مستشفى العيون الطائر "أوربس" محمد سليم سودة

مستشفى العيون الطائر "أوربس"

قليل منا من يستطيع أن يتخيل ما معنى أن يكون الإنسان أعمى، أن يعرف غروب الشمس من خلال برودة الهواء وليس من تغير ألوانها الجميلة، وأن يعرف جمال طفل من كلمة أو ضحكة أو بكاء، وليس من رؤية وجهه المشرق المبتسم، هذا ولم يزل يوجد في العالم ما يقارب الـ 42 مليونا من البشر لا يمكنهم الإبصار، وتتجسد المأساة في أن معظمهم كان من الممكن ألا يفقدوا هذه النعمة، وأن ثلثي هؤلاء كان بالإمكان إما شفاؤهم أو تجنيبهم هذه المصيبة، وهذا المقال يشير إلى بارقة أمل تطير باتجاه النجاة من العمى.

انطلق مشروع أوربس عام 1982 استجـابة للمأساة الكـونية المتركـزة بشكل خاص على الحاجة الملحة في الدول النامية لمجابهة كارثة العمى المؤلمة.

وهي كمنظمة تعليمية دولية وحيدة من نوعها في العالم تجابه معركتها ضد العمى بثلاث طرق رئيسية:

1- بتعليم مهارات الحفاظ على الإبصار المناسبـة للمختصين الطبيين.

2- بتشجيع السعي باتجاه تجنب الإصابة بـالعمى وفقدان نعمة الإبصار.

3- برفع اهتمام الجـماهير والحكـومات بأمراض العيون والمحافظة عليها.

لتحقيق هذه الغايـات التعليمية الحيوية يستخـدم مشروع أوربس طـائرة خطـوط جـويـة من طـراز "دوغلاس" دي سي 8 معدلة، تبرعت بها الخطوط المتحدة، وعدلت لتصبح مشفى تعليميـا طـائرا، وجهزت هذه الطائرة بغرفة عمليات بكـامل معداتها، وغرفة إنعاش، وبمنطقة فحص وعلاج ليزري وصالة مراقبـة تلفزيونيـة وغرفـة محاضرات تتسع لثمانية عشر مقعدا إضافة إلى مكتبة علمية متخصصة.

وقـد أعدت معظم برامج المشفى الطائر التدريبي على أساس مدة حددت بثلاثة أسابيع لكل دولة تحط بها في العالم ويحلق المشفى الطائر حاملا معـه فريقـه المختص من الأطبـاء والممرضين والطياريـن إلى الدول التي تطلب منه المساعدة الطبية الخاصة بـالعيون التي باستطاعته تقديمها، ويقوم هذا الفريق بزيارة دولة ما عندما يستدعى من قبل وزارة الصحة في تلك الـدولة أو الهيئة العينية الوطنية، ومن المهم أن يـذكر هنا أن المختصين بعلاج العيون في الدولة المضيفة ومن الدول المجاورة أيضا يدعون للمشاركة أو لمراقبـة العمليات الجراحية التي تجرى على متن هذه الطائرة.

علاج وتدريب

إن فريق الطائرة الطبي يعمل بالمشاركـة مع الأطباء والممرضين الوطنيين الذين يعطـون فرصة نادرة لاكتساب الخـبرة العمليـة، وهذا عـادة لا يمكن أن يتحقق لهم إلا خارج هذه الدول، وبتكاليف باهظة، وأحيـانا لا يمكن لهم تحقيق ذلك، لأن قوانين الدول المتطـورة تمنع مسـاهمة أي متـدرب بشكل عملي في العمليات التي تجرى داخل مستشفيات هذه الدول.

كما تؤمن هذه الطائرة لبعض الأطباء مراقبة الجراحين أثناء قيامهم بعملياتهم العينية على شاشـة تلفزيونية تنقل مجريات العمل الجراحي مـع إمكان التحدث والإصغاء للجراح ومساعديه من خلال دائرة اتصالات تعمل باتجاهين. وتتاح الفرصة أيضا لبعض الممرضين والممرضـات من البلـد المضيف للعمل جنبـا إلى جنب مع فريق المشفى الطائر العيني التمريضي أثنـاء العمل الجراحي، وتعقـد نشاطات تعليمية وتدريبية إضافية في المستشفيـات المحلية والجامعـات والمراكز الاجتماعية.

يتركـز معظم عمل (أوربس) حول الطائرة التي هي بحد ذاتها أداة اتصال قوية، إنها دائما تسبب لفت الأنظار في الدول التي تطير إليهـا حيث تستقطب بشكل فـوري اهتمام محرري الصحافة ومذيعي الإذاعة والتلفزيون وحالما تحط الطائرة في بلد ما يقوم المسئولون- وخاصة وزير الصحة- في تلك البلد والمهتمون بعلاج العيون بزيارة هذه الطائرة مما يلفت أنظار الجماهير إلى مشاكل الوقوع بمصيبة فقدان البصر والإصابة بالعمى.

على سبيل المثال عندما قام هذا المشفى الطائر بزيارة دولة البيرو عام 1982 قـام رئيـس البيرو بزيارته وشاهد عمليـة زرع قرنية لطفل من مواطنيـه كانت قد جلبت من ولاية تكساس، وأدرك أن آلاف النـاس في البيرو مصابون بفقدان البصر نتيجة عدم توافـر القرنيات العينية، وبناء على ذلك قام بعد أسبوعين من مغادرة مشفى العيون الطائر بافتتاح بنك العيون الأول في البيرو، وسن تشريعـا يمكن النـاس من التبرع بأعضائهم وأنسجتهم، والآن فإن مئات عمليات زرع القرنية تجرى كل عام في العاصمة ليما.

إن أكثر من ستين دولة بالإضافة إلى السكرتير العام للأمم المتحـدة قد عبروا عن شكـرهم وامتنانهم لإدارة مشروع (أوربس) الذي يسعى لتحقيق التعاون الدولي بغض النظر عن الدين والعرق.

إن أعمال مشروع أوربس لا تعني أنها مرتبطة كليا بهذه الطائرة النفاثة، حيث إن جزءا كبيرا من أعمال هذا المشروع يبدأ قبل مدة من هبوط الطائرة في الـدولة المضيفة.

ويقوم بعض أعضاء فـريق أوربس بالاجتماع مع الوزراء والموظفين الرسميين والأطباء المعنيين إضـافة إلى الممرضين والممرضات الذين يمكن أن يسـاهموا بالأعمال الجراحيـة خـلال فترة زيارة الطائرة، كما يقومون بإجراء المسح الطبي لتحديد المرضى المناسبين للعمل الجراحي اللازم لعرض التقنيات الملائمة.

إن زيارة الطائرة هي فقط بداية لعلاقـة مستمرة مع الدول المضيفة، وتبقى إدارة المشروع على اتصال مع كل دولة عن طريق متابعة الزيارات بغرض التقييم واستمرار التدريب.

يشتمل فريق الطائرة المؤلف من خمسة وعشرين عضوا على مديـر طبي ومساعده، وأربعـة أطباء عيون وطبيب تخدير وخمس ممرضات، وممرضة تخدير، واثنين من الإداريين ومساعديهما، ومدير للعمليـات الجوية، وميكانيكي جوي ومدير خدمات فنية ومهندسين طبيين، ومشرف إذاعي وفني خـدمـات ومسـاعده، ويتمم هذا الفـريق، إدارة ومـوظفـون، في مكاتب المشروع في كل من لندن، ونيويورك وهونغ كـونغ، وكذلك مركـز العمليـات والتـوزيع في هيوستن وتكسـاس الـذي يـزود الطائرة بالأعضـاء العينيـة الطبية اللازمة لعمليات الزرع.

خلال كل أسبـوع من برنامج أوربس ينضم إلى فريق الطائرة اثنان أو ثلاثة أطباء عيون زائرون من جامعات دوليـة شهيرة ويتبرعـون بإلقـاء المحاضرات وعـرض التقنيات الجراحية.

كما ينضم أحيانا إلى الفريق الطائر مختصون آخرون في الأوبئة، ومن المنظمات الصحية والهيئـات المعنية بمراقبة الالتهابـات ومن بنوك العيون، كلما دعت الحاجة إلى خـبراتهم.

إن الطيارين الذين يقومون بقيادة طائرة أوربس من بلد لآخـر هم أيضا متطوعون بأوقاتهم، وبعضهم قد تقاعد من عمله والبعض الآخر ما زال يعمل في كبرى شركات الطيران الـدولية، ويتبرعـون ببعض الأوقات للمساهمة في إنجاح المشروع.

يصرف مشروع أوربس 90% من وقتـه في الـدول الناميـة حيث الحاجـة إلى التعليـم المستمر تعـد أكثر إلحاحا، وينفذ المشروع أيضا برنامجه في الدول الصناعية مثل ألمانيـا الغـربيـة وفـرنسـا وإيطـاليـا بغيـة تسجيل التقنيـات الطبيـة المتقـدمة على أشرطة فيـديـو يمكن توزيعها فيما بعد على الهيئات العينية في العالم.

وحتى الآن فإن طائرة أوربس قد دارت حول العالم 3 مرات منفذة أكثر من 100 برنامج تدريبي في مجال الحفاظ على نعمـة الرؤية في أكثر من ستين دولة، وعرضت تقنياتها الجراحية الليزرية على أكثر من عشرة آلاف طبيـب زميـل في اختصاص العيون في العالم، وتجلب الطائرة معها معظم المواد التقنيـة والطبيـة ذات الكلفة المرتفعة للدولـة المضيفـة، وقبل أن تترك الطائرة البلد المضيف تتبرع لهذه الدولة بمكتبة فيـديو مسجل عليها كـل العمليات الجراحية المهمة التي أنجزت خلال مهمتها مع كل العمليات الجراحية المهمة التي جرت على متن الطائرة.

إن النجاح الكبير لمشفى العيـون الطـائر دفع بالقائمين على إدارته لاستبـدال طائرته "دي سي 8 " بطائرة أخرى أكبر مـن نفس الطراز "دي سي 10 "، ويعتمد تمويل هذه الطائرة وتحويلها إلى مشفى طائر على التبرعات والهبات والصدقات التي تقدمها بعض الدول والهيئات الحكومية وبعض رجال الأعمال. ومن المتوقع أن يكلف هذا المشروع 4 ملايين جنيه استرليني.

 

محمد سليم سودة

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




إنقاذ البصر غاية نبيلة يحملها عبر لآلاف الأميال مستشفى العيون الطائر





الطائرة الجديدة دي سي 10 لمستشفى العيون الطائر أوربس





عملية ترقيع للقرنية إحدى إمكانات مستشفى العيون الطائر