فكرة الروبوتية علم الهدى حماد

فكرة الروبوتية

دخول المعرفة إلى الخيال

وكما حلق الإنسان بخياله على مر السنين، بحثا عن تلك الآلة التي ستعينه على قضاء حاجاته وتيسير أمور حياته، وضع جميع إمكاناته العلمية وغيرها لتحقيق ذلك المأرب. ومرت آلاف السنين وهو في بحث مستميت استغل فيه السحرة آماله. وجاء العلم بكل جديد، وبدأت المعرفة تحل ببطء محل الخيال الواهي. وخرجت آلات بسيطة لم تصل إلى جواز تعريفها بالروبوت، ولكنها كانت خطوة على الطريق الطويل لمزاوجة المعرفة بالخيال.

يتركز ما وصل إلى العصر الحالي من معلومات عما حققه المهندسون العرب في مجال الآلات، على ثلاثة بحوث علمية. الأول كتبه عام 850 م أولاد موسى بن شاكر ويطلق عليهم "بني موسى" (محمد وأحمد والحسن) وهو كتاب "الحيل". ورد فيه التماثيل الموسيقية المتحركة والأواني السحرية والنوافير وغيرها. الثاني، كتب عام 1203 م "رضوان بن الساعاتي" بحثا مطولا شرح فيه تفصيلا إصلاحه لساعة مائية كبيرة بناها والده فوق بوابة بدمشق. الثالث، ألفه عام 1206 م "بديع الزمان إسماعيل بن الرزاز الجزري " وهو "كتاب في معرفة الحيل الهندسية"، وهو الكتاب الذي يوفر أغلب المعلومات عن التكنولوجيا العربية القديمة. وتعتبر تلك "الحيل " هي الأب للساعات المائية التي انتشرت في أوربا فيما بعد، وهي التي مهدت الطريق لظهور التكنولوجيا الحديثة في مجالات الجهازيات العلمية التي اتبعت الجهازية الدقيقة داخل الساعات والآلات ذاتية الحركة. هذا كما ساهمت بقدر ما الاختراعات التي جاءت في كتاب "ميزان الحكمة" لعبدالرحمن الخازني، وكتاب "مفاتيح العلوم "لمحمد ابن موسى الخوارزمي.

كانت الساعات الضخمة التي صممها وبناها الجزري من أكثر الآلات تعقيدا بمقياس العصور الوسطى إذ امتلأت بالأجزاء المتحركة المتصلة ببعضها. وكان أجمل ما جاء في كتاب الجزري بالرسم والشرح، تلك الساعة الضخمة التي ظهر على وجهها الأبراج الفلكية والشمس والقمر والتي تحركت بسرعة ثابتة، وخرجت منها الطيور لتقذف كرات صغيرة من مناقيرها فوق صنوج نحاسية ترن معلنة التوقيت، وتفتحت أبواب ظهرت منها تماثيل صغيرة. كما يوجد زورق تجلس فوقه جوقة موسيقية مكونة من أربع عازفات (ثلاث يضربن على دف وطبل وصناج والرابعة تنفخ في مزمار)، هذا بينما يجلس الأمير مستمتعا في صحبة أربعة من ضيوفه الذين يحتسون من الكئوس، ويقف في ذيل القارب مراكبي بمجداف. واعتمدت ميكانيكية حركة الآلات وتنظيم توقيتها باستخدام المياه. فكانت المياه تخزن داخل خزان في الزورق، وتنظم انسيابها عوامة تهبط بقدر ثابت، كما يربط حبل بالعوامة يمرر حول بكرة كبيرة (والتي كانت هي المحرك الرئيسي للساعة)، ثم إلى بكرات أصغر تحرك دوائر الأبراج الفلكية وتسحب في الوقت نفسه - خلف وجه الساعة - عجلة ثبت عليها قضيب لبدء وإيقاف جهازية التماثيل فوق الزورق. كان ضبطها يتم من خلال انسياب الماء من الخزان بمعدل ثابت، حيث ينسال الماء نقطة بعد أخرى إلى وعاء به باب ينفتح فجأة في لحظة معينة بحيث يندفع الماء إلى مغارف ساقية صغيرة تدور رأسيا ومتصلة بمحور عليه حدبات تحويل الحركة، التي تحرك قضبانا متصلة بأيادي التماثيل، فتلعب الجوقة الموسيقية ويشرب الضيوف ويهتز الأمير طربا ويجدف المراكبي.. وعندما يرتفع الماء في قاع الزورق إلى مستوى إناء الهواء المثبت على مستوى معين، يمتص إلى الحوض في أعلى الزورق ليستخدم مرة أخرى حسب الخطوات المذكورة نفسها.

ومن الواضح أن نظام "الحلقة المقفلة" المعتمد على "التغذية المرتدة" الذي استخدمه الجزري في آلاته هو ما ظهر فيما بعد في أوربا خلال الثورة الصناعية. كما يلاحظ أن "ليوناردو دافنشي" (1452- 1519 م) كان أول من ذكر في أوربا "الصمام المخروطي"، الذي كتب عنه الجزري وسبقه بثلاثمائة سنة. وإن لم يتضح حتى الآن المصدر الذي استقى منه دافنشي هذه الفكرة، فلا يستبعد أنه قرأ ترجمات الكتب العربية التي تمت في "توليدو" خلال القرن الثاني عشر. فعلى سبيل المثال يلاحظ أن ما كتبه "دانتي " في كتابه "الكوميديا الإلهية" الذي نشره عام 1320 م، جاء مطابقا إلى حد كبير لمصدر عربي سبقه بحوالي ثلاثة قرون ولا يمكن إنكاره وهو "رسالة الغفران " لأبي العلاء المعري. ومن المنطقي ألا يقل حرص من يتعامل في الحقل التكنولوجي عن الشعراء في استعارة ما يمكن أن يحرز به تقدما.. وتوجد حاليا مخطوطة كتبها أحد علماء المسلمين في الأندلس في القرن الحادي عشر، وإن لم تكن مكتملة فقد أظهرت أن مؤلفها اسمه المرادي، وتحوي شرحا كاملا عن ساعات مائية ضخمة وآلات ذاتية الحركة. هذا كما تم حوالي عام 1277 م بأمر من "ألفونس العاشر" ملك كاستيل وضع ترجمة بأعمال العرب في كتاب جامع بهدف نقل الفكر العربي في العلوم إلى أوربا، منها جهاز في شكل ساعة تحركها الأثقال وبها مضبط انفلات يستخدم الزئبق. هذا ما يجعل الدارس يتجه إلى الاقتناع بأن أوربا نقلت ما جاء في كتب العرب، والذي كان نقطة البداية للتقدم التكنولوجي في بناء الساعات الميكانيكية.

الآلة الخامسة

لم يعط المخترعون العرب - ومعاصروهم - أي اهتمام للمزاوجة بين النظرية والتطبيق أو حتى لما يعرف بالتخصص العلمي. وتشير الدلائل إلى أن ما ظهر في كتب "الحيلة" من تصميمات لساعات وآلات، لم يتوقف عند رسمه فقط، بل تم صنعه فعلا. فغالبا ما كانت تلك التصميمات عملية وسهلة التنفيذ. ويمكن الحكم على شرح الجزري مثلا بأن ماساقه من تفصيلات لا يعطي أي مجال للشك في أنه قام فعلا بصنع تلك الآلات. هذا ومن المثبت فيما ذكره "ابن جبير" أن الساعة التي ذكرها "رضوان بن الساعاتي" كانت تشتغل فعلا عام 1184 م. كما يمكن حاليا معاينة بقايا ساعتين مائيتين في فاس بالمغرب. ولا شك أن العديد من الآلات التي عرفها العرب منذ القدم ومنها ما توارثوه من حضارات سابقة مثل الشادوف والساقية والطنبور، كان لها أبعد الأثر في خدمة تلك المجتمعات التي كانت المياه عصب حياتها. هذا إضافة إلى الطواحين المائية (النواعير) التي انتشرت في بلاد الشام، والتي تصنف في نوعين: الرأسية والأفقية، وما زال منها ما هو قائم على شكله الأول. كان فيما قدمه الجزري من آلات، خمس لرفع المياه رسمها تفصيلا بالكامل، منها أربع كان لها أكبر أثر على تكنولوجيا الآلة لما حوت من اختراعات. وتعتبر الآلة الخامسة من أهمها جميعا إذ تعتبر الأساس الذي مهد لاختراع الآلة البخارية والطلمبة، وكانت صممت لرفع المياه إلى عشرة أمتار.

خيالنا العلمي وخيالهم

ولا تختلف قصص ألف ليلة وليلة عن الخيال والخيال.. فقصص الحصان الأبنوسي. وبساط الريح، وطاقية الإخفاء، والمصباح السحري، وخاتم سليمان، لا تخرج جميعها عن الخط الفكري نفسه لكتاب الخيال العلمي مثل "جولز فيرن" و "اتش جي ويلز" و "ميري شيلي" و "كارل كوبيك" و "ري برادبري" و "فرانك هيربرت" و"ايساك أزيموف" وغيرهم.

ولا ينحصر الحديث عن الروبوت في أنه آلة من الحديد، إذ ظهرت خرافات عبر التاريخ تحدثت عن آلات بشرية - روبوتات مصنوعة من أعضاء بشرية مثل فرانكشتاين. وحفلت بها عديد من الكتابات، منها ما كتبه "إليازار" في القرن الثالث عشر، حيث شرح وصفة لطبخ إنسان اصطناعي.. باستخدام تعاويذ معينة والدخول في حالة روحانية. وقام الحاخام اليهودي "جوده لو" من براغ عام 1585 م، بمساعدة شخصين بتشكيل تمثال على هيئة إنسان من الطمي الأحمر من ضفاف نهر مولدو. وبعد أن ردد الحاخام تعاويذه السحرية على التمثال، ودار حوله كل منهم سبع مرات، دبت الحياة في التمثال. وصار التمثال إنسانا يخدم اليهود ويدفع عنهم البلاء. وانتشرت الفكرة في أوربا وصدقها العامة، وكان اليهود ينشرون الفكرة ليهابهم الجميع، إذ كيف يتجرأ أحد على ملك سر الخلق الإلهي؟.. وكان إعلاما مناسبا لتلك الفترة لحماية اليهود وإرهاب المعارضين لهم.

هذا وشرح "جيامباتيسا بازل" في قصته "بيناميرون" التي نشرها في بداية القرن السابع عشر، آلة حيوية تشبه الإنسان. وتدور القصة حول فتاة اسمها "بيرثة"، عندما رفض أبوها أن تتزوج، طلبت منه شراء مواد معينة من السوق (سكر وعنبر وياقوت وذهب وفضة ولوز وماء زهر). فأحضر لها والدها ما أرادت، فأخذتها وعجنتها وشكلت منها فتى جميل المنظر تلت عليه التعاويذ.. فدبت فيه الحياة. ومع ما تحمله تلك القصة في طياتها من بدائية فإنها لا تختلف عما جاء في الخيال العلمي الحديث حول الإنسان الاصطناعي.

جد.. ولعب

وبظهور المعدات العلمية التي اخترعها الإنسان اقترب الخيال من الحقيقة، وأمكن مشاهدة آلات تقوم بأعمال معينة سمع الناس عنها في الأساطير. هذا ويتكرر خلال البحث في تاريخ الآلة ذاتية الحركة ظهور الخيال المقنع، إذ يحاول العارض إقناع المشاهد بأن ما يراه حقيقي. بل ووصل الأمر إلى التحايل وإظهار الآلة بمظهر ذكي، أو أذكى من الإنسان نفسه. واستطاع بعض المدعين استغلال ذلك، مثل "ولفجانج فون كيمبلين" المجري، الذي قام عام 1769 أم ببناء وعرض لاعب الشطرنج ذاتي الحركة (روبوت). وتكونت تلك الآلة من تمثال في حجم وهيئة إنسان يلبس الملابس التركية المكونة من عمامة بيضاء وقفطان وسروال ويمسك بيده اليسرى غليونا طويلا، ويجلس أمام خزانة كالمنضدة على سطحها رقعة شطرنج. قام هذا الروبوت لسنوات عديدة بإيقاع الهزيمة بكل من تحداه. بمن فيهم رءوس أوربا مثل "الملك جورج الثالث" و "الملك فريدريك الثاني" و"نابليون بونابارت". ولعب آخر مرة عام 1825 م في أمستردام، نقل بعدها إلى الولايات المتحدة ثم أحيل إلى التقاعد وبقي في متحف لمدة 30 عاما، والتهمته النيران بعدها في حريق.

تعتبر تلك الآلة من المعالم المهمة على طريق الروبوتية ليس لأنها كانت آلة ذاتية الحركة والتفكير، بل على العكس فقد كشف عن خدعتها (وإن لم يعترف مخترعها بذلك) إذ جلس قزم داخل الخزانة وحرك يد التمثال لينقل قطع الشطرنج باستخدام جهازية معينة... أي أن القزم كان هو الأكثر ذكاء من أي لاعب. وقد قام المخترع نفسه ببناء آلة تقلد كلام الإنسان. لم تصل طبعا إلى الكلام فعلا بل لإخراج عدة كلمات بعضها لا يمكن تمييزه. واعتمدت تلك الآلة على فكرة "مزامير القرب " التي تملأ بالهواء ثم يضغط عليها فيمر الهواء بالمزمار ويخرج نغما.

كان القرن الثامن عشر شاهدا على الثورة الصناعية التي نقلت أوربا من العصور الوسطى إلى تطور تكنولوجي صاحب كل مستحدث وجديد في المجالات الصناعية المختلفة، وشهد القرن الثامن عشر التحف الآلية الفريدة وما أثار عجب أهل ذلك القرن (بعضها يثير العجب الآن أيضا). واشتهرت عائلتا "فوكانسو" و"جاكي دروز" بصناعة آلات تقلد الإنسان في حركاته، كان الطلب عليها من أغنياء العالم مرتفعا. وكم من حاكم فتح بلاده للاستغلال من خلال تقديم لعبة من تلك الألعاب له.

ومن أشهر الآلات ذاتية الحركة، كانت البطة الآلية التي بناها "جاك دي فوكانسو" السويسري عام 1783، وحازت على إعجاب كل من شاهدها. وكانت تمشي وتعوم وتحرك جناحيها وتمضغ الطعام وتبلعه ثم تخرجه فيما بعد من مؤخرتها.. ومن أعاجيب الآلات التي بناها " جاكي دروز" كانت "ميريان الموسيقية"، امرأة آلية تعزف بأصابعها العشرة على الأرغن دون أخطاء، وكانت تمثل في حركاتها امرأة ذات دلال. وكان أعجبها "الكاتب"، الطفل الآلي الذي يكتب بيده اليمنى كالإنسان تماما لعبارات لا يزيد طولها على أربعين حرفا، بينما يتابع بحركة رأسه وعينيه ما يكتبه، ويحبر الريشة بين فترة وأخرى. بينما يكتب بيده اليمنى يجذب بيده اليسرى الورقة جانبا. وكانت هذه الآلة معقدة بشكل يعتبر بناؤها تتويجا لما صنعه "جاكي دروز" خلال القرن التاسع عشر. وتعتبر بحق أول آلة قابلة للبرمجة. وفي تلك الفترة ظهرت أول قصة في أوربا عن الروبوت، كتبها "إى تي هوفمان" الألماني. وهي "رجل الرمال" عن امرأة آلية اسمها "أولمبيا"، قدمها صانعها على أنها ابنته، وراقصت معجبيها ولم يكتشف أحد أنها آلة.

عرائس.... ميكانيكية

وخلال القرن الثامن عشر جاءت الإثارة الأكبر من حقل علمي مختلف، إذ اكتشف "لويجي جالفاني "النبضات الكهربائية في الحيوان (أجرى تجربته على ضفدعة). وظهرت قوة الكهرباء الخفية لتحمي الأمل في كشف أسرار الحياة.. ومع التطور في توليد الكهرباء واستخدامها في تحريك الآلات، ظهرت بحلول القرن التاسع عشر الفكرة بأنه إذا أمكن ترويض هذه الطاقة السحرية فسيمكن بعث الحياة في الحديد. ودخلت الآلات ذاتية الحركة على هيئة الإنسان عصرا جديدا زادت فيه درجة تعقيدها وإمكان خداعها، وهو ما حدى بالروائية "ميري شيلي" بعد زيارتها نيوشاتيل عام 1816م - حيث تأثرت بالعرائس الميكانيكية التي صنعها جاكي دروز - أن تكتب رواية "فرانكشتاين" عام 1817 م. وكانت القصة الخيالية التي خرج منها ذلك المخلوق القبيح الذي صنعه الإنسان من تجميع لأعضاء بشرية وتعريضه لتلك الطاقة الجديدة.. الكهرباء. وما زالت هذه القصة عن الإنسان الاصطناعي حتى الآن مبعث إثارة للجماهير. ومع بداية القرن التاسع عشر بدأت تلك الألعاب وآلات التسلية في الظهور بكثرة وخرجت من احتكار الطبقة الحاكمة، وأمكن للشعب أن يتسلى بها أيضا. وانتشرت تلك الآلات، واقتربت أذهان العموم إلى أهمية الآلة. ولكن بعض الحرفيين بنى حرفته حول طبقات الأغنياء وأصحاب النفوذ، إذ كانت لهم مطالب أعلى مستوى وأكثر تعقيدا وأكثر تكلفة - حتى لا ينزل مستوى تسليتهم إلى مستوى العامة. وتخصص الحرفيون مثل "ميلارديه" و"كارل فابرجيه" لسد حاجة تلك الطبقات الغنية.

نحو عصر جديد

خلال القرن التاسع عشر كانت الآلات الصناعية تهدر في أركان المعمورة، وبدأ التقدم الملحوظ الناتج عن الثورة الصناعية التي بدأت في منتصف القرن الذي سبقه. وظهرت اختراعات من كل نوع، مستغلة التطور الصناعي، وسهل للفرد العادي أن يحصل على منتج لم يتوافر من قبل إلا للأغنياء فحسب. ولمس ذلك التطور الآلات ذاتية الحركة - أوتوماتون، كان منها "الدمية المتكلمة" (عروسة). التي اخترعها "توماس أديسون" الأمريكي. وإن اشتهر أديسون بعدة اختراعات منها الحاكي والمصباح الكهربائي، فإن له أكثر من ألف اختراع مسجل. وقد قام بتسويق تلك الدمية عام 1894 م، وكان داخلها "حاكي صغير" يحركه زمبرك يملأ كالساعة. وكانت تلك اللعبة مثالا على التطور الصناعي الذي وصلت إليه الآلة، وتأثيرها على الإنتاج. فأمكن لأديسون باستخدام تكنولوجية عصره إنتاج 500 عروسة يوميا.

وكلما زادت المعرفة تطور الخيال وتداخل بالواقع. هكذا دخلت الروبوتية عصرا جديدا بحلول القرن العشرين، حيث أصبحت الآلة هي المطور لحياة الإنسان، وجنى منها ثمار الثورة الصناعية وما تبعها من تطورات تكنولوجية. وانفتح طريق المعرفة مع كل اختراع واكتشاف علمي، إلا أن التطور الفعلي والملموس في مجال الروبوتية لم يحدث حتى الربع الأخير من القرن العشرين، بعد أن تجمعت عناصر التقدم التكنولوجي في مجالات الحاسوب والمعلوماتية والذكاء الاصطناعي والسبرناتيكا.. وأمكن باستخدام المعرفة فتح الطريق لمستقبل الروبوتية.

 

علم الهدى حماد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




روبوت يتم تشغيله من بعيد في الأعمال الخطرة





تقليد الربوت لحركة يد الأنسان للقبض على بيضة دون كسرها





روبوت يلعب الشطرنج ويستجيب لحركات منافسه




فكرة الروبوتية

دخول المعرفة إلى الخيال

وكما حلق الإنسان بخياله على مر السنين، بحثا عن تلك الآلة التي ستعينه على قضاء حاجاته وتيسير أمور حياته، وضع جميع إمكاناته العلمية وغيرها لتحقيق ذلك المأرب. ومرت آلاف السنين وهو في بحث مستميت استغل فيه السحرة آماله. وجاء العلم بكل جديد، وبدأت المعرفة تحل ببطء محل الخيال الواهي. وخرجت آلات بسيطة لم تصل إلى جواز تعريفها بالروبوت، ولكنها كانت خطوة على الطريق الطويل لمزاوجة المعرفة بالخيال.

يتركز ما وصل إلى العصر الحالي من معلومات عما حققه المهندسون العرب في مجال الآلات، على ثلاثة بحوث علمية. الأول كتبه عام 850 م أولاد موسى بن شاكر ويطلق عليهم "بني موسى" (محمد وأحمد والحسن) وهو كتاب "الحيل". ورد فيه التماثيل الموسيقية المتحركة والأواني السحرية والنوافير وغيرها. الثاني، كتب عام 1203 م "رضوان بن الساعاتي" بحثا مطولا شرح فيه تفصيلا إصلاحه لساعة مائية كبيرة بناها والده فوق بوابة بدمشق. الثالث، ألفه عام 1206 م "بديع الزمان إسماعيل بن الرزاز الجزري " وهو "كتاب في معرفة الحيل الهندسية"، وهو الكتاب الذي يوفر أغلب المعلومات عن التكنولوجيا العربية القديمة. وتعتبر تلك "الحيل " هي الأب للساعات المائية التي انتشرت في أوربا فيما بعد، وهي التي مهدت الطريق لظهور التكنولوجيا الحديثة في مجالات الجهازيات العلمية التي اتبعت الجهازية الدقيقة داخل الساعات والآلات ذاتية الحركة. هذا كما ساهمت بقدر ما الاختراعات التي جاءت في كتاب "ميزان الحكمة" لعبدالرحمن الخازني، وكتاب "مفاتيح العلوم "لمحمد ابن موسى الخوارزمي.

كانت الساعات الضخمة التي صممها وبناها الجزري من أكثر الآلات تعقيدا بمقياس العصور الوسطى إذ امتلأت بالأجزاء المتحركة المتصلة ببعضها. وكان أجمل ما جاء في كتاب الجزري بالرسم والشرح، تلك الساعة الضخمة التي ظهر على وجهها الأبراج الفلكية والشمس والقمر والتي تحركت بسرعة ثابتة، وخرجت منها الطيور لتقذف كرات صغيرة من مناقيرها فوق صنوج نحاسية ترن معلنة التوقيت، وتفتحت أبواب ظهرت منها تماثيل صغيرة. كما يوجد زورق تجلس فوقه جوقة موسيقية مكونة من أربع عازفات (ثلاث يضربن على دف وطبل وصناج والرابعة تنفخ في مزمار)، هذا بينما يجلس الأمير مستمتعا في صحبة أربعة من ضيوفه الذين يحتسون من الكئوس، ويقف في ذيل القارب مراكبي بمجداف. واعتمدت ميكانيكية حركة الآلات وتنظيم توقيتها باستخدام المياه. فكانت المياه تخزن داخل خزان في الزورق، وتنظم انسيابها عوامة تهبط بقدر ثابت، كما يربط حبل بالعوامة يمرر حول بكرة كبيرة (والتي كانت هي المحرك الرئيسي للساعة)، ثم إلى بكرات أصغر تحرك دوائر الأبراج الفلكية وتسحب في الوقت نفسه - خلف وجه الساعة - عجلة ثبت عليها قضيب لبدء وإيقاف جهازية التماثيل فوق الزورق. كان ضبطها يتم من خلال انسياب الماء من الخزان بمعدل ثابت، حيث ينسال الماء نقطة بعد أخرى إلى وعاء به باب ينفتح فجأة في لحظة معينة بحيث يندفع الماء إلى مغارف ساقية صغيرة تدور رأسيا ومتصلة بمحور عليه حدبات تحويل الحركة، التي تحرك قضبانا متصلة بأيادي التماثيل، فتلعب الجوقة الموسيقية ويشرب الضيوف ويهتز الأمير طربا ويجدف المراكبي.. وعندما يرتفع الماء في قاع الزورق إلى مستوى إناء الهواء المثبت على مستوى معين، يمتص إلى الحوض في أعلى الزورق ليستخدم مرة أخرى حسب الخطوات المذكورة نفسها.

ومن الواضح أن نظام "الحلقة المقفلة" المعتمد على "التغذية المرتدة" الذي استخدمه الجزري في آلاته هو ما ظهر فيما بعد في أوربا خلال الثورة الصناعية. كما يلاحظ أن "ليوناردو دافنشي" (1452- 1519 م) كان أول من ذكر في أوربا "الصمام المخروطي"، الذي كتب عنه الجزري وسبقه بثلاثمائة سنة. وإن لم يتضح حتى الآن المصدر الذي استقى منه دافنشي هذه الفكرة، فلا يستبعد أنه قرأ ترجمات الكتب العربية التي تمت في "توليدو" خلال القرن الثاني عشر. فعلى سبيل المثال يلاحظ أن ما كتبه "دانتي " في كتابه "الكوميديا الإلهية" الذي نشره عام 1320 م، جاء مطابقا إلى حد كبير لمصدر عربي سبقه بحوالي ثلاثة قرون ولا يمكن إنكاره وهو "رسالة الغفران " لأبي العلاء المعري. ومن المنطقي ألا يقل حرص من يتعامل في الحقل التكنولوجي عن الشعراء في استعارة ما يمكن أن يحرز به تقدما.. وتوجد حاليا مخطوطة كتبها أحد علماء المسلمين في الأندلس في القرن الحادي عشر، وإن لم تكن مكتملة فقد أظهرت أن مؤلفها اسمه المرادي، وتحوي شرحا كاملا عن ساعات مائية ضخمة وآلات ذاتية الحركة. هذا كما تم حوالي عام 1277 م بأمر من "ألفونس العاشر" ملك كاستيل وضع ترجمة بأعمال العرب في كتاب جامع بهدف نقل الفكر العربي في العلوم إلى أوربا، منها جهاز في شكل ساعة تحركها الأثقال وبها مضبط انفلات يستخدم الزئبق. هذا ما يجعل الدارس يتجه إلى الاقتناع بأن أوربا نقلت ما جاء في كتب العرب، والذي كان نقطة البداية للتقدم التكنولوجي في بناء الساعات الميكانيكية.

الآلة الخامسة

لم يعط المخترعون العرب - ومعاصروهم - أي اهتمام للمزاوجة بين النظرية والتطبيق أو حتى لما يعرف بالتخصص العلمي. وتشير الدلائل إلى أن ما ظهر في كتب "الحيلة" من تصميمات لساعات وآلات، لم يتوقف عند رسمه فقط، بل تم صنعه فعلا. فغالبا ما كانت تلك التصميمات عملية وسهلة التنفيذ. ويمكن الحكم على شرح الجزري مثلا بأن ماساقه من تفصيلات لا يعطي أي مجال للشك في أنه قام فعلا بصنع تلك الآلات. هذا ومن المثبت فيما ذكره "ابن جبير" أن الساعة التي ذكرها "رضوان بن الساعاتي" كانت تشتغل فعلا عام 1184 م. كما يمكن حاليا معاينة بقايا ساعتين مائيتين في فاس بالمغرب. ولا شك أن العديد من الآلات التي عرفها العرب منذ القدم ومنها ما توارثوه من حضارات سابقة مثل الشادوف والساقية والطنبور، كان لها أبعد الأثر في خدمة تلك المجتمعات التي كانت المياه عصب حياتها. هذا إضافة إلى الطواحين المائية (النواعير) التي انتشرت في بلاد الشام، والتي تصنف في نوعين: الرأسية والأفقية، وما زال منها ما هو قائم على شكله الأول. كان فيما قدمه الجزري من آلات، خمس لرفع المياه رسمها تفصيلا بالكامل، منها أربع كان لها أكبر أثر على تكنولوجيا الآلة لما حوت من اختراعات. وتعتبر الآلة الخامسة من أهمها جميعا إذ تعتبر الأساس الذي مهد لاختراع الآلة البخارية والطلمبة، وكانت صممت لرفع المياه إلى عشرة أمتار.

خيالنا العلمي وخيالهم

ولا تختلف قصص ألف ليلة وليلة عن الخيال والخيال.. فقصص الحصان الأبنوسي. وبساط الريح، وطاقية الإخفاء، والمصباح السحري، وخاتم سليمان، لا تخرج جميعها عن الخط الفكري نفسه لكتاب الخيال العلمي مثل "جولز فيرن" و "اتش جي ويلز" و "ميري شيلي" و "كارل كوبيك" و "ري برادبري" و "فرانك هيربرت" و"ايساك أزيموف" وغيرهم.

ولا ينحصر الحديث عن الروبوت في أنه آلة من الحديد، إذ ظهرت خرافات عبر التاريخ تحدثت عن آلات بشرية - روبوتات مصنوعة من أعضاء بشرية مثل فرانكشتاين. وحفلت بها عديد من الكتابات، منها ما كتبه "إليازار" في القرن الثالث عشر، حيث شرح وصفة لطبخ إنسان اصطناعي.. باستخدام تعاويذ معينة والدخول في حالة روحانية. وقام الحاخام اليهودي "جوده لو" من براغ عام 1585 م، بمساعدة شخصين بتشكيل تمثال على هيئة إنسان من الطمي الأحمر من ضفاف نهر مولدو. وبعد أن ردد الحاخام تعاويذه السحرية على التمثال، ودار حوله كل منهم سبع مرات، دبت الحياة في التمثال. وصار التمثال إنسانا يخدم اليهود ويدفع عنهم البلاء. وانتشرت الفكرة في أوربا وصدقها العامة، وكان اليهود ينشرون الفكرة ليهابهم الجميع، إذ كيف يتجرأ أحد على ملك سر الخلق الإلهي؟.. وكان إعلاما مناسبا لتلك الفترة لحماية اليهود وإرهاب المعارضين لهم.

هذا وشرح "جيامباتيسا بازل" في قصته "بيناميرون" التي نشرها في بداية القرن السابع عشر، آلة حيوية تشبه الإنسان. وتدور القصة حول فتاة اسمها "بيرثة"، عندما رفض أبوها أن تتزوج، طلبت منه شراء مواد معينة من السوق (سكر وعنبر وياقوت وذهب وفضة ولوز وماء زهر). فأحضر لها والدها ما أرادت، فأخذتها وعجنتها وشكلت منها فتى جميل المنظر تلت عليه التعاويذ.. فدبت فيه الحياة. ومع ما تحمله تلك القصة في طياتها من بدائية فإنها لا تختلف عما جاء في الخيال العلمي الحديث حول الإنسان الاصطناعي.

جد.. ولعب

وبظهور المعدات العلمية التي اخترعها الإنسان اقترب الخيال من الحقيقة، وأمكن مشاهدة آلات تقوم بأعمال معينة سمع الناس عنها في الأساطير. هذا ويتكرر خلال البحث في تاريخ الآلة ذاتية الحركة ظهور الخيال المقنع، إذ يحاول العارض إقناع المشاهد بأن ما يراه حقيقي. بل ووصل الأمر إلى التحايل وإظهار الآلة بمظهر ذكي، أو أذكى من الإنسان نفسه. واستطاع بعض المدعين استغلال ذلك، مثل "ولفجانج فون كيمبلين" المجري، الذي قام عام 1769 أم ببناء وعرض لاعب الشطرنج ذاتي الحركة (روبوت). وتكونت تلك الآلة من تمثال في حجم وهيئة إنسان يلبس الملابس التركية المكونة من عمامة بيضاء وقفطان وسروال ويمسك بيده اليسرى غليونا طويلا، ويجلس أمام خزانة كالمنضدة على سطحها رقعة شطرنج. قام هذا الروبوت لسنوات عديدة بإيقاع الهزيمة بكل من تحداه. بمن فيهم رءوس أوربا مثل "الملك جورج الثالث" و "الملك فريدريك الثاني" و"نابليون بونابارت". ولعب آخر مرة عام 1825 م في أمستردام، نقل بعدها إلى الولايات المتحدة ثم أحيل إلى التقاعد وبقي في متحف لمدة 30 عاما، والتهمته النيران بعدها في حريق.

تعتبر تلك الآلة من المعالم المهمة على طريق الروبوتية ليس لأنها كانت آلة ذاتية الحركة والتفكير، بل على العكس فقد كشف عن خدعتها (وإن لم يعترف مخترعها بذلك) إذ جلس قزم داخل الخزانة وحرك يد التمثال لينقل قطع الشطرنج باستخدام جهازية معينة... أي أن القزم كان هو الأكثر ذكاء من أي لاعب. وقد قام المخترع نفسه ببناء آلة تقلد كلام الإنسان. لم تصل طبعا إلى الكلام فعلا بل لإخراج عدة كلمات بعضها لا يمكن تمييزه. واعتمدت تلك الآلة على فكرة "مزامير القرب " التي تملأ بالهواء ثم يضغط عليها فيمر الهواء بالمزمار ويخرج نغما.

كان القرن الثامن عشر شاهدا على الثورة الصناعية التي نقلت أوربا من العصور الوسطى إلى تطور تكنولوجي صاحب كل مستحدث وجديد في المجالات الصناعية المختلفة، وشهد القرن الثامن عشر التحف الآلية الفريدة وما أثار عجب أهل ذلك القرن (بعضها يثير العجب الآن أيضا). واشتهرت عائلتا "فوكانسو" و"جاكي دروز" بصناعة آلات تقلد الإنسان في حركاته، كان الطلب عليها من أغنياء العالم مرتفعا. وكم من حاكم فتح بلاده للاستغلال من خلال تقديم لعبة من تلك الألعاب له.

ومن أشهر الآلات ذاتية الحركة، كانت البطة الآلية التي بناها "جاك دي فوكانسو" السويسري عام 1783، وحازت على إعجاب كل من شاهدها. وكانت تمشي وتعوم وتحرك جناحيها وتمضغ الطعام وتبلعه ثم تخرجه فيما بعد من مؤخرتها.. ومن أعاجيب الآلات التي بناها " جاكي دروز" كانت "ميريان الموسيقية"، امرأة آلية تعزف بأصابعها العشرة على الأرغن دون أخطاء، وكانت تمثل في حركاتها امرأة ذات دلال. وكان أعجبها "الكاتب"، الطفل الآلي الذي يكتب بيده اليمنى كالإنسان تماما لعبارات لا يزيد طولها على أربعين حرفا، بينما يتابع بحركة رأسه وعينيه ما يكتبه، ويحبر الريشة بين فترة وأخرى. بينما يكتب بيده اليمنى يجذب بيده اليسرى الورقة جانبا. وكانت هذه الآلة معقدة بشكل يعتبر بناؤها تتويجا لما صنعه "جاكي دروز" خلال القرن التاسع عشر. وتعتبر بحق أول آلة قابلة للبرمجة. وفي تلك الفترة ظهرت أول قصة في أوربا عن الروبوت، كتبها "إى تي هوفمان" الألماني. وهي "رجل الرمال" عن امرأة آلية اسمها "أولمبيا"، قدمها صانعها على أنها ابنته، وراقصت معجبيها ولم يكتشف أحد أنها آلة.

عرائس.... ميكانيكية

وخلال القرن الثامن عشر جاءت الإثارة الأكبر من حقل علمي مختلف، إذ اكتشف "لويجي جالفاني "النبضات الكهربائية في الحيوان (أجرى تجربته على ضفدعة). وظهرت قوة الكهرباء الخفية لتحمي الأمل في كشف أسرار الحياة.. ومع التطور في توليد الكهرباء واستخدامها في تحريك الآلات، ظهرت بحلول القرن التاسع عشر الفكرة بأنه إذا أمكن ترويض هذه الطاقة السحرية فسيمكن بعث الحياة في الحديد. ودخلت الآلات ذاتية الحركة على هيئة الإنسان عصرا جديدا زادت فيه درجة تعقيدها وإمكان خداعها، وهو ما حدى بالروائية "ميري شيلي" بعد زيارتها نيوشاتيل عام 1816م - حيث تأثرت بالعرائس الميكانيكية التي صنعها جاكي دروز - أن تكتب رواية "فرانكشتاين" عام 1817 م. وكانت القصة الخيالية التي خرج منها ذلك المخلوق القبيح الذي صنعه الإنسان من تجميع لأعضاء بشرية وتعريضه لتلك الطاقة الجديدة.. الكهرباء. وما زالت هذه القصة عن الإنسان الاصطناعي حتى الآن مبعث إثارة للجماهير. ومع بداية القرن التاسع عشر بدأت تلك الألعاب وآلات التسلية في الظهور بكثرة وخرجت من احتكار الطبقة الحاكمة، وأمكن للشعب أن يتسلى بها أيضا. وانتشرت تلك الآلات، واقتربت أذهان العموم إلى أهمية الآلة. ولكن بعض الحرفيين بنى حرفته حول طبقات الأغنياء وأصحاب النفوذ، إذ كانت لهم مطالب أعلى مستوى وأكثر تعقيدا وأكثر تكلفة - حتى لا ينزل مستوى تسليتهم إلى مستوى العامة. وتخصص الحرفيون مثل "ميلارديه" و"كارل فابرجيه" لسد حاجة تلك الطبقات الغنية.

نحو عصر جديد

خلال القرن التاسع عشر كانت الآلات الصناعية تهدر في أركان المعمورة، وبدأ التقدم الملحوظ الناتج عن الثورة الصناعية التي بدأت في منتصف القرن الذي سبقه. وظهرت اختراعات من كل نوع، مستغلة التطور الصناعي، وسهل للفرد العادي أن يحصل على منتج لم يتوافر من قبل إلا للأغنياء فحسب. ولمس ذلك التطور الآلات ذاتية الحركة - أوتوماتون، كان منها "الدمية المتكلمة" (عروسة). التي اخترعها "توماس أديسون" الأمريكي. وإن اشتهر أديسون بعدة اختراعات منها الحاكي والمصباح الكهربائي، فإن له أكثر من ألف اختراع مسجل. وقد قام بتسويق تلك الدمية عام 1894 م، وكان داخلها "حاكي صغير" يحركه زمبرك يملأ كالساعة. وكانت تلك اللعبة مثالا على التطور الصناعي الذي وصلت إليه الآلة، وتأثيرها على الإنتاج. فأمكن لأديسون باستخدام تكنولوجية عصره إنتاج 500 عروسة يوميا.

وكلما زادت المعرفة تطور الخيال وتداخل بالواقع. هكذا دخلت الروبوتية عصرا جديدا بحلول القرن العشرين، حيث أصبحت الآلة هي المطور لحياة الإنسان، وجنى منها ثمار الثورة الصناعية وما تبعها من تطورات تكنولوجية. وانفتح طريق المعرفة مع كل اختراع واكتشاف علمي، إلا أن التطور الفعلي والملموس في مجال الروبوتية لم يحدث حتى الربع الأخير من القرن العشرين، بعد أن تجمعت عناصر التقدم التكنولوجي في مجالات الحاسوب والمعلوماتية والذكاء الاصطناعي والسبرناتيكا.. وأمكن باستخدام المعرفة فتح الطريق لمستقبل الروبوتية.

 

علم الهدى حماد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




روبوت يتم تشغيله من بعيد في الأعمال الخطرة





تقليد الربوت لحركة يد الأنسان للقبض على بيضة دون كسرها





روبوت يلعب الشطرنج ويستجيب لحركات منافسه