الطاقة النووية الخضراء وهم آخر.. أم حلم على طريق التحقق؟ شذى الدركزلي

الطاقة النووية الخضراء وهم آخر.. أم حلم على طريق التحقق؟

صرح أخيرا عالم الفيزياء الدكتور كارلو روبيا، الحاصل على جائزة نوبل للفيزياء 1984 مشاركة، عن مشروعه لإنتاج ما أسماه "الطاقة الخضراء"، قاصدا بهذا المصطلح إنتاج طاقة نووية سليمة بيئيا. وقد أعلن هذا العالم المرموق في شهر نوفمبر 1993 عن الجزء الأول من مشروعه، وعاد في أسبوع احتفاله بعيد ميلاده الستين "ولد في 31/ 3/ 1934" ليعلن عن الجزء الثاني من هذا المشروع الضخم. ويعتزم روبيا بدء التجارب لإثبات صحة توقعاته النظرية في نهاية الصيف القادم. فهل سيشهد عام 1995 ظهور الإثباتات العملية لمشروع "الطاقة الخضراء" أم سيتلاشى هذا المشروع الجديد كما تلاشى وهم "الاندماج البارد" الذي أعلن عنه قبل خمس سنوات واكتسب شهرة واسعة لمدة محدودة من قبل أن يتبين زيف الآمال التي عقدت عليه؟.

عند موازنة مشروع الطاقة الخضراء بالاندماج البارد فإن أهم فرق يتبادر إلى الذهن هو أن فريق بحث الاندماج البارد، والذي ثبت أنه قد تسرع في إعلان نتائج تبين لاحقا عدم إمكان تكرارها، لم يكن يمتلك سجلا علميا عريقا كذلك الذي يحظى به روبيا والذي يمثل ظهيرا يدعم الأمل في تحقق حلمه. فقد كان روبيا المدير العام للمختبر الأوربي لفيزياء الجسيمات الدقيقة "سيرن- CERN " للمدة 1989- 1993 في جنيف. ولم يكتف بإدارته للمختبرات العملاقة وتصميم التجارب التي أوصلته إلى جـائزة نوبل فحسب، بل وجه اهتمامه أيضا إلى إنقاذ العالم من مشكلتي الطاقة النووية: المصدر والتلوث.

لقد تمكن روبيا في عام 1976 مع زميله "سيمور فان دير مير" من إقناع مسئولي سيرن حينذاك بتحوير وتغيير تصميم "المعجل الفائق للبروتون"- بعد إنجاز نصف المشروع الأصلي- إلى ما يخدم التجربة التي صممها والتي أدت إلى ضربته الموفقة الأولى باكتشاف الجسيمتين الـدقيقتين W و A في عـام 1983 ومن ثم حصوله وزميله فان دير مير على جائزة نوبل في العـام التالي. فهل سيكون المشروع الحالي الضربة الموفقة الثانية لروبيا؟.

قبل البدء بتعريف مشروع روبيا فإنه من المهم إلقاء بعض الضوء على ما يسمى بمعجلات الجسيمات الدقيقة والتي تمثل الجزء الرئيسي في مشروع الطاقة الخضراء.

معجلات الجسيمات الدقيقة

كما يوحي اسمها، تقوم هذه المنظومات الضخمة بتعجيل الجسيمات الدقيقة المشحـونة، مثل الإلكترون والبروتون وغيرهما، داخل مجال كهربائي أو مغناطيسي أو كليهما. وتستخدم حزم الجسيمات المعجلة هذه لقصف أهداف من مواد مختلفة مؤدية - وبسبب من طاقتها العالية - إلى تحولات في التركيب النووي لهذه المواد بعد التصادم. إن هذه التصادمات التي تجري على مستوى الأبعاد النووية الغاية في الصغر يمكن مشابهتها بما يحدث عند تصادم سيارتين. إذ كلما ازدادت سرعة أي من السيارتين كانت قوة التصادم أكبر، وبالتالي كان التحطم والتفكك أكثر، لذلك يسعى العلماء لـزيادة سرعات الجسيمات الدقيقة المتصادمة أملا في حصول تفكك أكبر وبالتالي الوصول إلى تفاصيل أدق عن تركيب المادة. والأهداف المستخدمة في المعجلات قد تكون مواد مستقرة مثل شريحة صغيرة من أحـد العناصر أو حزمة جسيمات معجلـة أيضا. وهنالك أنواع متعـددة من المعجـلات فمنها الخطي "أي على شكل خط مستقيم" ومنها الدائري. وتوجد في العالم معجلات تصل طاقة الجسيمات فيهـا إلى 1000 بليون إلكترون فولت "الإلكترون فـولت هي وحدة طاقة وتمثل الطاقة التي يكتسبها الإلكترون عند وجوده في فرق جهد مقداره فولت واحد وتعادل 16 ×10-20 جول". وأهم المعجلات في العالم هي:

1 - معجل سيرن: اشتركت عدة دول أوربية في بناء هذا المعجل في جنيف. وهو خاص لتعجيل الإلكترون وضديده البوزترون. ويبلغ محيط دائرة هذا المعجل أربعة أميال "حوالي 5 ر 6 كيلومتر" وتصل طاقـة الحزمة فيه إلى 85 بليون إلكترون فولت.

2- معجل سلاك " SLAC " : ويقع في ستانفورد في أمريكا. وهو معجل خطي خاص بالإلكترون والبوزترون. ويبلغ طول هذا المعجل ثلاثـة كيلومترات فيما تصل طاقة الحزمة إلى 50 بليون إلكترون فولت.

3- معجل فيرمي القومي أو التيفاترون: ويقع قرب شيكاغو في ولاية ألينـوي في أمريكا. وهذا المعجل الخاص بالبروتون وضديده والذي يبلغ محيط دائرته ستة كيلومترات هو أضخم معجل في العالم حيث تصل طاقة الحزمة إلى ألف بليون إلكترون فولت "تيفاترون ".

4- المعجل التصادمي الفائق: ويقع في تكساس في أمريكا. وهذا المعجل الخاص بـالبروتونات لم يكتب له أن يرى النور. تم اختيار موقع هذا المعجل في نهاية عام 1988. ويبلغ محيطه 85 كيلومترا فيما تصل طاقة حزمته إلى 20 ألف بليون إلكترون فولت. وكان متوقعا إنجازه في مدة تتراوح بين 8 إلى 10 سنوات وبكلفة تصل إلى ستة بلايين دولار. وتبلغ كلفة تشغيله السنوية 250 مليون دولار. وقد تقرر أخيرا إلغاء هذا المشروع بسبب نفقاته الباهظة مما أدى إلى خيبة آمال علماء فيزياء الجسيمات الدقيقة النظرين والتجريبيين في أنحاء العالم كافة.

يعالج الجزء الأول من المشروع إنتاج طاقة نووية بطريقة سهلة وسليمة أو ما يسمى بمفاعل روبيا. أما الجزء الثاني فيختص بتطوير طريقة جديدة للتخلص من ضرر النفايات النووية المشعة والمكدسة في أنحاء من العالم.

يعتقد أبوفيزياء الجسيمات الدقيقة روبيا أن المعرفة والخبرة المكتسبتين من البحوث السلمية للتركيب النووي بإمكانها إنقاذ الأرض من المشاكل الجسيمة والخطرة التي نجمت عن الاستخدامات المختلفة للطاقة النووية. كما يرى أن التقانة الحديثة للمعجلات ستساهم في إتلاف النفايات النووية المشعة الناتجة من المفاعلات النووية وتحويل هذه النفايات إلى مواد غير ضارة. ويقول روبيـا في تصريحه لصحيفـة الأوبزيرفر الـبريطانيـة بتاريخ 27/ 3/ 1994: "كنا ننظر في الماضي إلى إنتاج الطاقة النووية من خلال المنظار العسكري، إذ إن مشاريعنا النووية قد صممت استجابة لمتطلبات برنامج التسلح النووي. أما اليوم فنحن بحاجة إلى متطلبات مختلفة. يجب أن نفكر في التأثيرات البيئية للطاقة النووية. نحن نريد أن ننتج طاقة دون أن يصاحب ذلك كميات هائلة من النفايات المشعـة، كـما نريد مفاعلات لا تنفجر سقوفها عند حدوث خلل ما في عمليات تشغيلها". إن مفتاح تحقيق هذا الأمل في اعتقاد روبيا هو في المعجلات المطورة في سيرن وفي مختبرات أخرى في العالم.

من خلال خبرته الطويلة في استخدام المعجلات، يعتقد روبيا أن الخطوة الأولى في إنتاج الطاقة الخضراء هي إطلاق حزمة جسيمات معجلة على هدف من الثوريوم وتحويله إلى يورانيوم- 233، وهو أحد النظائر المشعة لليورانيوم. ويتحلل نظير اليورانيوم هذا باعثا نوترونات تنتج عند تصادمها مع الثوريوم مزيدا من اليورانيوم. والخطوة التالية هي استغلال الحرارة الناتجة من التفاعلات النووية أعلاه لتحريك التوربينات. إن التنفيذ العملي لهذه الفكرة البسيطة يتمثل في سهولة تشغيل وإيقاف المفاعلات من هذا النوع. إذ إن ميكانيكيـة عمليتي التشغيل والإيقاف تعتمد على إطلاق حزمة البروتونات أو حجزها، بعكس عمليات تشغيل وإيقاف المفاعلات المستخدمة حاليا في العالم، والتي هي عمليات شاقة وغاية في التعقيد. وإضافة إلى عدم إنتاجها لجبال من النفايات المشعة كما هو حال المفاعلات الحالية، فإن ما ستنتجه المفاعلات المقترحة من نفايات سيضمحل خلال مائة عام بدلا من آلاف السنين، وهذه هي فكرة مفاعل روبيا.

أما الجزء الثاني من مشروع روبيـا فيشمل معالجة النفايات النووية المشعة المكدسة حاليا في أنحاء مختلفة من العالم وتقليل مخاطرها على الأجيال القادمة. إن الطرق الحالية للسيطرة على النفايات المشعة تعتمد إما أسلوب الخزن طويل المدى لهذه النفايات في مواقع منتقاة بعناية شديدة، أو المعالجة في مفاعلات خاصة لغرض استخلاص البلوتونيوم من الوقود النووي المستهلك وإنتاج المزيد من النفـايات المشعة، كما يحدث في مفاعل ثورب في بريطانيا. أما طريقة روبيا فتعتمد "القتل السريع " للنفايات المشعة. ويتم هذا عن طريق قصف النفايات المشعة من اليورانيوم والسيزيوم والسترونتيوم واليود وغيرها، بالنوترونات التي ستعجل في تحللها وذلك بتحويلها إلى نظائر مشعة بعمر نصف مقداره بضع سنوات بدلا من آلاف السنين منهية بذلك- وبمدة قصيرة نسبيا- الخطر المهلك للنفايات المشعة على الأجيال القادمة. وسيتم إجراء التجارب الاختبارية لصحة فكرة روبيا داخل كتلة ضخمة من الغرافيت لغرض وقاية العاملين في التجارب من الإشعاع. إن الفكرة الأساسية ليست جديدة ولكن الجديد فيها هو استخدام معجل حديث ورخيص ليقوم بالمهمة. إن تقانة حزم الجسيمات الدقيقة تستحق فعلا الإعجاب إذا كانت ستقود عالم القرن القادم إلى مصدر للطاقة النووية نظيف نسبيا.

إن روبيا متفائل حول إمكان نجاح مشروعه، ويرى أن نجاح مثل هذا المشروع هو أفضل رد على جميل العالم الذي أنفق الكثير من الأموال والجهود ولأكثر من أربعين عاما على بحوث ودراسات فيزياء الجسيمات الدقيقة.

تتميز فكرة روبيا ببساطة مغرية تدعمها بالتأكيد السمعة الراقية لهذا العالم الجريء والذي لا يملك العالم إمكان إهمال فكرته. كما أن الأجهزة والتقانة الممتازة المتوافرة لدى روبيا في سيرن وفريق الباحثين الذي سيعمل بإشرافه سيكون لهم الأثر الأساسي في نجاح المشروع إن شاء الله.

ولكن ما هذه النظـائر المشعة التي بعضهـا غاية في الخطورة وبعضهـا الآخر جـد مفيد؟ هل آن لنا أن نأمل بجديد من العطاء النووي أم أننا سنبقى في دائرة الرعب الذي نعيشه منذ حوالي خمسين عاما؟ هل يمكن لأفكار روبيا أن تفلح في مسح أو تخفيف آثار صور هيروشيما وناغازاكي؟ للإجابـة عن هذه الأسئلة نحتاج للعودة إلى الماضي، إلى مائة عام قبل مولد روبيا، إلى عام 1834 حين رأى النور أصغر أطفال عائلة مكونة من 14 طفلا، العالم الكيميائي ديميتري مندلييف.

الجدول الدوري

وضع ديمتري مندلييف في 17/ 2/ 1869 مخططا بسيطا لرموز العناصر الكيميائية بترتيب يعتمد على أوزانها الذرية أولا وبتشابه "دوري " لصفـاتها الكيميائية ثانيا.

ولا يزال الاعتقاد سائدا حتى يومنا هذا بأن هذا العمل هو أهم حدث في تاريخ الكيمياء، إذ غير كليـا نظـرة العلماء وفهمهم للعناصر.

تنبأ مندلييف، بعد ترتيبه للعناصر، بوجود ثلاثة عناصر لم تكن مكتشفة آنذاك، هي الغاليوم والسكانديوم والجرمانيوم، كما ترك فراغات في الجدول لعناصر أخرى توقع اكتشافها. وخلال عشرين عاما من وضع الجدول الدوري اكتشفت هذه العناصر الثلاثة مؤكدة صحة نظرية مندلييف وهو ما لم يتوقعه مندلييف نفسه أن يحدث خلال حياته. ومن الطريف أن الشهرة العلمية التي عاد بها اكتشافه ساعدته على تفادي المشاكل التي كان يمكن أن تثيرها تصرفاته غير المعهودة في العصر القيصري في روسيا. ففي عام 1876 تمكن من طلاق زوجته والزواج من طالبة فنون شابة دون أن تلاحقه السلطات، كما أنه واظب على حلق شعره مرة واحدة في السنة فقط إضافة إلى أنه كان ذا آراء تحررية كثيرة.

إن مجمل ما توقعه مندلييف هو عشرة عناصر، تم اكتشاف ثمانية منها. وقد وصل عدد العناصر حاليا إلى ما يزيد على المائة. كما أن سر ترتيب العناصر بدأ بالوضوح بعد ست سنوات من وفاته أي في عام 1913 حين بين الفيزيائي هنري موزلي أن المواقع الصحيحة للعناصر يجب أن تعتمد على العدد الذري وليس الوزن الذري كما وضعه مندلييف وحل بذلك المشكلة التي حيرت مندلييف.

ومن الجدول الـدوري الحديث يمكن معـرفـة صفات العنصر فيما يخـص تفـاعله مع بـاقي العناصر ونـوع المركبـات التي يمكن أن تنتج عن تفـاعلاته وصفـاتها الفيزيائية، من خـلال 18 مجموعـة من العناصر. أول مجموعة هي القلويـات "الهيدروجـين والليثيـوم والصوديوم وغيرها " بعنـاصرها السبعـة والمتشابهة بشـدة تفاعلها الكيميائي. لقد اشتق اسم هذه المجموعة " ALKALI" من الاسم العربي القديم والمشتق من "القلي " حيث يشبـه التفـاعل الشديـد لعنـاصر هذه المجموعة- كإلقاء قطعة صغيرة من الصوديـوم في الماء- ما يحدث للزيت عنـد القلي. أما آخر مجموعة فهي الغـازات الخاملة "الهيليوم والنيون والأركون وغيرها" والتي تتميز بعدم تفاعلها مع أي عنصر آخر.

ولقد احتوت أسماء العناصر المكتشفة حديثا على أسماء كواكب " يورانيوم، بلوتونيوم، نبتونيوم" وأسماء قارات "يوربيوم، امريشيوم " وأسماء دول أو ولايات "بولونيوم، كاليفورنيوم" إضافة إلى أسماء علماء كالعنصر 101 الذي سمي مندلييفيوم تكريما لمن أدت فكرته إلى خدمة عظيمة في طريق المعرفة.

النشاط الإشعاعي

لم يـوفر الجدول الدوري تفسيرا للصفـات الذرية "الكيميائية" للعناصر فحسب، بل سـاهم بصورة غير مباشرة في فهم الصفات النووية " الفيزيائية" للذرة كذلك، إذ كـما تعتمد الصفات الكيميـائية على عدد الإلكترونـات وترتيبها في الـذرة، فقـد تبين أن الصفات الفيزيائية للنواة "أي استقرار أو نشـاط النـواة" يحددها عـدد بروتوناتها ونوتروناتها وترتيبها، فنوى الذرات بعضها مستقر "خامل " والآخـر غير مستقر "نشط"، وقـد فسر ذلـك بالاستنتاج من الصفات الكيميائية للذرات والتي تعتمد على عدد الإلكترونات وترتيبها في الذرة، فعـدد الـبروتـونـات والنوترونات وترتيب كل منهما هو الـذي يتحكـم بـالصفات الفيزيـائية وبسبـب وجود نـوعـين من الجسيمات في النواة فقد وصل عدد النظائر إلى ما يزيد على الألف.

إن عدد العناصر المتوافرة في الطبيعـة هـو 92 تبدأ بالهيـدروجين وتنتهي باليورانيوم، أما العناصر التي تلي اليورانيوم "أو ما يسمى في بعض الأحيان بعناصر ما بعد اليـورانيـوم لأنها تصنع عـادة بقصف اليـورانيـوم بالنوترونات " فإنها عناصر صناعية صنعت في المختبرات العلمية الشهيرة التالية:

1- مختبر دبنا قرب موسكو.

2- مختبر بيركلي في كاليفورنيا.

3- مختبر دارمشتات في إقليم هيسة في ألمانيا.

كما صنعت العديد من نظائر العناصر في هذه المختبرات ولأغراض عديدة، وتتميز النظائر غير المستقـرة "أو النظـائر المشعـة" بما يسمى بالنشاط الإشعاعي، وهو انبعاث أشعة نووية يطلق عليها أسماء الحروف الثلاثة الأولى مـن اللغة اليونانية أي ألفا وبيتا وغـاما "ألـف وباء وجيم "، فقـد اكتشف النشـاط الإشعاعي في بداية هذا القرن في النظائر المشعة المتوافرة في الطبيعة ولم تعرف في حينها ماهية هذه الأشعة كما هو حال الأشعة السينية، وألفا هـي جسيمة موجبة الشحنة متماسكة شبيهة بنواة الهيليوم، أي تتكون من بروتونين ونوترونين، تنبعث من النوى الثقيلة غـير المستقرة مثل الراديوم- 226 والأمريشيوم- 241. أما بيتا فهي شبيهة بالإلكترون المداري وتنبعث من النوى المتحللة بسبب تحول نوترون إلى بروتون داخل النواة، أما غاما فهي أشعة كهرومغناطيسية تشبـه الأشعة السينية أو الضوء المرئي ولكن طاقتها جد عالية وغالبا ما تصاحب انبعاث ألفا أو بيتا.

نتيجة لانبعاث الأشعة النووية فإن النشاط الإشعاعي للنظائر المشعة يتناقص مع مرور الزمن، وتمثل هذه الصفة بما يسمى "بعمر النصف " التي تعرف بأنها المدة الزمنية اللازمة لهبوط النشاط الإشعاعي إلى النصف، وتغير النشاط الإشعـاعي مع مرور الزمن هو تغير أسي تناقصي أي أن النشاط الإشعاعي لا يصل إلى التلاشي "أو الصفر" إلا بعد مـرور ما لا نهاية من الزمن، وهنـا تكمن مشكلة النفايات المشعة من المفاعلات، فالزمن اللازم لهبوط النشاط الإشعـاعي إلى 1 % من النشاط المبدئي هو سبعة أضعاف مقدار عمر النصف للمادة المشعة، وتتراوح أعمار أنصاف النظائر المشعة بين جـزء من الثانية وبين بلايين السنين.

وكما ذكر آنفا، فإن النظائر المشعة تعرف عادة باسم العنصر والعدد الكتلي للنظير، والنظائر المشعـة منها طبيعية، مثل الكاربون- 14 والبوتاسيوم- 40، والكثير منها صنع في المختبر، ويتم التصنيع عادة بقصف النظائر المستقرة بجسيمات دقيقة مثل النوتـرون أو البروتون أو ألفا وغيرها، إن هذا القصف يؤدي إلى تغير النظير أو إلى تغير العنصر اعتمادا على نوع الجسيمة وطاقتها وعلى نوع نـواة الهدف، فمثلا يتحول الكوبلت- 59 المستقر إلى الكوبلت- 60 المشع عند قصفه بالنوترون.

ومنذ قيام ابنة مدام كوري "إيرين جوليو- كوري " وزوجها "فـردريك" بأول تفاعل نووي عندما قصفا شريحة ألمنيـوم بألفا والحصـول على فسفور- 30 ونوترون. وحصولهما على جائزة نوبل للكيميـاء لعام 1935، انطلق الركب العلمي في طريق تصنيع النظائر واكتشاف المزيد من العناصر الجديدة لتحتل موقعا في الجدول الدوري ولتمنح اسما ما.

وتستغل التفاعلات النووية، والتي توجد أنواع جد عديدة ومتنوعة منها، لاستحصال طاقة، كما في الانشطار والاندماج النووي، أو للحصول على مصدر لنـوع معين من الجسيمات أو لتصنيع النظائر المشعة، وتتحكم بالتفاعلات النووية هذه قوانين حفظ عديدة مثل قانون حفظ الكتلة والطاقة والزخم والشحنـة وغيرها، ولذلك يجب القيام بحسابـات نظرية معينة لمعرفة إمكانية وكفاءة التفاعل النووي المراد إنجازه.

من هذه المبادىء انطلق روبيا بفكرتـه عن الطاقـة الخضراء حيث يعتزم استغلال طاقة التفاعل النووي "وليس طاقـة الانشطـار كما في المفاعلات الحاليـة أو الاندماج في مفاعلات المستقبل القريب "، لإنتـاج القدرة الكهربائية. كـما يبغي قصف النفـايات المشعـة بالجسيمات الملائمة لتحـويل نظائرها طويلة العمر إلى نظائر قصيرة العمر. لقـد كافح الكيميائيون ومنذ العصر الوسيط لتحويل معادن رخيصـة إلى معـادن ثمينـة مثـل الذهب والفضـة فـما أفلحـوا، ولكن الفيزيـائيين وباستغلال التفاعلات النووية تمكنوا من تحقيق ذلك الحلم:

بروتون+ زئبق- 200= ذهب - 197+ ألفا إلا أن ضآلة كمية المادة المحولة وكلفة التحويل تجعل الأمر غير اقتصادي، وأصبح الحلم الجديد هو تحويل النظائر المشعة طويلة العمر إلى قصيرة العمر.

إن تحقق مشروع روبيا عمليا سيعني تحوله إلى معول لهدم المفاعلات الحالية لإنتـاج القدرة الكهربائية من طاقة الانشطار ومفاعلات الاندماج في المستقبل القريب إضـافة إلى مفـاعلات إعادة تصنيـع الوقود النووي المستهلك، فهل ستفتح بذلك صفحة جـديدة من العطاء النووي وتحل مشاكل نصف قرن خـلال شهور قادمة؟ وهل سنرى مصابيح الألف الثاني مجهزة بالقدرة الكهربائيـة من مفاعلات روبيا؟ وهل ستنجح طريقة روبيا في حل مشكلة الإرث النووي الوخيم من النفايات المشعة؟.

إن الطموح الإنساني في طريق البحث عن حيـاة أفضل لا يمكن إلا أن يكلل بـالنجاح ولـو بعد حين بعون الله عز وجل.. وإن غدا لناظره قريب.

 

شذى الدركزلي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




مع الطاقة النووية الخضراء هل تختفي حفر الموت التي تلقى فيها النفايات النووية؟





العالم كارلو روبيا





مئات الأميال من الصحراء الأمريكية شمال غرب لاس فيجاس، مقبرة مقترحة لدفن النفايات النووية بأمان لمدة عشرة آلاف عام





العالم ديمتيري مندلييف





الغرفة الغارقة إعادة (تدوير) استخدام الوقود النووي هل تغني عنها المفاعلات الجديدة