هو .... هي

إنها تسليتي ..

يحتل جهاز الفيديو وأشرطته مكانا خاصا في منزلي ، كذلك في حياتي اليومية . منذ أن اشتريناه ، منذ عدة سنوات وأنا استخدمه بشكل منتظم ، كذلك بشكل يومي . عندما أقوم في الصباح الباكر أبدأ أولا بإعداد وجبة الإفطار لزوجي وأولادي ، ثم أعد لهم احتياجاتهم التي يحتاجون إليها طوال اليوم سوا ء في العمل أو المدارس . بعد خروجهم أنظم البيت وأعد الطعام للغداء ، ثم أبدأ في متابعة الأشرطة التي أحصل عليها من السوق أو تلك التي أتبادلها مع جاراتي وصديقاتي وقريباتي .

لا أخفي سرا أنه في أحيان كثيرة تأتي إل ى صديقاتي وجاراتي الساكنات في البناية نفسها التي أسكن فيها لنجلس معا ونعد مكونات الطعام من خضار وأشياء أخرى ، ثم نجلس نتابع الأشرطة . في أحيان كثيرة نتبادل المو اقع ، مرة عندي ومرة عند جارتي التي تسكن الدور العلوي وثالثة عند الأخرى التي تسكن الدور الأسفل .

لا أنكر أن هذه العادة قد تأصلت في حتى باتت أ شرطة الفيديو موضوعا أساسيا ويوميا لي ولكل صديقاتي . نتفق يوميا على عددها ، وكذلك على نوعها ، ثم على مكان عرضها الجماعي وهكذا .

نشعر جميعا باستمتاع ونحن نمارس عادتنا هذه خا صة ونحن نمتلك في بيوتنا أدوات كهربائية تساعدنا على سرعة إنجاز أعمال المنزل كالغس الات الكهربائية للملابس وللأطباق وكالمكانس والأفران الحديثة .

والآن وقد كبر الأولاد وانخرطوا جميعا في مراح ل التعليم ، نشعر بأننا أكثر حرية في استهلاك وقتنا في المنزل ، أحسننا أن لدينا وق تا ضائعا ، لذلك درجنا على تنظيمه حسب ذلك الأسلوب الذي ذكرته.

لا يرضى زوجي عن هذا الأ سلوب اليومي .يوجه إلى النقد ويتهمني بأنني أتعاطى أشرطة الفيديو ، وأنني أصبحت مدم نة .يتهمني بأن الصدأ قد غطى عقلي وأني لم أعد أفكر كما كنت قبلا .

صرخ في وجهي أمس : " لقد مسحت أشرطة الفي ديو كل العلم الذي أدخره عقلك منذ أيام الدراسة . لم يعد عقلك يمتلك إلا بقايا القص ص المملة التي تشاهدينها يوميا ". ..

..هي

إنه إدمان

لم أتصور لحظة أن أقدمت على شراء جهاز الفيديو أني أحدث تلك النقلة غير الحضارية التي وقعت فيها زوجتي

تزوجتها بعد أن حصلت على الثانوية العامة ، وكنت أشجعها على أن تكمل دراستها بعد أن تنتهي من فترة الإنجاب وتربية الأبناء . ذلك أني أعرف أنها ذكية ولماحة وتستطيع أن تحرز تقدما ملموسا في حياتها العملية والعلمية . كنت وما زلت أميل إلى الأسرة التي تتسم بعنصري الثقافة والتعليم ، لأني أراها أسرة متنورة تساير واقع العصر وثقافته وعلمه ، كما أن مثل هذه الأسرة تؤثر في تكوين الأبناء وتجعل منهم مواطنين أكثر ميلا للتقدم العلمي .

عندما طلبت مني زوجتي شراء جهاز فيديو ، نما أحد طموحاتي في أن أنشئ مكتبة أفلام علمية وثقافية لأولادي . هذه مكتبة عن عالم البحار ، وثانية عن عالم الحيوان ، وثالثة عن تاريخ الشعوب ، ورابعة تضم أمهات أفلام السينما التي تؤرخ لهذه الصناعة الفنية العظيمة.

إلا أنني لاحظت تراجعا في طموحاتي ، لأن زوجتي استمرت تستخدم الفيديو وأشرطته لمشاهدة تلك الأفلام الرديئة البناء التي تشتريها أو تؤجرها من السوق ، أو التي تتبادلها مع صديقاتها وجاراتها .

ثم تمادت في عادتها هذه حتى باتت تسرع في إنجاز مهام المنزل والطعام لتجلس معهن في جماعات تتابع الأشرطة بشكل يتسم بالإدمان من أجل ضياع الوقت والعمر .

طلبت منها عدة مرات الاهتمام بعمل مكتبة فنية علمية للأولاد ، لكنها احتقرت هذه الفكرة وقالت " ألا تكفي تلك المكتبة الكبيرة المملوءة بالكتب والمراجع . لقد اخترع الفيديو للتسلية وليس لشيء آخر ".

شرحت لها أفكاري عن أصل الفيديو وعن قيمة الوقت الضائع الذي تستهلكه مع جاراتها أما شاشة التلفزيون . طلبت منها الاهتمام بعقلها وثقافتها . رجوتها أن تعود مرة أخرى إلى سابق عهدها بعقلها وتكوينها الذاتي . إلا أنها استسلمت للراحة والكسل والخمول ومتابعة تلك الأفلام .

كم كنت أتمنى أن تخلق زوجتي ذلك التوازن المطلوب وأن تنجح في تقسيم وقتها : جانب للتسلية وآخر للثقافة .