فردوس البحر الأحمر سيف الدين الأتاسي

فردوس البحر الأحمر

نزهة قصيرة في:

إن استخدام أنبوب أخذ الهواء والغوص في مياه البحر الأحمر أمر رائع، والرؤية تحت الماء أمر استثنائي، لأنها تكشف غموض المملكة الحيوانية البحرية المليئة بالأسرار والتي يشكل وجودها جزءا من البيئة الطبيعية الخلابة لتلك المنطقة من العالم، فالحواجز المرجانية متطورة بشكل جيد، وأسراب السمك الملون الفريد من نوعه تسبح بملء الحرية على امتداد الشاطئ.

لقد حاولت العديد من البعثات العلمية الغوص في تلك المياه لإعداد الدراسات والبحوث للتعرف على بعض معالم الحياة الحيوانية فيها والتي يشكل وجودها أهم عناصر البيئة البحرية، فتوصلت النتائج إلى أن أبسط الحيوانات التي تعيش في البحر الأحمر هي الإسفنجيات (PORIFERA) التي تتميز بجسمها الذي تتخلله أعداد هائلة من المسامات التي تتفتح على سطح الجسم بعدد كبير من الثقوب لتسمح بدخول الماء وتجعله بمثابة مرشح حي. ولتيار الماء أهمية خاصة في حياة الإسفنجيات فنتيجة للحركة التموجية الحلزونية للأهداب داخل جوف الحيوان، فإن الماء يندفع بما يحتويه من كائنات حية سواء كانت حيوانية أم نباتية عبر جسم الإسفنج ثم تقوم الخلايا بعد ذلك بامتصاصها والتغذي عليها.

كذلك للإسفنجيات قدرة على التجديد، فعندما يقطع جسم الإسفنج إلى عدة أجزاء، فإن كل جزء من هذه الأجزاء يمكنه أن ينمو إلى فرد جديد. وقد استخدمت هذه الظاهرة الحيوية اقتصاديا، إذ قامت بعض الدول بما يشبه زراعة هذا الحيوان في خلجان بحرية تتمتع بالحماية، وذلك عن طريق نشر أعداد هائلة من قطع الإسفنج فيها.

ومن المجموعات الحيوانية لمياه البحر الأحمر معائيات الجوف (COELENTDRATA) وهي مجموعة كبيرة ومثيرة من الحيوانات ومنها شقائق النعمان البحرية والمرجان.

أجسام تلك الحيوانات ذات تناسق شعاعي، وتتألف من طبقتين من الخلايا أحداهما خارجية تدعى البشرة، والأخرى داخلية أو الطبقة المعدية، وتوجد في الطبقة الخارجية لأغلب معائيات الجوف خلايا لاسعة قارصة (NETTLE) وهي عبارة عن أعضاء الهجوم والحماية عند هذه الحيوانات. تنتمي إلى معائيات الجوف المستعمرات المرجانية البحرية (CORAL ) التي تشكل هياكل كلسية وشعابا مرجانية تطفو تدريجيا على مدى آلاف السنين إلى السطح معطية بداية أجزاء جديدة من اليابسة.

ومن الأنواع الحيوانية الموجودة في مياه البحر الأحمر الرخويات (MOLLUSCA) التي تعتبر من أبرز عديمات الفقار التي انتشرت في البحار، وهي تضم كثيرا من الأنواع المألوفة والشائعة كالمحار (OYSTERS) والحبارات (SQUIDES)، تتميز هذه الكائنات بأن أجسامها رخوة دون عظام أو هيكل داخلي، وهبت الطبيعة لتلك الحيوانات نسيجا سميكا يدعى الرداء أو البرنس (MANTLE) بحيث يحجب جميع الأجهزة العضوية الموجودة فيها، ويفرز الغطاء الكلسي المكون للصدفة (SHELL) لحفظ أجسامها الرخوة. تثير الرخويات اهتمامنا عند دراستها، لأنها تفرز صدفتها، أي أنها تدع المادة الكلسية تنساب من خلالها لتقدم أمثلة لا حصر لها من جمال وصلابة الأسطح الحلزونية، فأصبحت الصدفة تجسيدا للهندسة الحيوانية، ولم تعد فقط وسيلة لحماية الحيوان الرخوي الذي يعيش في داخلها. وما أكثر العلماء والهواة الذين اهتموا بجمع صداف الرخويات ليصلوا إلى معرفة بعض الحقائق عن تقاليد حياتها، فبعض الرخويات تكيفت لإنتاج اللؤلؤ وعادة ما تتكون حبة اللؤلؤ عند دخول جسم غريب إلى الجزء الواقع بين الرداء والصدفة مما يؤدي إلى قيام الرداء بإفراز طبقات متتابعة من رقائق لامعة حول هذا الجسم الغريب، تتكون هذه الطبقات من حمات الكالسيوم متكونة بشكل مواز للمستوى السطحي للقوقعة.

استطاع اليابانيون محاكاة الطبيعة فقاموا بإنتاج اللؤلؤ الاصطناعي عن طريق زراعته في أقفاص خاصة توضع في الماء وعن طريق إضافة قطرة من سائل مخرش أو إدخال جسم غريب صلب اصطناعيا إلى جسم المحاربين الرداء والصدفة يبدأ عندها المحار بإفراز طبقات اللؤلؤ، ثم تفتح المحارات بعد سنة وتنقل اللآلئ الصغيرة المتكونة إلى محارات أخرى، لتحجز فيها مدة تصل إلى ثلاث سنوات حيث يتم بعد ذلك الحصول على لآلئ كبيرة الحجم.

أشكال وألوان

وتسمح لنا البيئة الطبيعية لمياه البحر الأحمر برؤية حيوانات تعج في وهادها بين الصخور، أو تغطيها مياه البحر حيث نشاهد على الشواطئ الرملية شوكيات الجلد (ECHINODERMATE) ومنها قنافذ البحر ونجوم البحر وزنابق البحر، والتي تمثل بمجموعها أكثر عديمات الفقار البحرية شيوعا، والصفة المشتركة لدى جميع هذه الحيوانات هي وجود هيكل داخلي يتركب من صفائح كلسية متحركة بمفاصل مشكلة ملمسا لهيكل صلب، ويغطي هذا الهيكل بروزات شوكية متشابهة نحو الخارج ومن هنا اشتق اسم هذه المجموعة الحيوانية. كذلك وهبت الطبيعة لبيئة البحر الأحمر البحرية آلاف الأنواع من الأسماك الملونة الفريدة من حيث مخططها البنائي الذي يدعونا لتأمل هذا التسلسل الحي لتلك الكائنات حيث يسمح لها شكلها المغزلي بالتأقلم مع ظروف الحياة المائية، وكما يتحدد لون الأسماك بواسطة خلايا لونية متعددة، توجد غالبا تحت البشرة، حيث تحتوي هذه الخلايا على مجموعة من البلورات التي تعكس النور مولدة الألوان الزاهية. ومن أشهر أسماك البحر الأحمر السمكة الفراشة (Chaerodontode) حيث إن أشكالها المختلفة وألوانها الحمراء أو الصفراء تنجم عن تأقلمها مع الحياة في الأرصفة المرجانية، حيث يتكون غذاؤها أساسا من المرجان أو الطحالب أو غيرهما من الحيوانات المرتبطة بالمرجان.

لقد جلب النشاط المتزايد للغواصين في البحر الأحمر المشكلة الأزلية منذ وجود الإنسان في الطبيعة، وهو استغلال الحياة البحرية من قبل بعض المستثمرين بشكل عشوائي، فاصطياد الأسماك الملونة بواسطة الرمح وجمع المرجان والأصداف النادرة لتسويقها بشكل تجاري كان له الأثر الفعال على تغيير بيئة الحواجز البحرية، فاستخدام الرمح للصيد يسهم في تغيير تركيبة الأسماك داخل الحاجز البحري، بالإضافة إلى أن العديد من الأسماك التي تصاب بالرمح تهرب وغالبيتها تموت من جراء جراحها، وبذلك تضيع على الصياد وعلى البيئة، وإذا ما بدأ الاصطياد بالرمح في منطقة بحرية ما، فإن الأسماك سرعان ما تتعلم تجنب الغواصين، وبذلك يخسر العلماء جهودهم، لدراسة تلك الأسماك عن قرب ومراقبة طرق معيشتها ووضع البرامج العلمية لتطوير بيئاتها، لذلك لا بد من حماية البيئة البحرية لهذه الشواطئ قبل فوات الأوان ويجب أن يتخلى الإنسان المعاصر عن إحساسه بالعجلة الذي يسيطر عليه خاصة في مجال استثماراته الصناعية والزراعية وأساليب تخلصه من النفايات، لأن التلوث إذا استمر سيكون بمثابة ناقوس نعي للبيئة البحرية.

فردوس بحري

إن الغوص في مياه البحر الأحمر يهبنا نموذجا رائعا لجمال الحياة حيث ينجذب الإنسان إلى هذا الفردوس البحري، ليشاهد الحواجز المرجانية المتطورة، عاكسة في النفس البشرية السكينة والهدوء، المتناقض تماما مع الإيقاع المتسارع للحياة الذي اعتاد عليه الإنسان فوق اليابسة، ونشعر بذلك تماما حيث نسبح بملء الحرية على امتداد الشاطئ نراقب نماذج الحياة البحرية المتتابعة والمتغيرة متناسين التدقيق بالتفاصيل، فتنتعش الذاكرة ويحرض الخيال الإنساني الخصب ليتذكر أن كل قصص الإنسان مع البحر كانت حكايات مفعمة بالشوق.

لقد ارتفعت معدلات النفايات بدرجة لم تعد مصادر المياه قادرة على امتصاصها فتراكمت وأصبحت تشكل خطورة على صحة الإنسان والحيوان، كما أن عمليات تصدير الزيت أو انسكاب البترول نتيجة الخلل الحادث في ناقلات النفط، كله يؤثر على المواقع البيئية البحرية في البحر الأحمر، لذلك لا بد من أن نسرع لحماية هذه الشواطئ من التلوث قبل أن تهجر وقد خلت منها الحياة بفعل نشاطاتنا الهدامة، وعلينا أن نستعد للمستقبل بسؤال أنفسنا، " كيف سنربي أطفالنا ونقنعهم بأن قيم الجمال ما زالت موجودة في قاموس حياتنا"؟.

أعمق أجزاء الأخدود العظيم

يمتد البحر الأحمر بين قارتي آسيا وإفريقيا لمسافة " 2400 كم، بمساحة تبلغ 440300 كم مربع، وبعرض - بين شاطئيه - يتراوح بين 210 - 400 كم. تحتل مياهه أعمق أجزاء الأخدود الإفريقي العظيم بعمق يبلغ أقصاه عند وسطه 2100 متر. ومناخ حوض هذا البحر حار رطب. وهو يتصل في الجنوب - عن طريق بوغاز باب المندب - بخليج عدن والبحر العربي. ويتفرع في الشمال إلى ذراعين، هما خليج العقبة وخليج السويس، وبينهما تقع شبه جزيرة سيناء. وتصله بالبحر المتوسط قناة السويس التي افتتحت عام 1869. وسواحل البحر الأحمر رتيبة منبسطة تحف بها عند الجانب الغربي سلسلة من الجبال الضارب لونها إلى الحمرة، لعلها تكون سبب إطلاق هذا الاسم عليه.

 

سيف الدين الأتاسي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




نزهة في فردوس البحر الأحمر





المستعمرات المرجانية البحرية





نجم البحر على قاع البحر الأحمر الزاخر بالألوان