السينما في الكويت واقع .. وشهادات عماد النويري

السينما في الكويت واقع .. وشهادات

السينما وجه من وجوه ذاكرة الشعوب ، سجل فني لقليل أو كثير من التاريخ ، والسينما الكويتية لا تشذ عن ذلك ، فماذا عن البدايات وماذا عن المسار والطموح ؟

كانت الفكرة في رأسي منذ فترة طويلة ، كانت عندي لقطات كثيرة صورتها متفرقة منذ بداية الثلاثينيات، وفي تعطي صورة واقعية عن الكويت، كنت أركز على المناظر داخل البيوت ، ولم يكن هناك من يوجهني، كانت محاولة فردية مني مع الاستعانة ببعض اللقطات الارشيفية من شركة نفط الكويت، طبعا أنا لست راضيا عن الفيلم مائة في المائة، ولم أكن أعرف أنه سيصبح أول فيلم وثائقي في تاريخ السينما في الكويت.هكذا سجل محمد حسين قبازرد تجربته في تحقيق أول فيلم وثائقي عام 1936 لمحت عنوان "الكويت بين الأمس واليوم".

ويذكر قبازرد أنه : "في بداية الأربعينيات كان البحارة يأتون من الهند والمناطق الأخرى ليقصوا حكايات الأفلام التي رأوها ، وكانت هذه الحكايات وكأنها الأساطير عن عوالم أخرى غريبة، كانت الهند هي المصدر الرئيسي لمشاهدة الأفلام إضافة إلى بعض البيوت، والأندية الخاصة التي كانت تعرض أفلاما 16 ملم، وكانت تؤجر مع ماكينات العرض".

قبل محاولة قبازرد وفي كتابه "تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج العربي" - الجزء الثاني - يذكر المؤرخ الكويتي سيف مرزوق الشملان أن : "أول من اهتم بتصوير سفن الغوص على اللؤلؤ في الكويت هي السيدة (أم سعود) زوجة الكولونيل (ديكسون) أحد المعتمدين البريطانيين في الكويت في الفترة من 1929- 1936م" ويذكر الشملان أيضا أنه في عام 1939 كان علي بن ناصر النجدي - من نواخذة السفن المعروفين في الكويت آنذاك - مسافرا بسفينة إلى سواحل إفريقيا الشرقية ومر بميناء عدن ، وهناك سافر معه السائح الأسترالي (آلان فليبرز) وأثناء الرحلة صور فليبرز فيلما سينمائيا مدته ساعتان عن جميع أعمال البحر من عدن حتى الوصول إلى الكويت، وضم الفيلم مجموعة لقطات تصور الكويت القديمة. ويذكر أن "فليبرز هذا قد ألف كتابا غن رحلاته ، ومنها رحلته إلى الكويت، ومنذ سنوات غير قليلة ترجم الكتاب إلى العربية تحت عنوان "أبناء السندباد"

سن الرشد

بذكر الفيلم التسجيلي - لا نغفل مساهمة شركة نفط الكويت، من خلال إنتاجها للعديد من الأفلام التسجيلية منذ عام 1947 عندما سجلت تحميل أول شاحنة نفط، ثم تسجيل الأحداث المهـمة سواء في حقل عملها، أو في الكويت بشكل عام : بناء الجزيرة الاصطناعية، محطات التكرير، بناء الخزانات ، إنشاء مشروع الغاز.. وغيرها، وإذا كان ظهور فيلم "المحراث" الذي أخرجه باري لورنتس في عام 1936 بمثابة مرحلة بلوغ سن الرشد للفيلم التسجيلي الأمريكي ، فإننا نخطئ المقارنة لو اعتبرنا أن فيلم قبازرد أو أحد أفلام شركة نفط الكويت كان بمثابة النضج. كانت البدايات التي لا تخلو من أخطاء التجارب الأولى، تلك البدايات التي شكلت البذور المتنامية لحصاد محاولات لا حقة دعمها الاهتمام الرسمي، هذا الاهتمام الذي كان قد بدأ في الظهور.

ففي مطلع عام 1950 أنشأت وزارة التربية - دائرة - المعارف آنذاك - قسما للسينما، وخلال السنوات اللاحقة أنجز هذا القسم ما يقرب من 60 فيلما تعليميا، وبين عامي 1959 و 1961، قامت دائرة الشئون الاجتماعية والعمل بإنتاج بعض الأفلام الثقافية عن تقاليد الزواج والغوص، ولحقت وزارة الإعلام بهاتين الهيئتين بعد انتقال مسئولية الإنتاج السينمائي إليها، وكان أبرز إنتاج لها عام 1962 عندما أنجزت فيلم، اليوم المشهود،، عن يوم عيد الاستقلال الأول، ومن داخل التلفزيون كان قد برز اسم محمد ناصر السنعوسي عندما قدم فيلم (العاصفة) عام 1964 وهو أول فيلم روائي قصير- 37 دقيقة - تشترك به الكويت في مهرجان خارجي ، ويقول السنعوسي عن تجربته العاصفة : " حتى مطلع الستينيات لم يكن هناك أي فيلم ناطق باللهجة الكويتية. وجاءت فكرة عمل فيلم يناقش قضية اجتماعية، أو سياسية، وما كان يهمني بالدرجة الأولى هو تقديم فيلم كويتي " وغير السنعوسي برز اسم عبدالله المحيلان الذي قدم فيلما قصيرا بعنوان " السقوط "، بعد أن أخرج مذكرات بحار" سينمائيا عن قصيدة للشاعر الكويتي محمد الفايز، وعن ثورة أرتيريا قدم فيلمه التسجيلي " أرتيريا وطني "، وهناك أسماء أخرى تواصلت مجهوداتها مثل بدر المضف، عبدالمحسن الخلفان، محمد الجزاف، عبدالرحمن المسلم ، إبراهيم قبازرد ، عامر الزهير ، هاشم محمد ، عبدالمحسن حيات ، حبيب حسين ووليد العوضي ، وكان هذا في مجال الفيلم التسجيلي والروائي القصير.

أول فيلم روائي طويل

في عام 1791 برز فجأة اسم المخرج خالد الصديق ، وأعلنت الأخبار الفنية عن ميلاد " بس يابحر " كأول فيلم روائي طويل في تاريخ السينما الكويتية ، وفي عام 1974 ترك الصديق الكويت ورحل إلى السودان لينجز فيلمه الثاني " عرس الزين " ، عن رواية للكاتب السوداني الطيب صالح تصور حياة الزين الشاب الأسطورة ، الذي ولد وهو يضحك ، وعاش حياته نصف ابله ونصف عبقري ، تحبه نساء القرية ويكرهه شبابها . ومرة ثانية بعد العرض الأول للفيلم عام 1977 ، أكد الصديق موهبته ، كما كشف عن مواهب العديد من ممثلي وممثلات السودان ، وفي عام 1981 ، ترك الصديق الكويت والسودان وذهب هذه المرة إلى الهند لينجز فيلمه الثالث " شاهين " ، عن إحدى روايات الأديب الإيطالي " بوكاشيو " .

وكان هذا على صعيد الفيلم الروائي . وعلى صعيد العرض السينمائي تأسست شركة السينما الكويتية عام 1964 لتقوم بإنشاء دور العرض كما تم إشهار نادي الكويت للسينما عام 1976 ، وكان من مؤسسي النادي محمد ناصر السنعوسي ، د. محمد غانم الرميحي ، رضا الفيلي ، عامر التميمي ، بدر المضف ، خالد الصديق ، سليمان الفهد ، د. حسن الإبراهيم ، وغازي السلطان .

كان هذا عن واقع السينما في الكويت ، عن البدايات ، والنظرة الرسمية ، البدايات لم تخل عن أخطاء التجارب الأولى والنظرة الرسمية التي أصابها التكاسل أحيانا ، وغلبة الطموحات الفردية في أحيان أخرى ، ولنا أن نتوقف عند بعض الشهادات لبعض السينمائيين في الكويت نقترب من خلالها من واقع السينما اليوم.

" إنتاج السينمائيين الشبان قليل برغم وجود إمكانات متاحة .. محتمل عدم وجود الحماس الكافي " . هكذا يقول خالد الصديق صاحب أول تجربة روائية طويلة ويضيف : " فيلم " الفخ لعبدالرحمن المسلم كان محاولة جيدة لكن مطلوب الاستمرار ، ولدينا مجموعة من المخرجين الجدد عليهم يعقد آمل كبير في تنشط الحياة السينمائية في الكويت . مطلوب من هذه المجموعة العمل بجد بالنسبة للواقع السينمائي ، اليوم ما زالت هناك مشكلة التوزيع للعناصر ومشكلة اللهجة ، والحل هو توفير الدعم من الدولة للعناصر السينمائية الشابة ، أو من حلال مؤسسات تتولى هذا الدعم . هذا إذا كان في نيتنا تقديم أفلام كويتية أو خليجية ".

المخرج عامر الزهير ، بدأ عمله في تلفزيون الكويت عام 1978 في قسم الديكور ، ثم عمل في مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك مساعد للمخرج في مسلسل " ابن سينا " ثم قدم فيلم " القرار " عام 1984 وهو فيلم روائي قصير ليبدأ منه اهتمامه بالإخراج السينمائي . وأوفدته وزارة الإعلام الكويتية إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة السينما عام 1988 . ومنذ عودته هو يعمل من البحر " إلى فيلم سينمائي يقول عامر : " الفيلم الكويتي أو الخليجي الجيد سيكون له مكسيان أحدهما مادي والآخر إعلامي ، فإن تكفلت الدولة بالإنتاج فلا بد أن يكون المردود الإعلامي هو الهدف ، وإن تحقق هذا الهدف فإنه لن يلغي إمكان استعادة رأس المال بالتسويق التجاري . وندوة كتاب السيناريو الكويتيين يؤثر سلبا في توافر نصوص سينمائية قابلة للإنتاج ، إلا أن ذلك يجب ألا يكون حجر عشرة في طريق إنتاجنا السينمائي " .

والمخرج عبدالمحسن حيات الذي تخرج في جامعة ميناسوتا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1978 ، وتخصص في محال الإعلام والإخراج السينمائي اتخذ من الخط الوثائقي مسارا له كخصوصية في أعماله ، فقدم ضمن هذا الإطار فيلم " حرب الشوارع " ثم قدم بعد تحرير الكويت فيلما وثائقيا آخر هو " هذا هو بيتي " ، وكلا العملين قامت بتويلهما مؤسسة الكويت. للتقدم العلمي . في شهادته عن السينما في الكويت يرى حيات أنه :" إذا أردنا العمل من أجل السينما أو لخلق جو سينمائي له تأثيره وأبعاده يجب علينا أولا أن نوجد أساسا لهذا الجو. في الكويت والخليج عموما نجد أن سوق الإنتاج السينمائي محدد وصغير جدا . ولا يستوعب إقامة هذا الصرح. فليس هناك مفهوم كاف لدى الجمهور حتى يمكن أن يتكون هذا السوق الذي يعتبر أساسا قويا في بناء الحركة السينمائية لأن صرحا كالسينما لا يمكن المغامرة فيه دون إيجاد هذا الأساس، ولنا في التجارب الأولى خير مثال ". ويضيف حيات في توضيحه لأسباب عدم وجود مثل هذا السوق : " هي ثلاثة أسباب رئيسية : الأول عدد السكان فالقلة والكثرة دائما تسيطر وتتحكم في الرواج كما تتحكم في القبول والرفض ، والسبب الثاني هو الممنوعات التي تحددها الرقابة في أحيان كثيرة وفي أطر بعضها مقنع والآخر غير مقنع . وهذه الممنوعات دائما تحد من إبداع المؤلف والمخرج إلى جانب طرح مواضيع معينة يقتلها ويقتل نجاحها كثرة طرحها . والسبب الثالث هو العقبات الاجتماعية التي تقف حاجزا إمام الإنتاج والتسويق والإقبال على الكثير من المواضيع التي تطرحها السينما، لذلك يتردد العديد من المنتجين والمخرجين في طرح أعمال يدركون مسبقا خسارتهم فيها فنيا وماديا " .

معوقات وطموحات

المخرج السينمائي الكويتي الشاب حبيب حسين الذي يعمل في مراقبة السينما بوزارة الأعلام بالكويت يقول في شهادته : " العمل السينمائي منذ بدايته وحتى الآن يواجه صعوبات كثيرة ، هذه الصعوبات في القديم تم التغلب عليها ، وقدمت أعمال عديدة قد لا تكون موافقة للطموح الذي يريده السينمائيون . ولكنها تبقى في نهاية الأمر أعمالا سينمائية أسست قاعدة جيدة ومهمة للحركة السينمائية في الكويت ، ووزارة الإعلام تملك إمكانات كبيرة في مجال الإنتاج السينمائي ماديا وتقنيا ، ومن الممكن استثمار هذه الإمكانات في سبيل تقديم فيلم سينمائي واحد على الأقل كل عام " .

ويرى عبدالرحمن المسلم الذي أخرج العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية ومنها : " الفخ " الحائط " ، " الخروج عن المألوف " و " الفجر الحزين " إن الحل باختصار أن تقوم الدولة بإنتاج عمل روائي عن طريق مؤسسة للسينما أو أية تسمية كانت ، وباستطاعة هذه المؤسسة إنتاج فيلم بثلاثة ملايين دولار أي مليون دينار كويتي ويكون الفيلم بمستوى راق ، على أن يعالج قضية اجتماعية ومن ثم عرض الفيلم في الخارج . الناس سترى أن مجتمعنا موجود ، وهذا هو الهدف " .

ويقول هاشم محمد الذي عمل في بدايته مصورا سينمائيا وله عدة أفلام وثائقية منها " فنون " كما أنه مخرج فيلم " الصمت " ثاني تجربة روائية في الكويت يقول هاشم البساط من السينما ، وأنا أقول أن التلفزيون وسيلة للعرض أما وظيفة الفن السابع فهي إيصال رسالة وإذا حدث أن تناول التلفزيون مهمة إيصال الرسالة فإن ذلك يفتقد تلك الحرارة واللهب الحي الناجم عن مباشرة الاتصال بين الشريط وقاعة خاصة بالمشاهدين، ونظرا لإيماننا الشديد بالدور الحيوي الذي تلعبه السينما في تعزيز الهوية الثقافية والدفاع عنها، وحيث إن طبيعة الإبداع السينمائي تعتمد في الأساس على تضافر جهود جماعية بجوانبها الجمالية والصناعية والإدارية، دعونا نطالب بوجود هيئة أو مؤسسة للسينما".

هل توجد صناعة سينما محلية؟

وأخيرا تحدث محمد ناصر السنعوسي وهو من المساهمين في تأسيس الواقع السينمائي في الكويت، وقد عمل مخرجا ومنتجا ومراقبا للبرامج فمديرا للتلفزيون إلي أن تولي منصب الوكيل المساعد لشئون التلفزيون كما أنه شارك في إنتاج فيلمي " الرسالة " و " عمر المختار " .

يقول السنعوسي ويهون من الأمر كله : " هناك خطأ شائع يقال في الوطن العربي وهو صناعة السينما ..لا توجد صناعة للسينما في الوطن العربي ، هناك عناصر مهمة في الصناعة لا توجد عندنا مثل صناعة الكاميرات مثلا والمؤثرات وكل ما يمت للصناعة من تقنية حديثة . إذن نحن ننتج سينما ولا نصنع السينما . ولا توجد عندنا سينما في الكويت لأن العناصر الرئيسية غير متوافرة لكن توجد مجموعة مجتهدة متحمسة من السينمائيين ساهمت وتساهم في وجود بعض الأعمال السينمائية التي قد نختلف في تقييمها إلا إنها تبقى محاولات يجب أن نضعها في اعتبارنا . الأمر الحالي لمسيرة السينما في الكويت طبيعي جدا إذا ما وضعناه في حجمه الطبيعي . هذا الأمر إذا كان لا يدعو للتفاؤل فإنه أيضا لا يدعو للتشاؤم .

 

عماد النويري

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




من فيلم بس يا بحر





محمد ناصر السنعوسي





بدر المضف





عامر الزهير





عبدالمحسن حيات





حبيب عبيد حسين





خالد الصديق





مشهد من فيلم عرس الزين من إخراج خالد الصديق