الرياضة والصحة

الرياضة والصحة

أخطر مما نتصوّر

إذا كنت تعاني من التهاب اللثة، وفي تاريخ عائلتك المرضى مصابون بداء السكري، فبادر بالكشف عن مستوى السكر في دمك

في أسواق الخيول, نرى الشاري المحنك يفحص أول ما يفحص أسنان الحصان الذي يبتغيه, وبنظرة واحدة خبيرة للأسنان, يحصل الشاري على تقرير كامل عن صحة الحصان, بل يمكنه التنبؤ بالعمر الافتراضي له, والطاقة التي يمكن أن يمنحها فيما تبقّى له من سنين.

"وأفواه البشر ليست مختلفة عن هذه النظرة" - هذا ما يؤكده "جون إلواي" الخبير الصحي الأمريكي في تقرير نشرته أحدث أعداد مجلة "منزهيلث" تحت عنوان "جذور الشرّ كله". وتفسيراً لذلك, يقول الدكتور راؤل كافيس من مركز البحوث العلمية للصحة بجامعة تكساس: "صحيح, هذه الملاحظة ترتكز على (نظرية البؤر المعدية) التي تنص على أن وجود هذه البؤر في الفم يؤثر على الجسم كله, وهي نظرية عمرها 40 سنة, لكنها تعاود الظهور الآن بقوة".

وثمة تأكيد متنام بين الأطباء تدعمه المشاهدات الإكلينيكية والأبحاث العلمية الحديثة, على خطورة البؤر المعدية في الفم, لكن هذه الخطورة التي كان يُظن قديماً أنها محدودة التأثير, باتت رعباً يمكن أن يقود إلى أخطر الأمراض القاتلة.

الدكتور "روبرت جنكو" الأستاذ بجامعة "بوفالو" أجرى بحثاً شمل 1372 فرداً من سكان "جيلا ريفر" بولاية أريزونا, وتبيّن له أن الأشخاص الذين يعانون من أمراض اللثة, يصل معدل خطورة الإصابة بالنوبات القلبية لديهم ثلاثة أضعاف ذوي اللثات السليمة, وذلك في غضون عشر سنوات, وهو يعتقد أن بكتيريا الفم (التي يوجد منها 350 نوعاً لدى الجميع) تتسلل إلى تيار الدم عبر التفسخات الدقيقة في اللثة المريضة, ومن ثم تصيب الكبد فتجعله ينتج نوعاً من البروتينات تسبب انسداد الشرايين, أو أن هذه البكتيريا تصل مباشرة إلى شرايين القلب فتعطب جدرانها بالعدوى, مؤدية إلى انسدادها. وبرغم أن آلية حدوث النوبات القلبية لايزال يكتنفها الغموض, إلاّ أن بكتيريا "بورفيروموناز جينجيفاليس" المرتبطة اسماً وإقامة باللثة, ثبت وجودها في السدّات الدهنية بالشرايين المعطوبة المسببة للفشل القلبي.

وإلى ذلك يضيف الدكتور "مارك توماس" من كلية طب الأسنان بجامعة "كنتاكي" أن الحقيقة العلمية القديمة حول خطورة البكتيريا على المصابين بأمراض القلب, تتأكد, خاصة لدى المصابين بأمراض الصمامات كما في تهدل الصمام الميترالي واللغط القلبي, وهؤلاء يلزمهم علاج بالمضادات الحيوية قبل علاج أسنانهم, فعلاج الأسنان يُخرج البكتيريا من مكامنها, وعبر تخرّشات اللثة الواقعة حتماً مع العلاج يتدفق سيل من الميكروبات إلى تيار الدم, يغدو خطراً على القلوب, ويمكن أن يسبب التهاب عضلة القلب, وغالباً ما تكون الإصابات مميتة, مما يودي بنحو عشرين ألف إنسان سنوياً في الولايات المتحدة وحدها.

ثم, فوق الأخطار على القلب, يأتي الدماغ...

لقد أجرى باحثو جامعة "بوفالو" دراسة شملت 9982 إنساناً تتراوح أعمارهم بين 25-75 عاماً, وتبيّن منها أن 35% من المصابين بأمراض شديدة في اللثة, تُرجّح إصابتهم بالسكتات الدماغية ضعف ما يصيب غيرهم. وفي تفسير ذلك يقول الدكتور "جون مارلور" الأستاذ بالمعهد القومي لطب الأعصاب والسكتة الدماغية:

"إن بكتيريا الفم يمكن أن تسبب تراكماً دهنياً في الشريان السباتي بالرقبة, وهذا يؤدي إلى إغلاقه نسبياً, فيقلل الإمداد الدموي للمخ, لكن هذا ليس أخطر ما في الأمر, فهذه السدادة الهشة يمكن أن تتفتت إلى أجزاء, وتطفو سابحة مع تيار الدم الصاعد إلى المخ, وتنحشر هناك خانقة خلايا المخ الحسّاسة, ومن ثم إماتتها, فتكون السكتة الدماغية. كما أن تكوّن سدادة كبيرة تكفي لإغلاق الشريان السباتي بشكل كامل يمكن أن يؤدي إلى النتيجة نفسها".

السكري والقرحة وذات الرئة

عندما يقاوم مريض السكري عدوى بكتيرية, فإن كفاءة عمل الأنسولين تقل, ويضعف تأثير الأنسولين عليه, ومن ثم يمكن أن ترتفع نسبة السكر في دمه. هذه الملاحظة يبديها الدكتور "بيري كلوكيفولد" من كلية طب الأسنان بأوكلاهوما, مضيفاً أن تدبير المرضى في هذه الحالة يصير معقداً. وهو ما أكّدته دراسة أجريت في جامعة "بوفالو" على 168 مريضاً بداء السكري, وتبين منها أن المصابين بينهم بالتهاب اللثة الشديد (بيرو دونيتسي) هم أكثر مَن تختل لديهم محاولات ضبط نسبة السكر المرتفعة في الدم, وهذا مما يؤدي إلى ظهور مضاعفات المرض الأكثر خطورة, بالكليتين, والقلب, وحتى فقد الإبصار.

"أمراض اللثة على الأرجح ليست سبباً مباشراً لحدوث داء السكري, فهذا أحد الحقول البحثية الجديدة في الطب, لكننا نعرف أن وجود التهاب باللثة - قطعاً - يفاقم المرض" - هذا ما يضيفه الدكتور "كريستوفر صادوك" المتخصص في علاج داء السكري بجامعة "جون هوبكينز" بولاية ماريلاند, ويكمل: "على المصابين بمرض السكري أن يهتموا كثيراً بصحة لثاتهم", ثم يطلق تنبيهاً شديد الأهمية نصّه:

"إذا كان لديك التهاب باللثة, وفي التاريخ المرضي لأسرتك حالات إصابة بداء السكري, فسارع بإجراء تحاليل للتأكد من نسبة السكر لديك".

أما عن قرحة المعدة...

فثمة تقارير تفيد أن بكتيريا "هيليكوباكتر بيلوري" التي يمكن أن تسبب القرحة, تقيم في الترسّبات السنّية. وفي دراسة أجرتها - بكلية طب الأسنان جامعة أنديانا - الدكتورة "شيري داوست" ومجموعة من الباحثين, وُجد أن 210 بين 242 مصاباً بقرحة المعدة, يحملون في أفواههم بكتيريا (الهيليكو بيلوري), التي يرجّح أنها تهاجر هابطة من الفم إلى المعدة, حيث تقعد, وتحفر ثقوبها الدقيقة المؤلمة مشكّلة بذلك أنوية لقُرح تأخذ في الاتساع. ولهذا يعلق أصحاب البحث بالقول: "إن هذا كله يوشك أن يجعلنا نطالب بتوزيع فرشة أسنان مجانية مع كل زجاجة "ببتو - بيزمول" (مطهّر للفم)".

أمّا عن إصابة الرئتين, وهو ما يبدو بعيداً عن أي علاقة مباشرة بين اللثة والأسنان وجهاز التنفس, فإن المتخصص الدكتور كافيس يقول: "مع كل نَفَس تسحب رئتاك إلى داخلها جرعة من بكتيريا الفم تشمل "كلميديا نيومونيا" و "سودموناس أيروجينوزا", وهما ميكروبان يسبّبان الأمراض التنفسية, ومصدرهما الواضح هو الترسّبات المتجمعة حول الأسنان (البلاك). وفي العادة يقوم الجهاز المناعي بالقضاء على هذه البكتيريا الغازية للجهاز التنفسي, لكن عندما تهبط المقاومة مع انخفاض المناعة, كما في الإعياء الذي يعقب إجراء العمليات الجراحية, فإن هذه البكتيريا يمكنها أن تتمكن من الرئتين وتسبب الالتهاب الرئوي, وهو مرض يقتل 83 ألف إنسان في أمريكا سنوياً.

"احتفظ بأسنانك نظيفة دائماً قبل إجراء أي جراحة. صحيح أن اليوم السابق على الجراحة هو الأهم, لكن أسبوعاً قبلها يظل أفضل" - نصيحة توجه لمن يوشكون على الدخول في الجراحات. أما غيرهم - خاصة من كبار السن - فالنصيحة تشمل: "نظّف أسنانك بخيط الحرير يومياً, وتردد على طبيب الأسنان كل 6 أشهر". وهذا إن تناساه الصغار, لا ينبغي أن ينساه الكبار, لأن رئاتهم أكثر عرضة للإصابة.

وأعجب مما نتصوّر

على الرغم من أن الانتباه إلى تأثير (البؤر المعدية) كشف عن تأثيرات بعيدة عن أماكن توضّعها في اللثة والأسنان, وبفعل انتقال ما بها من ميكروبات عبر الدم إلى أجهزة الجسم المختلفة. فإن هناك أبعاداً أخرى لانتشار الأذى لأسباب غير ميكروبية, كالأوضاع غير السليمة للأسنان والتي تسبب الصداع أو تشنج عضلات العنق, كما أن هناك اكتشافاً مهماً للطبيبين الألمانيين الشقيقين (فرديناند, وفالتر-هونكه), يدعى "المعالجة العصبية لمراكز التشويش", ويتلخص في أن البؤر الملتهبة عندما يُعالج التهابها يمكن أن تترك ندوباً تعمل بمنزلة "مراكز تشويش" على الجهاز العصبي, فتسبب آلاماً تظل مجهولة المصدر, وفي أماكن أبعد ما تكون عن أماكن هذه المراكز.

لهذا حتى مع وجود سلامة ظاهرية للثة والأسنان والفكين, يبحث معالجو الآلام بطريقة الأخوين (هوتكه) عن ندوب الالتهابات القديمة لمعالجتها فتختفي آلام أبعد ما تكون عن هذه الندوب, في الرأس, والعنق, والظهر, وحتى في المفاصل.

تـدنـيـس الـذهـب

بينما يحرص الصاغة على تلميع وتنظيف ذهبهم يومياً, نرى بيننا مَن يصرّون على تدنيس ما بقي لديهم من ذهب, أي الأسنان, وليس مقصوداً أن تكون متوّجة بالذهب, بل المقصود هو قيمتها في منظومة اللياقة والصحة العامة للإنسان.

المدخنون هم مدنّسو ما لديهم من ذهب, ليس فقط بإعتام ألوان أسنانهم بالصبغ الدخاني القاتم, ولكن أيضاً لأن التدخين يقلل اللعاب ويُنضب السائل اللثوي ويغيّر الوسط الكيميائي للفم, فتنشط الجراثيم ويزداد نخر الأسنان والتهاب اللثة, ومعها تتصاعد احتمالات التأثيرات البعيدة والخطيرة على صحة أجهزة الجسم المختلفة.

وهاهي جريمة إضافية من جرائم التدخين!

نظّفها, وجرّفها, وإلاّ...

هل لثتك لا تنزف عندما تستخدم الفرشاة في الصباح? وهل هي غير ملتهبة? وغير متحسّرة? وغير مؤلمة عند اللمس? إذا كانت الإجابة بنعم على ذلك كله, فإن هذا لن يعني أن لثتك سليمة تماماً, فالتهاب اللثة من النوع الشديد (بيريودونتيتسي) غالباً لا يكشف عن أي أعراض واضحة.

لهذا, دع طبيب الأسنان يغرس مسباره في بقع أسنانك ولثتك كل 6 شهور, مادامت حياتك تتوقف على صحة هذه الأسنان وتلك اللثة, وهي تتوقف عليها بالفعل. ثم اتبع الخطوات الخمس التالية, فهي سوف تؤكد أنك لا تريد أن تعض على التراب بأسنان بلاستيكية!

1 - لا تتغافل, فالتنظيف بخيط الحرير أفضل...

فالخيط (أهم بعشر مرات من الفرشاة) كما يقول (ستيفن بوني) أخصائي طب الأسنان السكندري بولاية فيرجينيا. لأن سطوح أسنانك الظاهرة نسبياً إذا كانت تحوي بعض البكتيريا, فإن ما بين الأسنان يشكّل مستعمرة وبائية كاملة, وهذه لا تصل إليها الفرشاة. فإذا كنت لا تنظفها بالخيط بعد كل وجبة, فعلى الأقل افعل مرة واحدة في اليوم.

2 - جرّف, كن حصيفاً وجرّف...

إن لسانك يحمل من البكتيريا أكثر مما تحمله الأرض في مقصف محطة قطارات شعبية. فإذا لم تجرف لسانك بعد تنظيف أسنانك بالفرشاة, فإن البكتيريا على لسانك ستستثمر فمك كله لصالحها. اشتر مكشط لسان من الصيدلية, وقم بعدة كشطات للسانك في الصباح والمساء, ولا تتصوّر أن الفرشاة يمكن أن تغني عن ذلك.

3 - نظّف, (على الناشف), مرّة...

استخدم الفرشاة في تنظيف أسنانك وهي جافة دون معجون مرّة يومياً - هذا ما ينصح به الدكتور بوني, فقد أثبتت الدراسات أن مَن يلجأون للتنظيف بالفرشاة الجافة يقل لديهم اصفرار الأسنان المكوّن من الطرطير. فافعل ذلك بينما الفرشاة نصفها على اللثة ونصفها على الأسنان, وحرّك من جانب إلى جانب.

4 - انخس نفسك, ولا تتردد...

أمراض اللثة عادة ما تبدأ تحت الخط الفاصل, حيث لا الخيط ولا الفرشاة يستطيعان الوصول. لهذا استخدم منخاس لثة ذا رأس مطاطي وامرر سن المنخاس المطاطي هذا في العمق قليلاً, بين اللثة والأسنان, ونظف عند كل سن. قد تدمي لثتك, وقد تغدو مؤلمة عند اللمس, لكن هذا سيتوقف بعد الأيام القليلة الأولى, لتصير اللثة متماسكة أكثر, وتكون قد حطّمت كل مستعمرات رواسب (البلاك).

5 - اقتل, (البلاك)!!

وهنا نتوقف مرتين, فموجّه النصيحة الخامسة الدكتور (مارك توماس), تحمّس أكثر مما ينبغي للكيماويات التي لا نتحمّس لها كثيراً, ثم إنه ذكر اسم معجون أسنان بعينه مما يدخل في باب الدعاية. لهذا نبلور النصيحة الخامسة في استحسان استخدام معجون أسنان يحتوي على مادة (تراي كلوزان) المضادة للبكتيريا, لمنع تكوّن (البلاك).

تمرين الخيط الرفيع

ليست التمارين التي تستهدف اللياقة وقفاً على العضلات وحدها, فاستخدام الخيط لتنظيف ما بين الأسنان تمرين لا يقل أهمية, ويوصي به أطباء الأسنان بعد كل وجبة طعام, لكنهم أمام صعوبته النسبية على البعض يطالبون به مرّة واحدة يومياً, على الأقل. كالتالي:

1 - اقطع طولاً مناسباً من خيط تنظيف الأسنان, ثم لف جزءاً كبيراً منه على الأصبع الوسطى بإحدى اليدين, والطرف الآخر على الأصبع الوسطى باليد الثانية.

2 - ارفع الخيط مشدوداً بين إبهامي يديك, ومرره تحريكاً للأمام, والخلف ليدخل بين سنّيْن, وأمل الخيط أمام أحد السنّيْن أثناء ذلك.

3 - ازلق الخيط خفيفاً في الفراغ بين السنّيْن واللثة, وحاذر من إمرار الخيط مشدوداً على لحم اللثة حتى لا تجرحها.

4 - اكشط بالخيط جانب كل سن صعوداً وهبوطاً, وكرر ذلك مستخدماً جزءاً نظيفاً مع كل سنّيْن.

عن السواك

إذا كانت أحدث نصائح طب الأسنان الأمريكي المتقدم توصي بالتنظيف بالفرشاة الجافة مرة يومياً، فإن استخدام المسواك في ذلك أولى، لما لذلك من خلفية دينية، ولما هو معروف عن الميزات الصحية لفروع شجرة الأراك وثمارها أيضاً، شرط تقليم المسواك باستمرار والحفاظ على نظافته.

 

محمد المخزنجي

 
 




الفم والأسنان مركز انطلاق هائل لمسببات أمراض خطيرة









حتى في وجود مظهر صحي لا بد من البحث عن بؤر الألم





كنز من ذهب .. يدنسه التدخين









تمرين الخيط الرفيع





تمرين الخيط الرفيع





تمرين الخيط الرفيع