مساحة ود

مساحة ود


قلب الأم

أحسست بأزمتها لحظة استقبالي لها. اندفعت إلى صدري فور أن فتحت لها الباب. لم تمهلني حتى أسألها عن السبب. أجهشت بالبكاء. شدتني لأجلس ملتصقة بها. قالت والدموع تسبق كلماتها، "يبدو إني لن أستمر في زواجي منه، لقد تشاجرنا أمس ، سمعنا الأولاد واستيقظوا من النوم منزعجين من صراخنا، أمضى ليلته في غرفة الصالون، غادر المنزل في الصباح الباكر دون أن يتناول إفطاره، يبدو أن حياتنا الزوجية اقتربت من نهايتها". لقد تزوجت منذ عشر سنوات من مهندس لامع في عمله. أنجبا طفلين، هما قرة عيني ومتعتي الكبرى في سنوات عمري المتقدمة. والآن تأتي إلي لتخبرني بأنها فشلت في زواجها، وأن بيتها على وشك الانهيار. أمسكت أعصابي وتحكمت في انفعالاتي، لم أبد تعاطفا معها، كما لم أبد مساندة لها ، طلبت منها أن تصرح لي بما في حياتها من قلق دون الدخول في تفاصيل تسيء لزوجها أو لها، روت لي بانفعال حاد : يخرج زوجها في الصباح الباكر ليعود متأخرا من عمله، يهملها ويهمل الولدين، لا يعرف أي شيء عن بيته أو عن أحوال ولديه، عندما يعود يوميا من عمله في المساء يتناول وجبة العشاء ثم يجلس قليلا ليتابع التليفزيون. لا يكاد يجلس حتى يلقي برأسه على مسند المقعد ويغط في نوم عميق. وحتى أيام إجازاته، يقضيها نائما أو مستلقيا على السرير ليريح جسده من جهد أسبوع كامل من العمل المتواصل ، سبب المشاجرة الأخيرة أنها طلبت منه إعداد نفسه لقضاء إجازة الصيف على الشاطئ فطلب منها الإعداد للسفر مع الولدين على أن يلحقهم في إجازته الأسبوعية. فانفجرت، وانفجر هو الآخر.

بعد أن استمرت تشكو ساعة كاملة من الزمن، سكتت وتوقفت دموعها ، قمت إلى المطبخ وأعددت كوبين من عصر الليمون، جلست بجانبها وقدمت لها أحدهما. انتظرت حتى عادت إلى هدوئها الذي تعودت عليه، قلت لها إنها أخطأت عندما تركت بيتها وهي غاضبة ، فربما اتصل بها زوجها من العمل ولن يجدها فتتعقد الأمور. طلبت منها العودة إلى منزلها فربما يتقرب منها زوجها عند عودته وقد يعتذر لها.

يبدو أنها أحست بعدم استجابتي لتصرفها ولمغادرتها للمنزل. حملت حقيبتها وطعام ولديها وغادرت، شعرت بإحساسها بالانكسار.

أمسكت الهاتف، تحدثت إلى زوجها وطلبت منه المرور على بعد الانتهاء من العمل ، جاء مبتسما، جلسنا معا منفردين، شرح لي ظروف عمله ورغبته في توفير حياة مريحة لأسرته ، شرحت له حالة الملل والوحدة التي تشعر بها زوجته. كما طلبت منه أن يخصص إجازاته للخروج مع أسرته ، فمهما تحمل من جهد في العمل فإنه يحتاج إلى قضاء الإجازات مع أسرته في الخارج، وبقدر احتياجها للخروج والتنزه معه فهو الآخر يحتاج إلى نفس الشيء، أفهمته أني لم أستجب إلى انفعالات ابنتي وإني سأترك إصلاح الأمر له وحده ، طلبت منه أن يحتفظ بهذه الزيارة سرا بيننا. مر يومان وجاء يوم الجمعة، إجازته الأسبوعية، اتصلت هاتفيا بابنتي، لم يجب أحد. عند الغروب، أعدت الاتصال، أجاب حفيدي. قال:" جدتي، لقد كنا في النادي مع والدي"، ثم سألني إذا كنت أريد التحدث مع ابنتي، طلبت الحديث مع زوج ابنتي، جاء مسرعا، أهلا، أهـلا يا أجمل حماة. أجبته، أهلا ابني ونور عيني!

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات