قليل من الشجاعة .. كثير من الرياء علي أبوشادي

قليل من الشجاعة .. كثير من الرياء

السينما السياسية في مصر

ربما لا يوجد مصطلح أكثر غموضا، والتباسا، برغم ما يبدو عليه من وضوح، مثل مصطلح السينما السياسية، فتارة يبدو فضفاضا يحتمل احتواء كل تاريخ السينما، حيث إن كل فيلم سياسي بالضرورة.. أو يضيق ليحصر نفسه في نطاق الأعمال التي تتناول قضايا سياسية مباشرة ومعاصرة.

وإذا كان معطف السينما السياسية يتسع لكل هذا، بدرجة أو بأخرى، فإن التحدي الأقرب إلى الدقة يعني تلك السينما التي تتعامل مع الواقع السياسي المعاصر والمباشر، والتي تتناول قضايا سياسية مباشرة ومعاصرة ، دون الالتحاف بالتاريخ أو التسربل بالماضي. وبعبارة أخرى : يعني تلك الأعمال التي تملك القدرة على مواجهـة الحاضر والاشتباك معه نقدا وكشفا وتحليلا، ويقدم فنانوها رؤيتهم للواقع الآتي - أي وقت إنتاج الفيلم - أو للأحداث التي مازالت تؤثر(مباشرة) في ذلك الواقع، أو تلك التي مازال صداها يتردد في جنبات هذا الواقع وقد لا يمكن إغفال عشرات الأفلام التي تلامست مع القضايا السياسية أو تحمل في ثناياها ، بعدا سياسيا بارزا، أو خافتا.. سواء في العصر الملكي أو الجمهـوري بعهوده الثلاثة..

وربما كان فيلم "لاشين" الذي أخرجه الألماني فريتز كرامب، وعرض عام 1938 هو واحد من أبرز هذه الأعمال. والذي تعرض للمنع في اليوم الأول لعرضه بسبب الظروف السياسية غير الملائمة - على حد تعبير البيان الذي صدر عن إدارة ستوديو مصر عام 1938 ، وإن كان المنع بسبب نهايته الجسور التي تنتصر للشعب في مواجهة ملك ظالم وحاشية فاسدة، برغم أن الفيلم ارتدى عباءة التاريخ ، وتحدث عن ماض بعيد.. لكن ذلك لم يشفع له.. وكان على صناعه الإذعان وافتعال نهاية سقيمة يهتف فيها الشعب للسلطان العادل، ويندد بالحاشية والقيادات الخائنة.

كانت السلطة حاسمة، وصارمة، مع " لاشين "، ولم تأبه لكونه من إنتاج ستوديو مصر، وأن وراءه الاقتصادي الكبير طلعت حرب فاستقرار النظام أهم من السينما.. والأفلام، فكان الدرس قاسيا.. وواضحا ارتفع على أثره، ولسنوات عديدة، شعار ممنوع الاقتراب أو التصوير لما يمس النظام.. أو رموزه، برغم كل دعاوي الديمقراطية.. والتعددية الحزبية فيما قبل 1952.

كان درس "لاشين " كافيا لأن تهرب السينما من تعاطي السياسة لأكثر من عشر سنوات، حتى تجرأ أحمد بدرخان. وقدم فيلما عن الزعيم الوطني مصطفى كامل، فانتفضت الرقابة، وأبرزت مخالبها. وكشرت عن أنيابها.. ورفضت عرض الفيلم، الذي يؤكد قيمة النضال والتضحية من أجل الوطن والتنديد بالاستعمار والاستبداد.. ولا ينقذ الفيلم إلا قيام ثورة 1952؟ فتفرج عنه ويجد طريقه إلى صالات العرض في نهاية عام 1952 .

ضد العهد البائد

بعد الثورة، وعلى مدى ما يقرب من ثمانية عشر عاما هي عمر الجمهورية الأولى - عهد عبدالناصر- ظهرت عشرات الأفلام التي تتناول فساد العصر السابق، وترجم رجاله، وتهيل التراب على كل إنجازاته، وتعمل على تشويه صورته بالكامل، وفي المقابل تتحاشى نقد الواقع، وتتجنب الإشارة إلى مواضع الخلل، أو تلامسها في وجل وعلى استحياء، كما نزعت بعض الأعمال إلى التأييد المطلق والإيمان غير المحدود.. وكرست نفسها، أو كرسها صانعوها كأبواق دعاية سياسية.. لكن - وبرغم قسوة الأجهزة الأمنية وقمعهـا لأي بادرة اعتراض، أو انتقاد - كانت هناك أكثر من محاولة جسور حاول صناعها أن يعبروا عن وجهـة نظرهم في الثورة، ورجالها ، وممارساتها، بل وإلى رفضها.. وكان فيلم "متمردون" لتوفيق صالح، و "شيء عن الخوف" لحسين كمال، بمثابة مبادرات شجاعة ، وإن تخفت تحت غلالة رمزية، مشروعة، اجترأ أصحابها على السير في حقل الألغام، وقدم توفيق صالح أقسى نقد وجه للنظام الثوري في مصر ، وشكك في صلاحية القيادة السياسية وعجزها عن التعبير عن مصالح الشعب، وانسلاخها عن الجماهير التي ساندتها، ودعمتها، وتحولها إلى قيادة مستبدة ، تستند إلى السلطة، وتبحث عن نصالحها وراحتها ورفاهيتها، ويشير توفيق صالح إلى افتقاد رجال الثورة لرؤية ثورية منهجية .

في "المتمردون" الذي عرض عام 1968 ، وكانت المصحة بدرجاتها المختلفة، هو المعادل للواقع الاجتماعي، وكانت الشخصيات "المرضى".. تشير إلى فئات أو طبقة أو شريحة اجتماعية (الصحفي والعامل والفلاح والجندي ومالك الأرض والمثقف) ما تلبث أن تعلن تمردها، وتعلن مطالبها بضرورة تحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص في توفير الحاجات الأساسية ، لكن القيادة الهزيلة ، للمصحة ، تتسبب في عدد من الهزائم المتوالية.. مما يعني أنه كان على الجماهير أن تفرز قياداتها من داخلها.. دون اللجوء إلى قيادات مستوردة تعصف بأحلامها وطموحها.

وإذا كان " المتمردون" الذي بدأ إنتاجه عام 1966، قبل الهزيمة، قد تعرض للتمزيق من قبل الرقابة، بحذف ما يقرب من 25 دقيقة من النسخة الأصلية ، - بشهادة مخرجه توفيق صالح - وتأجيل عرضه.. وإجبار مخرجه على تصوير نهاية جديدة - وهو ما حدث قبل ذلك بثلاثين عاما مع "لاشين" - نهاية تبشر بالأمل القادم مع الثورة ، باعتبار أن الأحداث تدور فيما قبل الثورة ، إلا أن " شيء من الخوف ، الذي أنتج بعد هزيمة يونيو 1967 وعرض في عام 1969.. كان أسعد حظا برغم تشكيكه في شرعية النظام ذاته "جواز عتريس من فؤادة باطل"، فقد أمر الرئيس عبدالناصر، بنفسه، بعرض الفيلم كاملا، بعد أن رفضته الرقابة ، مرددا عبارته الشهـيرة : إحنا مش عصابة ولا أنا رئيس عصابة.. ولو كنا كده يبقى نستاهل الحرق"!!.. ويشير الرئيس في ما حدث لعتريس (محمود مرسي) زعيم العصابة التي اجتاحت قرية "الدهاشنة" وروعتها وسلبتها الحرية والكرامة، واغتالت رجالها ، ويتمت أطفالها، وفرضت زعيمها عتريس نفسه زوجا - لفؤادة الفتاة التي راحت تحمل لواء الثورة على الظلم والقهر والاستبداد، وينتهـي الفيلم بالجموع الثائرة تزحف نحو القصر، قصر عتريس، وتشعل فيه النيران ليحترق بمن فيه .

الانقضاض على التجربة الثورية

كان الجو مهيأ بعد الهزيمة للمراجعة الشاملة، وبدا النظام ضعيفا مثخنا بالجراح، مما حدا بالبعض لأن ينقض على التجربة الثورية لينهـش لحمها المهترئ، وجاءت بوادر تلك الردة مع "شيء من الخوف " الذي كان يحمل - بداخله - أيضا، قدرا من الخوف حيث آثر أن يجعل من الدهاشنة قرية غير محددة الموقع.. والأحداث تدور في "أي" زمان!! لكن ضابط الشرطة ممدوح الليثي (شقيق المنتج جمال الليثي، السينمائي لاحقا واحد الضباط الأحرار سابقا) يبدأ رحلته من نقد الثورة، وتجريحها وتلويث إنجازاتها.. ويجد ضالته في أعمال الكاتب الكبير نجيب محفوظ "ميرامار"، "ثرثرة فوق النيل" ثم في "الحب تحت المطر" لتصل إلى ذروتها في "الكرنك " عام 1975..

كان نجيب محفوظ ينتقد ممارسات وتجاوزات رجال النظام، ويفتح ملف التجربة ليعيد قراءته بنزاهة وإنصاف، لكن الليثي من خلال إعداده تلك الأعمال للسينما، راح يحذف.. ويضيف في الأحداث، ويدمج ويعدل في الشخصيات بما يخدم رؤيته الكارهة - غير المنصفة لنصوص محفوظ ، وللثورة ذاتها "ميرامار" الذي أخرجه كمال الشيخ ، وعرض عام 1969، وقد صادف هوى في قلب أنور السادات، حين كان نائبا لعبدالناصر، فسمح بعرضه برغم تهجمه، وتهكمه على الثورة وتنظيمها السياسي ( الاتحاد الاشتراكي) الذي كان موضوعا لفيلم - القضية 68 إخراج صلاح أبوسيف عن نص مسرحي للطفي الخولي ، غير أن أبوسيف كان أكثر إنصافا وموضوعية ، حيث ناقش بجدية - ومن داخل خندق الثورة - مناطق الخلل في التنظيم السياسي، ودعا إلى الإصلاح الجذري "هدها يا عم منجد وابنيها من جديد" عكس "ميرامار" الذي كان يعبر عن الطبقات الإقطاعية التي حاولت الثورة تقليم أظافرها.. فكان بموقفه المعادي إشارة البدء لتلك الموجة الكاسحة لنقد الثورة ، خاصة بعد أن مات عبدالناصر وبدأت ملامح العهـد الجديد - عهد السادات، الذي سمح بالهجوم المباشر على رموز النظام القديم ، وتجاوزات الأجهزة الأمنية.. فظهر فيلم " زائر الفجر" الذي أخرجه ممدوح شكري، ليعطي إشارة البدء في الهجوم، واختراق المنطقة المحظورة، فأدان بشكل قاطع الممارسات الهمجية لبعض هذه الأجهزة وأشار في شجاعة إلى أن "حاميها حراميها"!! فإنها مقص الرقيب على مشاهده بترا وتمزيقا.. ولم يسمح بعرضه إلا عام 1975، بعد أربع سنوات من إنتاجه، وبعد أن مات مخرجه كمدا!! كان "زائر الفجر" برغم قسوته، يمتلك قدرا من النزاهة، افتقدها فيلم الكرنك " الذي صاغه سينمائيا ممدوح الليثي عن رواية نجيب محفوظ ، ليكون بمثابة نقطة الانطلاق لسينما التشهير السياسي التي أطلق عليها أفلام "مراكز القوى"..

قدم محفوظ شهـادته في روايته القصيرة "الكرنك"، مدينا التجاوزات والممارسات اللا أخلاقية التي انتهجتها الأجهزة الأمنية ضد المواطنين بدعوى حماية الثورة ، فكانت صرخة تنبيه من الأديب الكبير ضد القهر والظلم واستلام الكرامة وقهر الحريات ، وحملت الرواية رفضا قاطعا لعمليات التعذيب وانتهـاكات حقوق الإنسان وكيف أن هذا الطريق أدى بالثورة في النهاية لأن تأكل بنيها، إسماعيل وزينب وحلمي، وهم من الشباب الذي آمن بالثورة إيمانا حقيقيا..

تلقف الليثي نص محفوظ، وأحاله إلى سيناريو يقطر سما، نفذه المخرج الشاب - حينئذ - على بدر خان فأضفى عليه قوة تأثير طاغية ساهم فيها الأداء الرائع لسعاد حسني ونور الشريف وشويكار ومحمد صبحي وفريد شوقي وتحية كاريوكا.. ويأتي الفيلم بمثابة صفعة قوية لعهد عبدالناصر، برغم افتقاده الموضوعية ، ولجوئه في تكثيف الجوانب القائمة. والمعتمة في ذلك العهـد.. ويلقى الفيلم ترحيبا حارا من سدنة العهد الجديد الذين كانوا حريصين على تشويه العهد السابق تمهيدا لانتهاج سياسة جديدة مغايرة، ومناقضة ، وصلت إلى ذروتها بالخروج على الإجماع العربي.. وتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979.

بعد "الكرنك " بدأت هوجة أفلام مراكز القوى وراحت مجموعه عن انتهازيي السينما السائدة، يستثمرون ظاهرة الكرنك. ويقدمون تنويعات سخيفة وفجة وساذجة، في تملق ممجوج للعهد ، يفتقد صدق الرؤية، ويغيب عنه الفهم الموضوعي للظرف التاريخي. وفي الوقت الذي كانت فيه هذه الموجة / الهوجة تتسيد، وتتصدر واجهات درر العرض، كان هناك من يحاول السباحة ضد التيار من الفنانين الأصلاء الحقيقيين الذين يحملون هم الوطن. وراحوا يحاولون استجلاء الحقيقة والبحث - الحقيقي - عن أسباب الخلل التي أدت إلى الفساد السياسي والاقتصادي ويحقق يوسف شاهين فيلمه - العصفور- الذي يحاول استكناه الأسباب الكامنة وراء الهزيمة والفشل الذي مني به رجال الثورة على الصعيدين السياسي والفكري عام 1967، وأن يناقش، مع فيلم رأفت الميهي وكمال الشيخ "على من نطلق الرصاص "، الأوضاع السياسية والاجتماعية خلال هذه الفترة.

تجاهل الفيلمان العوامل الخارجية التي كان لها دور رئيسي في الوصول إلى ما حدث في يونيه 1967، وراحا يناقشان العوامل الداخلية، ويردان الهزيمة إلى عناصر الفساد السياسي والبيروقراطية والانتهازية، وهي آفات حقيقية نخرت في عظام النظام آنذاك. وإذا كانت معظم الأفلام التي تعاملت "مع حرب أكتوبر 1973 ، قد ابتذلت اللحظة التاريخية، وراحت تستثمرها على طريقتها التجارية، إلا أن فيلم "أبنا الصمت" إخراج محمد راضي ، يعد واحدا من أفضل الأعمال السياسية، برغم ما يوصف به من كونه فيلما عن أكتوبر والمعارك العسكرية، لكن أكتوبر لم يكن نصرا عسكريا فقط ، بل أنه انتصار سياسي ، بالدرجة الأولى، حققه أبناء مصر الذين قدمهـم الفيلم في بانوراما اجتماعية عريضة، أكد من خلالها أن هذه النماذج الإنسانية هي التي صنعت النصر.. وأن الحرب في - "أبناء الصمت" هي محصلة نهائية لجهود إنسانية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.. والعسكري ..

بعد اندلاع مظاهرات الطعام في بداية عام 1977، والتي زلزلت أركان نظام السادات.. وبعد أربع سنوات، فقط، من حرب أكتوبر.. يفاجئ السادات العالم بزيارته لإسرائيل، وبعد ست سنوات يوقع معاهدة السلام. ويفقد انتهازيو السينما ، السياسية ، توازنهم ، ويقفرن حائرين ، فالستار قد أسدل على أفلام أكتوبر، فلا مجال للحديث عن الحرب مع الجيران الجدد كما أصبح موضوع مراكز القوى مستهلكا ، بعد أن تجاوزته الأحداث، وكشف الواقع عن قضايا فساد وإفساد تتضاءل بجوارها تجاوزات كل العهود السابقة.. وإن كان الحديث عن مراكز القوى ، وفساد رجال عبدالناصر، يراود؟ بعض السينمائيين من حين لأخر فتقدم السيدة نادية الجند!ا "ملف سامية شعراوي) 1988 أو يتذكر أشرف فهمي أنه لم يدل بدلوه قي تلك الفترة فيعود إليها في "إعدام قاضي، 1990 و"قانرن ايكا) 1991 بعد ما يقرب من عشرين عاما من وفاة عبدالناصر.. أن يحاول المخرج الشاب خالد الحجر في أول أفلامه (أحلام صغيرة، 1993 ويسري نصر الله في عمله الأول سرقات صيفية) 1988 تقديم رؤيتيهما- كأبناء جيل جديد- لذلك الماضي القريب، ويحاولان قراءة الواقع، والوقائع في ضوء المتغيرات التي حدثت على المستوى العربي والعالمي.. وتغير مفردات الصراع وأدواته ووسائله..

أنضج الأعمال السياسية

تحاشت السينما المصرية الاقتراب من مظاهرات 18 و 19 يناير 1977، التي اجتاحت مصر معبرة عن إرادة شعبية، وإن رأى فيها السادات (انتفاضة حرامية) لكن رؤوف توفيق ومحمد خان يدفعان عنها هذا الاتهام بعد عشر سنرات من خلال عملهما المشترك (زوجة رجل مهم) 1988 ويذود عنها أسامة أنور عكاشة ومحمد النجار بفيلمهما ( الهجامة) عام 1992..

وكلاهما يؤكد أنها انتفاضة شعبية، حاولت الأجهزة الأمنية الموتورة تشويهها في محاولة كسيحة للدفاع عن عجزها. وتقصيرها. وتجاوزاتها.

ربمـا كان فيلم "البريء" لوحيد حامد وعاطف الطيب الذي عرض عام 1986 هو أحد أنضج أعمال السينما السياسية المعاصرة.. التي تتعامل مع "اللحظة " بل وامتلك القدر على تجاوزها محذرا من مستقبل استشعرته حساسية الفنان، ما ليث أن تحقق في الواقع حيث انفجرت الأحداث الدامية التي سمعت "بأحداث الأمن المركزي " حين خرج الجنود ثائرين، ساخطين، رافضين لكل الأوضاع المهينة التي أشار إليها الفيلم وأفزعت ممثلي الحكومة، فقاموا بتشويهه وحذف العديد من مشاهده، وفرض نهاية مختلفة - ولنتذكر " لاشين " و"المتمردون" واجتمع عليه ثلاثة - وزراء - الثقافة والداخلية والدفاع - في سابقة تاريخية محاولين منعه ، وأجبروا صانعيه على وضع لوحة في بدايته تعلن براءة النظام مما يتناوله البريء من إدانة للسلطة - عام إنتاجه 85 / 1986 - التي تعجز عن تحقيق الديمقراطية والحرية وتدفع بالمعارضين إلى غياهب السجن والمعتقلات، وفساد وسادية القائمين على هذه السجون التي تهدر آدمية المواطن وكرامته، وتحوله، تحت سياط التنكيل والتعذيب إلى هياكل مسحوقة.. وجثث تتحرك برغم افتقادها كل مقومات الحياة ..

إن النهاية العاصفة في "البريء" تأتي حين تنطلق رصاصات مدفع أحمد سبع الليل ( أحمد زكي) جندي الأمن المركزي، تحصد في هستيرية رموز النظام وقيادات المعسكر- وهي نهاية تحمل دلالات تحذيرية ، واستشرافا واعيا للمستقبل تأكد باضطرابات جنود الأمن المركزي التي اندلعت في اثنان انشغال السلطة بالصراع مع الفيلم الذي صمت أذنيها عن تنبيهاته وتحذيراته.. إن السينما السياسية تكتسب أهميتها من قدرتها على المواجهة مع الحاضر والاشتباك معه والدفاع عن حقوق الإنسان في الحرية والكرامة والعدل والسعي إلى مزيد من الديمقراطية وحرية التعبير الذي يسمح بالمشاركة في إدارة شئون الوطن. وملاحقة الفساد وكشف عناصر التخريب والذود عن مكتسبات المواطن العادي.. وسيظل "لاشين" و "المتمردون" و "على من نطلق الرصاص " و" البري" وغيرها علامات مضيئة في ذاكرة السينما، والوطن بشجاعة صناعها ، وصدق رؤاها.. وقدرتها على التعبير عن اللحظة.. وجسارتها على المجابهة.. وهو سمات افتقدتها كثرة من الأفلام اختارت مكانها واستقرت في سلة مهـملات التاريخ!

 

علي أبوشادي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




القضية 86





أحلام صغيرة





الهجامة





المتمردون