الخطر تحت صفاء المياه

الخطر تحت صفاء المياه

"العربي" في منابع النيل الأزرق

عدسة: سليمان حيدر

على بعد عشرات الكيلومترات, كان هدير القصف يصل إلى مسامعنا, ومع اقترابنا منه كان الصوت يقتحم آذاننا أكثر فأكثر, صوت هائل كأن حربا تدور على البعد, فيما كان الدخان الأبيض يتصاعد من هناك وتدور كتلته وتلتف قبل أن تصعد قليلا إلى الأعلى لتضمها غلالات السحب البيضاء المارة تحت سماء بهية الزرقة, شديدة الصفاء . أصوات الهدير المرعبة أعادت إلى الأذهان ذكريات الحروب التى عاش جيلنا بعض وقائعها, جعلتنا نتساءل هل هذا القصف الذى نسمع عند أقصى المنبع الجنوبى لنهر النيل الأزرق, هو انذار بما يمكن أن تجره مياهه من ويلات بعد أن وهب الحياة قرونا فى اندفاعته من بحيرة تانا إلى مصبه فى البحر الأبيض المتوسط?.

حملنا أنفسنا وتساؤلاتنا وغادرنا إلى هناك, حيث يواصل النيل جريانه شمالا, بعكس كل أنهار الدنيا التى تندفع من الشمال إلى الجنوب.

صباحا كان اليوم سبتا عندما وصلنا إلى مطار أديس أبابا قادمين إليه عن طريق جدة, ساعتان فقط هما التى استغرقتهما رحلة الطائرة, لتحط بعدهما على أرض المطار, ومن النافذة كان شعاع الشمس المتساقط, يجعل البقع المتناثرة فى الأسفل تشع, فيظهر لون الجبال الفحمية وسط أراض بنية, فيما كانت البيوت تبدو مربعة وضئيلة تقطعها شوارع طولية وعرضية ممتدة.

بيوت الصفيح أخذت تلمع بشدة, كلما دارت الطائرة دورتها التى تسبق الهبوط, لنرى عاصمة من الشينكو تتخللها بعض البنايات القليلة المرتفعة, والتى تبدو نشازا وسط غابة شاسعة تكدست فيها بيوت من الصفيح شاهدناها ـ فيما بعد ـ واطئة وصدئة الجوانب.

خرجنا لنجد مندوبا عن السفارة الكويتية التي لولاها لكان الأمر شديد الصعوبة ولدرجة لاتعقل فى بلد مثل أثيوبيا هو أشبه بعالم كامل لادولة واحدة, فالمسافات بعيدة جدا بين المدن احتاج الأمر معها الى ركوب الطائرات الداخلية لعدة مرات, والانتقال بسيارات الجيب القوية فى مرات أخرى لزيارة أماكن نائية وسط طرق وعرة للغاية.

أخذنا مندوب السفارة "حسين أول" الأثيوبى الذى ينتمي إلى قبيلة الأورومو أكثر القبائل الأثيوبية عددا, إلى أحد الفنادق حططنا الرحال هناك وبدأنا فورا الانطلاق الى أحياء أديس أبابا رغم أن معظم الاسواق تكون مغلقة في عطلة نهاية الأسبوع الأثيوبي.

وفرت السفارة الكويتية وقنصلها النشط فيصل المطيرى سيارة لنا, دارت بنا فى أنحاء أديس أبابا التى تعني باللغة الأمهرية "الزهرة الجديدة" والتى يطلق اسمها " أبابا" على الكثيرات من الفتيات الأثيوبيات, وهي مدينة تقع على المنحدرات, ويعود تأسيسها إلى عام 1887.

انطباعات أديس

رغم العطلة التى تتوقف فيها الحياة داخل العاصمة قمنا بجولة استغرقت ماتبقى من نهار, وانطلقت من نقطة فندق الشيراتون الذى يتوسط المدينة, ويعد أحد معالمها الرئيسية, قبل أن نعود لننطلق فى بداية ضوء شمس اليوم التالى إلى خارج العاصمة, حيث القرى والطرق الجبلية, والبحيرات السياحية التى تزدحم فى العطلة بالبشر.

أشار مرافقنا إلى أن الميدان الذى نقف فيه والذى يتوسطه عامود مرتفع من الرخام تلتصق به عدة تماثيل نحاسية, يسمى " ميدان الكيلو 6, وعلى اللوحة الكائنة بجواره كتبت جمل عدة تشير إلى أن هذا المكان شهد فى شهر فبراير 1928 مذبحة رهيبة راح ضحيتها المئات من الأثيوبيين ارتكبها المستعمرون الإيطاليون فى أول سنة من سنوات ست احتلوا خلالها أثيوبيا.

نغادر الميدان الذى كنا قد وصلنا إليه من شارع الكيلو 4 وهى أسماء كان نظام الحكم العسكرى الذى قاده الكولونيل مانغستو هايلى ماريام قد أطلقه على شوارع العاصمة ولم يسع النظام الحالى هناك إلى تغييره, وهى شوارع فى معظمها طويلة جدا وذات اتجاهين, وممتلئة جميعها بأطفال كثيرين بعضهم يمتهن مسح الأحذية والأكثرية تشحذ وتطارد السيارات والمارة بالحاح لا ينتهى.

من مكاننا الواقع فى أعلى نقطة على جبل "انطوطو" نرى أديس أبابا مدينة مكتظة, بيوتها متلاصقة وصغيرة, ورغم مكاننا الشاهق فإن الأطفال سرعان ما التفوا حولنا خاصة هؤلاء الذين جاءوا من الغابات الجبلية حاملين فوق رءوسهم حزما من حطب الوقود, انظر إليهم متسائلا: "هل سيكون هؤلاء فى الغد وقودا لإحدى الحروب التى تندلع فى تلك المنطقة وهى حروب كثيرة لم تلتقط منطقة القرن الإفريقى التى تقع فيه أثيوبيا أنفاسها بعد من ويلاتها, وآخرها الحرب الأثيوبية الإريترية التى حصدت فى آخر ثلاث جولات من الجانبين مايزيد على الربع مليون إنسان.

نمر من شارع "بورجيس" حيث الكنيسة القديمة إلى ميدان "منيليك الثاني" القائد الذى وحد أثيوبيا بقوة السلاح, والذى يشتهر بعبارته التى قالها ذات يوم "إن أثيوبيا واحة مسيحية فى وسط محيط ملحد" وهى العبارة التى هذبها الإمبراطور هيلاسلاسى عندما قال ان "أثيوبيا واحة مسيحية وسط محيط إسلامى".

وفى أديس أبابا هناك سوقان كبيران الآول سوق "مركاتو" وهو الأكبر ليس في أثيوبيا فقط بل في إفريقيا, ويتخصص فى بيع البضائع رخيصة الثمن من مختلف الأصناف, والثانى سوق "بياسا" وتباع فيه البضائع الأغلى, ويطلقون عليه "باريس الجديدة" وعندما يبدى المرء دهشته من تلك التسمية, يسارعون بالرد " وماذا فيها? ألا يطلق على نيروبى عاصمة كينيا " إنجلترا الجديدة "فهل هى كذلك?".

نسير فى هذا السوق الذى تنحدر منه أزقة عديدة. حتى نصل إلى دوار " الأب بطرس "ومنه ندخل إلى الشارع الذى ينتهى بالجامع الكبير المسمى "بجامع أنور" والذى تجاوره كنيسة كبيرة, ورغم أن اليوم كان الأحد إلا أن حشدا من المصلين اصطف لصلاة الظهر, فى ذلك المسجد الأكبر من بين 21 مسجدا تضمها العاصمة الأثيوبية. وكان يحيط به عدد من المبانى الإدارية التابعة للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى أثيوبيا.

ننحرف إلى سوق مركاتو الكبير, قبل 20 عاما كانت المحلات فيه مملوكة للعرب اليمنيين, قبل أن يستغل هيلاسلاسى حادثة اختطاف الثوار الأريتريين لطائرة أثيوبية, ويتهم العرب بالتعاطف معهم, ثم يقوم بطردهم فورا ودون مهلة, الأمر الذى مكن مساعديهم من قومية "الجوراجية " الأثيوبية من الاستيلاء على ممتلكات اليمنيين, والتحول من عمال إلى أصحاب أعمال ظلوا حتى الوقت الحالى يسيطرون على التجارة فى العاصمة.

إلى بحر دار

بعد رحلة استغرقت ساعة كاملة في الجو وأزاحت عنا صعوبة السير فى طريق وعر طوله أكثر من 850 كيلو مترا, نقلتنا طائرة "شارتر" إلى مطار بحر دار, الذى يقع فى إقليم أمهرا, وهو الإقليم الذى تسكنه قومية تحمل نفس الاسم كانت قد حكمت أثيوبيا سنوات طويلة بعد أن انتزعت الحكم من قومية التيجراى التى كانت تحكم مملكة أكسوم القديمة والتي تتولى السلطة حاليا, وقد انتهت سطوة الأمهرا التي تعد واحدة من 74 قومية في أثيوبيا تتحدث أكثر من 82 لغة, عندما أزيح هيلاسلاسى عن الحكم عام 4791, وهم الآن فقراء جدا, وبيوتهم التى رأيناها فى هذه المنطقة مجرد أكواخ خشبية شديدة البؤس, وانتشرت نساؤها حليقات الرأس يجلسن بجوار الطريق يبعن أعواد القصب والبرتقال أو يقدن الحمير التي تحمل على ظهورها أكياسا ممتلئة بحبوب الانجيرا.

بعد ربع ساعة من مغادرة المطار أوصلنا باص متهالك إلى وسط "بحردار" حيث فندق المدينة التى تضم 140 ألف نسمة والتى ترتفع عن سطح البحر 1830 مترا, لكننا فضلنا الذهاب فورا ودون توقف إلى منطقة شلالات النيل التى تسمى شلالات "تسيسات" فقد كانت الساعة قد قاربت الثالثة والنصف عصرا ولم يتبق على غروب الشمس سوى ساعتين ونصف الساعة, يجب استغلال الشمس الساطعة خلالهما فى التصوير.

كان مرافقنا فى هذه الرحلة سائقا من المنطقة لايتكلم سوى الأمهرية التى لانفقه حرفا واحدا فيها,مما جعلنا نستخدم نفس الإشارات التى يستخدمها الصم والبكم فى محاولة لافهامه مانريد. وماكان أصعب ذلك طيلة طريق طوله فقط 04 كيلو مترا, لكن لعدم وجود حتى ولو سنتيمتر واحد منه مرصوف, فقد استلزم مرور السيارة بسرعة لم تزد أبدا على 40 كم/ساعة على أحجاره البارزة والتى ما انفكت طول المسافة تلقي بغلالات من الأتربة البيضاء فتحجب الرؤية, ثم تقتحم السيارة رغم إغلاق الزجاج لتملأ أنوفنا ورئاتنا بكميات من الغبار كانت كافية لإصابتنا بنوبات متصلة من سعال ظل يلازمنا لأيام عدة.

بعد ساعة حسبناها دهرا, وصلت بنا السيارة إلى نهاية الطريق حيث مبنى يجب إبراز التصريح عنده ثم دفع الرسوم المحددة قبل السماح بالذهاب الى منطقة الشلالات, عندئذ انبثق بشر من تلك القبيلة صعب علينا حصر أعدادهم, لكن أجسادهم السوداء شبه العارية وعصيهم الطويلة وبنادقهم. وكذلك شعر رءوسهم التى توزعت على ضفائر غير منتظمة, ومغبرة أكاد أجزم معها أن ماء لم يمسسها مطلقا رغم توفر مياه النيل بالقرب. شعرت عندئذ بالخوف الشديد يعترينى عندما انشغل بعض هؤلاء بالحديث معا بلغتهم مع إشارات متواصلة لنا الأمر الذى يعنى أن الحديث ينصب علينا, ولكن من أى زاوية?, ساورتنى شكوك بأن هناك اتفاقا يعقد ربما للتخلص منا طمعا فى نقود أو ربما آلة تصوير معلقة على كتف زميلى أوحتى أوراق وجهاز تسجيل أحمله بيدى وأخشى تركه بالسيارة. كل الاحتمالات جاءت إليّ دفعة واحدة فى تلك اللحظة العصيبة, حاولت أن استجمع ماتبقى عندى من جلد وأن أقترح على زميلى العودة من حيث جئنا, ولكن اطار السيارة الذى انفجر والذى تطلب وقتا لإصلاحه, لم يترك لدينا مجالا لتراجع, فقد كان السيف بالفعل قد سبق العذل, عندئذ دفعنا الرسوم المطلوبة, ودخلنا فى مساومات مادية مضنية مع من يجيد التحدث بالإنجليزية فى الحشد الذى هطل علينا فجأة وأحاط بنا فيما يشبه الحصار من جميع الاتجاهات, كان التفاوض حول أسعار فرضت علينا مقابل قيام شخصين من هؤلاء بإيصالنا إلى مكان الشلال على الرغم من أننا لم نطلب أحدا ولم نسع لذلك أصلا, بعد جهد ضاعف لدينا مشقة الطريق, حصلنا على الورقة التى لابد من إبرازها لموظف يقف على شاطيء النيل كى يسمح لنا بصعود القارب الذى سينقلنا الى الشاطيء الآخر من النهر, حيث تنتظرنا مسافة من الخوض بأرجلنا فى أرض طينية لمدة لاتقل عن 25 دقيقة.

بعد الحصول على التصريح عدنا للسيارة ذات الإطار المنفجر, فقررنا عدم الانتظار أكثر وإلا تجمع كل سكان القرية حولنا, حملنا حقائبنا الصغيرة على أكتافنا وانطلقنا ومعنا مرشدانا اللذان أرغمنا عليهما, نسير وسط أكواخ متلاصقة مصنوعة من أعواد البامبو, لمسافة تزيد على الكيلومترين , تجمع وراءنا خلالها مئات من الشبان والأطفال العراة. وتحول سيرنا إلى مسيرة أصبحنا فى مقدمتها ووراءنا سار هؤلاء فى صمت يتطلعون فينا وكأننا نوع من الكائنات الفضائية العجيبة.

وصلنا إلى النيل, تحديدا النيل الأزرق, كان النهر عريضا ومتسعا وغزير المياه, فيما تناثرت مجموعات من الرجال والنساء فى بعض أرجائه وعلى شاطئيه عرايا كما ولدتهم أمهاتهم يستحمون, فى طقوس بدا بعضها وكأنه تعبدفى ذلك النهر مانح "الخير" لهؤلاء المدقعي الفقر.

انتظرنا لبرهة وصول المركب المصنوع من الصفيح, ثم قذفنا بأنفسنا فى داخله تخلصا من ذلك التزاحم البشرى الذى بدأت حلقته التى أحاطت بنا, تستقطب مزيدا من السكان الذين تستهويهم عادة استكشاف بشر ذوي وجوه ليست محروقة تماما, خاض المركب مياه النيل الزرقاء الغزيرة لزمن لم يزد كثيرا على الدقائق العشر, سمعنا خلالها أصوات الهدير والرعد والقصف الذى يحدثه اندفاع مياه النيل الأزرق الهابطة من أعلى الشلال إلى أسفله, ورأينا كذلك سدين طليت المعدات المقامة فوقهما باللون البرتقالى, الأول وكان قريبا منا واسمه "سد ديسابايا" وبناه الخبراء الأسبان والثانى على بعد قليل وبناه الإيطاليون وهما من بين سدود أخرى مقامة على النيل تحمل بعضها أسماء "بحش ـ الرهاء ـ رب ـ جوريارا ـ الدندر ـ ديبوهيلابر ـ بليس ـ خزان الحدود الاثيوبية السودانية ـ مندايا ـ دابوس ـ بير ـ جيانا ـ موجر ـ كارادوبي ـ مابيل ـ فنشا ـ أبخور ـ جودر ـ وديدسا". فيما كانت حوالينا الجزر التى تخترق مياه النيل والتى ازدحم فيها الأطفال الذين لايشكل غيابهم قلقا لدى أسرهم إذ إنهم ظلوا واقفين طيلة الوقت الذى استغرقته رحلتنا إلى الشلال وعودتنا منه فى نفس المكان وربما ظلوا هكذا حتى بعد رحيلنا عن المكان.

وصلنا إلى الشاطيء الآخر, حيث كان بشر آخرون سود البشرة ومن مختلف الأعمار واقفين يتطلعون فينا هم أيضا, سرنا فى طريق تشققت الأرض الطينية السوداء فيه وجفت, قبل أن تدركنا أرض رطبة ثم بعض الخطوط الممتلئة بالمياه والتى احتاجت منا السير فوق جسر مصنوع من أعواد من شجرة البامبو صغيرة متراصة كالسلم المدد على أرض, ثم العودة للجفاف فالرطوبة والبلل من جديد, يصاحبنا فى كل خطوة صوت رعد كأن أمطارا ستهطل بغزارة, نقترب من مكان الشلال فيزداد الدخان الأبيض كثافة. ويعلو الصوت الهادر, نصل إلى المكان فنكتشف أننا أصبحنا قائدين لمسيرة أخرى منذ تركنا شاطيء النهر وأن من بين المشاركين فيها عازفي ربابة وباعة مياه غازية ومشروبات باردة فيما ضمت مسيرتنا "المظفرة" أيضا أطفالا غنوا لنا مقاطع لم نفهمها فتوقعوا أن نكون مسلمين فقرأوا فى نفس واحد وتناغم لا نشاز فيه "الفاتحة و سورة الإخلاص" عندما سألنا مرافقينا عن المقاطع الأولى المغناة قالا إنها من الانجيل, وإن هؤلاء الأطفال الذين يمتهنون التسول يحفظون أجزاء من الإنجيل وبعض السور القصيرة من القرآن الكريم, وانهم يؤدون المقاطع التى يعتقدون انها ملائمة لمن يسمعها وفق ديانته.

النيل.. نجاشى

في مواجهة الشلال الهادر لابد أن يتذكر المرء أغاني عبدالوهاب عن النيل وهي كثيرة, ولكن في تلك اللحظة صعدت الى الذاكرة كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي التي غناها محمد عبدالوهاب "النيل نجاشي" وتعني هنا "العظيم" في الوقت الذي كنت أشاهد فيه ستارة عريضة بيضاء من المياه يخترقها شعاع الشمس, فتتشكل منها حزمة مذهلة من الألوان, تندفع من بين فتحات وسط الصخور أعلى نهر النيل الأزرق الذى ينبع من بحيرة تانا ويجيء من هناك مندفعا, ثم يهبط فجأة من ارتفاع 45 مترا وبعرض ثلاثين مترا فى ذلك الوقت - يزداد إلى أكثر من 120 مترا فى شهور يونيو ويوليو وأغسطس عندما تملأ مياه الأمطار التى تهطل غزيرة خلالها إلى الأسفل مكونا بحيرة مائية, وعندئذ فقط يتغير لونه من الأزرق إلى الأخضر الفاتح.

يغير الماء بعد ذلك اتجاهه الى اليسار إذ يندفع الى مسار آخر سرعان مايلتف فى أسفل الوادى مكونا شلالا صغيرا لايزيد ارتفاعه على المتر ونصف المتر, قبل أن ينحنى إلى مسار ضيق لايزيد على المترين ويستمر فى جريانه متفرعا إلى شلالات أصغر حجما ومنها جميعا تتصاعد السحب الدخانية,هناك رأينا الوادى عميقا ومكتنزا بالأشجار ذات الخضرة الزاهية, فيما بدت الصخور عالية وإلى جوارها عدد من الجبال الصغيرة, التى يضمها ذلك الوادى المتسع.

ندور فى منطقة الشلالات من أعلى نقطة فيها ورويدا رويدا ندور حتى نقف فى مواجهة هذا العملاق الهادر, الدخان الأبيض يغطى المنطقة الدائرية فى أسفل الشلال ويتطاير رذاذها ليغطى وجوهنا ووجوه أعضاء المسيرة التى رافقتنا والتى - ربما بسبب كرم ضيافة لم نرغب فيه - أصرت على السير إلى جوارنا خطوة بخطوة, قارعة الربابة حينا وحينا زجاجات المشروبات غير الباردة.

كنا الغريبين الوحيدين اللذين يسيران فى ذلك الوقت فى تلك المنطقة التى تبدو كالبكر, حيث لايوجد فيها أي مرفق سياحي كان أم خدميا, على الرغم من المناظر الساحرة التى تتمتع بها المنطقة, ومع ان الرواد الذين يأتون للمنطقة, عادة فى الصباح يصل تعدادهم فى الأيام العادية الى 150 شخصا, ويزداد هذا العدد إلى أكثر من 700 فى نهاية الاسبوع.

والواقع أن أثيوبيا مكتظة بالمناطق السياحية الرائعة وهي وفقا لما قاله لنا يوسف عبدالله سكر الوزير المفوض للسياحة, شديدة التنوع فمن السياحة الدينية إلى الترفيهية وتضم تلك البلاد العريضة العديد من الآثار الإسلامية والمسيحية إلى جانب الأنهار والشلالات والجبال والوديان والحدائق المفتوحة, في الوقت الذي تقدم فيه أثيوبيا وفقا لما أخبرنا به تاديسا هايلي المدير العام للاستثمار فرصا هائلة وتسهيلات كبيرة وإعفاءات ضريبية مهمة للمستثمرين في كل المجالات التي تتعدد هناك وتتنوع بكثرة لافتة.

شمس الأصيل

عدنا بنفس الطريقة عابرين النهر وقد بدأت الشمس تميل إلى الوهن. يعود عبدالوهاب الذي شدا أيضا برائعتيه "النهر الخالد" و"اجري يا نيل" ليطارد الذاكرة بأبيات من قصيدة "نجوى" مخاطبا النيل:

"أوليتني أهوى إلى جدول حيث الرضا بعض كفاف زهيد
ارتشف القطرة لا أرتوي ورب صاد لا يروم المزيد
أسأله عن شأنه ماله عاف الربى واختار ذاك الصعيد"

التقطنا السائق الأمهرى الذى كان قد أصلح إطار سيارته, وانطلق بنا بسرعة أكبر. أصابتنا بتعب وآلام شديدة, لكنها أوصلتنا إلى بحيرة تانا, فى لحظة غروب الشمس الخلابة فوق مياه البحيرة , وهى لحظة ساحرة للغاية ولعل تلك اللحظة التى رأيناها فى ذلك المكان هى الأكثر جمالا مما يمكن أن يرى المرء, كانت البحيرة متسعة وعريضة , فيما تهادت مياهها فى موجات صغيرة وبطيئة انعكست عليها خيوط شمس الأصيل الغاربة وهى تلملم بقاياها وترحل رويدا, مما أضفى على المكان الذى تلوّن بسحر مذهّب. كان كفيلا بإدخال بهجة للنفس وسكينة.

فى ذلك الوقت الذى لاأحلى منه ولاأجمل, احتشد السياح من مختلف الأجناس لاقتناص لحظة يعرفون جيدا مدى روعتها, جالسين فى حديقة الفندق المطل مباشرة على البحيرة. فيما انضم آخرون إلى أفواج سياحية حملتها المراكب الصغيرة ودارت بها فى عرض البحيرة التي ترتفع عن سطح البحر 1840 مترا وتصل مساحتها إلى 3060 كيلو مترا مربعا منطلقة إلى جزرها الثلاث الآهلة بأقدم كنائس المنطقة. وبين الجزيرة والأخرى مسافة تصل الى 90 كيلو مترا.

فى مساء البحيرة التي يخرج منها النيل الأزرق متجها نحو الجنوب الشرقي في البداية ثم يدور نصف دورة قبل أن ينحدر نحو الشمال الغربي إلى سهول السودان كان النور خافتا ولكن المنازل على الجانب الآخر من البحيرة كانت مصابيحها واضحة.على الرغم من ان تلك المنطقة عامرة بغارات البعوض خصوصا فى مواسم الأمطار. وهو بالفعل ماعانينا بعض أزيز القليل من أنواعه عند أطراف المياه مساء, لكننا كنا قد تجرعنا حبوبا مضادة للملاريا قبل أن ننتقل إلى تلك المنطقة بعدة أيام.

لم ننم سوى سويعات فى تلك الليلة التى أخذنا فيها سحر البحيرة فقضينا الليل على ضفافها غير آبهين بتهديدات البعوض لنا, وفى لحظات الصباح الأولى حيث كان الظلام دامسا وبينما كنا نتهيأ لوداع المكان , سرى إلى أسماعنا صوت المؤذن وهو يصدح بآذان الفجر من مكبر للصوت. أثار هذا اندهاشتنا فى ذلك المكان بالتحديد, فقد كنا نعلم أن انطلاق صوت للآذان ولو من دون مكبر للصوت فى عهدي هيلاسلاسى الإمبراطور المتعصب أو هايلى ماريام الكولونيل الشيوعى كان كفيلا باعدام كل من جرؤ على النطق به.

الآن كما يتفق الجميع تغيرت الأمور واعطت الحكومة الحالية للمسلمين الذين يزيد عددهم على 60 بالمائة من سكان اثيوبيا مساحة كبيرة لممارسة شعائرهم الدينية بحرية تامة, يعيش فى ظلها المسلمون الأثيوبيون أزهى سنواتهم بعد أن ظلوا مطاردين وقابضين على دينهم بمشقة.

غادرنا البحيرة بعد ان ألقينا التحية على مدير الفندق الذى كنا قد أثرنا اندهاشته معتبرا أننا الصحفيون العرب الوحيدون الذين رآهم طيلة مدة منصبه الطويلة فى هذا الفندق الحكومى, انطلقت السيارة بنا قاصدة المطار الداخلى, دارت بنا فى شوارع مدينة بحردار, حيث الشوارع فى ذلك الصباح البارد جميلة وواسعة تحيطها من الجانبين والوسط أشجار ضخمة, لم تكس الأتربة أوراقها بعد, نمر على جامعة "بحردار", وعدد من المحلات والمبانى التى تتناثر على أطراف الشوارع والتى كتبت أسماؤها فوق اللافتات باللغة الحبشية فقط.

بينما الشمس لم تكن قد سطعت بعد, كان رجال ونساء من الأمهرا يسيرون مسرعي الخطى ملتحفين برداء أبيض شفاف على الكتفين, فيما أرجلهم حافية وسيقانهم حتى الركب عارية رغم قسوة البرودة الصباحية, بعد بضع دقائق وصلنا المطار الصغير, كان مغلق الأبواب, انتظرنا فى مقهى شديد التواضع مقابل له نحو نصف ساعة, حتى أتى أحد العمال وأخذ يدير مفتاحا فى أحد أبواب المطار, وبعد ذلك سمح للركاب المغادرين بالدخول ثم وزن أمتعتهم.

السحر والخطر

من نافذة الطائرة بدأ مشهد النيل الأزرق فى الابتعاد رويدا رويدا لتتوارى معه تلك البحيرة التى يأتى المطر إليها فيتغير لون النهر و يسير مندفعا باتجاه الشلال, نبتعد لكن السؤال يظل يطاردنا, هل حقا يمكن أن تكون تلك المياه الزرقاء الوديعة سببا فى نشوب المشاكل بين الدول التى تعيش على موارده?.

السؤال مزعج حقا, لكنه أصبح يتردد كثيرا هذه الأيام, بعد أن أخذت موارد المياه على سطح الكرة الارضية فى النضوب, وازدات فيه تحذيرات الخبراء من أن ندرة المياه وليس الطاقة ستكون أساسا لصراعات طويلة قادمة, رغم أن الطبيعة قد رتبت للنيل الذي يعد النهر الأطول في العالم إذ يبلغ 6825 كيلو مترا قدرا كبيرا من تقاسم العمل الجغرافي, حيث المطر يزداد بكثافة في منطقة المنابع, ثم يقل باطراد كلما اتجهنا شمالا ويزداد نحو الجنوب, الأمر الذي جعل الزراعة المطرية مطلقة في نطاق المنابع "أوغندا وجنوب السودان وأثيوبيا" في الوقت الذي تسود فيه الزراعة المعتمدة على مياه الري في مصر, أي أن النيل قسم الحصص بشكل جيد حيث الكهرباء والأمطار للمنبع, والري للمصب, فالنيل يستقي مياهه من مصدرين الأول هو إقليم البحيرات الاستوائية التي تضم بحيرة فيكتوريا وحوض بحيرتي جورج وإدوارد, والثانية المنابع الأثيوبية التي تضم النيل الأزرق الذي يبدأ من بحيرة ري عطبرة والسوباط ويحمل النيل اسم "النيل الأبيض" في المنطقة الواقعة بين منطقة السدود في السودان ومدينة الخرطوم حيث يلتقي عندها النيل الأزرق مع النيل الأبيض, ومن الخرطوم يتجه شمالا ليحمل اسم "النيل" فقط.

ويستمد النيل 70% من مياهه من النيل الأزرق, لكن المشكلة تأتي دائما من الأيدي الأجنبية الخفية, وهي هنا بالتحديد "إسرائيل" التي تسعى منذ زمن إلى الاستفادة من مياه النيل, منذ أن تقدم تيودور هرتزل بمشروع اتفاقية إلى الحكومة المصرية عام 1953 لمنح الصهاينة امتياز التوطن في سيناء يتضمن استغلال مياه النيل من خلال سحبها بانفاق تحت قناة السويس, وقد رفض هذا المشروع من منطلقات فنية, وحاول هرتزل الضغط على الحكومة المصرية بالطلب من الخارجية البريطانية ارغام مصر على قبول المشروع ولكنه لم ينجح. بعد ذلك جاء مشروع "اليشع كالي" المعروف بمشروع "مياه السلام" الذي يقضي باستخدام 0,5% من مياه النيل لري النقب الشمالي عبر أنابيب تمر تحت قناة السويس بجانب الإسماعيلية حيث تصب المياه في الجانب الآخر في قناة مبطنة بالخرسانة حتى خان يونس ثم تتفرع في اتجاهين: غزة وبئر السبع.

إلى جانب ذلك هناك مشروع ثالث لعالم إسرائيلي اسمه "شاوول أرلوزوروف" يقضي بحفر ثلاث قنوات تحت قناة السويس لإيصال مياه النيل إلى نقطة ضخ في سيناء بالقرب من مدينة "بالوظة" وتدفع في قناة مفتوحة تسير بمحاذاة ساحل سيناء الشمالي وتنتهي عند بداية جهاز الري الإسرائيلي في النقب, وقد لاقت النية لتنفيذ هذه المشروعات معارضة كانت كفيلة برفض مناقشة الفكرة من حيث المبدأ.

رفض المحاولات الإسرائيلية دفعها للتوجه نحو منابع النيل "ولعله من الملاحظ أن خطاب الأزمة المائية لم يشتد على هذا النحو إلا باتجاه أزمة إسرائيل المائية إلى التفاقم".

هنا بدأت إسرائيل تتحرك على كل المحاور المائية في المنطقة, وتعددت مشروعاتها على محور النيل بغرض الحصول على مياه منه لري النقب الشمالي بما يسمح لها بالتوسع في أعمال الاستيطان, وقد انصب الاهتمام الإسرائيلي عندئذ على الوجود في دول أعالي النيل لتهديد المصالح العربية أولا ومنع تحول البحر الأحمر إلى بحيرة عربية ثانيا, إضافة إلى جلب الأثيوبيين اليهود "الفلاشا" الذين لم يتبق منهم سوى 25 ألفا والذين تقوم حاليا بنصب معسكرات في مدينة "غوندر" شمال أثيوبيا لحصر أعدادهم قبل ترحيلهم إلى تل ابيب, بعد أن كانت قد نفذت "عملية موسى" عام 1985 ثم نظمت عمليات تهجير جماعي مطلع عام 1991 من أديس أبابا.

وقد احتلت العلاقة الإسرائيلية مع أثيوبيا وكذلك مع أريتريا موقعا خاصا في سلم الأولويات الإسرائيلية, التي اعتبرت الدولتين بمنزلة رأس جسر لها في إفريقيا وموطيء قدم لتثبيت وضع عسكري استراتيجي في مدخل البحر الأحمر, وقد ساهمت الصراعات الإقليمية بدور مهم في تمكين إسرائيل من النفاذ إلى مخططاتها في منطقة القرن الإفريقي, سواء عن طريق الصراعات التي شهدتها تلك المنطقة أو عن طريق استغلال إسرائيل لدعم بعض الدول العربية للثورة الإريترية في كسب ود أثيوبيا, التي كانت نتيجة معارضة أديس أبابا لأي ترتيبات عربية جماعية في البحر الأحمر.

وزير النقل والمواصلات الأثيوبي د. محمود درير استبعد تماما ما يشاع عن أن حرباً سوف تتسبب فيها مياه النيل, قائلا أيضا "إن أكثر من 80 بالمائة من المياه تأتي من أثيوبيا, التي لديها الحق في أن تستخدم هذه الموارد ولكن بطريقة لا تتنافى والشرعية الدولية, وهذا ما كنا نطالب به من قبل وما سنطالب به مستقبلا, والإخوة في مصر والسودان يتفهمون هذا الوضع, ومواقفنا فيه واضحة".

يستطرد درير قائلا: لقد بدأنا الآن الدخول في مشاريع مشتركة لاستغلال المياه, ولذلك لا صحة إطلاقا لما يقال أن النيل سوف يصبح سببا في اندلاع حرب.

وعن وجود مشاريع إسرائيلية خاصة في بناء السدود قال "ليست لدينا مشاريع سدود مع إسرائيل, وإذا كان لدينا مشاريع مستقبلية, فنحن نحدد المستوى المطلوب لها, وعلى الشركات العربية أن تتقدم وتساهم في بناء تلك السدود".

والدول التي سيتم بينها التعاون المشترك هي الدول التسعة الواقعة على حوض النيل وهي: كينيا واوغندا وبورندي ورواندا والكونغو وتنزانيا والسودان ومصر واثيوبيا, وسيساهم البنك الدولي وبرنامج الاغاثة التابع للأمم المتحدة في تمويل المشروعات التي تم الاتفاق عليها وفق معايير المنافع المشتركة بين دول الحوض.

وقد شرعت أثيوبيا في تنفيذ 33 مشروعا للري وتوليد الكهرباء حول حوض النيل الأزرق, في الوقت الذي توجد هناك مشروعات أخرى مازالت تحت التنفيذ منها محطة لتوليد الكهرباء على بحيرة تانا, وسد على نهر "فنشا" لزراعة قصب السكر, فيما تقوم المجموعة الاقتصادية الأوربية بتنفيذ مشروعات عدة لتوفير مياه الري للمنطقة المحيطة ببحيرة تانا ولتوليد الكهرباء من البحيرات الواقعة جنوب غرب أثيوبيا, كما قامت روسيا ببناء سد صغير على نهر "البارو" لري عشرة آلاف هكتار, وقبل أربع سنوات وافق البنك الدولي على تمويل إقامة سدين تقدمت بهما أثيوبيا على النيل الأزرق دون أن يشترط موافقة دول المصب رغم أن العرف المائي الدولي جرى على أنه لابد من موافقة دول المصب على المشاريع الخاصة بدول المنبع.

في هذا الوقت فإن حاجة دول المصب وهما دولتان عربيتان "مصر والسودان" ماسة, إذ إن نهر النيل يروي نحو 5 ملايين هكتار في السودان ونحو 2,5 مليون هكتار من الأراضي في مصر, بل إن مصر مثلا تعتمد اعتمادا شبه تام على مياه النيل "حوالي 97%" وسوف تتزايد حاجتها مع ارتفاع الكثافة السكانية فيها, في الوقت الذي بلغت فيه الحصة القديمة لمصر 55,5 مليار متر مكعب, ولم تعد تكفيها, بعد أن بلغت احتياجاتها عام 2000 نحو 70,5 مليار متر مكعب, يتوقع أن تزداد في عام 2025 إلى 103 مليارات متر مكعب مع زيادة متوقعة في عدد السكان تصل إلى 86 مليون نسمة.

يعلق على هذا السفير محمد محمود ودادي مندوب الجامعة العربية لدى منظمة الوحدة الإفريقية قائلا لنا: "من المعروف أن 80% من الموارد المائية لمصر ترد من النيل ولذلك فإن لها حقا مكتسبا ومعترفا به دوليا, والسودان كذلك يعتمد على النيل ولكن بشكل أقل من مصر, فلديه موارد أخرى غير النيل, إذ تهطل عليه كميات هائلة من الأمطار, ولكن عندما نتحدث عن الظروف الحالية, فإن النغمة التي تتردد في دول المنبع وأثيوبيا خصوصا ضد الاتفاقيات الخاصة بالنهر استمرت على الرغم من أن الحكومة الحالية منذ تسلمت الحكم عبرت عن انفتاح نحو العالم العربي واتهمت الأنظمة السابقة بأنها عزلت اثيوبيا عنه, وقد عقدت لقاءات في هذا الشأن بين مسئولين في مصر وأثيوبيا, وحاليا فإن الدول التسع المشاركة في حوض النيل اتفقت على مجموعة من البرامج المشتركة لاستغلال المياه, واستجابت أثيوبيا.

إذن التشاور في موضوع مياه النيل أصبح الآن سمة وبداية لمرحلة يتم خلالها إزالة الحساسيات, وهي تصب في النهاية في نوع من التشابك والتكامل الاقتصادي بين هذه الدول, وأعتقد أن الجو الآن إيجابي جداً في هذا الاتجاه.

من جهته, يشدد على ذلك نائب وزير الخارجية "تاكيدا ألمو" الذي استقبلنا في مكتبه مؤكدا أن أثيوبيا تريد تعزيز علاقاتها مع دول الجوار ومع مختلف بلدان الشرق الأوسط, مشيرا إلى أن بلاده, اتفقت على إقامة مشاريع مشتركة لاستغلال مياه النيل, وأنها تسعى لعلاقات قوية مع الدول العربية عن طريق التجارة والاستثمار وأن السياسة الخارجية الجديدة في أثيوبيا تقوم على تحقيق السلام في المنطقة وانعاش الاقتصاد, وإخراج الشعب هناك من المجاعة التي تضرب مناطق واسعة منذ سنوات.

غادرنا النيل من نقطة منبعه, وكانت صفحته الزرقاء تلمع مع أشعة الشمس الصباحية, كان ذلك الهدوء الذي بدا عليه النهر يحمل العديد من التساؤلات والكثير من الحذر, هل يكمن وراء تلك الزرقة الجميلة, خيوط حمراء من الدم والمعاناة كان ذلك النهر الذي رأيناه وديعا, يقذف بها في السابق في أوقات فيضانه, جالبا الخراب بعد لحظات من الحياة والخصب?

وهل سيحتاج هذا النهر إلى قرابين جديدة كتلك التي كان يقدمها القاطنون على ضفافه في العصور القديمة? أم أن زمنا جديدا قد لاح أفقه بالفعل, وارتضى فيه الجميع بالتعايش والتعاون المشترك وبدء عهد يحتوي فيه هذا المارد طموحات الشعوب ويدفع بها إلى التنمية والرخاء?

تلك هي الأسئلة التي حملتنا إلى هناك, والتي عادت معنا أيضا, بانتظار أن تسود اللغـة الجديـدة حيث التفاهم طريقا, والتعاون هدفا.. وقطرة الماء الغالية جسرا للبناء.. لا الحروب.

 

زكريا عبدالجواد

 
 




صورة الغلاف









قوارب مصنوعة من البردي تنقل السكان من ضفة النيل الى الضفة الاخرى





أحد أفراد قومية الاورومو .. هكذا تتشابه الملامح





وزير النقل والمواصلات الاثيوبي محمود درير





هكذا يجري تجهيز نبات "الانجبيرا" اهم الوجبات في أثيوبيا





إحدى نساء "الأمهرا" .. جمع الحطب من المهن الاساسية





بيوت نائية من الطين وأعواد البامبو على الطريق الى منطقة "بحر دار"





أحد أفراد قومية "العفر" .. سلاح وعصاة وبرتقالة





ميدان "الكيلو 6" من أشهر الميادين في العاصمة اديس ابابا





جانب من احد شوارع سوق شعبي في قلب العاصمة





أحد الاحياء الراقية حيث تنتشر المباني الحكومية





في حديقة "جيون" يصلي العروسان المسلمان قبل بدء احتفالات الزفاف





وجه من أديس أبابا





جزء من سوق "مركاتو" أشهر الأسواق الشعبية في إفريقيا





بيوت شديدة التواضع وابتسامة رغم الفقر المدقع





يوسف سكر الوزير المفوض للسياحة





تاكيد ألمو وكيل وزارة الخارجية





هنا تنحدر المياه بقوة فيرتفع الدخان الابيض





قرويات ذاهبات في الصباح الباكر الى "أعمالهن الشاقة"





النيل الازرق حين يكون هادئا بعد خروجه من بحيرة تانا





وجه مختلف باختلاف المناطق والقوميات في أثيوبيا





وجه مختلف باختلاف المناطق والقوميات في أثيوبيا





حي حديث في قلب العاصمة الاثيوبية





سد "ديسابايا" على النيل الازرق





شارع منحدر يزدحم بالسيارات والمارة ويبدو المسجد الى جوار الكنيسة والمباني الحديثة متلاصقة بالقديمة





مسجد الأنوار الاكبر في اديس أبابا ويؤمه أكثر من عشرة آلاف كل يوم





بحيرة تانا .. هكذا انعكست شمس الاصيل على مياهها لحظة الغروب





وجهان من القومية الامهرية حارسان متطوعان على النيل





السفير محمد ودادي مندوب الجامعة العربية لدى منظمة الوحدة الافريقية