مساحة ود

 مساحة ود

هناء.. خميرة الروح

الاسم: هناء، المكان: مركز الحسين للسرطان.

كيف تتداخل الأشياء؟ كيف يكون المرض هو الرسالة الأوضح عن سر الحياة؟ كيف يكون اقتحام خلايا الجسد هو أيضا الرسالة الحقيقية عن معنى التفاؤل؟ وكيف تكون الآلام الجسدية بلسما لرقي الروح؟

عرفتها قبل سنين، تشع سحرا في ذاك المكان. قالت لي يوما: يقولون لا جدوى، لا جدوى، ليس هناك من طريقة لإيقاف انتشار المرض. إنه يتجول في كل الخلايا.

عندما رأت ما يجول بداخل عينيّ، من دمعة استطعت حبسها ما بين الجفن والجفن، همست ضاحكة: لا يا صديقتي، اهدئي، مازال أمامي الكثير، ولست إلا بالراضية بما قسم لي.

عندما درسنا بالمدارس: «أن قوام العالم الحقيقي هو التآلف المتوازن بين الأضداد، فمن وراء صراع الأضداد، وفقا لمقادير محسوبة، يكمن انسجام خفي أو تناغم هو جوهر العالم».

لست أدري كيف استطاعت تلك المعلومة أن تشق طريقها للعقل الواعي لتتردد في داخلي.

أرى هناء، هي النور وهي الاحتراق، جنبا إلى جنب مثل المصباح الزيتي. كانت تشع نورا وإنارة. مع أن مرض السرطان كان يحرق الخلايا الواحدة تلو الأخرى، ولكنها ظلت الشمعة التي تنير.

عندما كان الأمل يتراجع مفسحا الطريق لدموع اليأس، كنت أمسك بيدها لأقول: هناء! أسرعي، هناك من يحتاج إليك. فتأتي بخطى واثقة، بابتسامة مرحة، فيكون كلامها محددا لكي تجعل من تخدمه يؤمن بأن المرض هو شيء لا نستطيع إلا أن نتقبله مؤمنين. أما نوعية الحياة، الاستمتاع بها، تقدير الحياة واحترامها هو شيء باستطاعتنا امتلاكه إن كانت لدينا الإرادة. لذلك أعطت كل ما لديها لمن حولها، أعدت العدة للأيام القادمة. وعندما قيل لها إن الجسد لن يساعدك في الذهاب لأداء مناسك العمرة، ابتسمت... ثم قالت: لنر.

لقد أدت مناسك العمرة ست مرات على حد ما أعلم.

هناء غادرت المكان ولم تغادر الزمان.

 

 

 

 

نجوى الزهار