الزراعة النسيجية: خطوة كويتية مهمة لزيادة الإنتاج الغذائي

الزراعة النسيجية: خطوة كويتية مهمة لزيادة الإنتاج الغذائي

عدسة: سليمان حيدر

تخوض الكويت غمار معركة مهمة هدفها إنتاج الغذاء محليا، فبعد أن حققت في فترة سابقة نجاحات ملحوظة في مساعيها لمكافحة التصحر، بنشر المساحات الخضراء، بدأ التحرك على أكثر من صعيد لدعم المنتجات المحلية الزراعية، ليبدأ بعد ذلك الانطلاق نحو استخدام التقنيات الحديثة في إنتاج أنواع جديدة من المواد الغذائية تتلاءم مع البيئة الكويتية، فكان التركيز على إنتانج أنواع من التمور لم تعرفها البيئة من قبل، ثم الانتقال بعد ذلك إلى إجراء تجربة مدهشة يتم من خلاله ا استخدام أحدث ما توصل إليه العلم في مجال إنتاج أشجار النخيل في تجربة اطلق عليها مسمى (النخيل النسيجي).

التوجه الذي بدأته الكويت والذي شهدت خلاله مختبرات معهد الكويت للأبحاث العلمية، والحقول الزراعية الأهلية تجارب عدة قبل الوصول إلى النتائج المدهشة، جاء تلبية لتحذير كانت منظمة الأغذية والزراعة التابعة لهيئة الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للغذاء قد رسمت بموجبه صورة مرعبة للوضع الدائر على ساحة أرض المعركة بين البشرية والجوع والتصحّر.

ففي زمن يشهد تنامياً مذهلاً في مجال التكنولوجيا والتقنية التي لم يسبق لها مثيل لايزال هناك (826) مليون إنسان لا يجدون ما يسدّون به رمقهم. ومما يبعث على المزيد من القلق والضيق، أنه لم يتم إحراز أي تقدم يذكر في مجال خفض عدد الجائعين بصورة ملموسة، تلك هي النتيجة التي يخلص إليها العدد الأخير من نشرة منظمة الأغذية تحت عنوان (حالة انعدام الأمن الغذائي في العام 2000).

وترصد هذه النشرة التي تصدر سنوياً في يوم الغذاء العالمي التقدم المحرز في ميدان تحقيق أهداف مؤتمر القمة العالمي للأغذية.

وكان زعماء العالم قد تعهدوا في مؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1996 بخفض عدد ناقصي التغذية إلى 400 مليون نسمة بحلول عام (2015). وتشير حالة انعدام الأمن الغذائي في العام (2000) إلى أنه مالم تبذل جهود أشد عزماً للتعجيل بوتيرة التقدم، فإن هذا الهدف لن يتحقق حتى عام (2030).

وفي مقدمة النشرة يناشد الدكتور جاك ضيوف المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة المجتمع الدولي أن يركز على أربعة تدابير أساسية كفيلة بإتاحة حلولً ممكنة لمعضلة الجوع في العالم، ومن هذه التدابير:التصدي للصراعات، كسبب رئيسي لأشكال الجوع في معظم أشد البلدان فقراً، وتوفير الاستثمارات الضرورية لإرساء دعائم النمو المستديم وخفض الجوع على المدى البعيد، وتوجيه البحوث الزراعية نحو تحسين إنتاج السلع الزراعية الأساسية.

وبطبيعة الحال، ستتفاوت إمكانات تطبيق تلك التدابير مجتمعة من دولة لأخرى، خصوصاً أن هناك مناطق شاسعة في الكرة الأرضية غير معنية بتاتاً ببعضً التدابير مثل أوربا التي هي بالكاد معنية بتطوير البحوث الزراعية.

كما توجد دول بأكملها غير قادرة على الخروج من ربقة الحروب الأهلية الطاحنة أو من دائرة الحروب العبثية مع دولة مجاورة لها كما يحصل كل يوم في القارة السمراء وغيرها، لذا فتلك الدول غير مكترثة سوى بتطوير إمكاناتها الحربية وتعزيز سبل استمرارها في ساحة المعركة أطول فترة ممكنة.

ومن بين أدخنة وسحب الحروب المتواصلة التي تهدد رئة الكرة الأرضية وبيئتها المثلومة، تتسلل بعض الأضواء المتفائلة بين الحين والآخر مبشرة بأن مستقبل البشرية رغم جميع السلبيات الآنية لايزال طرياً وقابلاً لتشكيله لصنع لوحة جمالية تنعم بمفاتنها أجيال المستقبل.

موارد وتنوع

وعودة على ثنائية تطور التكنولوجيا وزيادة الجوع، طرحت على نفسي هذا السؤال بعد أن قرأت عن تخوّف بعض العلماء الأجانب من امتداد يد العمران إلى جزيرة سوقطرة اليمنية والتي يعتبرونها جنة بيئية معزولة بعد افتتاح مطار وميناء على أرضها قبل وقت قصير، والسؤال: (هل يؤدي استخدام التكنولوجيا في تدمير البيئة عبر تلويثها واستنزاف مواردها?)، ربما أكون قد أدركت الإجابة عن ذلك السؤال بعد أن تلمست الفوائد التي جناها أهل سوقطرة في الحفاظ على مواردهم الطبيعية وتنوعها البيولوجي والبنائي من جراء استخدامهم للكثير من الأساليب البدائية في حياتهم اليومية والتي وضعت لجزيرتهم المعزولة في مرتبة الكنز البيئي في نظر العلماء.

وقد وضعت الحكومة اليمنية بالتعاون مع الأمم المتحدة والدول المانحة للمساعدات (طبقاً لمؤتمر قمة الأرض) برنامجاً بيئياً متكاملاً في محاولة إلى توجيه دفة التنمية في الجزيرة في خط يضمن الحفاظ على بيئتها الطبيعية.

الآن المسألة ازدادت تشابكاً، فما سوف نعرضه هنا هو في الواقع مغاير تماماً لتخوّف العلماء، حيث توجد تجربة عربية ناجحة تستخدم الكويت فيها التكنولوجيا الحديثة دون ضرر يذكر على البيئة أو استنزاف الموارد الطبيعية.

فالكويت ترزح تحت نير بيئة صحراوية صفراء متوحشة لا ترحم يصعب ترويضها ومؤاخاتها مع اللون الأخضر، ومن أجل الانعتاق من كل تلك الظروف البيئية الصعبة، سلكت الكويت طريقا سعت من خلالها إلى تطوير أبحاث الزراعة النسيجية، وهو الشيء الذي يعود بالذاكرة إلى التدابير التي وضعها الدكتور جاك ضيوف لحل مشكلة الجوع في العالم وخصوصا النقطة الأخيرة من تلك التدابير.

فقد نجح فريق الباحثين بدائرة التكنولوجيا الحيوية في معهد الكويت للأبحاث العلمية في إيجاد تقنية الزراعة النسيجية والتي تم تطويرها محلياً، وتنمية مزارع نسيجية على أثرها متخصصة في إنتاج أصناف عدة من التمور بحكم ملاءمة أشجار النخيل لبيئة منطقة الخليج العربي الصحراوية والحارة.

ويعتبر التكاثر العددي الهائل الذي تحققه تقنية الزراعة النسيجية من أهم صفاتها المميزة، حيث يمكن أن يتم في وقت قياسي إنتاج عدد كبير من النباتات مقارنة بطرق التكاثر التقليدية مثل العقل أو البراعم أو الفسائل.

وتعتبر تقنية الزراعة النسيجية من المنجزات الزراعية الحديثة والمهمة لتحسين الإنتاج الزراعي، وقد ساهمت الدراسات التي أجريت منذ عشرات السنين على نمو الخلايا والأنسجة النباتية في مزارع نقية في زيادة فهمنا للصفات الأساسية للنبات، وكشفاً لأسرار الخلية الوراثية والكيميائية والحيوية. ولقد ازداد الاهتمام في السنوات الأخيرة بالتطبيقات العملية لزراعة الأنسجة في مجالات التكنولوجيا الحيوية. فأصبحت زراعة الأنسجة وسيلة مهمة في إكثار النباتات وتربية أصناف جديدة ذات إنتاجية عالية ومقاومة للأمراض والظروف البيئية الصعبة.

وأصبح بإمكان مختبر لا تزيد مساحته على أمتار عدة أن ينتج مئات الألوف من النباتات الخالية من الأمراض والحشرات والمطابقة لصفات الصنف بدلاً من إنتاجها بالطرق التقليدية في مشاتل مساحتها هكتارات عدة، وتعتمد الزراعة النسيجية على تنمية أجزاء من أنسجة النبات وخلاياه في بيئة غذائية مناسبة في قوارير زجاجية بعد تعقيمها لإزالة الجراثيم العالقة بها، فتنمو هذه الأنسجة وتتكاثر إلى خلايا وأنسجة غير متميزة تسمى نسيج (الكدب). وبتحوير التركيب الكيميائي للبيئة الغذائية يتم إعادة تشكيل النباتات عن طريق تكوين الأجنّة أو البراعم من الأنسجة والخلايا، وبعد أن تنمو النباتات وتتكون الجذور يتم زراعة هذه النباتات الصغيرة في البـيوت المحمـية ومن ثم نقلها إلى الحقل.

تاريخ الزراعة النسيجية

تعود بدايات تأسيس علم زراعة الأنسجة إلى عام 1902 عندما توقع العالم الألماني هابرلند إمكان نمو الخلايا النباتية في أوساط غذائية نقية مثل الكائنات العضوية الدقيقة كالبكتيريا والفطريات، وكذلك تنبأ بقدرة الخلية النباتية الواحدة على تجديد نفسها وتكوين نبات كامل، وفي عام 1939 نجح العالمان الفرنسيان جوثيريه ونوبيكور وسكوج كلً على حدة في تنمية خلايا النبات على أوساط غذائية بالمختبر، وتم استكمال المبادئ الأساسية لهذا العلم عندما اكتشف العالم الأمريكي سكوج في جامعة ويسكنسون أن تحفيز خلايا النبات لإنتاج المجموع الجذري أو الخضري يعتمد بالدرجة الأولى على التوازن بين الهرمونات النباتية بالبيئة وبالأخص الأوكسينات والسيتؤكينينات. وبعد ستين عاماً من تنبؤ العالم هابرلند بقدرة الخلية النباتية الواحدة على تجديد نفسها. نجح العالم الأمريكي هيلدبراند في جامعة ويسكنسون أيضاً في تشكيل نبات كامل بزراعة خلية منفردة ورصد انقسامها ونموّها. ومنذ ذلك الوقت طبّقت زراعة الأنسجة النباتية في إكثار عدد كبير من أصناف النباتات الاقتصادية، وكان لها الأثر الفعّال في إنتاج نباتات وأصناف جديدة خالية من الأمراض والحشرات.

تقنية حديثة

وخلال جولتنا في مختبرات الزراعة النسيجية، أكّد لنا نائب المديرالعام لشئون الابحاث في معهد الكويت للأبحاث العلمية الدكتور نادر العوضي بأن تقنية الزراعة النسيجية في الكويت تم تطويرها محلياً، ولم تتم الاستعانة بتاتاً بأي خبرات أجنبية. وأضاف: لقد أكّدت دراسات معهد الكويت للأبحاث العلمية الاستطلاعية على أهمية تطبيق تقنية الزراعة النسيجية. كما دلت على أن نخيل التمور من أهم النباتات التي يمكن التوسع في زراعتها في الكويت بكميات كبيرة، وقد نجحت بعض الشركات في تطبيق هذه التقنية بإنتاج النخيل من المزارع النسيجية بفرنسا وإنجلترا وأمريكا.

ولأن هذه الشركات خاصة وأجنبية، فإنه مازالت هنالك بعض التفاصيل التقنية والعوائق أمام الإنتاج المحلي للنخيل الممتاز على نطاق واسع مثل تكاليف إنتاج الوحدة ومطابقة النباتات لمواصفات الجودة، وصفات الصنف وكذلك القدرة على إنتاج كميات كبيرة تفي باحتياجات التوسع الزراعي، وللتغلب على كل تلك الصعوبات، بدأ معهد الكويت للأبحاث العلمية في إجراء التجارب والأبحاث المكثفة في مجال إكثار النخيل بواسطة زراعة الأنسجة ودراسة مطابقة صفات النخيل المستزرع بواسطة قطع الحمض النووي (دي.إن.إن) وكذلك التحسين الوراثي للنباتات عن طريق زراعة الخلايا.

وقد نجح فريق الباحثين بدائرة التكنولوجيا الحيوية في تنمية مزارع نسيجية من أصناف التمور الممتازة مثل البرحي والاخلاص ونبتة سيف والسكري والمجهول الغربي والهلال ونبتة سلطان والعنبرة والسيوي، وهي الآن في مرحلة الإكثار. كما تم إنتاج أعداد كبيرة من هذه النخيلات في مشروع الإنتاج النمطي المكثّف، وتم أخيراً إدخال عشرة أصناف ممتازة إلى خطة الإنتاج وهي الجوزي والغرس واللولوي والسكري والعديد والمكتومي والأشقر والقنطار والبريم، ومعدل الانتاج الحالي من هذه النوعيات بلغ 3500 نبات شهرياً، وبلغ إجمالي النباتات التي خرجت من المعهد حتى الآن 32 ألف نبتة، وهذا من شأنه أن يوفر مئات الألوف من النباتات بعد نحو 4 إلى 5 سنوات يمكن زراعتها في مكانها المستديم، مما سيؤدي إلى إنشاء مزارع نخيل تجارية لإنتاج التمور وكذلك استعمال النخيل في أغراض التخضير، كما أمكن تطوير تقنية للزراعة النسيجية لعدد من نباتات الكويت البرية.

وفي مجال التحسين الوراثي، نجح المعهد في استنباط سلالات جديدة من الباذنجان والطماطم ذات مقاومة عالية لملوحة التربة والمياه.

تم إنشاء مختبر متكامل خاص بالزراعة النسيجية على مساحة قدرها 750،1 متراً مربعاً، مجهز بأحدث الأجهزة حسب مواصفات علمية حديثة وملحق به بيت زجاجي نموذجي مساحته 944 متراً مربعاً لأقلمة النباتات الناتجة من المزارع النسيجية، ويختص هذا المختبر بأبحاث الزراعة النسيجية لمحاصيل عدة أهمها النخيل وخصوصاً الأصناف الممتازة مثل البرحي والإخلاص، علاوة على ذلك، فإنه تجري بالمختبر الأبحاث الخاصة بالزراعة النسيجية الحيوانية من أجنة الأغنام.

ويشتمل المختبر على العديد من الاستعدادات البحثية من أهمها غرف تحضين المزارع حيث يوجد بالمختبر (13) غرفة مزوّدة بأدق أجهزة التحكم في الإضاءة والحرارة والرطوبة، وغرفة تحضير البيئات الغذائية، ويتم فيها تنمية مزارع الأنسجة والخلايا، وبها أجهزة تنقية المياه وخلط الكيماويات وقياس وضبط درجة الحموضة وأجهزة التعقيم، وأخيراً البيت المحمي الزجاجي وهو ملحق بالمختبر مساحته 944 متراً مربعاً، وهو مقسم إلى ثلاثة بيوت مساحة كل منها 236 متراً مربعاً. ويتم التحكم في الحرارة والرطوبة والضوء والري والتسميد بواسطة جهاز حاسب آلي.

مسئول قسم الزراعة النخلية في معهد الأبحاث الدكتور مصطفى أبو النيل كشف للعربي قائلاً: (لم نكتف بتطوير التقنية محلياً، بل تخطينا ذلك إلى مرحلة التطبيق العملي، وتمكنا من إنبات آلاف النباتات، ونطمح إلى إنبات مائة ألف نبات نسيجي من النخيل لأن ذلك الأمر سيعود على الكويت بالعديد من الفوائد، منها قيام صناعات تعليب التمور، وربما تتحول الكويت في يوم من الأيام إلى مركز عالمي لتصدير جميع أنواع النخيل بعد أن قمنا باستيراد أغلب أنواع التمور من المراكز المشهورة المنتجة لها مثل السعودية والمغرب ومصر وإيران وغيرها، وعملنا على استنباتها محلياً.

وأضاف: إن مثل ذلك غير مستبعد، ويكفينا أن نعلم أن دولة تقع في أقاصي الكرة الأرضية مثل أستراليا تدرس مشروع إنتاج التمور في أراضيها لتصديرها إلى منطقة الخليج في فصل الشتاء نظراً لانقلاب دورة الفصول الأربعة في النصف السفلي للكرة الأرضية لصالح أستراليا، بمعنى أن فصل الشتاء في منطقة الخليج وتوقف أشجار النخيل عن إنتاج ثمارها على أثر ذلك، يعني في الوقت نفسه بدء أشهر الصيف في أستراليا، وبدء إثمار أشجار النخيل فيها.

ماذا حل بالطريقة التقليدية ?

مثلما اندثر استخدام الفحم كوقود بسبب ظهور النفط، ومثلما انتهت عملية الغوص بحثاً عن اللؤلؤ الطبيعي عقب ارتفاع أسهم اللؤلؤ الصناعي، بدأت الطريقة التقليدية المتعبة في زراعة النخيل والتي تتلخص بزراعة الفسيلة بأكملها بعد استئصالها من الأم في التراجع شيئا فشيئا مقابل تقدم الطريقة الحديثة في زراعة النخيل وهي الزراعة النسيجية، وبدلاً من دفع مبالغ طائلة تصل إلى 100 دولار وأكثر لشراء فسيلة واحدة، يستطيع المشتري نفسه شراء العشرات من الفسائل النسيجية القوية والممتازة بربع المبلغ الذي كان يدفعه بالسابق لشراء فسيلة واحدة.

وبطبيعة الحال، تسببت الزراعة النسيجية في الكويت ولتجار النخيل بالذات بخسائر فادحة لهم نظراً للفارق الكبير بالأسعار بين فسائلهم وفسائل معهد الأبحاث.

فهل سيكون خلاص البشرية من أعتى المعضلات التي تعاني منها... الجوع...، بيد الزراعة النسيجية في المستقبل? ذلك هو السؤال الذي ألح علي بعد نهاية جولتي الميدانية داخل مختبرات الزراعة النسيجية التابعة لمعهد الكويت للأبحاث العلمية، ومن ثم إلى داخل أحد المزارع الضخمة لأشجار النخيل في منطقة الوفرة العامرة بالمزارع والمناظر الجميلة في قلب الصحراء.

ولم تكن عملية الحصول على إجابة السؤال المذكور مسألة صعبة، ولكن كيف يمكن وصول تقنية الزراعة الخيالية أو النسيجية - لا فرق - إلى الدول المحتاجة? هذا هو السؤال الذي لم أزل أبحث له عن إجابة شافية، وعلى ما يبدو لن أصل إليها.

دول عربية في خطر

تعاني دول القرن الإفريقي وهي سبع دول، منها أربع دول عربية من انعدام مزمن للأمن الغذائي حسب تعبير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

ويواجه 70 مليون إنسان يعيشون في السودان وجيبوتي وإريتريا والصومال وإثيوبيا وكينيا وأوغندا خطر المجاعة في أغلب الأحيان، وقد وضعت منظمة الأغذية والزراعة في أواخر شهر أكتوبر من العام الماضي استراتيجية لإنهاء الفقر في القرن الإفريقي طويلة الأجل أعدت من قبل فريق مهمات الأمم على شكل تقرير احتوى على الكثير من مسببات نقص الغذاء في منطقة دول القرن الإفريقي، وكذلك توصيات عدة لانتشال الوضع المتأزم مما هو عليه إلى الأفضل.

ويشير تقرير فريق المهمات إلى أن النزاعات والجفاف والفقر والنمو السكاني هي من بين الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي، ويعاني الإقليم منذ عهد بعيد من النزاعات المسلحة فيما بين تلك البلدان، وفيما بينها على حد سواء.

وقد تضاعف عدد سكان الإقليم منذ عام 1974 ولايزال هذا العدد آخذاً بالتصاعد بصورة مخيفة، كما يعيش أكثر من نصف هؤلاء على دخل يقل عن دولار واحد يومياً.

ويضيف تقرير فريق المهمات: (في حين أن الجفاف والكوارث الطبيعية الأخرى مثل الفيضانات والجراد والأمراض البشرية والحيوانية المعدية يمكن أن تعرض الناس لأخطار انعدام الأمن الغذائي، فإنها لا تقود بالضرورة إلى تفشي نقص التغذية على نطاق واسع). ويلقي فريق المهمات باللائمة في ذلك على الفشل في ضمان وصول كل الناس في جميع الأوقات إلى ما يكفيهم من غذاء، ناهيك عن النزاعات الإقليمية والمحلية التي تتسبب في انعدام الأمن الغذائي، حيث إن هذه النزاعات تدفع بالناس إلى هجر بيوتهم وتشل نظم التسويق والتوزيع.

ويحذر التقرير من أن (الحكومات تنفق الموارد الشحيحة على الأسلحة، وأن بلدان الإقليم خصصت مبلغ ملياري دولار عام 1997 للنفقات العسكرية، ويثبط ذلك الجهات المانحة المستعدة لمساعدة المحتاجين وغير الراغبة في الوقت ذاته في تمويل الحروب بصورة غير مباشرة.

وفي النهاية، يعرض فريق المهمات استراتيجية محددة للعمل على إنهاء الفقر في إقليم القرن الإفريقي حيث يوصي بوضع برامج قطرية للأمن الغذائي بحلول أواسط العام الحالي (2001) في البلدان السبعة.

وستشكل خطط زيادة الاستثمارات بشكل كبير عنصراً أساسياً في هذه البرامج، ولكنها ينبغي أن تشمل أيضاً تطبيق السياسات الداعمة وإجراء الإصلاحات المؤسسية، كما يوصي بعقد مؤتمر إقليمي رفيع المستوى تلتزم فيه الحكومات باستئصال الجوع وانعدام الأمن الغذائي، في حين تتعهد وكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية بتقديم المساندة، وستنفذ البرامج المذكورة على مدى فترة تقرب من عشر سنوات.

 

 

إبراهيم المليفي