إيزابيللا: ذئبة فرنسا وملكة إنجلترا

إيزابيللا: ذئبة فرنسا وملكة إنجلترا
        

          عندما ارتقى إدوارد الثاني عرش إنجلترا (1307-1327م), كان وطنه منغمسا في أتون حرب ضارية طيلة عقد من الزمان, وكان إدوارد الأول, والد الملك الصغير, (1272-1307) , المحارب الذي لا يُهاب, اكتسب لقبه كـ(مطرقة الأسكتلنديين) سعى لرعية مملكة أسكتلندا ليتبوأ منصب الحاكم المطلق المستبد, وقد نجح في هذا تقريبًا.

          ولكنه لم يستطع تمامًا أن يخمد لهيب مقاومة الأسكتلنديين, أولا وليم واليس وتبعه روبرت بروس قادا الجيوش ضده, وفي طريقه لمطاردة بروس, توفي إدوارد عن عمر ناهز السبعة والستين عامًا, وأظهر إدوارد القليل من الرغبة حتى ينتعش من جديد.

          كان لبروس مطلق الحرية حتى يحكم قبضته على أسكتلندا المترامية الأطراف, وأخيرًا باشر إدوارد القتال ونزل إلى ساحة المعركة ضد بروس بعد سبع سنوات, والنتيجة هي الهزيمة المنكرة المرهقة في Bannockburm.

          من ذلك الحين فصاعدًا, شنت القوات الأسكتلندية موجات متلاحقة من الغارات المدمرة على شمال إنجلترا, مخترقة ما طالته قواتهم واضعة الحكومة الإنجليزية في مشكلة بعيدة الأثر. وقرّاء سيرة إدوارد الثاني وإيزابيللا لـ (آلسون فير) سوف يجدون فقط إشارة مقتضبة لهذه الأحداث الخطيرة.

          هذا ليس بسبب أن إيزابيللا عاشت حياة منعزلة مخملية في برج عاجي من الأنوثة المبالغ فيها, وكانت منغمسة في السياسة بكل ما في الكلمة من معنى, وقد وضعت نفسها في مهب اضطرابات صاخبة عنيفة في المجتمع أثناء مدة حكم زوجها.

          وكما ذكر (فير) في تقريره فإن السياسات التي كانت تجتاح القرن الرابع عشر كانت سياسات غريبة خلوا من الجوهر, ومن ثم نشأ الصراع السياسي نتيجة المصالح والمنافسات الشخصية فحسب.

          ومن الصعوبة أن يدرك المراد من ما هو خطأ جسيم أثناء حكم إدوارد في غياب أي تفسير لكيفية عمل الحكومة الحقيقي في القرون الوسطى, أو الذين يقعون تحت طائلة الحساب, حكى لنا (فير) - على سبيل المثال - أن نبلاء الملك إدوارد كانوا غير سعداء بسبب العلاقة المتلازمة مع Piers Gaweston, وكان ذا حيثية متكئًا على رجل ذي سلطان. تلكؤ إدوارد وصرف الانتباه عن Gaweston تضافرا معا, وصرفا الانتباه عن المشاكل الملحة للحرب الأسكتلندية مما أفضى إلى نتائج عسكرية واقتصادية وبيلة.

          هذا الإخفاق الذي ميّز هذه الشخصية في سياق سياسي أرحب كان فرصة مفتقدة لأن تصبح قصة إيزابيللا قصة متفردة من نوعها.

          وهناك العديد من الأمثلة والمتعلقة بالعصور الوسطى, والمصادر الباقية لم تعد تكفي لتفسير السيرة الذاتية لحياة شخص طبقا لاتجاه الرأي المعاصر.

          أفكار ومشاعر إيزابيللا بقيت مُلغِزة إلى حد بعيد, لكن حياتها الاستثنائية واللافتة للنظر, تم تناولها بعناية, استطاعت أن تزوّد بنكهة ملهمة للعبة القوى في القرن الرابع عشر الميلادي, مُتبتّلة بجرعة من الخداع المندفع, الرومانسية والعنف السياسي الوحشي.

          إيزابيللا ابنة فيليب الرابع ملك فرنسا (1285-1314م), أصبحت ملكة لإنجلترا في عمر الثانية عشرة عندما تزوجت إدوارد الثاني, وقد شدّ زوجها من إزرها على الرغم من الإذلال التي تعرض له سوء طالعها لعلاقتها غير الشرعية مع جافستون, أنجبت منه أربعة أطفال, وعملت ما وسعها لتخفف الآثار الكارثية لافتقارها إلى الحس السياسي, وعاشت سنوات من الاضطراب والحرب الأهلية المتقطعة, وأقصيت - برفقة ما تبقى من رعايا الملك إدوارد - عندما بزغ نجم جديد محسوب على رجل ذي سلطان هو Hugh Despenser وكان يعاني من تفخيم للذات مبالغ فيه, وقد حوّل الملكية إلى حكم طاغ مستبد.

          تزعمت إيزابيللا المعارضة ضد سلطة زوجها بالتواطؤ مع عشيقها اللورد المتمرد روجر مورتمير الذي وقف بجانبها مؤازرًا, حشدت الملكة جيشا وعزلت إدوارد, واقتيد إلى السجن.

          ولمدة ثلاث سنوات حكمت إنجلترا ومورتمير باسم ابنهما الأصغر, إدوارد الثالث (1327-1377م) - وأطيح به عندما وصل إلى السابعة عشر عمرًا.

          دبر الملك برباطة جأش انقلابا محسوما ليحكم السيطرة على حكومته, وأعدم مورتمير شنقا, ولكن إيزابيللا عاشت بعد ذلك ثلاثة عقود ترفل في معتزل دال على الترف.

          هذه المكونات غير الناضجة استطاعت أن تشكّل أساسًا للسرد المبهج والمضيء ثقافيًا وروحيًا, لكن مصادر العصور الوسطى تكون ماكرة بمراوغة وتكون عمليًا خاضعة للاختيار.

          طريقة تناول (فير) للدليل من حين لآخر, طريقة مسربلة بالغموض, وحتى الآن فالنتيجة التي توصل إليها تحمل غالبًا صورة الجزم - خاصة إلحاحها المتقن على أن إدوارد الثاني كان يتملص من قاتليه حتى يقضي ما تبقى من أيامه ناسكًا في إيطاليا.

          كتاب (فير) سوف يكون - بلاشك - محطًا مستقبلاً من قبل العديد من قرّاء مخلصين - ولكن, بحزن, فالعدالة الناجزة لم تقم ويظل الموضوع - برمته - مُلغِزًا حتى نصل إلى حل لحقبة مضطربة, حل تأريخي سليم لحياة عاشتها إيزابيللا.

 

آلسون فير