كلمتان أماني العشماوي

كلمتان

قصـة للكاتبة الأرجنتينية إيزابيل الليندي

اسمها "بليسا كريبوسكولاريو"، لم يكن هذا اسمها بالتعميد، ولم تطلقه عليها أمها، وإنما هي التي نقبت حتى وجدت قصيدة "الجمال والشفق " فتدثرت بها، مهنتها بيع الكلمات، كانت ترتحل عبر البلاد من الجبال المرتفعة إلى الشواطىء المحرقـة، متوقفةً في الأسواق والمهـرجانات حيـث تنصب خيمتهـا ذات الأعمدة الأربعـة، التي تستظل بها من الشمس وتحتمي من المطر، ومنها تقدم خدماتها لعملائها.

لم تكن تعلن عن بضاعتهـا، فالجميع يعرفونها من أسفارها القريبة والبعيدة، وينتظرونها من العام إلى العام التالي فيصطفون أمام مربطها حـالما تظهر في القرية حاملة صرتها تحت ذراعها.

كانت أسعارها معتدلة، تقدم أشعاراً من وحي الخاطر بخمسة سنتافو، وبسبعة سنتافو تفسر الأحلام، وبتسعة سنتافو تكتب رسائل غرامية، وباثنى عشر سنتافو تبتكر هجاءً لألد الأعداء، كذلك كانت تبيع الحكايات، ليست قصصاً خيالية، وإنما روايات حقيقية طويلة، ترويها بتتابع وبلا توقف دون أن تسقط منها كلمة واحدة، وهكـذا كـانت تنتقل الأخبار من مدينة لأخـرى، وكان الناس يدفعون لها لتضيف سطراً أو سطرين، كأن تقول: أنجبنا ولداً، توفي فلان، تزوج أحد الأبناء، احترق المحصول في الحقل، أينما تذهب يتجمع حولها الناس فيعرفـون أخبار بعضهم البعض، أحـوال الأقـارب أحـداث الحرب الأهلية.

وفي مقابل خمسين سنتافو تُقدم كلمة سرية تُبعد الحزن والكـآبة، وبالطبع فإنها لم تكن ذات الكلمة للجميع، فـذلك يعتبر تضليلا جماعياً، وإنما يتلقى كل فرد كلمتـه الخاصـة به وحـده مع التأكيد أنه الوحيـد في هذا العالم والحياة الأخرى الذي يمتلك هذه الكلمة.

ولدت "بليسـا" لعـائلة شـديدة الفقر، حتى أنهم لم يكـونوا يمتلكـون أسماء يمنحونها لأبنائهم، ونشأت في أرض جرداء غير مضيافـة، في بعض الأعوام تتحـول الأمطار إلى سيول تجرف أمامها كل شيء، وفي أعوام لا تسقط السماء قطرة ماء واحـدة، وتتضخم الشمس حتى تملأ الأفق، ويتحول العالم إلى صحراء قـاحلة، حتى سن الثـانيـة عشرة، لم يكن لبليسـا من عمل أو كفـاءة إلا التصدي للجوع واستنزاف السنين، وفي إحدى نوبات الجفاف اللا متناهية كان عليها أن تدفن أربعة من إخوتها، وعندها أدركـت أنها ستكون التالية، فرحلـت جنوباً عبر السهول باتجاه البحر آملة أن تخدع الموت بهذه الرحلة.

كانت الأرض قاحلة، تملـؤها الشقوق وتغطيها الصخور وبقايا الأشجار والأشواك وعظام الحيوانات، ومن حين لآخر كانت تلتقي بعائلات متجهة مثلها للجنوب متتبعة السراب، كـانوا يبدأون المسير حاملين أمتعتهم على ظهورهم أو في عربات صغيرة ثـم يعودون فيتخلون عنها بعد قليل من شدة الإنهاك، كـانوا يجرون أقـدامهم وقد تشققت جلـودهم فأصبحت كجلـود السحـالي، والتهبت أعينهم من وهـج الشمس، كـانت "بليسا" تلوح لهم ولكنها لم تكن تتوقف، إذ لم تكن تملك من القوة ما يمكن إهداره في التعاطف مع الآخرين.

كان الناس يتساقطون على جنبات الطريق، أما هي فكان لديها من الصلابة ما مكنها من البقاء على قيد الحياة في ذلك الجحيم والوصول لأول مجرى ماء صغير يُغذي بعض النباتات الهزيلة، ويتحول تدريجيا باتجاه الجنوب إلى جداول ومستنقعات.

نجت "بليسا" من الموت وأثناء رحلتها تلك اكتشفت الكتابة مصادفةً، ففي إحدى القرى الساحلية ألقت الرياح بورقة من صحيفة عند قدميها، التقطت القصاصة الصفراء وأخذت تتأملها، عاجزة عن فهم كنهها، حتى تغلب فضولها على حيائها فتقدمت نحو رجل كان يحمم حصانه في البركة الموحلة التي كانت قد أطفأت منها ظمأها قبل قليل وسألته:- "ما هذا؟ "

"صفحة الرياضة." أجابها الرجل مخفيا دهشتـه من جهلها.

ذهلت الفتاة من الإجابة وحتى لا تبدو وقحة اكتفت بالاستفسار عن معنى الخطوط المتطايرة المبعثرة على طول الصفحة.

"إنها كلمات يا ابنتي.. تقول إن فريق "فولجينكو باربا" تغلب على "نيجروتيزناو" في الشوط الثالث."

في ذلك اليـوم اكتشفت "بليسـا" أن الكلمات تشق طريقها في هذا العالم مستقلة دون سيد، وبقليل من المهارة يستطيع الإنسان أن يتعـامل معها ويستغلهـا تجارياً، فقامت بتقييم لوضعها، وقررت أن بيع الكلمات سيكون بديلاً مشرفاً عن العمل عاهرة أو خادمة في مطبخ أحد الأغنياء، ومنذ ذلك الحين نذرت نفسها لهذه المهنة ولم يستهوها غيرها أبداً.

في بداية الأمر تصورت أن الكلمات لا تُكتب إلا في الصحف، ولكنها عندما أدركت الحقيقـة درست الإمكـانات اللامتناهية لحرفتهـا المتوقعة، ودفعت من مدخراتها عشرين بيزوس لأحـد القسس ليعلمها القراءة والكتابة، وبالعملات الثلاث الباقية اشترت قاموساً استغرقت في قراءته من أوله لآخره ثم ألقته في البحر، إذ لم يكن في نيتها أن تخدع عملاءها بكلمات معدة سلفا.

بعد سنوات وفي يوم من أيام "أغسطس"، كـانت "بليسا" تجلس في خيمتها محاطة بصخب السوق، تكتب مذكرة قانونية لعجوز يحاول الحصول على معاشـه منذ ست عشرة سنة، حين سمعت صيحـات عالية ووقع حوافر خيول، رفعت رأسها فرأت غيمة من الغبار.. ثم تبينت مجموعة من الفرسان مقبلة عبر الساحة، لقد كانوا رجال الكـولونيل بقيادة المولاتو، ذلك العملاق الشهير بسرعته في استعمال سلاحه وبولائه الشديد لزعيمه، فقد خـاضـا معاً غمار الحرب الأهلية، وارتبط اسماهما بالتخريب والدمار.

اندفع المتمـردون داخل المدينة كـالقطيع، يحوطهم الضجيج، محدثين زوبعة من الـرعب.. فطار الدجـاج وهربت الكلاب واختفت النساء والأطفال عن الأنظار، لم يبق في الساحة إلا "بليسا" التي لم تكن قد رأت المولاتو من قبل، فتعجبت حـين رأته مقبلاً نحوها.

"كنت أبحث عنك،" صاح ملوحا بسوطه.

وقبل أن ينهى كلماته اندفع نحوها رجلان فأسقطا خيمتها وبعثرا أدواتها وقيدا يديها وقدميها وألقيا بها على فرس المولاتو ثم انطلقوا هادرين نحو الجبال.

مضت ساعات قبل أن يتوقف الركب، كانت "بليسا" على وشك الموت عندمـا امتدت أربع أيد فأنزلتها، حاولت أن تنهض أو ترفع رأسها ولكنها انهارت مغشياً عليها.

انتبهت بعـد ساعـات على لغط المساء في المعسكـر، فتحت عينيها لتجد نفسها محدقة في عيني المولاتو نافذتي الصبر، قال:- "أخيراً أفقت يا امرأة. " ثم عرض عليها جرعة شراب مخلوطة بالبارود محاولا التعجيل بإعادتها لوعيها.

تساءلت عن سبب تعرضها لتلك المعاملة العنيفة، فأجابها أن الكـولونيل في حاجة لخدماتها، تركها تغسل وجهها بالماء ثم اصطحبها لأقصى المعسكر حيث يرقد الرجل الذي يرهبه الجميع في طول البلاد وعرضها ممددا على أرجوحته المربوطة بين شجرتين، لم تتبين وجهه الذي كانت تظلله أوراق الشجر، كما حجبت صورته عن خيالها السنوات التي أمضاها خـارجا عن القـانـون، ولكنها تصورت من الطريقة المتذللـة التي يحادثه بها مساعده العملاق أنه ذو ملامح شرسة قاسيـة، لذا فوجئت بصوته الرقيق المهذب ونطقه السليم كأنه أستاذ جامعي.

سألها:- "هل أنت بائعة الكلمات؟ "

"في خدمتك يا سيد.

" تمتمت وهي تتأمل ملامحه في الظلام.

وقف الكولونيل واستدار، فلم تر منه إلا لونه الأسمر وعينيـه اللتين تشبهان عيني نمر ضار، في تلك اللحظـة أحست أنها تقف أمـام رجل يعـاني من شعـور عنيف بالغربة عن هذا العالم.

"أريد أن أصبـح رئيسا للجمهورية. " أعلن لها.

كان قد أنهكه الترحال، جائبـا أرض الله المهجـورة، خائضاً غمار حروب غير مجدية، معانيا هزائم لا يمكن لأية حيلة أن تحولها إلى انتصارات، نام في العراء، تعرض للدغ البعوض، وتغذى بحساء السحـالي والثعـابين، ولكـن تلك المنغصات التافهة لم تكن هي دافعـه لتغيير مصيره، فالذي أزعجه حقيقة هو الرعب الذي كـان يراه في عيون الناس، كم تمنى أن يدخل المدن تحت أقواس النصر، محاطا بالرايات والأزهار، كم تمنى أن يُقابل بالهتاف أن يقدم له البيض والخبز الطازج، ولكن.. كـان الرجال يفرون أمامه، وترتجف الأطفال، وتسقط النساء حملهن من الرعب عنـد رؤيته، وفد كفاه ذلك.. ويريد الآن أن تصبح رئيسا للجمهورية.

أقترح المولاتو أن يتجهوا إلى العاصمة، فيقتحموا قمر الرئاسة ويستولوا على السلطة بدون استئذان، كما اعتادوا أن يستولوا على أي شيء آخر، ولكن الكولونيل رفض أن يصبح مجرد طاغية، فقد سبقه الكثيرون منهم، كما أنه بـذلك لن يكسب محبـة الناس أبـداً.. إن جل طموحاته أن يحصل على أصوات الناخبين في انتخابات ديسمبر المقبلة.

"لذا علي أن أتحدث كمرشح حقيقي." "هل تبيعينني كلمات خطـاب يصلح للحملـة الانتخـابيـة؟ " سألها الكولونيل.

كانت "بليسا" قد قبلت الكثير من المهام الغريبـة من قبل، ولكن تلك المهمة كانت الأولى من نوعها، إلا أنها لم تجرؤ على الرفض خـوفاً من أي يطلق المولاتو عليها الرصاص.. والسبب الأقوى من ذلك، خوفها من أن ينفجـر الكولونيل في البكـاء.. كما كان لديها دافع آخر لمساعدته، فقد أحست بدفقـة حنان جارفـة تسري بداخلها، وبرغبة عارمة أن تربت عليه وتدلله، أن تضمه بين ذراعيها.

ظلت "بليسا" طوال الليل وجزءا كبيرا من اليوم التالي تبحث في ذاكرتها عن كلمات مناسبـة للحملة الانتخابية، بينما كانت تحت رقابة المولاتـو، الذي لم يحول عينيه لحظة واحدة عن ردفيها المتماسكين وثدييها النضرين.

استبعدت الكلمات الجافة والباردة، والكلمات المتأنقة بشكل مبالغ فيـه، والمبتذلة من كثرة الاستعمال، والتي تقدم وعوداً لا يمكن تنفيذها، والكلمات الغامضة وغير الواضحة، حتى لم يتبق لديها إلا الكلمات التي تمس عقول الرجال وقلوب النساء.

بعـد أن استرجعت كل المعلـومـات التي حصلت عليهـا من القس مقـابل عشرين بيزوس، كتبت الخطاب المطلوب ثم أشارت للمولاتو فحل قيودها وقـادها إلى خيمة الكولونيل، وعندما وقع نظرها عليه، عانت مـرة أخرى من القلق الدافق الذي أصابها عندما رأته لأول مرة.

سلمته الورقة، فأمسكها بأطراف أصابعه، وألقى عليها نظرة خاطفة ثم قال:- "ماذا تقول هذه الورقة؟ "

سألته:- ألا تعرف القراءة؟ "

أجاب:- "الحرب هي كل ما أعرفه.

" قرأتها بصوت مرتفع، قرأتها ثلاث مرات حتى يحفرها عميلها في ذاكرته، وعندما انتهت، تأملت أثر كلماتها على وجـوه الجنود المجتمعين، كـما رأت عيني الكـولـونيل تشتعلان حماسـاً، فقد بات متأكدا من نيله منصب الرئاسة.

"مازال الجمع فـاغرا فاه بعد أن سمع الخطاب للمرة الثالثة، فلا بد أنه خطاب رائع فعلاً.

" أعلن المولاتو.

"حسن يا امرأة، بكم أدين لك؟ " سألها الزعيم

"بيزوس واحد يا سيدي. "

"هذا ليس بالكثير، " قال وهو يخرج حافظته المكدسة من عوائد غزواته.

"وبهذا البيزوس يحق لك الحصول على هدية إضافية" قالت بليسا: "سأقدم لك كلمتين خاصتين بك ".

سألها:- " لماذا؟ "

فشرحت له أنه في مقابل خمسين سنتافو تمنح عميلها كلمتين لاستعمالـه الشخصي فقط لم يكـن لدى الكولونيل أدنى اهتمام بعرضها هذا، ولكنه أراد أن يبدو لطيفاً معها وقد قـدمت له تلك الخدمة الممتازة. خطت بليسا نحوه، وانحنت لتقـدم له هديتها، تنسم الرجـل منها رائحة نفاذة لهرة جبلية، وأحـس بحرارة محرقـة تشع من ردفيها، ثم هبـت من أنفـاسها وهي تهمس له بـالكلمتين رائحة النعناع البري، قالت وهي تتراجع:- "إنهما لك وحدك من دون الناس، لك الحق في استعمالهما كـما تشاء".

رافق المولاتو "بليسا " حتى أول الطريق، كـانت عيناه تتفرعان كعيني كلب شارد، ولكنـه قوبل بسيل من الكلمات الغريبة التي لم يسمع مثلها من قبل عندما حاول التودد إليها، انطفأت رغبته لاعتقاده أنها لعنة ماحقة لا يمكن التخلص منها.

ألقى الكـولونيل خطابه مرات عديدة خلال أشهر سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر، ولولا أنه منحوت من كلمات وضاءة لا تبلى، لتحول إلى رماد من كثرة ما ردده، لقد تجول في طول البلاد وعرضها في جو احتفالي، متوقفا حتى في أصغر القرى حيث النفايات هي الدليل الوحيد على الوجود الآدمي، لإقناع إخـوانه المواطنين بالتصويت لصالحه في الانتخابات المقبلة.

وبينما هو يتحدث من أعلى المنصة في وسط الساحة، كان المولاتو ورجاله يفرقون الحلوى ويكتبون اسمه على الجدران باللون الذهبي البراق، لم يعر الناس أدنى اهتمام لتلك الحيل الـدعائية، إذ كـانوا مبهورين من أسلوبه الشعري ووضوح أفكاره. وقـد سرى فيهم حماسه وتوقه الشديد لتصحيح مسار التاريخ، لقد أحسوا بالسعادة لأول مرة في حياتهم.

بعد انتهاء الخطاب، كان الجنود يطلقون الرصاص في الهواء ويشعلون الألعاب الناريـة، ثم يرحلون مخلفين وراءهم موجة من الأمل تلبث في الهواء لعدة أيام مثل ذكرى رائعة لشهاب مضيء أنار حياتهم.

ما لبث الكـولونيل أن أصبح نجم الجماهير المفضل، لم ير الناس مثل تلك الظاهرة من قبل، رجل شق طريقه من أعماق الحرب الأهلية، تغطيـه الجروح والنـدوب ولكنه يتحدث كأستاذ جامعي، رجل عمت شهرته كل أرجـاء البلاد وسيطـر على قلوب النـاس، فسلطت الصحافـة اهتمامها عليـه، وسافر الصحفيون للقائه من أقصى الأرض ولترديد كلماته، كـما تزايد عدد أتباعه وأعدائه على السواء.

"إننا نتقدم تقدماً رائعاً يا كولونيل "، قال المولاتو بعد مرور اثني عشر أسبوعا من بدء الحملة الانتخابية، ولكن الكـولونيل لم يسمعه، إذ كان مشغولاً بترديد كلمتيـه السريتين كـما اعتاد أن يفعل في الفترة الأخيرة، خـاصة عندما كان يستبد به الحنين.

كـان يصطحبهما معه في نومه، ويحملهما في ترحاله، يتـذكـرهما قبل أن يلقي خطـابه الشهير، حتى أنـه كـان يرددهما لنفسه باستمتاع شديد في خلوته، وكلما تذكر هاتين الكلمتين، تذكر "بليسا"، فتشتعل حواسه بذكرى رائحتها الوحشية وحرارتها المشعـة وهمس شعرها، ثم رائحة النعناع البري في أنفاسها.

أصبح دائم الشرود كـالسـائر في نومـه، حتى خشي رجاله ألا يمتد به العمر ليصل إلى كرسي الرئاسة، ظل المولاتو يسأله باستمرار: "ماذا أصابك يا كـولونيل؟ " حتى انهار زعيمه ذات يوم وأخبره عن مصـدر همومه.. هاتين الكلمتين المغروزتين في أعماقه.

"ربما زال تأثيرهما السحـري إذا مـا قلتهما لي " اقترح مساعده الوفي.

"لا أستطيع ذلك، فهما ملكي أنا وحـدي، " أجـاب الكولونيل.

لم يتحمل المولاتو رؤية زعيمه يتداعى أمامه كرجل محكوم عليه بالإعدام، فحمل سلاحه وانطلق للبحث عن "بليسا كريبوسكولاريو" اقتفى أثرها عبر البلاد الواسعـة حتى عثر عليها جـالسة في خيمتهـا تروي أخبارها، وقف أمامها مباعدا بين قدميه، شاهرا سلاحه وقال آمرا: "هيا بنا".

كانت " بليسا" في انتظـاره، فجمعت أدواتها وطـوت خيمتها ثم أحكمت شالها حول كتفيها واتخذت جلستها خلف المولاتو، لم يتبادلا كلمة واحدة طوال الرحلة، فقد تحولت رغبته نحوها إلى غضـب شديد، ولم يمنعه من تمزيقها بسوطه إلا خوفه من لسانها، كـما أنه كره أن يخبرها عما يعانيه الكولونيل، أن تعويذتها الهامسة كـان لها من الأثر عليه أشد مما كـان لسنوات طـويلة من الحروب والمعارك.

وصلا للمعسكر بعد ثلاثة أيام، وفي الحال وعلى مرأى من الجنود، قاد المولاتو أسيرته لمقابلة الكـولونيل، وقال مصوبـا بندقيتـه نحو رأسهـا: "أحضرت لك تلك الساحرة حتى ترد لها كلماتها، وتستعيد عقلك.

" وقف الكـولونيل وبليسـا يتأمل كل منهما الآخـر، وعندما تقدمت المرأة نحـوه وأمسكت يده بين يديها، شاهـد العالم كله عيني النمر الضاري وهما تلينان وتفيضـان بالرقة، وفي تلك اللحظـة، أيقن الرجـال أن زعيمهم لن يتخلـص أبـداً من سحـر هـاتين الكلمتين الملعونتين.

 

أماني العشماوي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات