فوق البساط.. تحت البساط

فوق البساط.. تحت البساط

قد نشاهد منظراً رومانسياً رقيقاً ينضج بأطيب مشاعر الأمومة: أم شابة تلاعب طفلها، أو طفلتها, وهما جالسان على البساط. ومع أن المشهد مؤثر للغاية، إلا أنه يجب ألا يحجب عن أنظارنا الخطأ الكبير الذي ترتكبه هذه الأم في مداعبتها لطفلها الرضيع، يجب أن تعلم هذه الأم وغيرها أن البساط وغيره من الأغطية الليّنة الممدودة على الأرض تشكّل في الغالب مرتعاً ومستقراً لأشكال مختلفة من الأوساخ والحشرات المشبّعة بالسموم والجراثيم والمواد الضارة.

تبين الخبرة المتراكمة أن وبر البساط يمسك وبشكل جيد الأوساخ الموجودة داخل الشقة، علماً أن هذه الأوساخ تتضمن الرصاص المنطلق من عوادم السيارات، بالإضافة إلى الحشرات المنزلية المختلفة، والأدوية الزراعية المستعملة لتربية النباتات والزهور المنزلية، والنيكوتين المتصاعد من دخان السجاير، وكذلك المواد المقاومة للحشرات الزراعية وغيرها. أضف إلى ذلك أن مثل هذه البسط تعالج من آن إلى آخر بأدوية مضادة للحشرات، مما يجعل تراكيز الأدوية الضارة في البساط عالية إلى حد مخيف. وتؤكد المراجع أن تراكيز السموم هذه لو وجدت طريقها إلى التربة الزراعية لتوجب القضاء على المحصول الناتج وإتلافه من دون تردد. وبكلمات جون روبرتس عالم البيئة في جامعة سياتل الأمريكية، ففي الغبار المتجمع على البساط العادي هناك تراكيز عالية من الرصاص، والزئبق (المتسرّب من المقاييس المنزلية التي قد تنكسر أحياناً) والكادميوم، وأدوية الحشرات، وغيرها من مركبات الفحوم الهيدروجينية السامة.

الأطفال المتضرر الأول

من نافلة القول إن المتضرر الأول من قائمة السموم هذه هم الأطفال بالدرجة الأولى لأن ارتباطهم بالبسط أوثق من غيرهم، كما أن خلاياهم هي في مرحلة النمو والتطور، هذا بالإضافة إلى أن عملية تبادل المواد لديهم نشطة أكثر من الكبار. وحسب تقييمات الباحثين، فإن الطفل الأمريكي الذي يبلغ سنتين من العمر، ويعيش في المدينة يبتلع يومياً 110 نانوجرامات (النانو يعادل جزءاً من مليون) من البنزوبيرين (وهو مادة فحمية خطرة تسبب السرطان). والمؤسف أن البنزوبيرين موجود في دخان السجاير، وفي الدخان المنطلق عن احتراق الزيت لدى تحضيره، علماً أن الكمية المذكورة من البنزوبيرين: 110 نانوجرامات، تكافئ تلك المنطلقة من ثلاث سيجارات، ويضاف إلى الخلائط السامة الخطرة الحشرات الميكروسوبية التي تعيش في البسط، وبقايا أية عمليات كيميائية منزلية مثل استعمال الروائح الطيبة والكولونيا وغبار طلع النباتات، وصوف الحيوانات المنزلية، وثمار الفطر، وغيرها من مصادر الحساسية التي تصيب الإنسان، بالإضافة إلى الحيوانات المنزلية التي يعمد أصحابها إلى اصطحابها للتجوال في المناطق السكنية القريبة، حيث تعود إلى المنزل وهي تحمل على قوائمها بقايا الحشرات والأوساخ. ومن البديهي القول إن الأطفال، وكذلك البالغين، لا يتيسر لهم دائماً تغيير الأحذية التي يلبسونها في الخارج بأحذية منزلية نظيفة. وبهذا الشكل يرتفع تركيز السموم المتجمعة على البسط والتي تنتقل من الخارج إلى الداخل لتبلغ أرقاماً قياسية تصل إلى 400 ضعف.

آثار السموم

في البسط والأغطية التي كانت مستعملة في البيوت الإنجليزية والأمريكية القديمة، تم العثور حتى على آثار د.د.ت وهي الأدوية المضادة للحشرات التي كانت شائعة في منتصف القرن العشرين قبل أن يتفق على حظر تداولها. ويزيد الطين بلّة أن أدوية الحشرات الكامنة في البسط هي في الواقع محمية من ضوء الشمس ومن المطر ومن عوامل الطبيعة الأخرى، مما يكرّس نموها بشكل حر وهادئ وتدريجي.

التغطية البساطية والبسط هي العناصر الرئيسية لتخزين الغبار في المنزل. المكنسة الكهربائية تلتقط جزءاً غير كبير فقط من هذه التجمعات الغبارية، وحسب إحصاءات العام 1997 فإن أرضيات 90% من البيوت والشقق في بريطانيا مغطاة بالبسط ذات الأوبار وما يشبهها، بينما النسبة ذاتها في ألمانيا هي 65%، وفي الولايات المتحدة 60%، وعندما تمرر يدك على البساط (والأطفال قد يطمرون رءوسهم فيه) فإنك تنقل إلى الجلد نحو 1% من الأوساخ من سطحه.

القمل الذي يعيش في الغبار المنزلي يبدو تحت الميكروسكوب غريباً خصوصاً أن الإفرازات التي تطلقها هذه الحشرات تسبب الحساسية والربو.

الباحثون من جامعة ستانفورد الأمريكية قاموا بتصوير 80 طفلاً صغيراً وهم يلعبون بعد أن سجلوا لكل طفل فيلماً مدته 8 ساعات. بعدما قاموا بتحليل التسجيل بعناية ومتابعة كل حركة من حركات الطفل تبين أن الأيادي الصغيرة تمس المواد والأشياء المختلفة وسطيا 340 مرة في الساعة، بينما في 65% من الوقت، فإنها تأتي إلى تماس مع مادة ما أو شيء ما.

في كثير من الدول المتقدمة، تزداد أمراض الأطفال المرتبطة مع أوساخ البيئة المحيطة مما يسهل ويساعد على الإصابة بالحساسية والربو وحتى السرطان. ويعتبر العلماء من سياتل الأمريكية أن الدور المهم في هذا النمو قد يكون عائداً للبسط. ولابد هنا من الإشارة إلى أن ألعاب الأطفال الطرية تجمع بشكل جيد الأوساخ، شأنها في ذلك شأن البسط.

نصائح طبية

من أهم النصائح حول تنظيف البسط والأغطية: وفقاً لجون روبرتس إذا كانت هذه الأغطية تبدأ في بيتك اعتباراً من المدخل مباشرة، فإن المساحة بنصف قطر 120 سنتيمتراً اعتباراً من الباب يجب تنظيفها أسبوعياً بحيث تمر المكنسة الكهربائية على كل سنتيمتر من المساحة 25 مرة على الأقل، أما الأجزاء الباقية حيث يكون معدل الحركة أقل، فلابد من معالجتها 19 مرة بالشوكة، علماً أنه يمكن الاكتفاء بـ8 أدوار أسبوعياً في الأماكن ذات معدل الحركة الأخفض على أن يتم التقيّد بهذا النظام على مدى 4 - 5 أسابيع على الأقل، ويمكن بعدها إنقاص عدد مرات العبور إلى النصف. وتنصح المراجع باستعمال المكانس الكهربائية ذات «الشوكة الفعالة» التي تمرر عبر وبر البساط. ومن المفيد استعمال المكنسة الكهربائية ذات المؤشر التي تعطي ضوءاً واضحاً عند الانتقال إلى سطح نظيف حيث يتبدّل اللهب الأحمر على الغطاء إلى الأخضر.

خلاصة القول إن هذه الطريقة سمحت لروبرتس أن يختصر الرصاص الموجود، وكذلك المواد الكيميائية الضارة، وأدوية الحشوات في بسط شقته إذ اختزلها بـ10 مرات تقريباً.

 

 هناء دوزوم