعة لندن، سنة 1905. ثم الدكتوراه في الفلسفة، من جامعة ميونيخ، سنة 1907، وكان موضوع رسالته: "تطور ما وراء الطبيعة في فارس". اشتغل لفترة مدرساً في المدرسة الشرقية بلاهور، ثم الكلية الإسلامية. بعدها هجر مهنة التدريس، واشتغل بالمحاماة!

كان آية في القناعة، نفقاته الشهرية لا تتجاوز 500 روبية، ولهذا فإنه لا يقبل من القضايا أكثر مما يكفل له هذا المبلغ المتواضع! ثم ازدهر مالياً نسبياً عندما بدأت الشركات الهندية تسجل قصائده على أسطوانات دفعوا له 50 روبية عن الأسطوانة، ارتفعت بعد ذلك إلى 150 روبية.. أي ما يعادل 5 دولارات بأسعار هذه الأيام!

تزوج إقبال في حياته 3 مرات. الأولى: كرم بيبي، وأنجب ولداً اسمه أفتاب، توفي أخيراً في كراتشي ودفن بها. والثانية: مختار بيجوم، ولم ينجب منها. والثالثة: صدار بيجم، وأنجب منها ابنه جافيد، وابنة اسمها منيرة.. سيدة بيت، مازالت حية ترزق! وكان إقبال كثير الأسفار. زار معظم دول أوربا. صلى في مسجد قرطبة بإسبانيا، ومن وحيه كتب قصيدته الشهيرة: مسجد قرطبة " Masjid-i-Qortoba" .

وزار القدس، أم المدائن، ليحضر بها إحدى دورات المؤتمر الإسلامي. ثم زار كابول، العاصمة الأفغائية، سنة 1933، وشارك في وضع سياسة جديدة للتعليم هناك. وعاد منها ليكتب قصيدته مسافر " Musafir ". لكنه سقط مريضاً بالحمى، وظل يعاني من المرض شهوراً طويلة!.

لإقبال 10 دواوين تضم كل أشعاره. أولها ديوان "أسرار النفس".. فيه يؤكد، على امتداد 156 صفحة باللغة الفارسية، أن شكل الحياة إنما يأخذ ثأثيراته من نفس الإنسان!.. وآخرها ديوان "رسالة من الحجاز"، أو " Armughan-i-Hijaz".. لم ينشر إلا في نوفمبر 1938، بعد وفاته بستة شهور! ومثلما نظم إقبال، نثر.. له كتابان فقط: "علم الاقتصاد". و"تاريخ الهند"!

في بيته "جافيد منزل" بلاهور، تجد كل شيء على ما كان عليه في حياته: ملابسه، قمصانه، وأغلبها بغير ياقات، كموضة أيامنا هذه! وملابسه تشي بأنه كان متوسط القامة. طوله في حدود 5 أقدام وبضع بوصات. ومقاس رقبته 16.5 بوصة.. أي أنه كان ربعة، يميل إلى الامتلاء. يؤكد ذلك ما عرف عنه من أنه كان شغوفاً بألوان الطعام. وكان يعشق، بصفة خاصة جداً، فاكهة المانجو!.. منعه طبيبه من الإكثار منها، فقد كان يعاني من الربو والحساسية.. لكنه زاره مرة، فوجده يلتهم حبة مانجو في حجم الشمامة.. عاتبه.. رد إقبال: "يا سيدي الطبيب.. إنها، كما قلت لي، حبة مانجو واحدة"!.. وقد أصابته الحساسية والربو باختناق، أواخر أيامه، لازمه حتى أودى بحياته!

وكان إقبال يدخن " الهُكَّة"، وهي تحريف لكلمة "الحُق " بضم الحاء، بمعنى الوعاء الصغير من المعدن وغيره. إنها الشيشة أو النرجيلة. تجدها بجوار سريره جاهزة! وكان إقبال يلازم غرفة نومه كثيراً. وغالباً ما يتناول طعامه بها. ويقوم على خدمته " علي بكْش " خادمه الخاص!

ومازالت غرفة صالون بيته على ما هي عليه. لو تكلمت مقاعدها لحكت الكثير مما دار بين إقبال، ومحمد علي جناح، والبانديت نهرو، في لقاءاتهم العديدة الطويلة في المكان نفسه.. في ماضي الزمان!

وكان إقبال يحب ابنه جافيد، لكنه كان متعلقاً بابنته منيرة أكثر.. عندما مات كان جافيد في الأربعين من عمره، بينما لم تكن منيرة قد جاوزت 8 سنين.. لهذا كان قلقاً عليها، وظل يردد اسمها كلما أفاق من أزمته الربوية، حتى أسلم الروح!

5 آلأف كتاب عن إقبال

أين شاعر الشرق الآن، والأب الروحي لباكستان.. وكيف مرقده؟!

كان من خطط محمد علي جناح، أن يبني لإقبال مقبرة عظيمة، ينقل إليها رفاته، فور الاستقلال وإعلان ميلاد دولة باكستان، في 14 أغسطس 1947.. لكن الأحداث السياسية الجسام أخرت بناء المقبرة حتى سنة 1951 !

وضع تصميم المقبرة المهندس الباكستاني نواب يارجانج بهادور. في خطوطها مزيج من العمارة الأندلسية والأفغانية. وقد بنيت في أحضان المسجد الكبير، مسجد بادشاهي بلاهور، فيما بين مدخله الرئيسي وإحدى مآذنه. وهي مبنية بالحجر الرملي الأحمر. وداخلها مبطن بالرخام الأبيض، منقوش عليه 6 أبيات من قصيدة لإقبال.. مع أبيات من قصائد أخرى تعبر عن موقفه الصارم من التفرقة العنصرية بين بني الإنسان. أما رخام اللحد فجاء هدية من الحكومة الأفغانية!

وقفت قبالة لحد إقبال أقرأ الفاتحة وما تيسر من آي الله قبل أن أدلف إلى مسجد بادشاهي لأصلي الظهر، وأحتمي لبرهة من شمس لاهور اللاسعة! سوف تصاب بالحيرة، أشد الحيرة.. إن أنت فكرت في أن تقرأ كتاباً عن إقبال.. عنه صدر حتى الآن خمسة آلاف عنوان، باللغات الحية.. والاختيار أمامك مطلق!