هل تحقق إسرائيل استقرارها بالرادع النووي؟ أمين هويدي

هل تحقق إسرائيل استقرارها بالرادع النووي؟

برغم أن إسرائيل لم تعلن عن، أو تؤكد، امتلاكها للأسلحة النووية إلا أنها تمارس سياسة الردع الخاصة بها وهي تحاول فوق ذلك أن تتمتع بنوع من الاحتكار النووي في منطقة الشرق الأوسط كلها.

حينما أطلقت القنبلتان الذريتان على كل من هيروشيما وناجازاكي في أواخر الحرب العالمية الثانية ظن العالم أن عبقرية الإنسان حصلت على الرادع الأكبر الذي سيفرض السلام العالمي، وأصبحت الولايات المتحدة وهي تحتكر هذا السلاح الرهيب سيدة العالم دون منازع، فقد تحقق لها الأمن المطلق تحت مظلة نووية انفردت بامتلاكها، مما جعل كلمتها أمرا ومشيئتها قدرا دون أن تواجه أي قدرة مضادة للعقاب.

إلا أن مخازن دولة أخرى هي الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت أخذت تمتلئ بنفس السلاح الأعظم وأعلنت ذلك على العالم وكان هذا في حد ذاته خرقا للقواعد المعمول بها في الصراع التي كانت تعتمد على السرية المطلقة. واستيقظت الولايات المتحدة الأمريكية لتجد أنها انتقلت فجأة من مرحلة الاحتكار النووي الذي وضعها على قمة العالم دون منازع إلى مرحلة التعادل النووي الذي دفع بدولة أخرى منافسة إلى القمة، وبذلك أصبحت مهددة بالعقاب من نفس السلاح الأعظم الذي انفردت بامتلاكه لمدة سنوات أربع وأصبحت كذلك دولة مكشوفة Valnerable وفقدت أمنها المطلق التقليدي الذي كانت تملكه بفضل المحيطين الكبيرين اللذين يفصلانها عن نصف الكرة القديم، وذلك لأنها لم تعد تحتكر القوة النووية. ومن مشيئة القدر أن الثورة التكنولوجية التي حققت الأمن المطلق باحتكارها الرادع الأكبر هي نفسهـا التي تسببت بعد ذلك في تهديدها، وأصبح أمنها المطلق حلما من أحلام الماضي. وكان من نتيجة ذلك أن التعادل النووي بين القوتين العظميين حقق الاستقرار على المستوى العالمي عن طريق الرعب النووي المتبادل والتدمير النووي المتعادل، وأصبح من المستحيل أن يتصادما تصادما مباشرا باستخدام القوات المسلحة حتى لو تعارضت المصالح، فمخازن كل منهما بها من الرءوس النووية ما يدمر العالم أكثر من. مرة، وأصبح لا خيار لهما إلا أن يعيشا كعقربين في أنبوب واحد، إذا لدغت إحداهما الأخرى فستقوم الثانية بلدغها قبل أن تموت. وكان امتلاك القوتين العظميين للرادع الأكبر مفاجأة حقيقية لهما إذ ظنا في بادئ الأمر أنه سلاح ذو قوة تدميرية أكبر مما هو معروف لهما، ولكن ما لبثت الحيرة أن سيطرت عليهما وبدأ التساؤل عن القيمة الحقيقية لهذا السلاح المدمر؟ وهل هو سلاح صالح للقتال وحل شعور الرعب من استخدامه بدلا من شعور الفخر والاعتزاز لاختراعه. وهكذا هو الإنسان لا يكل من بناء المشاكل لنفسه ليقف أمامهـا عاجزا إلى حين وإلى أن يتمكن من التغلب عليها بمشاكل أخرى أشد وأعتى.

أصبح السلاح الذي ظن الجميع أنه يحقق الأمن والطمأنينة والاستقرار بمثابة مصدر قلق دائم ورعب قاتل، وأخذ البعض يتحدث عن استخدام الأسلحة التقليدية فقط في الحروب، ليرد عليه البعض الآخر ولكن كيف نضمن أنها ستستمر تقليدية ولا تتحول إلى حرب ذرية؟ وتحدث البعض عن الحرب الذرية الشاملة التي لن يعيش بعدها أحد ليكتب تاريخهـا وهذا أمر مستحيل. وهنا تحدث آخرون عن حرب ذرية محدودة ليرد عليهم آخرون وما هو الضمان لتستمر محدودة؟ وفكر آخرون في أن السلاح الرهيب ليس للقتال ولكن للردع فظهرت نظريات الردع المتدرج Gradudted Deterrence والردع المرن - Mei ble Deterrence وسيلة للحد للحد من أخطار السلاح المرعب، ، بينما كتب آخرون عن أن العناية الإلهية قادت العالم إلى مرحلة التعادل النووي الذي أدى إلى تحييد استخدام الرادع الأكبر، وبذلك تحقق الاستقرار العالمي، ودفع الدول النووية إلى العمل الجماعي حتى دون تنسيق لدفع الخطر المشترك. أي أن الاحتكار النووي الذي حدث في نهاية الحرب الثانية أدى إلى الهيمنة، أما التعادل النووي الذي أعقبه فقد أدى إلى استقرار مفروض من المستحيل اللعب فيه على المستوى العالمي. ولكن لم يكن هذا هو الحال على المستوى الإقليمي الذي سمح فيه بالقتال كمتنفس للدول العظمى ومحاولة للحصول على مصالحها بالمبارزات الإقليمية التي أصبح القتال يدور فيها بالوكالة لتحقيق مصالح القوى العظمى من جانب، ومصالح القوى الإقليمية من جانب آخر. واقتصر دور الدول العظمى في هذا النوع من القتال على نقل السلاح والتكنولوجيا والتدخل لإدارة الأزمات-Crises man agement وليس حلها، وأصبحت النتائج للدول العظمى من هذه التصادمات تقدر بالنقط وليس بالضربة القاضية... نقطة هنا ونقطة هناك مع اتباع سياسة الترابط Linkage على ساحة الكوكب الذي نعيش فيه.

إسرائيل الآن تبعا لمصادر مختلفة تملك 2000 رأس نووي ووسائل إطلاقهـا سواء الطائرات أو الصواريخ وبذلك فهي في وضع الاحتكار النووي الإقليمي وفي موقف مشابه لموقف الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وإطلاقها قنبلتي هيروشيما وناجازاكي حينما كانت تتمتع بالاحتكار النووي العالمي ولكن باختلافات جوهرية.

- كانت الولايات المتحدة قد أعلنت فعلا عن امتلاكها للقنابل النووية بل واستخدمتهـا فعلا أمام العالم أجمع، ولكن إسرائيل لم تعلن أو تؤكد حصولها على الرادع النووي ولكنها تتبع سياسة الردع بالظن ولذلك فإلى جانب احتمال امتلاكها للرادع النووي قد يكون هناك احتمال بعدم امتلاكها له وكقاعدة استراتيجية فإن ما لا نتأكد من عدم وجوده نتعامل معه على انه موجود فعلا.

- أصبح النظام العالمي الحالي أقل انضباطا وأكثر سيولة وميلا إلى الفوضى بعد سقوط الاتحاد السوفييتي كدولة وانتهاء الشيوعية كعقيدة.

بينما كان النادي الذري العالمي في الماضي به خمسة أعضاء هم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن أصبح هناك الآن انتشار نووي في مناطق متعددة.

- توجد الآن اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية NPT التي جددت أخيرا إلى ما لا نهاية بالرغم من عدم توقيع إسرائيل عليها، كما توجد اتفاقية لمنع انتشار الأسلحة الكيماوية والبيولوجية لم توقع عليها كل الدول ومنها بعض الدول العربية وإسرائيل، وهناك اتفاقية السيطرة على الصواريخ التي لم تنفد قط والتي في ظلها انتشرت الصواريخ ومعها عائلات أخرى في سوق الأسلحة النادرة.

- التفكك العربي المؤسف وانتهاء النظام القومي العربي وتراجع بعض الأنظمة العربية القطرية عن أغلب الثوابت التي سادت من قبل.

- ترتيبات السلام بين العرب وإسرائيل والسير قدما في إجراءات التطبيع حتى قبل حل المشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية.

هذا هو الأمر الواقع الإقليمي الذي يبعث بحق على القلق خاصة بعد أن خفت القيود التي كانت تتحكم في السيطرة على الانتشار النووي وبعد أن ازداد عجز النظام العربي عن تطويع هذا التطور لصالح الأمن القومي العربي فقد أصبح من الممكن استخدام الإخصائيين في النواحي الذرية في الجمهوريات التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي السابق، وكذلك تراخت القيود على المواد النووية التي كان من الصعب الحصول عليها مثل اليورانيوم المخصب أو البلوتنيوم أو الماء الثقيل أو المفاعلات النووية أو وسائل الإطلاق.

وتقف البلاد العربية وسط هذه المتغيرات وهي مهددة تهديدا مباشرا بالاحتكار النووي الإسرائيلي خاصة أننا نعتقد أن علاج هذه القضية لا يتم فقط عن طريق البوابة القانونية بتجديد أو عدم تجديد معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية أو فرض عالميتها أو حتى بالضمانات الدولية التي لا يمكن الاعتماد عليها عند الضرورة ولكن علاجها الوحيد الحقيقي لأيتم إلا عن طريق بوابة الأمن وذلك بالعمل على تحقيق توازن القوى خاصة في منطقة ملتهبة كمنطقتنا تكثر فيها النزاعات وتتعدد فيها النقاط الساخنة وترتفع فيها درجة الحرارة بسرعة مفاجئة وتميل فيها الأطراف إلى استخدام القوة لحل التناقضات القائمة.

وبحكمة بالغة الأهمية علينا أن نتذكر دائما أن الأمن القومي الذي لا يمكن لدولة من الدول أن تحافظ عليه بقدراتها الذاتية لا يمكن أن تقوم الجهود الدولية بتحقيقه، لأن للجهود الدولية حساباتها الخاصة التي تتغير دائما تبعا لتفسير مصالحها فالدول لأتحارب معارك غيرها.

ومما يزيد الأمر تعقيدا وجود فوارق عديدة في استخدام الروادع النووية عل كل من المستوى العالمي والمستوى التقليدي وهو أمر محل خلاف بين المهتمين بهده الأمور.. فعلى سبيل المثال في محاضرة ألقاها الفيلد مارشال لورد كارفن الذي عمل رئيسا لأركان حرب القوات البريطانية من 1973 - 1976 في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن سألته عن هذا الموضوع وكان من رأيه أنه " بالرغم من دقة وصعوبة السؤال إلا أنني أرى أن القواعد واحدة " ونحن نختلف تماما على هذا التعميم Generalisatinon الأغراض والمصالح وطبيعة النزاعات، وكمية المتاح من الرءوس الذرية ووسائل إطلاقها، واهم من كل ذلك الخلاف في الصفوة التي تملك إصدار القرار عند الخلاف في الصفوة التي تملك إصدار القرار عند إدارة الأزمات.

وعلى سبيل المثال.. فإن حد الكفاية على المستوى الإقليمي كتقرير السكرتير العام للأمم المتحدة عن الأسلحة النووية لعام 1981 لا يقل عن 12 رأسا نوويا إذ يعطي هذا الحجم القدرة على ضرب 4 مدن بواقع 3 رءوس نووية قوة 20 كيلو طن للمدينة الواحدة أو 12 مدينة إذا خصص لكل منها رأس نووي واحد قوة 20 كيلو طن، وبناء على ذلك فإدارة صراع تستخدم فيه هذه الكمية لا يمكن أن يماثل إدارة صراع تستخدم فيه آلاف الرءوس النووية. ففي الحالة الأولى لا يحتاج الأمر إلى قيادات تحمل في الهواء وتدير المعركة في الجو ولا إلى تحصينات هائلة ولا إلى قاذفات ثقيلة ولا إلى قاذفات ثقيلة حاملة للقنابل الذرية تطير ليلا ونهارا وتموت وهي في الجو خوفا من ضربها فجأة وهي على الأرض ولا إلى غواصات تنتقل تحت سطح الماء حاملة رءوسها النووية. ثم هناك لفارق خطير في الصفوة التي تدير الصراع فلو كانت الصفوة على المستوى العالمي نصف عاقلة فهذا مقبول لأنها تجيد حساباتها وتعرف أصول الحوار، وفى هذا رحمة بالبشرية، ولكن الصفوات الإقليمية إما مجنونة لا يمكن تقدير ردود أفعالها أو جاهلة بلغة الحوار. وعلى حد قول الجنرال أنذريه بوفر في كتاب " الردع الاستراتيجي عام 1965" في ظل الانتشار النووي سيكون المصير في يد عدد متزايد ليس بينهم إلا العدد النادر ممن سيكونون جديرين بهذه المأمورية الثقيلة، فافتراض الجنون لبعض منهم أمر وارد ولكن الأكثر توقعا هو عدم معرفة الباقيين بكيفية إدارة الصراع ويتطلب الاستقرار النووي دولا عاقلة، ولا بد من الحذر من " وضع عيدان الثقاب في أيدي الأطفال" وعلينا أن نتخيل كيف يمكن لإسحاق رابين أو شارون أو نيتانياهو أن يتصرفوا حينما يزجون بالرادع النووي في القتال؟ وأظن أننا على اتفاق بعد هذا السرد على أننا أمام مشكلة خطيرة كبرى للأجيال القادمة.

وأظن أننا وفي نفس الوقت على اقتناع بأن الحل القانوني للمشكلة هو إجراء فرعي لا يحل الوضع، لأن التعادل في استخدام قوى الردع هو الحل السليم فلا يفل الحديد إلا الحديد.

ومحاولة منا لإلقاء مزيد من الضوء على حجم المشكلة سنخاطر بطرح سؤال حاسم وهو: هل يمكن أن يتحقق الاستقرار الإقليمي في ظل الاحتكار النووي لطرف من الأطراف آخذين في الاعتبار أن الاستقرار العالمي لم يتحقق إلا في ظل التعادل النووي عن طريق توازن الرعب المتبادل والتدمير المؤكد المتبادل؟.

رأى كثير من الباحثين أن الرادع النووي يحقق الاستقرار الإقليمي على أساس:

- سوف يعمل الاحتكار النووي بمثابة لقاح مهدئ للعوامل التي تصعد درجة الصراع فالخوف من احتمال استخدام الرادع النووي في القتال يقنع الأطراف المتصارعة باستبعاد استخدام القوة لفض المنازعات.

- السبق العربي في الرادع التقليدي - إن حدث - يساوي تأثير السبق الإسرائيلي النووي لان الوجود الإسرائيلي في هذه الحالة معرض كله للخطر إذا هزمت مرة واحدة بينما للعرب قدرة على تحمل العديد من الهزائم، فلم يمنع التفوق الإسرائيلي التقليدي العرب من إلا قدام على المواجهات المستمرة مما سبب عدم الاستقرار، أما حقن الرادع بجرعة نووية يمكن أن تجعل هذا المزيج لا يقبل التحدي فيفرض الاستقرار على أساس قاعدة التدمير غير المحتمل.

- سوف يؤدي الخيار النووي في النهاية إلى انفراج الأزمة العربية الاسرئيلية على حد قول يهوسقاط هاركابي فاستحالة الحرب في ظل الاحتكار النووي سوف يؤدي إلى فترة يتخلى فيها النزاع عن مظهره العنيف، فاذا ما طالت فترة الهدوء هذه خفت حدة التوتر تدريجيا فالردع المحقق ينتج عنه تهدئة تدريجية للتوتر وبذلك فالتكنولوجيا تعمل على ازدياد بشاعة الحرب ولكنها في نفس الوقت تؤدي إلى زوالها ونهاية الحرب تؤدي إلى السلام.

- الاحتكار النووي يفرض الاستقرار على أساس التدمير فوق الاحتمال، والانتشار النووي الإقليمي يفرض أيضا الاستقرار على أساس الرعب المتبادل والخوف من التدمير المتبادل.

- الاحتكار النووي لطرف من الأطراف يجبر الأطراف الأخرى على خوض حروب تقليدية محدودة لا يسعون فيها للحصول على معنى كامل بتدمير الخصم تدميرا كاملا وبذلك يصبح الغرض من القتال - حسب رأي فرانسوا دوشين في كتابه عن انتشار الأسلحة

- إحداث تغيير في ميزان القوى للدخول في التفاوض للوصول إلى حل وسط، وعلى ذلك يصبح القتال جزءا من المفاوضات كما يحدث في الصدام العربي الإسرائيلي.

استقرار الخوف

وكما نرى فإن لهذه الآراء وجاهتها ولكنها تتركنا ونحن نتساءل: ما قيمة هذا الاستقرار الذي يفرض عن طريق القسر والخوف ؟ هل يمكن لمثل هذا الاستقرار أن يدوم ؟ في ظل هذين السؤالين يرى آخرون أن الاحتكار النووي لا يحقق الاستقرار الإقليمي على أساس:

- تصاعد سلم الروادع من الروادع التقليدية إلى الروادع فوق التقليدية إلى الروادع النووية يخلق حالة مستمرة من سباق التسلح، مما يحتاج إلى إنفاق ثقيل يخصم من ميزانيات رفع مستوى المعيشة، مما يعرض المنطقة كلها إلى هزات اجتماعية عنيفة فأمن الدولة له جناحان: الرادع القوي، والنمو الاقتصادي المستمر. وسوف يؤدي الاحتكار النووي الإسرائيلي إلى تزاحم نووي إقليمي بمرور الوقت فإذا سمح لطرف من الأطراف بأن يحتكر رادعا معينا فإن معنى ذلك فتح الباب أمام الأطراف الأخرى للدخول من نفس الباب.

- حتى الآن لم تنجح دولة نووية في ردع دولة غير نووية عن القتال في سبيل الحصول على حقوقها فهناك مبدأ الصراع بين الذين يملكون والذين لا يملكون The Haves And The Have Nots ومبدأ عجز القوة وقوة العجز - The Impotence Of Power And The Power Of Impotence وهناك مبدأ وقاحة الأقزام الذين لا يرتدعون Effronty Of The Pygmics.

- تطبيقا لمبدأ أن يكون العقاب في حجم المجرم والجريمة فإن المجرمين الصغار أصبح في مقدورهم ارتكاب الجرائم الكبرى، فحرب العصابات يقوم بها الصغار وهم في حقيقتهم كبار لأنهم يحاربون من أجل الاستقلال فهل يمكن مقاومة هؤلاء برءوس نووية؟ هل يمكن مقاومة اللص بالمدفعية الثقيلة؟ هل يمكن تفريق مظاهرة عمالية مثلا باستخدام القوات الجوية؟.

ونحن من أنصار الرأي الأخير الذي سبق أن قدمناه في كتابنا " الصراع العربي الإسرائيلي بين الرادع التقليدي والرادع النووي، فالرادع النووي لن يفرض الاستقرار المنشود للأسباب التي ذكرناها ولسبب آخر أهم منها جميعا وهو التفاوت في القدرة على التحمل بين الأطراف المتصارعة نتيجة لاتساع المساحة العربية، وفي حقيقة الحال فإن الشعب الإسرائيلي سيظل رهينة عند العرب الذين يشكلون في نفس الوقت رهينة عند إسرائيل في ظل مرحلة الاحتكار النووي الحالي وللدلالة على ما نقول علينا أن نتساءل: ما الذي كان سيحدث لإسرائيل لو أنها ووجهت بمـا واجهناه صباح 5 يونيو 1967 حينما دمرت طائراتنا على الأرض ؟ ما الذي كان سيحدث لإسرائيل لو قامت طائراتنا بضرب تل أبيب وبير سبع كما قامت طائراتها بضرب السويس والإسماعيلية وبحر البقر ودمشق وبيروت ؟.

النقطة الأخيرة الحاسمة هي دور الإرادة السياسية في الصراع وإدارة الأزمات، فتوازن القوى لن يتم عن طريق توازن الأسلحة والمعدات فقط، إذ أنه يتحقق قبل أي شيء بتوافر الإرادة السياسية وقدرتها على العقاب لان الرادع الأصغر يمكنه ردع الرادع الأكبر ثم يمكن للرادع الأصغر أن يحيد الرادع الأكبر لو أن الإرادة السياسية وجهته لردع العدوان الصغير دون تردد، لان العدوان الصغير يمكنه أن يمنع العدوان الكبير. وعلينا أن نتذكر أن أسلحة الدنيا كلها لا تفرض الاستقرار لان الذي يحققه هو السلام العادل الذي يبنى على توازن المصالح قبل أن يبنى على توازن القرى.. أو هكذا عليكم أعتقد!

 

أمين هويدي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات