المفكرة الثقافية

 المفكرة الثقافية
        

الكويت

توزيع جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية

          كرم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت الفائزين بجوائز الدولة التقديرية والتشجيعية للعام 2005 في حضور وزير الإعلام الكويتي د. أنس الرشيد, والأمين العام للمجلس الوطني بدر الرفاعي, في حفل أقيم ضمن مهرجان القرين الثقافي الثاني عشر, وسط حشد من الشخصيات الكويتية المعروفة.

          وكان الرشيد اعتمد نتائج جوائز الدولة للعام 2005م بصفته رئيس اللجنة العليا لها, كما أعلن الرفاعي في مؤتمر صحفي النتائج, التي أقرتها لجان التحكيم, في المجالات المختلفة.

          وحصل على جائزة الدولة التقديرية لهذا العام الأديب والسفير السابق فاضل خلف, والباحث الفلكي صالح العجيري, والفنان القدير عبدالحسين عبدالرضا.

          وذهبت جائزة الدولة التشجيعية لهذا العام في مجال الفنون إلى الفنان عبدالعزيز المنصور (الإخراج السينمائي) عن مسلسل (غصات الحنين), وإلى الفنان محمد المنصور (التمثيل) عن دوره في المسلسل نفسه.

          وفي مجال العلوم الاجتماعية والانسانية, حصل د.عبدالمحسن الخرافي على جائزة الدراسات التاريخية عن كتابه (الأيادي البيضاء), وجائزة الاقتصاد والعلوم السياسية فازت بها وكيلة وزارة التخطيط السابقة الكاتبة سارة الدويسان عن كتابها (سلسلة قراءات في الإصلاح الاقتصادي).

          في حين أقرت اللجنة العليا حجب أربع جوائز في مجالات الفنون التشكيلية والتطبيقية من نحت وحفر وخزف, والتأليف الموسيقي إلى جانب الفلسفة وعلم الاجتماع.

          وأكد الرفاعي في مؤتمره الصحفي أن اللجنة العليا اعتمدت اختيار المحكمين في مجالات الجائزة التشجيعية من داخل وخارج الكويت, وأن عملية التحكيم تمت في سرية تامة, دونما اتصال بين المحكمين, ومن ثم, فإن اللجنة العليا أقرت النتائج في اجتماعها الأخير الذي ترأسه وزير الإعلام رئيس المجلس الوطني د.أنس الرشيد.

          وقيمة جائزة الدولة التقديرية عشرة آلاف دينار بالإضافة إلى مجسم الجائزة, وشهادة تقدير, وتبلغ قيمة جائزة الدولة التشجيعية خمسة آلاف دينار, بالإضافة إلى مجسم الجائزة وشهادة تقدير.

          ويُعتبر الأديب فاضل خلف أحد رواد الأدب في الكويت ومنطقة الخليج, وأسهم في تجديد نسيج القصة والقصيدة والرواية على مستوى الخليج, وتشير إبداعاته إلى هموم الإنسان البسيط, والحياة المحلية بكل تطلعاتها, وظل خلف يبدع إلى ما يزيد على ربع قرن من الزمان, كي يضع اللبنات الثقافية الأولى على الساحة المحلية, كما شغل مناصب عدة مهمة, كان آخرها سفير الكويت في إندونيسيا, وله مؤلفات متنوعة, منها كتابه الأدبي (مقالات في الأدب والنقد) عام 1956, وكتاب (زكي مبارك) عام 1957, وديوان شعر عنوانه (على ضفاف مجردة), ثم مجموعة قصصية عنوانها (أصابع العروس), وكتاب (لبنان والوجه الضبابي) في عام 1989, وأخيرًا صدرت له مجموعة قصصية عام 2003 عنوانها (الزمردة المسحورة).

          والباحث الفلكي د.صالح العجيري, ساهم في العديد من الأبحاث الفلكية, ومنها وضع جدول التقويم منذ عام 1934 إلى الآن, وهو تقويم يقوم بإصداره كل عام باسم تقويم العجيري, كما أسس مرصدًا فلكيًا يحمل اسمه, وافتتحه رسميًا صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد أمير البلاد في أبريل عام 1986 في النادي العلمي, والذي يعد من المعالم الكويتية المهمة, ومن ثم منحته كلية العلوم في جامعة الكويت درجة الدكتوراه الفخرية في عام 1981, وحصل على قلادة مجلس التعاون الخليجي كأفضل من خدم الخليج في مجال العلم.

          أما الفائز الثالث بجائزة الدولة التقديرية الفنان القدير عبدالحسين عبدالرضا, فإن لمساته الفنية مازالت واضحة على الساحات المحلية والخليجية والعربية, وذلك بفضل إخلاصه لفنه, ومشاركته الرائدة في نهضة الفن الكويتي - من خلال مواهبه في الكتابة المسرحية, والتمثيل, وكذلك في إنتاج الأعمال المسرحية والتلفزيونية, وهو من المؤسسين لفرقة المسرح العربي عام 1961, وكانت أول مسرحية قدمها هي (صقر قريش) عام 1961, كي يتحف الساحة الفنية بما يزيد على مائة عمل مسرحي وتلفزيوني وإذاعي, وحصل عبدالرضا على جوائز عدة محلية وعربية.

          ويحتل الفنان محمد المنصور - الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في التمثيل - مكانة متميزة على الساحتين الفنيتين المحلية والخليجية. نظرًا لما قدمه من أعمال متميزة سواء كانت مسرحية أو تلفزيونية, ولامتلاكه الموهبة التي أهلته كي يكون فنانًا محبوبًا لدى شريحة كبيرة من الجمهور, ولقد شارك في الفيلم السينمائي الكويتي الرائد (بس يا بحر) للمخرج خالد الصديق, والمؤلف عبدالرحمن الصالح, إلى جانب ما قدمه من أعمال مسرحية وتلفزيونية جادة.

          وجاء فوز الفنان عبدالعزيز المنصور بجائزة الإخراج تتويجًا لعطاءاته الفنية المتنوعة. في مجال الإخراج المسرحي والتلفزيوني, ويعد المنصور من الأسماء المهمة في مجال الإخراج الدرامي الخليجي, مثل إخراجه لأعمال (حوش المصاطب). و(أحلى الكلام) وهو الفيلم الذي قامت ببطولته الفنانة فاتن حمامة, و(ناس من زجاج) و(القدر المحتوم) وغيرها, بالإضافة إلى الأعمال المسرحية مثل (ردوا السلام), و(الحامي والحرامي) وغيرهما.

مدحت علام

القاهرة

سر غرام الألمان بالدرب الأحمر

          ربما يكون الألمان أكثر غيرة على تراثنا القديم الذي يعتبره المستنيرون منهم تراثهم هم أيضا باعتباره تراث الإنسانية جمعاء. هذا ما لمسته عن قرب من السفير الألماني بالقاهرة مارتن كوبلر, ويوهانس إيبرت, مدير معاهد جوته بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا, وهما يتوجهان من شارع الأزهر إلى حي الدرب الأحمر عبر الطرقات الضيقة والحواري والأزقة ليصلا إلى ميدان الأمير المملوكي بهاء الدين أصلم السلحدار حيث مسجده الأثري الذي وضعاه نصب أعينهما وهما يخططان لمشروع ثقافي داخل القاهرة المعزية.

          وأذهب إلى كتب الآثار الإسلامية بحثا عن خصوصية هذا المكان بالذات, الذي جاء الألمان إلى مصر من أجله, فأجدها تقول: كان الأمير بهاء الدين أصلم السلحدار أحد مماليك الملك المنصور قلاوون ووصل إلى مرتبة الإمارة في عصر ابنه الناصر محمد, وقد بدأ بناء هذا المسجد سنة 745هـ- 1344م وأتمه سنة 746هـ- 1345م, فأقامه على شكل المدارس ذات التخطيط المتعامد مع اختلاف نظام ما سبقه من المساجد المملوكية فكان صحنه مسقوفا بعد أن كان في غيره مكشوفا, كما جعل كل إيوانين متقابلين متماثلين; فالإيوان الشرقي ونظيره الغربي فتحا على الصحن بواسطة عقدين كبيرين, كما فتح الإيوان البحري ونظيره القبلي بواسطة ثلاثة عقود صغيرة تحملها أعمدة رخامية. أما القبة فتقع بالركن الشرقي القبلي للمسجد وبابها على يمين الداخل من الباب القبلي ويغطيه ثلاث حطات من المقرنص. كما يوجد منبر خشبي صغير دقيق الصنع بالإيوان الشرقي حيث حفرت حشواته بزخارف بارزة. ويحلي وجهات الصحن أعلى العقود دوائر ومعينات من الجص المزخرف وشبابيك عقودها مثلثة على شكل مراوح تحيط بها كتابات بالخط الكوفي.

          وللمسجد وجهتان رئيسيتان: الوجهة القبلية وتظهر في نهايتها الشرقية القبة المضلعة يحيط برقبتها أسفل التضليع بقايا طراز من القاشاني كتبت عليه بعض آيات الذكر الحكيم, وكان من النادر استخدام القاشاني في تزيين القباب المملوكية, أما في طرفها الغربي فتقوم منارة حادثة; وأهم ما يسترعي النظر في هذه الوجهة التربيعة الرخامية الكبيرة التي تعلو الباب هذا الرخام الأبيض الملبس بالرخام الملون بأشكال زخرفية جميلة حيث تتجلى هنا دقة الصناعة.

          أما الوجهة الغربية فيقع في نهايتها البحرية باب آخر يؤدي إلى صحن المسجد بواسطة طرقة مثنية. وهذا الباب بما يتميز به من نسب وبما ينفرد به من مقرنصات تغطيه جدير بأن يعد من أبدع النماذج لأبواب المساجد الأثرية.

          وأعود إلى أرض الواقع وأنا واقف إلى جانب هؤلاء الألمان أمام مدخل المسجد ومعنا مجموعة كبيرة من فناني الضوء والصوت والميديا وغيرها من فنون التشكيل والفنون التطبيقية أيضا من المصريين الذين سحرتهم فكرة الألمان فتعاونوا جميعا من أجل إعطاء هذا المكان الأثري بصمة جديدة تعيد إليه شبابه من خلال إضفاء الحيوية على مبانيه وجدرانه وأبوابه وبواباته من خلال استخدام سحر الضوء والاستعانة بإيقاعات الموسيقى.

          وألمح بطرف عيني فالتر جيرس, فنان إضاءة المدن الألماني الذي قاد فريق العمل وهو لا يخفي انبهاره بنجاح التجربة داخل هذا المكان العتيق الذي يضج بالبشر والزحام والضوضاء, فلقد نجح هذا الألماني في تحويل ميدان أصلم السلحدار والمنطقة المحيطة به إلى متحف وساحة للفنون بهدف إبراز جماليات المكان التاريخي والاستفادة من مناسبة لا تحل إلا مرة واحدة في العام وهي شهر رمضان المبارك الذي يتميز بإضاءة غامرة في مختلف أحياء القاهرة وتعليق الزينات والفوانيس.

          ويوضح  مدير معاهد جوته يوهانس إيبرت للحضور من كتّاب وتشكيليين ونقاد أن هذه التجربة التي استهدفت النزول إلى الشارع بل والحارة المصرية التقليدية تبنتها عدة مؤسسات دولية أسهمت مع معهد جوته في خروجها إلى النور وهي: المركز الثقافي الألماني, ومؤسسة هانز زايدل, ومؤسسة الأغاخان للخدمات الثقافية بمصر.

          ويشير السفير الألماني إلى مئذنة المسجد وقد نجحت الإضاءة التي اشترك في تصميمها الفنانان هيثم نوار وولاء صفاء الدين في إعادتها إلى هيئتها الأولى لحظة أن شيدت لأول مرة.

          فيما يلفت إيبرت أنظارنا إلى هذا الإسقاط الضوئي على إحدى واجهات المسجد الذي يوضح حال الجامع عند بنائه والوضع الذي آل إليه بفعل الزمن. كل هذا يجري في ظل منظومة من الحكي من خلال الصوت والضوء الممزوج بعروض الفيديو تحكي لسكان حارات المنطقة قصة أصلم السلحدار الذي يحمل اسمه هذا الأثر الإسلامي.

          وفي محاولة للاستحواذ على اهتمام سكان الأحياء المجاورة وزوار الدرب الأحمر وجعلهم يلتفتون إلى ما يجريه الألمان في ساحة هذا المسجد قام الفنان أحمد عبد الكريم بفتح ما يسمى بالطريق الأحمر ليربط ميدان أصلم السلحدار بباب زويلة بخطوط من نور تتكون من مصابيح داخل جراكن ملونة تساعد على إرشاد الناس للوصول إلى المكان.

          وعبر مكبرات الصوت تصلنا أجواء يبعثها محمود رفعت وفالتر جيرس تمزج  بين صوت من يرفع الأذان وجلبة هذه الأحياء الشعبية المحيطة بحديقة الأزهر.

          وعن طريق تسليط إضاءات متناسقة على مجموعة من بالونات الهليوم المثبتة فوق سطح منزل أتيليه الفنانين بالميدان, يوجه المصمم المسرحي محمود حنفي أنظار مرتادي حديقة الأزهر والمناطق المجاورة إلى المساحة الفنية للعمل وذلك بمشاركة أطفال المنطقة.

          ويحيي محمود حمدي فكرة صندوق الدنيا فينشئ لسكان الحي صندوقا للدنيا متطورا ومتعدد الوسائل يحتوي على تركيبات للفيديو تحكي تاريخ المنطقة لسكانها ولرواد المكان.

          ومن خلال استيحائه لشكل فانوس رمضان يقوم المخرج السينمائي إسلام العزازي بتنفيذ فكرته (عروض فيديو في الفانوس) حيث تعرض- داخل تكوين تشكيلي مصنّع من الحديد والقماش على شكل فانوس- ظلال لوجوه أشخاص من أهالي الدرب إضافة إلى لقطات للحوانيت والمحال الصغيرة التي تمتد داخل الدرب وحوله.

          و(خيوط مضيئة ودمينو) فكرة الفنانة مروة زكريا حيث تسلط الضوء على (مصبغة الحاج سلامة) أحد المعالم المهمة بالميدان عبر تشكيلات ضوئية ترتبط بخيوط المصبغة إضافة إلى عمل مجسم مكبر لـ(الدمينو) إحدى وسائل التسلية المستخدمة في مقاهي المنطقة عن طريق تصميم لعبة دمينو لكن ضخمة الحجم ومضيئة.

          وبهدف التأكيد على أهمية الذكريات في مجتمع لاهث سريع التغير  تسجل المصورة رنا النمر ذكريات مقهى يسري قبل تهدمه في يونيو الماضي, وقد كان الملتقى الموسمي لزوار جامع ومولد فاطمة النبوية, حيث كان المقهى المكان المفضل لحرفيي المنطقة لتناول مشروباتهم ولتدخين الشيشة على خلفية من الأغاني التي اعتادوا سماعها أوقات راحتهم. ويشير هذا العمل الفني إلى أهمية حماية الحياة الشعبية وعناصرها المكونة حتى لو لم يكن المكان المذكور مدرجا بسجل الأماكن الأثرية.

مصطفى عبد الله

دمشق

ندوة عربية عن بدوي الجبل..
إعادة اعتبار إلى عبقرية شعرية

          نظمت وزارة الثقافة السورية, بالتعاون مع مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري, ندوة عربية في دمشق, حول الشاعر العربي الكبير بدوي الجبل (1904 - 1981), وكانت هذه الندوة بمنزلة اعتذار متأخر, وإعادة اعتبار, واعتراف بالتجاهل والغبن اللذين تعرض لهما الشاعر ونتاجه الشعري المتفرد, على مدى عقود من حياته في الوطن والمنفى, وبعد رحيله, كآخر الكلاسيكيين الكبار في الشعر العربي الحديث, وهو الذي وصفه الشاعر نزار قباني بأنه (آخر سيف يماني معلق على جدار الأدب العربي), ولم يكن حرمانه من الحقوق المدنية أكبر المتاعب التي عانى منها في الغربة, وهو الذي كان يدعو إلى حرية الفكر والإبداع, ويهجو الاستبداد:

ارجعوا للشعوب يا حاكميها لن يفيد التهويل والتغرير
صارحوها فقد تبدلت الدنـ ـيا وجدّت بعد الأمور أمور


          شارك في هذه الندوة نحو خمسة وعشرين من الشعراء والباحثين والنقاد, وتصدرتها كلمات افتتاحية من وزير الثقافة د. محمود السيد, و د. محمد مصطفى أبو شوارب, نائب الأمين العام لمؤسسة جائزة البابطين, والكاتب السينمائي محمد الأحمد حفيد الشاعر, ثم د. سالم المعوش عن المشاركين في هذه الندوة التي استمرت ثلاثة أيام, وانتهت ببيان ختامي وأمسية شعرية, شارك فيها كل من: فاروق شوشة, جوزف حرب, شوقي بغدادي, عبد الواحد لؤلؤة, حيدر محمود.

          وتوزعت محاور الندوة على العناوين التالية:

  • - حياة الشاعر ومواقفه السياسية والاجتماعية.
  • - الرؤى الفكرية والفنية في شعره.
  • - جماليات أسلوبه الشعري.
  • - الجانب الإنساني في شعره.
  • - النقد الخاص بالشاعر.

          وشكلت عناوين البحوث زوايا متعددة لرصد التجربتين الحياتية والشعرية لبدوي الجبل, حيث قدم د. عمر الدقاق دراسة تحليلية نقدية عن الوجدان العربي في سورية, من خلال بواكير أشعار بدوي الجبل وتفاعلها مع الأحداث الجائحة, وقدم د. نذير العظمة بحثاً بعنوان (الله والمرأة والوطن في شعر بدوي الجبل), بينما درس الباحث د. خليل الموسى الملامح الملحمية في ديوان الشاعر, وجاءت العناوين الأخرى متقاربة أو مختلفة, وانفرد فاروق شوشة بدراسة عن البنية الشعرية في قصيدة (اللهب القدسي) قال فيها:

          (تتكئ البنية الشعرية لدى بدوي الجبل على قوائم راسخة, هي نفسها العناصر المستمرة في نسيج القصيدة العربية عند أعلامها الكبار من أمثال المتنبي وأبي تمام والمعري والبحتري والشريف الرضي وغيرهم, لكنها في الوقت نفسه تحوي من عناصرها المغايرة ما يقيم جدلاً فنياً مع الموروث الشعري, بحيث تصبح قصيدة (البدوي) متميزة ومغايرة, ولها مذاقها ونَفَسُها الخاص. فهي إن صح التعبير, متصلة منقطعة بقيم هذا الموروث الشعري قائمة عليه ومجاوزة له في آن).

          وفي بحث د. مها خير بك ناصر (القيمة الفنية والدلالية في شعر بدوي الجبل) استقصاء لعملية خرق العادة في الكتابة, ونبذ المألوف في الصور والدلالات والرموز, مما ينم عن انعتاق الروح الإبداعية من صنمية التقليد والإسقاط, والتحرر من القيود المعجمية. وفي سياق آخر بحث د. عبد الكريم الأشتر عن الرؤى الفكرية والفنية في نتاج الشاعر.

          واختار الشاعر والباحث علي عبد الكريم أن يلقي نظرات في الخصائص المميزة لشعرية البدوي ومدى اتفاقها مع القامات الشعرية في مختلف عصور القصيدة العربية, أما (جمالية الأسلوب الشعري) فكانت موضوع بحث د. عبد الواحد لؤلؤة.

          ورصد الباحث والروائي نبيل سليمان (إشكالية المبدع والسياسي) في التجربتين الحياتية والشعرية لدى الشاعر: (في مراحل حياته جميعاً ظل شعر بدوي الجبل يتفجر بالنبض الوطني والقومي, ضد الطغيان الخارجي (الاستعمار) والداخلي (الاستبداد), ولئن كان ذلك يتناقض في قليل أو كثير, ومن حين لآخر, مع الممارسة السياسية للشاعر, فقد توجت هذه الإشكالية حياة الشاعر بالعنت الشديد..).

          وعرض الباحث د. عبد الله أبو هيف الأعمال النقدية التي تناولت تجربة الشاعر وحياته, في مراحل زمنية مختلفة, وحملت البحوث الأخرى تنويعات في موضوعاتها المتصلة بخصوصية إبداع الشاعر على النحو التالي: الأثر الصوفي, جمالية المكان, رمز الصحراء, اللغة الشعرية, الصحراء في شعر بدوي الجبل, الجانب الإنساني, الحضارة في شعر بدوي الجبل: حوار أم صراع أم تلاق?, الجانب الإنساني في شعر بدوي الجبل, وحملت هذه العناوين, على التوالي أسماء الباحثين: عصام شرتح, د. سعد الدين كليب, د. لطيفة إبراهيم برهم, د. هدى أبو غنيمة, د. فاروق أسليم, د. شاهر أمرير, د. سالم المعوش, محمد عباس علي.

          ومع كل هذه الخصوصية التي تتمتع بها التجربة الشعرية لبدوي الجبل ظلت أعماله الشعرية بعيدة عن أيدي القراء, حيث صدرت في طبعات محددة منها طبعة إيرانية تحمل تغييراً لبعض المفردات إضافة إلى قرصنة حقوق النشر, كما صدرت مختارات متفرقة كان آخرها المختارات التي أعدها وقدم لها الشاعر ممدوح عدوان وصدرت قبل وفاته, وقال في تقديمه لها: (في كثير من المقاطع كنت أرى أن البدوي كان يكتب عن عناوين زماننا مثلما كان يكتب عن نفسه وزمانه.. وشعره المليء بالحنين إلى الوطن, وهو في الغربة, أو العتاب على هذا الوطن, ينطق الآن بأسمائنا وألسنتنا, والمرارة التي نستشفها من شعره عن حال الوطن هي المرارة ذاتها التي نحملها نحن الآن, إنه الشاعر المكلل بالحزن العريق العتيق, وأحزانه تتحول إلى امتيازات له, إنها أحزان المغترب عن وطنه, حتى في وطنه..).

          ويقول بدوي الجبل عن شعره:

          (الخالدان - ولا أقول الشمس - شعري والزمان).

بندر عبد الحميد

عمّان

صخر وحفنة من تراب

          صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر, كتاب بعنوان (صخر, وحفنة من تراب) للدكتور عيسى بلاطة, وكتب  بلاطة: إن  القصة والرواية والمسرحية  تواجه أزمة أقل حدة من أزمة الشعر العربي  الحديث, ذلك لأن الأجناس الأخرى من الأدب غير مثقلة بتاريخ طويل يعرقل تطورها, مثلما يعرقل تطور  الشعر العربي العريق التاريخ, والأدب العربي عموماً في أزمة, حيث هو جزء لا يتجزأ من الفكر العربي المأزوم.     

          ويؤكد الكاتب على أن الحداثة في الأدب, وفي الفكر العربي  عامة, هي حقيقة التغيير الذي تتوق إليه شعوب الأمة العربية, وهي الحرية بجميع وجوهها, وإطلاق  للطاقات  المحبوسة والمهدورة في  هذه الأمة, وهي تحقيق للذات العربية, وإزالة للمثبطات الداخلية منها والخارجية.

          ويقول  الدكتور عيسى بلاطة  عن الحداثة الشعرية إنها الغوص في الواقع العربي للوصول إلى المعرفة, ثم استنهاضه للتماهي مع القيم الجديدة واكتشاف نبض الحياة في تراثه العريق, ودفعه  لاستيعاب حاجات الحاضر المتغير, والمستقبل المرجو.

          ويرى أن  الأشكال الفنية تتغير بتغير المضمون, وما دام مضمون الحياة يتغير, فإن مضمون الشعر  الحديث وأساليبه الفنية وأشكاله تتغير وتتطور,ويتم ذلك عندما يوائم الشاعر بين حداثة حاجات عصره, وثقافته وتراثه العريق, ويقدم ذلك بلغتنا العربية الجميلة, عندها يكون الإبداع الشعري الحداثي العربي  مزركشاً بألوان قوس قزح.

ندوة (التاريخ الشفوي ودراسات المرأة)

          اختتمت  الندوة  الإقليمية الأولى للتاريخ الشفوي ودراسات المرأة, التي عقدت برعاية وزير الثقافة د. أمين محمود, وشارك فيها ثمانون باحثاً ومفكراً من الأردن وفلسطين والولايات المتحدة الأمريكية, وتضمنت ثماني عشرة ورقة عمل, تناولت التاريخ الشفوي ودراسات المرأة, واستقرأت  حالة دراسات المرأة في الأردن واستجلاء إمكانية تطويرها. وأكد بيانها الختامي على  أهمية التوسع في الإفادة من التاريخ الشفوي, كمصدر مهم من مصادر التأريخ الاجتماعي والسياسي, حيث من الممكن ألا تقل الرواية الشفوية للأحداث والمعلومات, أهمية عن الوثيقة المكتوبة, كمصدر من مصادر المعرفة والتوثيق التاريخي.

          ودعا البيان  الجامعات ومراكز الأبحاث  لوضع تعريف للتأريخ الشفوي, وإعداد مؤلفات منهجية في التأريخ الشفوي, ومنهج لأساليب وتقنيات تأريخه.وتأسيس أقسام أو مراكز, ومنح درجات الماجستير في التاريخ الشفوي,ودعا وزارة التربية والتعليم لإدخال هذا المنهج  ضمن مناهج التعليم, وتعليم الطلاب كيفية عمل المقابلات الشفهية,وطريقة تدوينها في تقارير, وعرضها على الطلاب, كنشاط اجتماعي للطلبة, وإجراء دراسات خاصة بالمرأة, والإسهام في كتابة التاريخ النسوي الأردني, وتدوين السير الذاتية للنساء القياديات والرائدات في مجال عملهن, وإطلاق مشروع وطني للتأريخ الشفهي. ودعا البيان  للتعاون مع المؤسسات  العربية والدولية ذات الصلة, لتبادل الخبرات, وتعزيز هذا النهج الشفوي.

رواية محيي الدين قندور (ثلاثية القفقاس)

          للمؤلف محيي الدين قندور, والمترجم محمد أزوقة, صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر, ترجمة  الرواية الثلاثية  (ثلاثية القفقاس) وهي مكونة من ثلاثة أجزاء, الأول هو ; (سيوف الشيشان) والثاني (كازبك القبرطاي) والثالث (المؤامرة الثلاثية) والرواية تؤرخ للشراكسة في القفقاس وما بعد الهجرة.

          ونقرأ في الجزء الأول (سيوف الشيشان) فنعيش دراما رومانسية, تمزج  الجمال والرقة والعذوبة بالعذاب, فكما هم عليه الشيشان من تربية فروسية, نرى أحمد يقاوم كل التحديات التي تقف في وجهه, أمام  رغبته بالوصول إلى معشوقته تسيما, وبهذا التحدي يصبح فارساً مقاتلاً  مرموقاً, وقائداً حكيماً, وهنا نلاحظ دور الحب في إنضاج شخصية فروسية  حكيمة من نوع شيشاني مميز.

          وفي رواية (كازبك القبرطاي), نرى ابن الفارس الحكيم  أحمد, وهو  كازبك يعشق ويتزوج  من نورسان الجميلة, وتنتهي بانتقام كازبك لمقتل ابنه في مذبحة ترام الشهيرة .

          وفي الجزء الثالث من الثلاثية, تتحدث رواية ( المؤامرة الثلاثية) عن  حفيد كازبك, القائد  نافو, وكيف اكتشف الاتفاقيات الثنائية بين روسيا والدولة العثمانية, لإجلاء  مليون شركسي خارج القفقاس, والصراع الشركسي الذي تم من أجل البقاء, سواء كان البقاء على أرض الوطن, أم البقاء بالهجرة إلى تركيا وما بعدها.

(شرفة الهذيان) لإبراهيم نصر الله

          بعد تسع روايات, وثلاث عشرة مجموعة  شعرية, لإبراهيم نصرالله, صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر, رواية جديدة له بعنوان ( شرفة الهذيان) وهي  الجزء الأول من رواية ثلاثية قادمة بعنوان(الشرفات) ولكل من الروايات الثلاث جوها الخاص بها, واستقلاليتها التامة عن الأجزاء الأخرى, ولكن يجمعها  جوهر التغير الكبير الذي عمّ   الوطن العربي منذ التسعينيات وما زال مستمراً .

          وفي الرواية الأولى (شرفة الهذيان) يصور إبراهيم حالة الاغتراب المؤلمة, التي راحت تتغلغل في كيان الروح العربية منذ حرب الخليج, مع ما صاحبها من أبعاد مأساوية  للحال الفلسطيني, وصولاً إلى ما بعد أحداث 11 سبتمبر وما بعدها من احتلالات أمريكية إسرائيلية.

          وفي هذه الرواية يمتزج الشعر مع المسرح مع الرواية والسيناريو  المرئي, والحكاية والصورة, حيث ولأول مرة تضم رواية عربية مثل هذا العدد من الصور الفوتوغرافية  العشرين, لتعزز بناء الرواية, وتماهي الفن بالفن,وتحطم مفهوم الشخصية باللاشخصية, وتكسر  الشكل الروائي المتعارف عليه تقليدياً, والحداثي الذي بدأ يستقر . وهذا الأسلوب  المابعد الحداثي لنصر الله, ابتدأ معه منذ براري الحمى عام 1985م, واتبعه في باقي رواياته التسع الأخريات.

رواية حسن حميد (النهر بقمصان الشتاء)

          صدرت عن وزارة الثقافة الفلسطينية رواية ( النهر بقمصان الشتاء) للروائي الفلسطيني حسن حميد, الذي يعيش في سورية, ويرأس تحرير جريدة الأسبوع الأدبي التابعة لاتحاد الكتاب العرب, والرواية ليست ببساطة قصة حب بين شتيوي ورندى, التي تتحول إلى  حدث غير عادي, لا يقف عند حدود المتعارف عليه, فيصل أحياناً إلى ما فوق طاقة البشر, وبذلك تشكل الرواية  رؤية فنية لشخصية الفلسطيني التي تفوقت على ما يتحمله كيان الإنسان.

          ويقول عنه الناقد سليم النجار في جريدة العرب اليوم: (......تنكشف في قلم حسن حميد صلوات حب, وبين روايته ( النهر بقمصان الشتاء) يغفو كعاشق, هو مثلها لا يعطي كنوزه السرية لأحد, وإذا ما تحدثا يحوِّلان الأشياء إلى إشارات, والمعرفة إلى رموز, والجمال إلى أحد العشاق لهما...) إن تصوير التغيير في حياة الفلسطينيين, كان وما زال موضوع الرواية الفلسطينية, قراء مأساتهم ومآسيهم اللاحقة, وقد كان انقلاب الحال وتغيير الحظوظ, والمفارقة المأساوية بين الأمس واليوم وبين التيه والنتيجة, وما زال, موضوعاً أثيراً في الرواية الفلسطينية, منذ نشأتها, وفي أوج ازدهارها على يد كتاب مثل جبرا ابراهيم جبرا, وغسان كنفاني وأميل حبيبي.

صبحي فحماوي

بيروت

لوركا في زيارة مفاجئة إلى بيروت

          أطلّ الشاعر الإسباني الأندلسي فيديريكو غارثيا لوركا على بيروت إطلالة مبهمة ومفاجئة. فأنّى سار المرء في شوارع العاصمة اللبنانية, وجد لافتات معلقة تتضمن أبياتًا من أشعاره. في كل لافتة بيت واحد وضع تحته اسم الشاعر. الذين اختاروا هذه الأبيات, ليسوا على علم واسع بعالم لوركا, بدليل أن الأبيات المختارة ليست من أجود شعره, كما أن الصلة بينها وبين بيروت وما ترمز إليه في واقعها الحالي, مفقودة تمامًا, فقد قرأت في إحدى اللافتات بيتًا يقول: (قد يذكر البحر يومًا كل من ابتلعهم في أحشائه), وبيتًا آخر يقول: (صياح الديك, وأغنيته تبقى أطول من جناحيه). وهو اختيار أقل ما يقال فيه أنه عجز عن عقد صلة بين الشاعر الأندلسي القتيل, صاحب مسرحية (عرس الدم), وبين مدينة مقتولة منذ ثلاثين سنة شهدت على مدى هذه السنوات الطوال من أعراس الدم, ما لم تشهده لا مدينة لوركا, غرناطة, في تاريخها القديم أو الحديث, ولا أي مدينة أخرى في التاريخ القديم أو الحديث أيضًا.

          وقد كان بإمكان أدباء وباحثين خبراء بلوركا أن يستلّوا من أشعاره أبياتًا كثيرة تعقد مثل هذه الصلة, ففي أشعاره ما لا يحصى من الأبيات البواكي على خراب المدن, أو من الأبيات التي تُحيّي على الأمل والمستقبل الغض للشعوب.

          وفي أشعاره أبيات لو نُقلت نقلاً سليمًا إلى العربية لظهرت عروبة مستترة فيها, ولاشك في نسبها إلى غرناطة العربية, وكذلك إلى شجرة الشعر العربي والأندلسي القديم.

          فالواقع أن لوركا شاعر عربي بلسان إسباني. وكان هذا الشاعر يفخر بغرناطته القديمة بدليل أنه كثيرًا ما صرّح في كتاباته بأنه ينتمي إلى (مملكة غرناطة). ولو أنه أدرك زماننا الحالي وقرأ أشعار العرب بالعربية, لا بالإسبانية كما حصل, لاكتشف أنه شاعر غجري عربي, ولكان عاد ربما إلى العربية وكتب أشعاره بها, لأن كل من قرأه, أو عرفه عن قرب, يجزم بأنه (نبات أندلسي صرف) على حد تعبير صديقه الشاعر بابلو نيروجا في مذكراته.

          ولكن إذا لم تكن أبيات لوركا التي عُلّقت في شوارع بيروت, تعبر تماما عن روح لوركا وعالمه, وتعقد مثل هذه الصلة الوثيقة بين ما يرمز الشاعر إليه, وما ترمز إليه بيروت في ملحمتها الإنسانية الحديثة, فلاشك أن استحضار اسم لوركا وحده كاف لاستحضار الشعر والوجد والحب وكلمات شقيقة أخرى بلا حصر. وقد تكون بيروت في عداد أجدر المدن التي تليق بإقامة دائمة للوركا لا بإقامة عابرة. فهي مثل أندلسه القديمة التي كانت تحكمها القيم العليا للحضارة الإسلامية, مدينة تتعايش فيها أديان وثقافات وحضارات ولغات مختلفة. ولو أن اليهود لم يغتصبوا فلسطين ويقيموا فيها دولة التعصب والكراهية, لكان لهم في بيروت (حارة) معززة مكرمة على غرار حارتهم التي كانت لهم فيها قبل عام 1948. ولكن الشاعر الذي ينتسب إلى (مملكة غرناطة القديمة) لن يأسف إذا أقام في بيروت, على خلوّها من حارة اليهود, لأن أجداده الغرناطيين القدماء ابتلوا أيما ابتلاء بيهود غرناطة الذين ثاروا مرة على الحكم العربي فيها, وحاولوا تحويل المدينة إلى (غرناطة يهودية).

          وبيروت تشبه لوركا شبها غريبًا, فهي مثله مدينة حداثة ودعوة إلى التقدم, وهي مثله متشبثة بجذورها وتراثها العربي والمشرقي والإسلامي, ومع أن دعوات كثيرة انطلقت منها دعت إلى التنكر لعروبتها وعربيتها, واقتلاعها من محيطها, مستغلة مناخ الحرية السائد فيها على الدوام, فإن بيروت ظلت أمينة لتراثها, وهو ما كان عليه لوركا بالضبط. في تاريخ الشعر الإسباني الحديث مدرستان تقليديتان: واحدة ترمي بثقلها على الأدب العالمي, فتستمد منه وتستند إليه, والثانية تستمد أصولها بصفة خاصة من تراثها ومصادره. وكان لوركا ابنًا لهذه الأخيرة إلى درجة بعيدة حتى ليجري الحديث عنه غالبًا في الدراسات الإسبانية المعاصرة - وربما للتقليل من شأنه - على أنه شاعر (شعبي).

          وهو مثل بيروت في حياته الدرامية المأساوية القصيرة, التي انتهت بقتله ظلمًا وجورًا, ثم بإلقاء جثته مع رفاق له في حفرة تقع قرب زيتونة دهرية قديمة. وقد ألقيت بيروت مثله على مدى السنوات الثلاثين الماضية في حفرة, قطعوا عنها كل أسباب الحياة بما فيها الحرية التي فُطرت عليها. ومثل بيروت, شاهد لوركا مصيره المأساوي بأم عينيه, واستسلم لجلاّديه كحمل وديع سيق إلى الذبح. وفي سيرة لوركا أنه كان يومًا مع فرقته المسرحية في إحدى القرى الإسبانية. استيقظ ذات صباح وأحبّ أن يتجوّل بمفرده في غابة قريبة. فجأة, وهو جالس على صخرة, شاهد وحشًا بريًا يقترب من خروف كان مربوطًا إلى جانب أحد بيوت الفلاحين, فرماه أرضًا والتهمه في دقائق قليلة. شاهد لوركا ما يحصل أمامه, فذُعر وأقفل مسرعا إلى الفندق القروي الذي كانت تقيم فيه فرقته المسرحية, وطلب من أعضائها المغادرة بسرعة. وبعد أشهر قليلة, التهمت وحوش (الفالانج) الإسبانية الشاعر الإسباني الكبير ورمت ببقاياه في حفرة تقع قرب شجرة زيتون, خارج غرناطة.

          كان مصير بيروت مماثلاً لمصير غرناطة. و(عرس الدم) الذي رواه لوركا في إحدى مسرحياته, شهدت بيروت ما لا يحصى من الأعراس المماثلة له. وكما أن ذكرى لوركا ماتزال تفيض نضارة وبهاء, فإن ذكرى شهداء بيروت ستظل تفيض بمثل هذه المعاني, نظرا لبراءتهم وطهارة سيرتهم.

          ولاشك  أن في شأن تجول لوركا في شوارع بيروت, وهو أمير الشعراء وأمير الحداثة الشعرية على الخصوص, أن يدفع بشعراء بيروت وشعراء بقية الحواضر العربية على السواء, إلى إعادة قراءته من جديد. عندها سيكتشف هؤلاء الشعراء أن مساحة واسعة تفصل بين حداثته وحداثتهم. كتب لوركا من أجل أن يحبه الناس, ولم يكن شعاره: (كلما أمعنت في تضليل القارئ وحجب الرؤية عنه, حققت حداثتك). فشعره لهذه الجهة شعر بسيط غير عسير على الفهم, ولكنه يدخل في الحداثة. وهو خال أبدًا من الغموض المفتعل المصطنع, ويكفي أن يُذكّر لوركا بكل هذه المعاني الشعرية والإنسانية, حتى يكون ظهوره المفاجئ في بيروت خيرًا وبركة, ولو أن الذين اختاروا أبياته البيروتية التي أشرنا إلى بعضها آنفا, لم يُحسنوا الاختيار!.

جهاد فاضل

 

 

   

 
  




د. عبد المحسن الخرافي





سارة الدويسان





محمد المنصور





عبد العزيز المنصور





إيبرت مدير معاهد جوته بالشرق الأوسط مع جمهور الدرب





الأضواء الألمانية تنتج سحابا ملونا





الشاعر بدوي الجبل





 





سلفادور دالي وغارثيا لوركا مع صديق لهما قبل 80 سنة