من الحلم إلى النزول على القمر علي محمد الفودري

من الحلم إلى النزول على القمر

يحتفل العالم هذا العام بمرور 25 سنـة علما نزول أول إنسـان على سطح القمر، محققا انجازا علميا رائدا للبشريـة، في هـذا المقـال نحاول أن نجمع التاريـخ لمعرفة القاعدة التي بناها الإنسان لتحقيق هـذا الإنجـاز العلمي.

لو استثنينا التاريخ الطويل لتقدم العلوم الفضائية وتقـدم الطـيران المذهل من أوائل هـذا القـرن لوجدنا أن التاريخ الحقيقي لقهر الفضاء لم يبدأ إلا في فترة العشرينيات من هذا القرن وعلى يد الثلاثي "غودار وأوربيرث وتسيولسفسكي " الذين وضعوا المبادىء الأساسية لعلم ملاحة الفضاء.

ففي عام 1919 تقدم غودار لتصميم توربين لصاروخ للدفع وطريقة لتزويد غرفة الاحتراق بالوقود، واستمر بعد ذلك بالتجارب حتى جاء عام 1926 م حيث قام غودار أيضا بإجراء تجربة لإطلاق صاروخ طوله عشرة أقدام، ولقد انطلق الصاروخ إلى ارتفاع 41 قدما بسرعة 65 ميلا في الساعة قـاطعا مسافة 220 قدما، ولكنه سقط إلى الوراء، وعلى الرغم من ذلك اعتبرت تلك التجربة جيدة لمواصلة المزيد من التجارب مما دفع غودار في عام 1929 م لإجراء تجربة أخرى حيث أطلق صاروخا آخر، ولكن التجربـة فشلت أيضا. في هذه التجربة انفجر الصاروخ على ارتفاع 103 أقـدام، فأثار الفزع والهلع والخوف بين أهالي مدينة أبورت، مما حدا بالسلطات إلى الطلب من هذا المجنون "على حسب زعمهم " نقل أعماله إلى مدينة أخرى.

وعلى الرغم من التجـربتين السابقتين إلا أن اليأس لم يتطرق إلى قلبه ولم يغلبه، بل زاد إصراره على مواصلة أبحاثه وتجاربه حتى جـاء عام 1933 م فأطلق غودار صاروخـا أسماه "تل " ويبلغ وزن الصاروخ 85 رطلا قـرب مدينة ردوسبل، وكـان الدفع يتم بواسطة الأوكسجين السائل، وكـانت غرفة الاحتراق نفسها مصونة من الاشتعال بتدفق المادة الدافعة داخل وحول نفسها، وعرفت تلك الطريقة باسم التبريد واستعملت آلة جيروسكوبية وذلك لحفظ التوازن به، ونجحت التجربة نجاحا باهرا، فقد اندفع الصاروخ بسرعة كبيرة جـدا تـوازي سرعة الصوت وارتفع إلى علو 7500 قـدم. وبعد مرور حوالي العامين على نجاح التجربة الأخيرة لغودار زاد الاهتمام بالصواريخ، ففي عام 1935 م استرعت اهتمام هتلر فقدم لهم الإعانات المالية وأخذ يشجعهم حتى أواخر أيام الحرب العالمية الثـانية التي بدأت عام 1939 م وانتهت عام 1945 م. وفي عـام 1942 م ظهرت الصواريخ الألمانية من طراز ف1 وف 2، ولقد سببت دمارا كبيرا في لندن حيث بلغ عدد الصواريخ التي ألقيت على لندن 5000 صاروخ من طراز ف1 وف 2.

استباحة أسرار الألمان

مع انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945 وهزيمة الألمان قام الروس والأمريكان بالاستيلاء على أطنان من الوثائق المتعلقة بأسرار الفضاء الألمانية، وكـذلك هجرة العلماء إلى روسيا أو أمريكـا مما جعل كلتا الدولتين تستفيدان من علمهم الفضـائي وخبرتهم حيث بدأتا بالاهتمام بهذا المجال. ففي عام 1950 م تـم إطلاق أول صاروخ أمريكي من قاعدة كيب كانيفرال "تم إطلاق اسم الرئيس الأمريكي الراحل جون كنيدي على القاعدة تخليـدا لـذكـراه"، وكـان الصاروخ يجمع بين نـوعية وخصائص كل من الصاروخ ال ف 2، والصاروخ وال كوربوال، وفي نفس العـام تم إجراء تجربة ثانية حيث كانت العملية الثانية من هذه المرحلة هي إطلاق صاروخ من طراز مارتن ماتادور الذي كان عبارة عن طائرة بدون طيار، ولقد كان الصاروخ الأول وكـذلك الصاروخ الثاني مـزودا بمحركـات من طـراز اليسون ج 33 الصاخبة. وتبع ذلك في نفس العـام " 1950 م " إطلاق القذيفة الصاروخية من نوع س ر- 62 نورث روب سنارك المزودة بمحرك من طراز برات اندويتني ذي قوة دفع 10 آلاف رطل قاطعا مسافة أكثر من 3 آلاف ميل "المحرك قادر على قطع مسافة 3 آلاف إلى 5 آلاف ميل ". وفي عام 1951 ظهر لأول مرة صاروخ تجريبي ليحل محل الصاروخ وال كـوربوال من طراز البوينج بـومارك. وبعـد ذلك في عام 1953 م تم إنتاج صاروخ أمريكي أطلق عليه اسم "نافاهود" وبعد عدة محاولات لإطلاقه فشلت التجربة نهائياً ولم ينطلق الصاروخ أبدا مما جعل الأمريكان يقومون بتغيير اسم الصاروخ لفشله إلى اسم (NEVER GO) نيفركـو" أي الـذي لا ينطلق أبدا. وظهر إلى عالم الصواريخ، الصاروخ الأمريكي الجبار الذي أطلق عليه اسم جوبيتر وذلك في عام 1955 م، وفي العام التالي وبالتحديد في الخامس من شهر سبتمبر عام 1956 م نجحت أمريكا بإطلاق أول صاروخ عابر للقارات عـرف باسم "أطلس ". ولكن رغـم النجـاح الأمريكي، هل وقفت روسيا أي الاتحاد السوفييتي آنذاك موقف المتفرج؟ بكل تأكيد لا.. ففي الرابع من شهر أكتوبر عام 1957 م هزت روسيا العالم بقيامها بإطلاق مركبـة باسم سبوتنيك الأول التي يبلغ وزنها 84 رطلا، ولم يكن على متنها أحـد، وواصلت تجاربها، وفي السادس من شهـر نـوفمبر مـن عـام 1957 م أطلقت روسيـا سبوتنيك الثاني وبها الكلبة المشهورة لايكـا، ونجحت التجربة وعادت المركبة إلى الأرض والكلبة لايكا بصحة جيدة، بعد نجاح تلك التجربة الرائعة قامت أمريكا في عام 1958 م بإطلاق أول أقـمارها الصناعية مستعملة الصاروخ الجبار جوبيتر، ولقد أطلق على القمر الصناعي اسم "اكسبلورا" ويبلغ وزنه 2 ر 3 رطل، وكان ذلك في 31 من شهر يناير عام 1958. ولقـد نجحت أمريكـا بإطلاق قمـرها الصناعي الأول، بعـد ذلك أدخلت تحسينات على الصاروخ الدافع حتى قامت في نفس العام بزيادة حجم الصاروخ الجبار جوبيتر، وكان 1959 م عام شؤم لأمريكا بصاروخهـا المعروف باسم أطلس، فبعد إطلاق هذا الصـاروخ انفجر مسببـا كـارثة، ولم ييأس الأمريكان من فشل تلك التجربة، ففي نفس العام أي في عام 1959 م نجح الأمريكان بتجربة صاروخ ضخم يطلق عليه اسم تيتـان بتشغيله وهو على منصة الإطلاق مزمجرا محلـه في أكـبر تقدم تكتيكي عبارة عن المقدرة على التحكم في عمليـة إشعـال وإطفاء محركات الصاروخ في حالة اكتشاف أي خلل. وفي نفس العـام جـاء الـدور الروسي الذي نجح في السابع والعشرين من شهـر سبتمبر. "قبل أن يقـوم الأمريكـان بتجـربتهـم على الصـاروخ تيتان" بعملية إطلاق للمركبة لـونيك 3 حيث قـامت بتصويـر الجانب المظلم من سطح القمر.

أول رائد فضاء

بعد نجاح تلك التجربة واصلت روسيا تجاربها، ففي عام 1959 م أيضـا نجحت بإطلاق المركبة لونا 1 ودارت حـول الأرض، بعـد ذلك بعامين وبالتحديد في عام 1961 م أطلقت روسيا مركبة فضائية أخرى، وهـذه المرة باتجاه القمر، ونجحت المركبة التي عرفت باسم لونا 2 لتهبط بنجاح على سطح القمر، وكـان للاتحاد السوفييتي الفضل الكبير في تقدم علم الفضاء حيـث شهد العالم في الثاني عشر من شهر أبريل من عـام 1961 م انطلاق أول رائد فضاء هـو الرائد الـروسي الطيار يوري جاجارين في المركبة الفضائيـة فوستوك 1، وبنجاح التجربة الروسية وعودة جاجارين إلى الأرض سالما، كان لا بد لأمريكا أن تتحرك ففي نفس العام وبالتحـديد في الخامس من شهر مايـو من عام 1961 م، وردا على العملية الفضائية السـوفييتية أطلقت أمريكا أول رائد فضـاء لها وإن كان لم يقم برحلـة مدارية مثل رائد الفضاء الروسي جاجارين ولكن كـانت رحلته شبه مدارية. أما روسيا- وبعد أن نجحت أمريكا أيضا في تجربتها شبه المدارية- فقد أطلقت في الثاني عشر من شهر مايو من عام 1962 م أول ثنائي روسي وهما "اندريان نيقولا في وبافل بـوبفيتش " ونجحا في التحليق حول الأرض، وجاء بعد ذلك موعد أمريكا مع الرحلة المدارية حول الأرض حيث قام الرائد الأمريكي "جون جلين " بالتحليق حـول الأرض بالمركبة بل 7 وذلك في اليوم العشرين من شهر مايو من عام 1962 م، ومن مفارقات القـدر أن هـذا الرائد كـاد يموت غرقـا من تدفق الماء عليه حين حـاول فتح المركبة عند هبوطه في المحيط، ولكن تم إنقاذه في الوقت المناسب. في الرابع عشر من شهر مايو من عام 1963 م انتهى مشروع ميركوري الأمريكي بأطول رحلـة قام بها رائد الفضاء الأمريكـي كوبر ودامت 24 ساعـة. وبعـد مرور شهر من نجاح أطول رحلة أمريكيـة في الفضاء جـاء الدور الروسي، ففي الرابـع عشر من شهر يـونيو من عـام 1963 م قضى الروسي فالير بايكـوفسكي خمسـة أيـام في الفضاء على متن المركبة الروسية فوستوك 5، وبعد يومين من مكوثه في الفضاء في السادس عشر من شهر يونيو تبعته الرائدة الروسية فالنتينا ترشكوما، كأول امرأة فضائية في المركبة فوستوك 6، وقضت في الفضاء سبعين ساعة وخمسين دقيقة، وصلت خلالها إلى أبعد مما وصلت إليه فوستوك 5 بخمسة كيلومترات. وفي شهر مارس من عام 1965 م بدأت أول رحلات المركبة الأمريكيـة جيمني وكانت أول رحلة يقوم بها الأمريكي في جيل جيرسوم، وبعد تلك الرحلة واصلت المركبة الفضائية جيمني برنامجها بعدة رحلات أخرى، حتى أن مجموع رحلاتها وصل إلى عشر رحلات ناجحة، انتهى آخرها في شهر نوفمبر من عام 1966. ومع بداية عام 1967 م وبالتحـديد في السابـع والعشرين من شهر يناير لم تمر جميع التجـارب بسلام، فقـد حلت كارثة فضائية بالرواد الأمريكيين حـين احترق ثلاثة رواد فضاء هم "فيرجيل جيرسـوم وادوارد وايت وروجيه شافي " داخل المركبة أبولو وهم على الأرض أثناء إحدى التجارب، حتى أن الشؤم لحق أيضا بـالروس، ففي نفس العام فشل الروس لأول مـرة حينما عجزوا في عمليـة هبوط المركبتين الفضائيتين الروسيتين زوند 5 وزوند 6 في أراضيهم بل سقطت المركبتـان الفضائيتـان في المحيط الهندي، ولم تكن تلك الحادثة هي الأولى بالنسبة للروس في هذا العام بل حلت بهم كارثة أخرى في الرابع والعشرين من شهر أبريل من عام 1967 م قتل فيها رائد الفضاء الروسي كوماروف حين اشتبكت حبال مظلته أثناء عودته للأرض.

أما الـولايـات المتحـدة فلـم تيأس بل واصلت عملية البحث والتطور فقامت في عام 1967 م أيضا بتطوير أضخم صاروخ أطلق عليه اسم ساتيون 5، وفي شهر أكتوبر من العام نفسه قـامت أمريكـا بإطلاق المركبة الفضائية أبولو 7 إلى الفضاء للدوران حـول الأرض وكان على متنها كل من الرواد والتر شيرا ودون ايزابيل ووالتركانغاهم، واستطاعت المركبة الـدوران حول الأرض بنجـاح، وهبطت بعد نجاح التجربة التي استغرقت أحد عشر يوما، أما الاتحاد السوفييتي فقد قام في شهر نوفمبر من عام 1968 م بإرسال رائد الفضاء بير غوري إلى الفضاء على متن المركبة سويوز 3 بتجـربة ناجحـة، حيث استطاع بيرغوري الالتحـام في الفضـاء بـالمركبـة الروسيـة سويوز 2 غير المأهولة في لقاء فضائي ناجح.

التخلص من جاذبية الأرض

أما أمريكا فقد خرجت من مرحلة الدوران حول الأرض، ففي عام 1968 م وفي أعياد الميلاد أرسلت وعلى متن أبولو 8 ثلاثة رواد فضاء، وهم فـرانك بورمان ووليـم أندروز وجيمس لوفيل في رحلة جريئة حول القمر ليكونوا أول بشر يتخلصون من جاذبيـة الأرض، ولقـد تمت التجربة بنجاح، وعادوا إلى الأرض سالمين. وبعد ذلك قررت أمريكـا إجراء تجربة أخرى، ففي شهر مايو من عام 1969 م قامت بإرسال ثلاثة رواد وهم توماس سنافـورد وجون يونغ ويوجين سيرنان على متن مركبة الفضاء سبايدر والتي سميت فيما بعد بـالمركبة الفضـائيـة إيجل في رحلة جريئة أخرى داروا بها حول القمر ونجحت التجربة، وأعيـدت المركبة إلى الأرض بسلام.

وفي عام 1969 م استطاعت الولايات المتحدة أن تحقق حلما للبشرية، ففي ليلة تاريخية هي 20- 21 من شهر يوليو من عام 1969 م استطـاع نيل آرمسترونغ أن يضع رجلـه كأول إنسان على سطـح القمر، ثم تبعـه زميله ألدرين بعد 19 دقيقة، بينما ظل رائد الفضاء الثالث كلينز على متن المركبة أبـولو 11 ينتظر زميليه للعودة إلى المركبـة. لقـد تحقق حلـم البشرية بهذه التجربة الرائعة في مجال علم الفضاء، وعاد الرائدان نيل آرمسترونغ وألـدرين إلى زميلهما الثالـث بعد نجاح التجربة، وأعيدوا إلى الأرض سالمين. وفي نفس الوقت الذي أطلق فيه الأمريكان أبولو 11 باتجاه القمر، قـامت روسيا بإطلاق المركبة الفضائية لونا 15، وكانت محاولة الروس كدعاية لهم وكانت خطوة في غير محلها.

بعد ذلك واصلت أمريكا رحلاتها الفضائية بعد نجـاحها في إنزال بشر على سطح القمر، فقامت بإرسال المركبة أبولـو 12، والتي نجحت بدورها في الهبوط على سطح القمر، ثم أبولو 13 والتي لم تنجح في النزول على سطح القمر، ولكن الرحلة اعتبرت ناجحة في علم الفضاء لأنهم استطاعوا إعادة الرواد إلى الأرض سالمين.

لقد استطاعت الولايات المتحـدة تحقيق حلم البشرية بإنزال بشر على سطح القمر.

 

علي محمد الفودري

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




العالم وملامح الفضاء هاريسون شميث يعمل على سطح القمر إلى جانب العربة القمرية في رحلة أبوللو - 17 عام 1972





جون جلين أول ملامح فضاء أمريكي دار حول الأرض





أثر قدم أحد ملاحي الفضاء فوق تربة الصخر خلال أول هبوط على سطح القمر في يوليو 1969