ضغوط الحياة والصداع النصفي


ضغوط الحياة والصداع النصفي

يلاحظ أنه كلما زادت ضغوط الحياة وتعقيدات الحضارة، زادت معدلات الاضطرابات العقلية والنفسية، وكلما تعرّض إنسان اليوم للانفعالات الشديدة كالخوف والحزن والاكتئاب والقلق والإثارة، زاد انتشار الاضطرابات «السيكوسوماتية» أي الأمراض ذات النشأة أو الأسباب النفسية، كالقلق والتوتر، ولكن أعراض هذه الاضطرابات تتخذ شكلاً جسمياً. ومن هذه الاضطرابات الشائعة مرض الشقيقة أو الصداع النصفي.

آلام الصداع بصفة عامة Headache هو الألم في الرأس، وهو من أكثر الاعتلالات شيوعاً في الإنسان، والصداع أحرى بأن يعد عرضاً من أن يعد في ذاته اضطراباً، وهو يقترن بعدة أمراض واضطرابات، من بينها التوتر العاطفي، ومعظم أنواع الصداع يجيء ويذهب، ولا يمكث سوى ساعات عدة أو يوم أو يومين، ولكن بعضها قد يكون مزمناً.

كيف ينشأ الصداع؟

في داخل التركيب العظمي للجمجمة يستقر الدماغ، وهو مغطى بثلاث طبقات من النسيج الضام والأحياز التي تقع ما بين هذه الطبقات تمتلئ بسائل يعرف باسم «السائل المخي الشوكي».

والنسيج الدماغي نفسه غير حسّاس للألم، ولكن الألم يستشعر بوساطة أغطية الدماغ والشرايين والأوردة، وكذلك بوساطة معظم التركيبات الواقعة على سطح الجمجمة. ومعظم هذا الألم ينشأ من أثر الضغط على نحو أو آخر.

والصداع هو أحد الأعراض المرضية التي تصاحب بعض الحالات العضوية والوظيفية. فقد يكون الصداع كعرض بسبب مظاهر اضطراب جسمي مثل مظاهر إصابة أو اضطراب في العينين أو في الأنف أو الأذن أو بسبب ارتفاع ضغط الدم، والذي يؤدي إلى ضغط داخلي في أوعية المخ وخلاياه ويؤدي إلى الصداع. كما أنه قد يكون أحد الأساليب الدفاعية السلبية في بعض الأمراض العصابية والذهانية ويعبّر، في هذه الحالة، عن الإحساس بالعجز والفشل وفقدان القيمة لمواجهة موقف ضاغط والهروب منه بالاحتماء بهذا العرض.

الصداع الشقيقي أو الصداع النصفي Migraine:

مع أن هذا النوع من الصداع لاتزال أسبابه غير مستبانة تمام الاستبانة، فإن المظنون هو أنه يقترن بتوسع الشرايين المؤدية إلى الدماغ أو التي توجد بالجمجمة، ومن المظنون كذلك أن له وجهاً نفسياً، نظراً إلى أنه يحدث أكثر ما يحدث لذوي الشخصيات التي تتخذ أنماطاً خصيصة، وإلى أنه كثيراً ما يعقب الاضطرابات العاطفية.

والصداع الشقيقي يجنح إلى السريان بالوراثة العائلية، وكثيراً ما تبتلى النساء بهذا النوع من الصداع في أثناء محيضهن.

التعريف بالصداع النصفي:

الصداع النصفي أو الشقيقة عبارة عن صداع شديد، في الغالب ما يصيب أحد جانبي الرأس فقط، ويصاحب ذلك شعور المريض بالدوخة والدوار والغثيان والاكتئاب، وهو حالة قد تكون متكررة.

وهو صداع حاد يصيب نصف الجمجمة، وخاصة في محجر العين الصدغي، ويرجع هذا الاضطراب إلى حدوث اتساع في الأوعية السحائية.

وقد يسبق هذه الحالة شعور المريض بنوع من التخدير، مع المعاناة من وجود عتمة في الإبصار، وكأنه صداع يصيب العين، قد يصاحب هذا الاضطراب نوع من الفوبيا وهو الخوف من الضوء، مع ميل المريض للقيء، وقد يصاب المريض بوجود تشويش في الحس وصعوبات في الكلام تحدث عقب النوبة. ومعروف أن الفوبيا عبارة عن خوف مرضي أو شاذ وغير معقول لأنه يحدث في أشياء لا تتضمن خطراً أو تهديداً على حياة الإنسان كالخوف من البرق والرعد والأماكن الواسعة والضيقة والعالية، ومن المياه الجارية، ومن الأفاعي والحشرات.

أعراض الصداع النصفي:

الصداع النصفي ليس مرضاً واحداً، وإنما هو حالة تتكون من زملة أو مجموعة أعراض أكثر ما يميّزها الصداع الشديد أو القاسي في أحد جانبي الرأس، إلى جانب الشعور بالدوخة والرغبة في التقيؤ، ومن العوامل التي تثير هذه الحالة تعرّض المريض للضغوط النفسية أو الأزمات أو من جراء تناول بعض الأطعمة.

وأعراض الصداع الشقيقي تتباين تبايناً عظيماً، ليس فقط ما بين شخص وآخر، بل كذلك من وقت إلى آخر في الشخص ذاته، ويغلب على هذا الصداع أن يكون قاسياً، وهو خلافاً لألم المتعمم، يحدث غالباً لأحد جانبي الرأس، وهو كثيراً ما يقترن بالغثيان والقيء والدوار، والنوبة النمطية من الصداع الشقيقي تبدأ بأعراض بصرية مثل الإحساس برفيف أمام العينين أو بومضات من الضوء، أو بإظلام جانب من جوانب الإبصار.

والصداع الشقيقي ينبغي دائماً أن يتولى الطبيب علاجه، وهو يحبّذ العلاج النفساني لتفريج التوتر الذي قد يكون هو السبب المنطوي تحته.

الأسباب المباشرة للصداع النصفي:

لوحظ أن أعراض الصداع النصفي تبدأ عندما يتم توسيع الشرايين المتصلة بالجمجمة Dilation Of The Cranial Arteries كما لو أن مرض الصداع النصفي Unileteral Headaches يظهر عند التوسع فقط في الجانب أو النصف الذي يحدث فيه الألم، وعندما تخف وطأة النوبة ويزول الألم، فإن الشرايين تعود إلى حجمها الطبيعي، بعض أجزاء من الشرايين تتسع وتصبح أكثر سماكة أو تزداد سمكاً.

ولكن ما الذي يسبّب هذا الاتساع في الشرايين؟

من حيث أن الاضطراب يجري بين أعضاء أسر بعينها، فيمكن إرجاع هذه الحالة إلى الوراثة Heredity، ولكن الوراثة ليست هي العامل السببي الوحيد في نشأة الصداع النصفي، ذلك لأن هناك بعض الدراسات التي أظهرت وأحدثت - تجريبياً - حالات من الضغط والإحباط ومطالبة الفرد بالقيام بأعمال أزيد من اللازم وخضوعه للتهديد في المقابلات الشخصية التي تجرى معه. هذه الحالات أدت إلى حدوث توسيع في الأوعية Vascular Dilation بين مرضى الصداع النصفي ولم يحدث هذا الاتساع في غيرهم من الأسوياء.

ومما يدل على تأثر هذا المرض بالأحوال النفسية، أنه تم إيهام بعض المرضى بأنهم سوف يعالجون عن طريق إعطائهم حقنة، وكانت الحقنة في الواقع لا تحتوي على أي مادة تؤثر فعلاً في الدماغ.

ومن ناحية الخصائص النفسية لسمات شخصية هؤلاء المرضى، فلقد وجد أنهم يمتازون بما يلي:

1 - الطموح الزائد.
2 - الجمود أو التحجّر.
3 - الرغبة في الوصول للكمال.
4 - يعيشون وفق خطة موضوعة بدقة.
5 - زيادة الحساسية لديهم للنقد في حين يرغبون هم في نقد الغير والرغبة في التفوّق على الغير، ويستجيب هؤلاء للإحباط بالغضب والحنق أو السخط، ولكن هذه المشاعر تظل مقموعة ولا تجد منفذاً لتصريفها.

يعانون من التوتر الانفعالي من جراء الصراع لتحقيق الطموحات الزائدة والعداء المكبوت، مثل هذه المشاعر تعبّر عن نفسها من خلال الجهاز الوعائي أي الجهاز الخاص بالأوعية الدموية Vascular System، بحيث يؤدي ذلك إلى توسيع الأوعية الدماغية.

ويؤدي ذلك إلى حدوث الصداع المؤلم، ومما يدل على ارتباط الصداع النصفي بضغوط المدينة أنه أكثر انتشاراً بين سكان المدن عنه بين سكان الريف.

وإذا كانت آلام الصداع النصفي تخف وطأتها عن طريق تناول بعض المسكنات، فإن العلاج الأكثر جدوى هو تعديل سلوك المريض ونمطه في التكيّف وفي ردود أفعاله.

ارتباط الشقيقة بالاكتئاب

وقد تصاحب أعراض الشقيقة حالة من الشعور بالاكتئاب.

والصداع النفسي قد يكون حالة مزمنة من وجع الرأس، وقد ينجم عن وجود تقلصات في العضلات، أو وجود تقلّصات في الرأس وفي عضلات الرقبة.

ولقد لوحظ أن الشقيقة تختلف باختلاف الثقافات أو المجتمعات، وتنتشر بنسبة 10% بالنسبة لكل أفراد المجتمع الأمريكي، ويلاحظ أن الشقيقة أكثر انتشاراً بين الإناث عنها بين الذكور، وإن كان هذا الفرق في حاجة على بحث أسبابه، وتزداد بالتقدم في السن من الطفولة حتى منتصف العمر، ثم يأخذ هذا المرض في النقصان، وقد يحدث مبكراً للأطفال في سن ما قبل المدرسة، وقد يصيبهم في سن ست السنوات.

ولقد دلت بعض الدراسات الميدانية أن أعراض الشقيقة عبّرت عن نفسها في رسومات الأطفال حيث عبّروا عن حالة من التشويش والفوضى ووجود «مطرقة» يتم الطرق بها على رأس المريض، إلى جانب الصياح والألم والتوجّع. وتظهر هذه الآلام على تعبيرات الوجه وكأن هناك عاصفة تعصف بالمريض أو بالمريضة.

تأثر الحالة بتغيرات الطقس:

ومن الغريب أن تغيرات الطقس قد تساعد في حدوث هذه الأعراض، وعندما يتعرض الطفل للجوع أو يفقد وجبة من وجبات غذائه، ومن جراء التعرض لضوء الشمس أو وجود صعوبات في النوم أو عندما يتناول بعض المواد مثل الكحول أو الشيكولاتة. ومعنى ذلك أن صعوبات الحياة اليومية وأخطارها قد تثير الصداع النصفي أو الصداع الناجم عن التوتر.

مرض الصرع وعلاقته بالصداع النصفي:

هناك ارتباط بين الشقيقة أو الصداع النصفي ومرض الصرع Epilepsy حيث وجد أن هناك نسبة 60% من مرضى الصرع لديهم استعداد وراثي للصداع النصفي أيضاً. فمرضى الشقيقة قد يعانون أيضاً من مرض الصرع، وقد تعتري المريض نوبات من الصرع والصداع.

وفيما يتعلق بالسن التي يحتمل أن تحدث فيها الإصابة، فهي سن البلوغ الجنسي، وهو أكثر انتشاراً بين الإناث عنه بين الذكور، ومن العوامل التي قد تعجل بحدوث النوبة تعرض المريض للإثارة أو الانفعالات الشديدة.

وتظهر هذه الأعراض في فترات غير منتظمة، وقد يتكرر عدد منها في الشهر نفسه، وتبدأ الأعراض بسيطة ثم تأخذ في الشدة.

وقد ترتبط الشقيقة ببعض الاضطرابات التي تحدث في المعدة أو في الأمعاء، ولا تستمر النوبة لأكثر من 24 ساعة، وقد تعتري المريض بعض الدوافع أو الرغبات العدوانية، ولذلك فإن الصداع النصفي يرتبط بكثير من العوامل والمتغيرات النفسية والعقلية، ومن هنا كان تصنيفه بأنه «اضطراب سيكوسوماتي».

الصرع

هو خلل في الجهاز العصبي يتجلى في نوبات أو أدوار أو أعراض تصيب المرء على فترات غير منتظمة، فيقع المريض أرضاً ويصاب بالتشنج العضلي، كما يفقد وعيه ويخرج الزبد من فمه، وهناك درجات من الصرع الكبير والصغير.

والصرع أحد الأمراض العضوية النشأة التي تصيب المخ، ويتميز بأنه اضطراب في النشاط الكيميائي الكهربائي للمخ.

وقد ينتج من عوامل وراثية، أو بسبب بعض الأمراض المعدية التي ترتفع فيها درجة حرارة جسم الفرد ارتفاعاً كبيراً، أو بسبب الإصابات التي تصيب المخ أو بسبب أمراض الجهاز العصبي.

وقد يصاحب الصرع، كأحد الأمراض العضوية، اضطرابات وظيفية انفعالية أو عقلية تبعاً لطبيعة وشدة المرض، وخصائص الوسط الاجتماعي الذي يحيا فيه الفرد ومدى وعيه بمعاناته، وأساليب الرعاية أو الإهمال التي يلقاها.

 


 عبدالرحمن محمد العيسوي