واحة العربي محمد مستجاب

الذئب
عاشق الدم والقمر والخراف والقصائد

مع أن الذئب ينتمي إلى فصيلة الكلاب، في علوم الأحياء، فإن ذلك أهون وأكثر قبولا من انتماء الأسد لعائلة القط، ومن بين آكلات اللحم يظل الذئب مشهودا له بالوفاء لروح الجماعة، وأكثرها تنفيذا لخطة مداهمة جماعية، وإصرارا على جني ثمار جهده منها دون التحلي بالفداء والتغني بالنصر، مع إقامة الأقواس المناسبة، وأحيانا المناقضة للنصر ذاته، ويشارك الشعراء في الهيام بالقمر، وعواؤه المعروف يبدأ من المقام الأدنى بطيئا ثم يتصاعد - كلما تفاعل مع القمر والحب - إلى المقامات الأخرى، وهو بطل لواقعة تاريخية لم يكن طرفا فيها ، لكنها صنعت له شهرة مدوية، وهي ما أثاره أبناء يعقوب لأبيهم من أن يوسف - عليه السلام - فتك به ذئب في حين أنه كان قد بدأ أولى سلالم المجد في قاع جب ، ويتمرغ الذئب في الحكايات الشعبية الشرقية كقاطع طريق للأطفال الذاهبين إلى بيوت جداتهم ، لكن أثره في الأدب المكتوب قليل، أشهرها قصيدة للبحتري وبيت شعر للمعري ( عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى، وصوت إنسان فكدت أطير)، أما في الغرب فإنه يمتلك شريحة واسعة ورائعة من النثر والشعر، أعظمها على الإطلاق رواية للألماني هيرمان هيسه : ذئب البراري - أو ذئب البوادي - كما وضع الغرب ، أيضا، كتابا عن زعيم تركيا كمال أتاتورك تحت عنوان : الذئب الرمادي أو الأغبر ، وقام الممثل العتيد مارلون براندو بتمثيل فيلم شهير : ذئاب الميناء ، قمنا في مصر بتفريغه في عدة أفلام مشابهة ، مع أن كل ما ورد سابقا يستخدم الذئب مجازا للتعبير عن السعار والشراسة وعنف المداهمة ، والذئبة لا تقيم وزنا لزوجها العاجز ، ولا تهتم بنقل الصيد إلى الوكر إلا لجرائها ، بل وكثيرا ما تهجر هذا الوكر تحللا من الوقوع في براثن الأخلاق الفاضلة، ولعل ذلك يعد امتدادا للروح النازية التي تجعل قطيع الذئاب يتخلص- أولا بأول- من مرضاه ومجروحيه وعاجزيه ، ليظل القطيع شرسا فتيا، وعيون الذئب حمراء غامقة كأنها قد انتهت توا من نزيف دموي ، لكن ذئاب الحقول انقطعت منها روح القطيع ولم تعد سوى أفراد يخلون من حركات اللف والدوران والمناورة، وتقلصت ذؤوبتها التاريخية إلى مجرد اقتناص ضفدع أو دجاجة أو فتح بطن بطيخة أو عصر عود قصب ( أمر منتشر في حقول صعيد مصر )، ويكاد الذئب العصري ينهي حياته دون اصطياد حمل أو ماعز أو خروف واحد ، ولذا فقد تقلصت أعداده إلى درجة الندرة في كثير من المناطق التي تسيطر عليها نقابات العمال والصحف والمجالس النيابية والمدارس والأحزاب، ويعاني من الوحدة حينما يطلع القمر فيصبح كالشعراء الصعاليك لا يلبث أن يداهم الخيام والقصائد والأكواخ المنقطعة، ثم يعود فيعوي ويزوم مفعما بالشجن فيتشمم الندى والحصى والأعشاب وبقع الدم ، ويطارد السحالي وقصائد النثر والجرذان وأبيات الحشرات ، وهو يبز الإنسان شوقا واندفاعا إذا ما تسللت إليه روائح الضأن غير أنه لا يعود إلى شاة سبق له أن أكل منها على غير ما هو معروف عن رفاقه من المغرمين بالضأن ، لكنه يظل أمينا لتوحشه وطبيعة الافتراس فيه، ويحكي الدميري عن أعرابية حملته جروا صغيرا لم يجاوز مرحلة اللبن، ولما عادت إلى خيمتها وجدته قد فتك بفراريجها كلها، فالذئب لا يخضع للألفة والاستئناس والتدريب والوفاء كالأسد والنمر لكنهم يعشقون فيه قدرته على التخويف التي تجعلهم يطلقون اسمه على أشخاصهم، بدر الديب وعلاء الديب ومحمود دياب وكمال أبو ديب، وكذلك الديبة، الذي كان واحدا من قدامى الرياضيين المصريين.