قاعة الفن الإسلامي في المتحف البريطاني أمينة خيري

شاهد على عظمة عصر من عصور التاريخ

كثير من تحف الفن الإسلامي هاجرت من موطنها . وقد تحولت إلى علامات مميزة تدل على دقة الصانع الإسلامي والازدهار الفني الذي عاشه في ظل هذه الحضارة . والمتحف البريطاني يحتوي على واحدة من أشمل وأهم المجموعات الفنية الإسلامية .

ثلاثة عشر قرنا هي عمر الفن الإسلامي، برزت من خلالها ألوان شتى من الإبداعات: نحت ورسم وموسيقى وشعر ونسج وخط عربي، نمت وتطورت عبر العصور، واتخذت أشكالا مختلفة في ظل الدول المتعاقبة على حكم العالم الإسلامي : فهذه أدوات فخارية وزجاجية ومشغولات من البرونز والفضة تعود إلى العصر الأموي، وتلك أوان خزفية بتصميمات براقة صنعت في بغداد أيام الحكم العباسي ، وتلك المساجد في مصر وسوريا . بنوافذها ذات الزجاج المعشق بألوانه البديعة، وغيرها آلاف الأمثلة التي تدل على عظمة ذلك الفن والذي يعكس بالتالي ثراء تلك العصور واهتمامها بالفن والفنانين.

من القرن الأول حتى يومنا

وقاعة جون آديس للفن الإسلامي التي تقع في واجهة المدخل الشمالي للمتحف البريطاني هي عرض تاريخي مسلسل للفن والثقافة الإسلامية. تعكس المعروضات تأثير الثقافات والحضارات المتوارثة عن الفن الإسلامي وتسلسلها الزمني، وتلخص تاريخ الفن والتصميم في العالم الإسلامي من مشارقه ومغاربه.

وأكثر من سبعين في المائة من المعروضات وصلت إلى المتحف هدايا أو منحا ، أو ابتاعتها إدارة المتحف من هواة جمع التحف. ولعل أقدم مجموعة حصل عليها المتحف - وكانت العامل الرئيسي وراء اتخاذ قرار تأسيسه في عام 1753 - هي مجموعة سير هانز سلون الذي أهدى المتحف 80 ألف قطعة فنية، كان أبرزها 9 أسطرلاب " - آلة فلكية قديمة لقياس ارتفاع الشمس أو النجوم - من النحاس الأصفر ومبطنة بالفضة، صنعها الفلكي الفارسي عبد العلي، ونقش، عليها اسم حاكم فارس شاه سلطان حسين ، وهربت الآلة إلى أوروبا بعد عزل الحاكم في عام 1736.

وتأسس " قسم الأنتيكات الشرقية " على يد مدير المتحف سير أغسطس وولاستون فرانكس في عام 1851 الذي تمكن من جمع عدد لا بأس به من التحف الإسلامية عن طريق صلاته العديدة بهواة جمع التحف والعاملين في هذا المجال والرحالة الذين توافدوا على الشرق الإسلامي.

مجموعة عاشق الشرقيات

ومن أهم المقتنيات التي ابتاعها سيى فرانكس إبريق من البرونز ومطعم بالفضة ، مزدان بنقوش بالغة الدقة لأحد أمراء العراق، كما حفر على الإبريق مكان وتاريخ صنعه وهما الموصل في عام 1232.

وتمكن سير فرانكس كذلك من الحصول على مجموعة فنية مهمة من عالم الأعراق البشرية هنري كريستي، وهي عدد من الأختام المنقوشة، إضافة إلى أعمال من الزجاج المعشق من أحد الهواة هو فليكس سليب ، ومشغولات معدنية من المصمم المعماري ويليام بيرجس ، ومجموعة متنوعة من الأسلحة والدروع و 300 قطعة خزفية من جون هندرسون.

وعلى مدى المائة والخمسين عاما التي تلت، أخذت المجموعة تزداد عددا وتنوعا، وتطورت حتى أصبحت شبه مكتملة وممثلة للحقب المختلفة للعصور الإسلامية في عام 1983 حين أهدت ابنة فردريك دى كان غودمان مجموعة والدها الخزفية إلى المتحف.

وحتى عام 1989 ، ظلت هذه المقتنيات مبعثرة في أنحاء متفرقة من المتحف، بعضها قسم حسب المنطقة التي صنع فيها، والآخر حسب تاريخ الصنع، فقررت إدارة المتحف تجميعها في قاعة واحدة تبرع بتكاليف تجهيزها سير جون آريس أستاذ العلوم الصينية وسفير بريطانيا السابق لدى الصين وعضو هيئة أمناء المتحف.

تأثيرات حضارية وعوامل مشتركة

وتمثل المقتنيات المعروضة في مدخل القاعة نموذجا لتأثيرات حضارات مثل الساسانية والبيزنطية على الفنون الإسلامية، والتجديدات التي طرأت على الفن الإسلامي، وأبرزها الخزف اللامع - والذي نقله الأوربيون وأضافوه إلى فنونهم فيما بعد.

وتنقسم " قاعة جون آريس " إلى قسمين يمثلان تطور الفن في العالم الإسلامي بشطريه الشرقي- الذي يشمل المناطق الواقعة بين إيران والهند - والغربي من مصر إلى العراق.

ويمكن تقصي آثار كل منطقة وبيئتها ومجتمعها على الفنون التي ظهرت فيها.

وتشترك جميع المعروضات في ثلاثة عوامل أساسية هي: استخدام الخط العربي بكثرة ة واستخدام الخطوط والتصميمات الهندسية والأرابيسك ، والابتعاد عن تصوير الأشخاص سواء بالرسم أو النحت أو الحفر.

ومن أبرز المعروضات في " قاعة جون آريس " مجموعات البلاط الملون ذات التصميمات الهندسية المعقدة والتي كانت تستخدم على نطاق واسع في المساجد والمقابر والقصور، ومنها مجموعة من البلاط الملون بالمصيص تعود إلى القصور العباسية في القرن التاسع الميلادي.

وتحتل الأعمال الفنية التركية مكانة بارزة في القاعة لدقتها المتناهية وتباين نوعياتها، وتشمل أطباقا وأواني من الزجاج والفخار بنقوشات إسلامية وآيات قرآنية، ومصابيح مساجد، وبلاطا ملونا.

وللأعمال الهندية الإسلامية جانب كبير في المعرض، وتمثل أدوات الزينة نسبة كبيرة منها، وأبرزها مجموعة كاملة مكونة من سكين وخنجر وحزام مرصعة كلها بالأحجار الكريمة ومطعمة بالذهب ويعود تاريخها إلى القرن السابع عشر في الهند.

وقد خصص منتصف القاعة لعرض مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية. حيث زينت الأرض بسجادة كبيرة صنعت قبل أعوام قليلة في قرية سليمانكوي في غرب تركيا بالطريقة التقليدية لصناعة الغزل والنسيج وباستخدام الأصباغ المصنوعة من الأعشاب الطبيعية.

ويحرص المتحف البريطاني على عرض بعض الأعمال من الفن الإسلامي الحديث للتأكيد على التطور الدائم الذي يشهده الفن الإسلامي، ولعل أحدث هذه المعروضات لوحة للخط العربي للفنان المصري أحمد مصطفى أنجزت عام 1983 .

وزائر المتحف لا يسعه إلا أن يقف مبهورا أمام معروضات المتحف الإسلامي، فهي نموذج حي يخلد أفضل ما أخرج العالم الإسلامي من فن ، هو شهادة على عصور ذهبية في التاريخ الإنساني، كما يعد شاهدا على حقبة كانت بحق من أفضل حقب التاريخ وأكثرها تنويرا.