هوليوود والمال: متى يتحول النجاح إلى فشل؟ محمد رضا

هوليوود والمال: متى يتحول النجاح إلى فشل؟

قبل بضعة أشهر أعلنت شركة كارولكو الأمريكية عن توقفها عن مشروع فيلم كانت وصلت إلى خطوات البدء بتصويره بعنوان "الصليبيون "، وشوهد صاحب الشركة ماريو قصار وهو متجهم الوجه، منقبض النفس وذلك في خلال دورة مهرجان "كان " الأخيرة. ولا عجب في ذلك، فإن الفيلم كان طموحاً كبيراً لدى هذا المنتج الذي ولد في لبنان ورحل مع والده إلى روما صغيراً ثم انفصل في مشاريع أعمال وتوزيع أفلام في هونغ كونغ قبل أن يحط الرحال في هوليوود ويترأس (وشريكه السابق اندرو فانيا) شركـة كارولكو، أكبر الشركات الأمريكية المستقبلة لردح طويل من السنين.

ولا يتوقف الأمر عند الطموح فقط، بل كانت هناك تكاليف مدفوعة ومبيعات أتمت كارولكو الاتفاق بشأنها خلال أيام المهرجان الكبير. التوقف كان يعني تحمل بضعة ملايين من الدولارات والفيلم ما زال لم يصور بعد.

وهناك رأيان في السبب الذي من أجله تم وقف المشروع. الأول يقـول إن ممولين عـربا سحبـوا استعداداتهم للمشاركة في التمويل بسبب ما أمكن أن يحمله الفيلـم من مضامين معـاديـة للمسلمين والعرب بشكل عام خصوصاً بعد مقال صحافي تم نشره في هذا الموضوع في إحدى الصحف العربية الكبيرة.

والرأي الثاني، وهـو الأكثر انتشـاراً، يقول إن المشروع قد انتهى بسبب ارتفاع تكاليفه وعدم استعداد جمع الفرقاء (يابانيين وفرنسيين على الأخص) لإنتاج فيلم يرون ميزانيته ترتفع والمشروع ما زال على الورق، فما البال أثناء التنفيذ؟ وكانت ميزانية الفيلم قـدرت بثمانين مليون دولار، لكن بعد ثلاثة أشهر من التحضيرات الأولية وصلت الميزانيـة إلى 120 مليون دولار مما تـوجب سحب "فيش " الكهرباء عنه.

سبعة عشر مليونا.. فقط

نحن نعلم أن الأفـلام التاريخيـة تكلف كثيراً، فما البال إذا ما نفذت في هذه الأيام حيث إن معـدل تكلفة الفيلم الأمريكي الواحد (حتى ولو كـان كوميدياً أو عاطفياً ومع نجم كبير واحد) يصل إلى 30 مليون دولار؟ ما البال إذا ما كان الفيلم من نوع المغامرات الكبيرة المعتمدة على الخدع والمؤثرات مثل "ترميناتور 2 " و"آخر بطل أمريكي "؟ لقد وصلت تكلفـة كل مـن هـذين الفيلمين إلى ثمانين مليـون دولار، بل ودخل الفيلم الثاني إلى جـوار المائة مليون دولار.

وحتى عام 1989 كـان المعدل 24 مليون دولار للفيلم الواحد. وقبل ذلك بخمس سنوات أخـرى، كـانت الشكـوى من أن معـدل إنتاج الفيلم الواحـد وصل إلى سبعـة عشر مليون دولار. هذا الرقم بات رمزياً اليوم بالمقارنة. والفيلم الذي يكلف اليوم سبعة عشر مليون دولار هو ذلك الذي يتم حسـب قصة لا تتطلب أية مؤثرات مـن أي نوع ولا تصاميم فنية كبيرة ولا عنـاصر بشرية كثيرة وربـما بممثل معروف (مثل هارفي كايتل في البطولة) إنـما غير مشهور.

تاريخ في المسألة الاقتصادية

كون السينما الأمريكية تتبع بـالضرورة نظـاماً اقتصادياً حـراً، فإن مـوازنة التكلفـة بالعائدات لها تاريخ بعيـد جداً. بل إنه من المهم التذكير بأن الغاية الأولى من وراء عروض الأفـلام الصامتـة الأولى (التي تألفت من مادة مصـورة قد لا تزيـد على قطار مقبل وشجار وموظفين يخرجون من مؤسسة ما- أي دون قصة) كانت التجارة إذ دفع كل متفرج مبلغاً (يبدو اليوم ضئيلا للغاية، إذ لم يزد حينها على خمسـة سنتات) لقـاء أن يتفرج على هذا الاختراع الجديد. كذلك كان الحال في كل بلد أنتج، كفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، أو استورد عادة العروض، مثل تونس والنمسا والأرجنتين. هنـاك فيلم، هنـاك متفرج، بينهما مبلغ يدفع نظير المشاهدة.

على العكس من ذلك، ما أن قام النظام الشيوعي في روسيـا، حتى اعتبرت السينما مادة تتبع النظـام الاقتصادي بمعنى أن على الدولة الإشراف عليها فكراً وفناً وإنتاجاً وعروضاً أيضاً. هذا النظام، وفر لها لاحقاً التغاضي عن التكاليف الباهظة لإنتاج الأفلام الحربية والتاريخية، فأقدمت عليهـا بمنأى عن التكلفـة وحسابات السوق. وهذا بدوره أراح كـل المخرجين العاملين في السينما السـوفييتية طوال العقود الستة الماضيـة إذ مكنهم من إنتـاج أفـلامهـم بمنأى عن الضغـوط الإنتاجيـة التي يتعـرض لها الفيلم الغـربي، حتى ولو كان عمـلاً حربياً كبـيراً يتطلب الكثير من الجهـد والعناصر البشريـة مثل " الحرب والسلم " أو تاريخياً لا يقل الجهـد فيـه عن مثيلـه الحربي مثل " ووترلو ".

لكن الاعتماد على هذا النحو من الإنتاج على الرغم من حسنـاته الأكيـدة، وضـع سياجاً كبيراً حول السينمائيين العاملين، إلى حـد أنه ما أن انهار النظام الشيوعي بـأكملـه، حتى وقف الفنانون والفنيون محتارين بشأن كيفية التعامل مع النظم الجديدة البديلة. والمشكلة التي واجهها هؤلاء- بخاصة المخـرجون- هي أن عادة العمل في سرعة وتبعاً للمتوافر من عناصر الإنتاج وتبعا للميزانية المحددة التي لا يجوز تجاوزها، عادة جـديدة لم يعرف الفنانون الروس أو غيرهم من أبناء الجمهوريات السابقة، كيفية التعامل معها. ووجد المنتجـون الغربيـون (وعلى الأخص الامريكيون والفرنسيون كونهم الأكثر تعاملاً للآن مع ستديوهات موسكـو وكييف وليننغراد) صعـوبـة في التعامل مع مهارات دربت طويلاً على النوع وليس على المادة. لكن ما غرّ الغرب بالإقدام على تصوير أفلام بالمشاركة مع جهات إنتاجية أو خـبرات فنية روسية، كـان رخص التكاليف بالمقارنة مع تلك التى في الغرب.

بالعـودة إلى الغرب، نجد أن المفهوم الرأسمالي في التجارة دخل صلب العملية السينمائية منذ البـداية وبصورة أساسية. عندما عرفت السينما قيمة القصة والسيناريو أخذت تعرف كذلك قيمة الممثلين. هناك ممثلون يحب الجمهور مشاهدتهم أكثر من غيرهم. هؤلاء الأكثر انتشاراً، سموا- ولا يزالون- بالنجوم. أسعار الكتاب تراوحت قليلاً في البداية كذلك أسعار الممثلين. ولاحقاً تم تمييز مخرجـين عن مخرجين آخرين بمقارنة مـداخيل الأفلام التي حققها كل. واحد. وفي عام 1925 كان المخرج كينغ فيدور نجماً بين المخـرجين لأن فيلمه "الاستعـراض الكبير" جمع 22 مليون دولار، وكان د. و. غريفيث قد انتهج قبله درباً تجارياً ناجحاً عندما حقق "مولد أمة" دخلا كبيرا عام 1915 الـذي وجد إقبالاً كبيراً قبل أن تؤدي المظاهرات والاحتجاجات إلى سحبه من التداول بسبب تصـويره العنصري لمسألـة السود في الجنوب الأمريكي. لكن المعتقد أن الفيلم كان قد جمع سريعا عشرة ملايين دولار أي أكثر من خمسة أضعاف تكلفته.

ويتصل الحديث عن نظام النجوم في السينما الأمريكية بالنظام العام الذي انتهجته السينما. ونظام النجوم كان- باختصار- عبارة عن وضع كل الممثلين والفنيين والمخرجين والكتاب تحت مظلة الاستديوهات. كل ستديو (مترو غولدوين مايـر، فوكس، وورنر وغيره...) كان له مجموعته من الممثلين والسينمائيين يتلقون رواتب أسبوعية سواء عملوا أو لم يعملوا. وسلبية ذلك كانت في أنهم كانوا يجدون أنفسهم، في كثير من الأحيان، مضطرين للعمل في أفلام لا يريدونها وأنهم معـدومو الاختيار في المسائل التي تخص حتى حياتهم الخاصة في بعض الأحيان.

وحسنات النظام المذكور متفرقة، فهو كان يؤمن دخلاً منتظماً لكل العاملين وكان يؤمن استمرار عملية إنتاج الأفلام على مدار السنة (أكثر من 600 فيلم في العام) كما كـان نـاجحـا في السيطرة على التكاليف الإنتاجية والتحكم في مساراتها.

لكن استمرار ذلك النظام كان مرتبطاً بفترة تاريخية ما أن انتهت في مطلع الخمسينيات حتى دخلت السينما نظاماً جديداً للغاية قوامه المنافسة والاختيـار الحر مما ترك المجال مفتوحاً أمام تطورين مهمين: - قيام كل العناصر الفنية (من ممثلين إلى كتاب ومخرجين) بتحديد أسعارهم حسب إقبال الفيلم الأخير.

- دخول عناصر غير فنية على صناعة السينما كوكلاء المواهب (Talent Agents ) والمحامين وأصحاب المصـارف والمنتجين المنفذين، وهم مجمـوعة من الموظفين المعينين لمراقبة حركة الانتاج سواء أكانت لهم خبرة في ميدان الفيلم أم لا.

ليس معنى ذلك أن كل أسباب ارتفاع التكاليف من معـدل سبعة ملايين دولار للفيلم الـواحد في أواخر الخمسينيات إلى 15 مليون دولار في مطلع السبعينيات إلى 22 مليون دولار في مطلع الثمانينيات ثم إلى 35 مليون دولار حالياً، تعود إلى دخول هذه العناصر الجديدة، بل يقف مبـدأ "السعر مقابل نتيجـة الفيلم الأخير" وراء جنوح السينما من محاولة إتقان العمليـة الفنية إلى إتقان العملية التجارية أساساً. وذلك أدى بدوره إلى ارتفاع معدل الجشـع بين العاملين في السينما فبدأنا نسمع عن رواتب كوكبية لا علاقة لها- في معظم الأحيان- بقيمة الممثل أو الكاتب أو المخرج.

والثلاثة (الكـاتب والمخـرج والممثل) يأتون فيما تعتبره هوليوود "فوق الخط" Above The Line في حساباتها الإنتاجية. وهذا القسم مؤلف من المواهب التي ستتـولى قيـادة العمل. ويضـاف إلى الكـاتب والمخـرج والممثل المنتج. كـذلك فإن كل ممثل رئيسي وذي اسم معروف أو دور مهم (من البطولة إلى الدور الثاني) يتبع هذا القسم. أما ما "دون الخط " فمؤلف من جميع العوامل الأخرى من الممثلين الموزعين في الأدوار الصغيرة إلى الكـومبـارس إلى فـريق التصـويـر إلى حسابات مواقع التصوير وتكاليف الاستديو وغيرها.

ونجـد أن مـا تسبب في ارتفاع تكلفـة "المتنـزه الجيروسيكي " (تكلف 50- 60 مليـون دولار لكنه جلب من أنحاء العالم نحو 900 مليون دولار) يختلف عن الأسبـاب التى رفعـت تكـاليف الفيلم الجديـد "أحب المتاعب " 40( I LOVE TROUBLE مليون دولار- لم ينته من عروضه السينمائية بعد).

فمعظم ميزانية "المتنزه الجيروسيكي " ذهبت إلى المؤثرات والخدع المختلفة ("دون الخط ")، بينما ذهب معظم تكلفة "أحب المتاعب " إلى "ما فوق الخط " على اعتبار أن تكلفة نجميه جـوليا روبرتس ونيك نولتي بلغت اثني عشر مليوناً وهو الرقم الأعلى المدفوع في هذا الفيلم لأجل جزء معين واحد من العملية الإنتاجية.

وعندما تلتقي تكلفة الممثلين بتكلفة المؤثرات الخاصة ترتفع ميزانية الفيلـم فوق المعدلات الطبيعية كما الحال في أي من أفلام آرنولد شوارزينغر الأخيرة مثل "ترميناتور 2 " أو "أخـر بطل أمريكي " حيث يتقاضى النجم مبلغ مليون دولار ويصرف مبلغا يتراوح ما بين 50 و 60 مليون دولار على المؤثرات الخاصة.

وميزانية فيلم "ترميناتور 2 " (1991) وصلت إلى 90 مليون دولار (جمع نحو 150 مليون دولار) بينما وصلت ميزانية "آخر بطل أكشن " إلى نحو 100 مليون دولار (جمع نحو 40 مليونا فقط) علما بأن هناك نحو 20 مليون دولار صرفت في كلا الفيلمين على الوسائل الترويجية والإعلانية.

ومع أنه من المعلوم جيداً أن الفيلم المكلف لديه حظ أصعب في استرداد تكلفته، ناهيك عن دخول خـانة الربح، إلا أن ذلك لا يمنع هوليوود من المغامرة. ذلك لأن النوع الذي يجلب الجمهور الكبير هو الذي يتولى صياغة الفانتازيا على نحـو مثير وبالغ التشويق. وقد سبق لناقد أمريكي أن لاحظ، عن صواب، أن هوليوود تستطيع إتقان الخيال لكنها لا تستطيع إتقان الواقع.

وكلما بدا الفيلم أكبر حجما من الـواقع كان ذلك مثيراً للناس. لكن ذلك ليس قـانـونـا محكماً لا تتخلله الاستثناءات ففيلـم "آخـر بطل آكشن " LAST ACTION HERO سقط في شباك التذاكـر على الرغم من كل الجهـد الذي وضع لتشكيل عالمه: مشاهد "الأكشن " المتواصلة، لمسـات من المواقف المرحة، قصة يتولاها نجم معروف وممثل صغير، متفجـرات وشغل بدلاء ممثلين (Stuntmen) صعب وغير ذلك...

من ناحية مقابلة، نلحظ أن فيلم "في البيت وحده" HOME ALONE، لم يكن يحتوي على تلك المغامرات الأكبر حجما من الواقع ولا القصة البوليسية ولا المشاهد الصعبـة، مع ذلك فإن إيـراداته وصلت إلى 175 مليون دولار في الـولايات المتحدة وحـدها علماً بأن تكلفته لم تزد على 25 مليون دولار. والفيلم، الذي أنتج في عـام 1992، نص على حكـاية ولـد صغير - (مولكاي كـولكين) تتركه عائلته- خطأ- وحده في البيت وتسافر بعيدا (إلى فرنسا في الحقيقـة) في الوقت الذي يحاول فيه لصـان سرقة البيت مما يدفعه للوقوف وحده ضدهما وتدبير جميع المقالب (العنيفة والمؤذية) ضدهما.

هذا الفيلم لم يكن بدوره واقعياً، على العكس هـو نوع خيالي، كـأفلام "الأكشن "، إنما صياغته للفانتازيا هي المختلفـة. وفي الولايـات المتحدة حيث يمتزج الـواقع بالفـانتـازيا (محاكـمات او. ج. سيمسون تبـدو فانتازية بقـدر ما هي في الحقيقة واقعية) فإن المحبب إلى هوليوود هو المحبب إلى الجمهور: أي ذلك الخليط من الاثنين. والنجاح يؤدي إلى عوامل كثيرة نطالعها من خلال النماذج التالية: - عندما مثل الكـوميـدي جيم كـاري بطـولـة فيلم " آيس فنتـور تحري حيـوانـات " (1993) ACE VEN TURA: PET DETECTIVE تقاضى نحو سبعمائة ألف دولار أجراً. الفيلم ذاته تكلف دون العشرين مليون دولار، لكنه سجل قرابة 80 مليون دولار عالميا لفيلميه الجديدين "القناع" THE MASK و" غبي وأغبى " DUMP AND DUMPER سحب الممثل سبعة ملايين دولار عن كل فيلم.

- عنـدما أنتجت هوليوود فيلم "ترميناتور" الأول (قبل نحو عشر سنوات) لم تزد تكلفته على اثني عشر مليون دولار (كـان شوارزينغر جديداً وتقاضى عن ذلك الفيلم مـا لم يزد على مليـون دولار). وفي فيلم "ترميناتـور 2 " ارتفعت الميزانية أضعافاً بسبب ارتفاع التكلفة العامة من ناحية وثقة هوليوود بأن للفيلم جمهـوره الأكيد من ناحية أخرى.

- هنـاك إنتاجات لا تستجيب لمثل هـذه العـوامل التسويقية والمعايير القائمة على المغامرة. المنتج مصطفى العقاد حقق إلى الآن خمسة أجـزاء من المسلسـل السينمائي المرعـب "هـالـووين " جلبت للفيلم وموزعيه والممولين المختلفين نحـو 300 مليـون دولار مجتمعة. لكن العقـاد رفض تحقيق فيلم تزيد تكاليفه على خمسة ملايين دولار، وذلك تبعا للقاعدة الذهبية التي تقول إن الفيلم الأرخص تكلفـة لا بد أن يحقق أرباحا حتى ولو تعثر تسويقياً.

وهي قاعدة ليست على خطأ لكنها لا ترضي ولا تناسب كذلك كل الأفلام وصانعيها.

الجمهور المبني سلفاً

وما يؤدي إليه رواج فيلم واحد هو رواج أجزاء ثانية منه. ووراء كل مسلسل سينمائي من "روكي" إلى "هالووين " ومن "رامبو" إلى "داي هارد" حكاية نجاح أساسية بطلها الفيلم رقـم واحد في السلسلة. والذي يريح المنتجين هنا هو حقيقة أن نجاح الفيلم الأول يمهد لنجاح الجزء الثاني والثاني يكون علامة أكيـدة صوب تحقيق ثالث وهكذا. ما تدركه هوليوود هنا هو أن مهمة كبرى من الإعلان والإعلام عن الفيلم الثاني من السلسلـة النقل فيلم DIE HARD البوليسي) ذللت بسبب نجـاح الفيلم الأصلي.

أي أن الفيلم رقم واحد في السلسلة صنع جمهور الفيلم رقم اثنين (كما فعل فيلم THE GODFATHER بـالنسبـة إلى THE GODFATHER - PART2.

وتبعـا كذلك لحالة رواج الفيلم من خلال وجود جمهور جاهز، رأينا انصراف هوليوود لتحقيق العديد من أفلامها الجديدة اقتباسا عن الحلقات التلفزيونية. فالجمهور جاهز والآلة الاعلامية ليس أمامهـا سوى الإشارة إلى أن نقل الحلقات الناجحة إلى فيلم جديد قد تم. بذلك تستغني عن محاولة زرع اهتمام جديد كلياً.

وعلى هذا المنوال يتم تفسير السبب الذي مـن أجله نشاهد هذا الكم الكبير من الأفلام السينمائية المنقولة أخـيرا من " عـائلة أدامز" الكـوميدي إلى " الهارب " THE FUGITIVE البـوليسي إلى " مـافيريك "MAVERICK الذي يتبع نوع "الوسترن".

أوربا حاولت.. ولكن!

وقد حاولت السينما البريطانية مجاراة هذا الدفق في الإنتاج عبر أعمال مختارة. أفلام جيمس بوند كانت بعضا منها، ثم تبعتها سلسلة أفلام "سوبرمان "، لكن العملية كانت مكلفة على عاتق السينما البريطانية ونجاحها متفاوت ومتباعد. في حين أن السينما الأمريكية تستمر بوقود ذاتي إذ إن سوقها المحلي تحت يدها والعالمي على مقربة دانية. وشهدت السينما الفرنسية أخيراً محاولة إنتاج أفلام مكلفـة آخرها "جرمينال" الذي بلغت تكلفته 35 مليون دولار، لكن هذا الفيلم الذي يشارك في بطولته جـيرار ديبارديو لم يحقق النجاح العالمي الذي يخول استرداد هذه التكلفة.

ويعرف كل من يعيش حيناً في هوليوود أو جوارها، كيف تسير عجلة الإنتاجات وبإدارة من.

ومع أن النظام الاقتصادي الحر مازال واحداً في الولايات المتحدة منذ أن كانت الولايات المتحدة إلى اليـوم، إلا أن هـوليوود اليـوم ليست هوليوود السبعينيات وما قبلها.

ففي السبعينيات، بدءا من منتصف الستينيـات، تم تسليم دفة القيادة إلى عدد كبير من المخرجين. الفترة الذهبية لهوليوود فترتان الأولى من حيث الكم الإنتاجي وكم الإقبال الهائل على الأفلام (الثلاثينيات والأربعينيات) والثانية من حيث الحريـة التي منحت للمخرجين وهي الفترة التى عرفنا بها ستانلي كوبريك (" 2001: أوديسا الفضاء ") وآرثر بن ("بوني وكلايد"، " المطارد "، " رجل صغير كبير") وجيري تشاتزبيرغ (" الفزاعة ") وغيرهم الكثير. كانت فترة نتجت عنها ملامح وتيارات من ضمن اللعبة التجارية التقليدية.

مع نهاية السبعينيات تطلعت هوليوود إلى إدارات جديدة ناجحة فتوجهت إلى رجال أعمال ومديري محطات تلفزيونية، أي إلى مجموعة لا تفهم صفات الإنتاج ولا يهم لديها فن الفيلم. وبما أن العمل التلفزيوني لا يبرز دور المخرج فإن مقصاً كبيراً أخذ يقطع أطراف الحرية الممنوحة للمخرجين في الوقت الذي تم فيه إطلاق اليد للممثلين على أساس أنهم أحد المصادر الأهم في عملية استرداد رأسمال الفيلم.

طبعاً الاستثناءات واردة، لكن القاعدة اليوم ليست الفن بل الجمهور علماً بأن الجمهور كان في بال السينما الأمريكية دوما وحتى في الفترة الذهبية الثانية عندما أدار المخرجون الدفة، إنما على أساس أكثر إشباعاً لنهم الباحث عن الفيلم الجيد.

السينما اليوم منضمة إلى المجموعة الاستثمارية الأكثر تألقا من الصناعات. إنها مازالت شعبيـة ومطلوبة بعد نحو 100 سنة على اكتشافها، ومع وقوفها اليوم على عتبة مرحلة جديدة من التطورات التقنية التي ستؤثر على مجالات عملها وتوزيعها (فكرة توزيع الفيلم مباشرة إلى الصالات عن طريق الستلايت والاستغناء عن الموزع وطبع النسخ سيضمن أرباحاً أعلى للشركات الكبرى. كذلك هناك حديث عن توفير الأفلام كاملة على الكومبيوتر بوصل الكومبيوتر الفردي بشبكة توزيع) يزداد التعامل مع الفيلم كمادة. لذلك يسهل تفسير سبب مهم من أسباب ارتفاع الأسعار والتكاليف على اعتبار أن الجميع يعتبر الفيلم مجالا لتحقيق الربح من قبل عرضه في السوق باستثناء الشركة المنتجة التي عليها أن تطرح الفيلم في السوق أولا من قبل أن تسترد أتعابها. أما باقي العاملين فعليهم أن يخرجوا بأعلى أتعاب ممكنة سواء كان الواحد منهم ممثلاً أو مسئولا عن تنفيذ خدعة سينمائية أو مصفف شعر.

 

محمد رضا

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




جوليا روبرتس.. نجمة تتقاضى سبعة ملايين دولار عن الفيلم الواحد





آرنولد شوارزنيغر في فيلمه الجديد أكاذيب حقيقية 16 مليون دولار عن الفيلم





محاولة السينما الفرنسية للأفلام المكلفة.. جرمينال