جزر القمر عرب في أرخبيل البراكين والعطور أنور الياسين تصوير: فهد الكوح

جزر القمر عرب في أرخبيل البراكين والعطور

كأمنا جذابتهم روائح الأناناس والفانيليا والقرفة والقرنفل، فشدوا الرحال بعيدا إلى ذلك الأرخبيل من الجزر البركانية، بين أقصى الحافة الشرقية لإفريقيا والساحل الغربي لجزيرة مدغشقر، عاشوا على جزر من الزهور والصخور تبرز من بين أموج المحيط الهندي، شيدوا البيوت والمساجد البيضاء على اكتاف الصخور البركانية الداكنة وأحيوا أعراسهم بإنشاد سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومن مبعدة الاف الكيلومترات نادتنا أصواتهم العربية فلبينا النداء.. وكانت جزر القمر تفتح لنا أبوابها بكل المودة العربية، بدءا من باب بيت رئيس الدولة، وحتى أبواب بيوت مواطنيها البسطاء الطيبين.

رحلة طـويلة، من الكـويت إلى القاهرة، ومن القـاهرة حتى رأس "دالجادو" الفـاصل بين تنـزانيا ومـوزمبيق على الساحل الجنـوبي الشرقي لإفـريقيا. ومن هناك راحت الطائرة تحلق فوق ميـاه المحيط الهندي متجهة صوب الشرق، ومن ثم راحت عيوننا تبحث - في ضوء النهار الساطع على مياه المحيط - عن ذلك الأرخبيل من الجزر البركانية الذي يسمى "أرخبيل  القمر".

كانت جزيرة (نجازيدجا) التي تعتبر أكـبر جـزر الأرخبيل وأول جـزر جمهـورية القمـر الاتحاديـة الإسلامية تمتد في اتجاه عمودي عند مقدمة الطائرة، ومن ثم لم نر اليابسة من الجو، وكـان هبوطنا كالمفاجأة الطيبـة في مطار "موروني" أكـبر مـدن هذه الجزيرة وعاصمة الدولة الاتحادية التي تتكـون من أربع جزر هي (نجـازيدجا) و (نزواني) و (مـوالي) و (ماهورية) وهذه الأسماء كلها باللغة السـواحلية التي تعتبر لغة البلاد الحية التي يتداولها السكـان في حياتهم اليومية، بينما اللغتان الرسميتان هما العربيـة والفرنسية (التي تتكلمها جزيرة ماهورية أو مايوت الخاضعة لا تزال للنفوذ الفرنسي).

موروني، لؤلؤة جـزر القمر، وأكبرها راحت تفتح لنا ذراعيها فتغمرنا طيبة الوجـوه المسلمة وروعة الطبيعة الخلابة. بيوت بيضاء ناصعة مبنيـة من آجر معمول من رماد البراكين تمتد على ساحل صخري داكن، وتكللها هامات نخيل جوز الهند الخضراء. ويبرز بين الأبنية البيضاء مسجـد "الجمعة" الكبير بأروقته وأقواسه البديعة ومئذنته ذات المقطع المربع، وعندما  ينطلق منها صوت الأذان يبدو فريدا في هذه البقعة النائية من العالم التي تتسم بوداعة لا مثيل لها. وأينما امتدت خطواتنا كانـت تطالعنا الوجـوه بابتسامات ترحيب طيبـة وملامح تعكس امتزاج الخليط الإثني لشعـب جـزر القمـر وإن سـادت القسمات العـربية، فمعظم السكان البالغ عددهم قـرابـة السبعمائة ألف نسمـة من أصـول يمنيـة وحضرمية وعمانية. مع نسب أقل من الملاويين والمالجاش والأفارقة والهنود الإسماعيلية. ولأنهم في مجملهم مسلمون فقد تزاوجوا وامتزجت عناصرهم لتكون شعبا عربيا مسلما بإضافات إفريقية وآسيوية. أما البيض فقد بقوا في عزلتهم وأبراج سطوتهم السياسية القديمـة كـما هم. (زالت سطوتهم السياسية على ثلاث من جزر القمر الأربع وإن بقوا يمتلكون. الكثير من السيطرة الاقتصادية).

لأن القمر كان بدرا

يدعونا خليط الملامح إلى تقليب صفحـات التاريخ لندرك سر هذا الامتزاج أو تلك العزلة، فنعـود إلى أوائل القرن الثاني الهجري - القرن الثامن الميلادي - إحدى ذرى العصر الذهبي للمسلمين، حيث هبط على ساحل هذه الجزر بعض من الرحـالة العرب العائدة أصولهم إلى عدن ومسقـط وحضرموت ولأن القمر كان بدرا يوم اكتشافهـم لهذه الجزر فقد أسموها القمر (وعنها أخـذ الأوربيون الاسم فيما بعد فأطلقوا على هذه الجزر اسم "كومور" أو "كـوموروس")، ومع استتباب النفوذ العربي الإسلامي في هذا الأرخبيل صارت كـل جزيرة يحكمها سلطان عـربي مسلم يبقي على صلات الوصل متينـة بينه وبن بلده الأصلي. ومع هجمة الأوربيين النهمة في زمن "الكشوف الجغرافية" خضعت جـزر القمر لسطوة البرتغـاليين في القرن السادس عشر الميلادي. لكن هؤلاء كانوا كـبراغيث البحر لا يمكثون.. يبنون قلاعا ويمضون.. فعاد حكم السلاطين المسلمين إلى جزر القمر في القرنين السابع عشر والثـامن عشر. لكن السلطـة لم تـدم لهؤلاء السلاطين العرب مع بزوغ نجوم أوربا الاستعمارية فاحتلت فرنسا جزيرة مايوت عام 1886 وبعد أخذ ورد مع الإمبراطورية الاستعمارية الأوربية الكبرى - إنجلترا - تم إلحاق جزر القمر الأربع بفرنسا واعتبرت عام 1946 إقليما فـرنسيا من أقاليم ما وراء البحار ثم نالت الحكم الذاتي عام 1961. وبعد مفاوضات مع الحكومة الفرنسية ونضال من القمرين جرى تصويت بين سكان الجزر الأربـع صوت فيه 95% من السكان لصالـح الاستقلال عن فرنسا، ولما بدت هناك بعض المراوغة الفرنسية أعلن البرلمان القمري الاستقلال من جـانب واحـد ثم استـولى شاب وطني اسمـه علي صـويلح على الحكم وهـددت سلطته الشركات الأجنبية وهاجم مرتزق أوربي اسمه بوب وينـار جزر القمر في مارس 1978 على رأس مفـرزة قتلت علي صـويلح وأعادت الرئيس السابق أحمد عبدالله، وطرح دستور اتحادي وافق عليـه سكـان ثـلاث من الجزر باستثناء جزيـرة مايوت التي بقيت مرتبطـة بفرنسا. وما زالت قضية هذه الجزيرة نقطة صراع بين فرنسا والسلطة القمرية الحالية.

لقاء مع رئيس الجمهورية

السلطة القمرية الحالية يقودها الرئيس سيد محمد جوهر وقد كان لنا معـه لقاء اتسم بـالمودة والكرم وجرى حـديث الرئيس بالفرنسية فيما كـان هناك مترجم من أبنـاء جزر القمر ينقل الحديث إلى اللغة العربية وقال الرئيس ردا على مجمل أسئلتنـا: الإنسـان القمـري أولا وقبل كل شيء هو إنسان مسلم، والإسلام لم يدخل جزر القمر عن طـريق الغـزوات أو بالقـوة أو بـالقتال، لكن أهل جزر القمر سمعوا عن الإسلام فـذهبوا إلى مكـة المكرمة لـدراستـه وجـاءوا لنشره في جزر القمـر، وهاجـر أجـدادنا العرب من دول الخليج، ويقال إنهم جاءوا من سلطنة عمان وكـانوا صيـادين، كـانوا يعملـون بالتجارة في سواحل شرق إفريقيا ودخلوا جزر القمر، وهناك أيضا أنـاس جـاءوا من جنـوب اليمن وخاصة من منطقة حضرموت جـاءوا إلى جزر القمـر فصارت جـذورهم أصـول جـزر القمر، فأصبحوا هم سلاطينها، والتاريخ يثبت هذا، إن كل سلاطين جزر القمر كان أصلهم من حضرموت، وهذا بسبب الإسلام لأنهم جـاءوا به وأصبحوا سلاطين للبلاد، والقمري أصلـه عربي.. ثم كـانت هناك القوافل الأخـرى التي أتت من مناطق إفريقيـة مختلفة، وكانوا يأتون بزوجـاتهم ومعهم أيضا العبيد والأفارقة، لذلك ترى اختلاط الـدم، لو ذهبتم إلى هنزوان أو في العاصمـة بـرونيا هنا أو في المدن الكبرى أو في سنـدا، انظر إلى الـوجوه فسوف تجدها واضحة تماما، تجد منهم من ليسوا بأفـارقة ولكنهم خليط - هـذا هـو الإنسان القمـري اليـوم وكـما ستـلاحظون وحيثما ذهبتم - لكن جـاء الاستعمار الفرنسي واحتل جـزر القمر لمدة 150 عاما - دون أن نرضى بهذا الاحتلال - فنحن ولدنا أحرارا، لكن غلبنا - كـما حدث أيضا في كل دولنا العربية، لقد استعمرتنا فرنسا طويلا.

الآن الأشيـاء تغـيرت أصبحنـا أحـرارا ومجتمعين، نبحث بعضنا عن بعض، إذن جزر القمر جزء ولو أنها بعيدة ما عن الوطن العـربي ولكنها جزء لا يتجزأ من أمتها العربية، لهذا أسرعنا بالانضمام إلى جامعة الدول العربيـة، الأشقاء الرؤساء السـابقون حـاولوا كثيرا الانضمام إلى الجامعـة العربيـة ولكن لم يصبهم الحظ في ذلك الوقت، أنا لا أدري كيف تم القبول، ولكن هـذا فضل من الله تعالى الذي أعطـاني القبول واستجاب سبحـانه لطلبي، فأنا دخلت الجامعة عن طريق "الأدغال " وعقدنا ملتقى إسلاميا لثقافة إسلامية هنا في جـزر القمر، وشارك فيها الكثير من الدول كملتقى إسـلامي، لأنني كنت أخشى خـاصـة ممن كـانـوا يستعمروننا، فعندما قلت إن هذا ملتقى إسلامي لم يحل أحد دون انعقاد هذا الملتقى، لكن هـدفي كان معروفا وكنت أعـرف مـا أفعل، كنت أريد أن يأتي أشقائي العرب إلى جزر القمر ويروا بلادنا، ويعرفوا كيف تسير حياتنا ونستخدم رداءنا وثقافاتنا والرقصات القمرية والمجـالس القمرية، وعندما جـاءوا كنت في صلاة الجمعة، وبعد انتهاء الملتقى وبعد أن ألقيت الكلمة بكى البعض لأنه لم يكن في اعتقادهم أننا مسلمون أو عرب، ومن هنا انطلقوا بأنفسهم ومع قناعتهم بالأمر الواقع خرجوا وأقاموا الدعاية المطلوبة بالدعـوة لعروبة جزر القمر وانضمامها لجامعة الدول العربية.

نداء إلى الأشقاء

نحن نعتبر أن انضمامنا للجـامعة العربية جـاء حديثا والعضو الحديث لا ينشر متاعبه أما العائلة في بداية الانضمام، فمشاكلنا كثيرة وأنتم رأيتموها، وأولا وقبل كل شيء فإن هدفنا أن نعزز الدين الإسلامي والتربية الإسلامية في هذه المنطقة، ومـا أريده من أشقـائي في الدول العربيـة أن يساعدونا في نشر التربيـة الإسلامية. ليس نشر الإسـلام - فنحن مسلمون - ولكن التربيـة والسلوك الإسلامي في جزر القمر. وتأتي المرحلة الثانية وهي الصحـة، لأن الصحة قبل كل شيء، وهذه تحتـاج إلى مـدارس ومدرسين وإذا قلنـا الصحـة أم التعليم؟ أقول لك الصحة والتعليم معا.

نحن في حـاجة إلى مسـاعدة الـدول العربيـة حتى يكون لدينا الاكتفـاء الذاتي حيث إننا نقوم بشراء كل شيء من الخارج ولكن يمكننا تطـوير الزراعـة في جزر القمر ويكـون لدينـا اكتفاء ذاتي من النـاحية الغـذائية، أشيـاء كثيرة نقـوم بشرائهـا من الخارج ويمكن أن نقيمها هنا، هذه الأشياء تحتاج إلى دراسات وتعليم المزارعين الطرق الحديثـة للزراعة.ثانيا: لدينا طلابنا وهم كثر يتعلمون اللغة العربية بالإضافة إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية، الآن هـم جالسون عاطلـون ويحملون شهـادات جـامعية، وليس لـدينا أعمال، والحكومة ليس بوسعها أن تقوم بتوفـير العمل لكل هؤلاء الخريجين. وليس في جزر القمر قطاع خاص، أنا أريد أن أنشر القطاع الخاص، فهناك أشياء كثيرة كانت ملكا للدولة قد أدخلتها في القطاع الخاص، أنا أريد من أشقائنا العرب أن يأتوا ويستثمروا في المجالات التي يرونها مناسبة. لدينا ثروة سمكية لا تقدر، وهذا فضل من المولى تبارك وتعالى. الغربيون يأتون إلى هنا بسفنهم ليصطادوا السمك ويسرقوه ونحن نراهم، فليست لدينا القوة كي نقوم بردعهم عن هذا العمل، أنا أعرف خاصة أهل المغرب العربي يريدون أن يأتوا إلى هنا (يبنون فنادق هنا) ويحلون فيها أثناء إقامتهم عندنا حتى ولو كانت أسبوعا واحدا، يبنون ويملكون.

يوجد أجانب من الفرنسيين يمتلكون منازل هنا، فكيف لا نسمح لأشقائنا العرب؟ ولا يستطيع المواطن أن يبيع لأجنبي الا بأمر من الحكومة، لكن بالنسبة للدول العربية هذا شيء طبيعي فالمسألة عائلية، أنا شخصيا سوف أعطي الرخص لمن يريد، فليست هناك مشكلة في هذا.

والاستقـرار مـوجـود ولا شك، لأن القمـريين يفهمون هـذا. أما من ناحية المشاكل المتعلقة بالبطالة فليس هناك عمل، والدولة لا يمكن أن تـوفر العمل، رغم وفرة المتعلمين في جميع الفنون.

نحن نقترض من المؤسسـات الـدوليـة، وهي لا تعطينا مجانا، لكن قبلـت ووافقت لأن البلد لا بد أن يتطور، نحتاج إلى أشياء كثيرة، كـما قلت لكم نريد أن نعزز التعليم والصحة والزراعة حتى ننتج ما نأكله.

هذه هي سياستنا: الصحة- التعليم- الغذاء- الاكتفاء الغذائى- العمل لأهل جزر القمر. وهذه أشياء أساسية، وكل فرع من هذه الفروع له أفرع كثيرة، وبطبيعة الحال ليست لدينا الإمكـانات لكي نقوم بتطبيق هذه المبادئ الأربعة الأساسية، لهذا أريـد من أشقائنا العرب أن يفهمونا، لن أخجل من أن أقـول لهم ساعدونا في هذا المجـال، وإذا استطاعوا فهذا شيء عظيم، وإن لم يستطيعـوا فأنـا أفهم ظـروفهم وسيقولون لي الحقيقة.

العرس تباركه السيرة العطرة

هذه الأصول العربية والإسلامية التي ذكـرتها صفحـات التـاريخ، وأكدها لنا رئيس جمهورية جزر القمر، أكدتها مشاهداتنا لوقائع الحياة اليومية للقمريين وعاداتهم، وكـانت إيقاعا عربيا إسلاميا أصيلا في قلب لحن المكـان العذب والطبيعة الخلابة لجزر القمر، فقد طرنا من موروني إلى جزيرة هنزوان ووجدنا محافظ الجزيرة السيد أرباب الدين محمد في مقـدمة مستقبلينا الذين كـان بينهم الأستاذ إبراهيم عبده سالم مدير الشئون الإسلامية والعربية والمترجم العام في محافظة جزيرة هنزوان. وفي غمرة المشاعر الـودية وبرنامج الجولات التي شملت مناطق باباني، حيث رأينا المياه العذبة تتدفق شفافة من بين الصخـور، ومدينة مسمود حيث يهجع الميناء في حضن الجبال العالية، حضرنا في المساء عرسا قمريا، وكان لباس العروسين خليطا من الزي العربي وزي مسلمي آسيا، والزهـور تزين العروسين بكثـافة مفـرحـة، بينما راح بعض طـلاب المدارس يضربـون الـدفـوف احتفـالا بالعروسين، وكـانت الحنـاء العربية تزين بنقوشها الدقيقة راحتي العروس أما العنصر البارز في حفل العرس فهو أن مجموعة من الرجـال والنساء كـانوا ينشدون "البرزنجي" الـذي يتبرك بـه كل حفل، وهو عبـارة عن إنشاد لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولم تكن المناسبات وحدها هي التي تشي بالموروثات العربية والإسلامية، فقد كان كثير من منتجـات الحرف اليدوية ينطق بذلك كـما يتجلى في صناعة السلال والحلي والمجوهرات والتطريز. أما العمارة فكانت عربية الـروح تماما، وكـأنها جلبت من طراز البيـوت اليمنية والعمانية وان غمرها اللون الأبيض الناصع. أما الأبواب الخشبيـة في البيـوت القديمة والمساجد فإنها كـانت تظهر بما لا يدع مجالا للشك أن يد الفن العربي في الحفر على الخشب قد أنجزت زخارفها البديعة.

وإضافة إلى العبق العربي والإسـلامي ومسحـة التأثر الآسيوي كـانت هنـاك بعض ملامح الروح الإفريقية التي تقف جزر القمر على مبعدة ثـلاثمائة كيلومتر من سـاحلها الشرقي. فـالاحتفالات الشعبية تتسـم بالمرح الصاخب وتمثيل الحياة الجماعية والأحـداث الرئيسية في الأسرة والمجتمع. ومن المدهش أن أي قريـة قمرية مهما صغرت لا بد أن تزهو بوجـود "ساحة" للاحتفالات والاجتماعات العامة.

وقـد رأينا في احتفال بإحدى هـذه الساحـات رقصـة تسمى "يد الهاون " حيث يقوم فـريق من الفتيات الصغار بـالغنـاء ووسطهن مجمـوعـة تـدق العصي في هاون خشبي كبير بإيقـاع يتناغم مع الغنـاء، كـما أن هناك رقصة تسمى "الشيروماني" تلف فيهـا النسـاء أجسادهن بثيـاب تسمى شيرومان وتشبه ملاءات حمراء تتخللهـا زخارف بيضاء ولا يكاد يظهر منهن غير وجوههن. أما رقصة الرجال البارعة فتسمى "رقصـة سيف المبارزة" ولقـد ذكرتنا كثيرا برقصة السيوف العربية التي يؤديها الرجال.

زهور وعطور وألوان

ونحن بعد في هنزوان، تتوالى علينا نكهات جزر القمر المتباينة والمتآلفة، ففي مدينة دوموني على الساحل الشرقي، والتي يعـود تاريخهـا إلى العهد الشيرازي (القرن الرابع عشر الميلادي) وفي موقع على المنحدر الغربي لهذه المدينة يسمى "ماتسامودو"، كـان علينا أن نسيى الهوينى في الأزقة الضيقة المغمورة بالظل، نطالع شرفات البيـوت المزينة بالمشربيات والتي ينطقونها في جزر القمر"موشاربيه"، والأبواب الخشبية المحفورة باليد، والأروقة المزينة أما البيوت حيث يتجمع الجيران لتبادل الحديث. مظهر يذكرنا بالمدن العربية القديمة الصغيرة. لكن الأمر لا يخلو من نكهة أوربية تتمثل في القلعـة التي تطل على المدينـة والتي بناهـا البرتغاليون زمن مجيئهم إلى جزر القمر. والى جـوار ذلك نرى نكهة قـدمت من شاطئ إفريقيا الشرقي القريب، فكثير من النساء يطلين وجوههن بقناع أبيض من عجينة النرجس والياسمين لجلـب الطراوة للبشرة ولاتقاء حرارة الشمس برغم أنها ليست بحرارتها في القارة الإفريقية. وإذا ما نظرنا إلى الحناء العربية على الأكف وزهور الياسمين المرشوقة في الثياب والشعور، وذلك الدهان الأبيض على الوجوه لأدركنا أن نساء جزر القمر لم يتركن جذرا مـن جذور هذا البلد إلا واستلهمن منه شيئا لزينتهن.

ومن الحارات الضيقة الملتفة نصعـد نحو التلال فندخل في لون آخر من ألوان لوحة القمر البهية. نجد أنفسنا في الأعالي وسط غابـات كثيفـة من شجـر قرنفلي الشكـل يقال إن الشجـرة منـه لا تبلغ سن النضج إلا بعد عشرين عامـا حيث تعطي أزهارا تأخـذهـا فـرنسا لتصنع منها أثمن أنـواع العطور وبعض المستحضرات الصيدلانية لطب الأسنان كـما تستخـدم لتعطير الأطعمة، ولا يتـوقف حـديث الزهور والعطور عند هذه الأشجار فجزر القمر كانت، ولا تزال، مصدرا للزهور والنباتات التي تستقطر منها بـاريس أفضل عطورها، ونرى منها نوعا من العليق البري يسمى "الأربوزاز" ونباتا يسمى "يلانج بلانج" قـدم من إندونيسيا في القرن التاسع عشر ووجد فرصـة للنمو بغزارة في جزر القمر واقتنصت منه فرنسا، ولا تزال، عنصرا مهما في صناعة العطور الممتازة. لهذا لم يكن غريبا أن يطلق البعض على جـزر القمر ومياههـا لقب "أرخبيل العطور". ولم تكتف فرنسا باستيراد ما تريد من جزر القمر، بل إنها مازالت تضع أقدامها هناك في جزيرة "مايوت" الخاضعة لا تزال للنفوذ الفرنسي. وهي جـزيرة محاطة بسلاسل من الشعاب المرجانيـة على مدار ساحلها وتعتبر من أفضل البيئات البحـرية في العالم نظرا لدفئها وضحالـة مياهها وشفافيتها. حيث يستطيع عشاق الغطس تحت الماء أن ينعموا بمشاهد رائعـة تحت المياه ويراقبوا أسماكا نـادرة مثل أسماك "المرلين" وهي أسماك أقيانوسية ضخمة، وسمك "السلفيش" ذي الزعانف الظهرية الضخمة الـلافتة للنظر، وسمك الببغاء ذي الألوان القوية الزاهية، وسمك التونة الذي يوجـد بوفرة في مياه جزر القمر وتبلغ ثروة البلاد منه حوالي ربع مليون طن سنويا لا يستهلك منها إلا 6 أو 7 أطنان لحاجة سكان الجزر، ولعل أغلى أسماك العـالم تكـون تلك المسماة "سيليكانت" والتى لا توجد إلا في جزر القمر وتباع الواحـدة بعشرة آلاف دولار وهي سمكـة عظميـة منقرضـة منذ آلاف السنين ولم يبق منها إلا القليل جـدا في أرخبيل جزر القمر وهي ذات أهميـة بالغـة لـدارسي التطـور الجيولوجي والبيـولـوجي على الأرض إذ تبدو كسمكة أحفوريـة متحجرة وحيـة يرجح أنها تطـورت عبر 350 مليون عام ويستخدم ذيلهـا للتوازن لا للدفع ويبلغ طـولها حوالي 1,5 متر. وليست "مايوت" وحـدها هي جنـة الأرخبيل البحـرية، فجنات البحـر تتـوزع على مدار الجزر القمرية كلها، حيث تسخو المأكـولات البحـرية الرائعة من الأسماك والمحار والاستاكوزا الضخمة. ولم تبخل الطبيعة على جزر القمر فمنحتها إلى جانب جنـات البحر جنات البر أيضا حيث تتغطى تلالها بأشجار وشجيرات الفاكهة والخضار والموز والموالح والأنـانـاس وجوز الهنـد وغيرها من الفـواكـه الاستوائية الغربية التي توجـد بوفرة وبأسعار زهيدة في البلاد إذ إنها لا تصدر نظرا لعـدم وجود إمكانات تقنية ومادية لتصديرها.

لقد طفنا بجنائن البر والبحـر الماثلة في جزر القمر وحانت عودتنا إلى الجزيرة الكبرى، حيث العاصمة موروني وكـان التساؤل يستبد بنـا: كل هذا الخير والجمال..فما المشكلة؟!.

من يشتري القرنفل؟

في موروني كان اللقاء مع وزير الشئون الخارجيـة لجمهورية جزر القمر الاتحاديـة الإسلامية السيد محمد أحمد السقاف، وكـانت أسئلتنا عما يحدث في أرخبيل العطور، وجاءت الإجابـة: استقلال جزر القمر ساعدها في كل المجالات منذ استقلالها وحتى يومنا هذا. ونحن لا نستطيع إلا أن نقدم شكـرنا لكل من ساعدنا على إحـداث التطور في بلـدنا بعـد استقلالها، فأنتم تعلمون أن فرنسا تركت هذه الدولة دون أن تقيم شيئا فيها، ودولة الكويت تعد من الدول التي ساندت وساعدت جزر القمر في تطورها وثقافتها في شتى المجالات. وبرغم أن فرنسا كانت محتلـة لهذه البلاد - وكـما ذكرت لم تعمل شيئا بها - إلا أن أجدادنا صمموا على ألا يتركوا ثقافتهم العربية الأصيلة والإسلامية، لذلك لم ير الاستعمار حلا إلا أن يترك هذه البلاد خالية ودون أن يعمل فيها شيئـا ومع ذلك فإن إخـواننا - أقصد الدول العربية والإسلامية - لم ولن يتركوا بلادنا تقف بمفردها بل قاموا بمساعدتنا في كل المجالات. ونظرا لعدم وجود المدارس للتدريس خاصة المدارس العليا كنا مضطرين - أو كان أباؤنا وأجدادنا مضطرين - لأن يرسلوا أبناءهم إلى أوربا وغيرها من الدول غير الإسلامية، لـذلك كـان من الطبيعي أن يعـودوا إلى بلادهم ثـانيـة مع بعض الثقافـات الأوربيـة وغير الإسلامية، وعلى الرغم من ذلك لم يستطيعوا أن يغيروا من طبيعتنـا وثقـافتنا العـربيـة والإسلامية.

تمسكنا بـالعادات والتقاليد العـربيـة والإسلامية. وسوف نحتـاج إلى إخـواننا لمساعدتنا في مجال التعريب، لان هذا يعد أول خطوة يجب أن نقوم بها تجاه شعبنا، حيث إن القانون عندنا في جزر القمر يقول: إن اللغة العربية واللغة الفرنسية هما اللغتان الرسميتان في البلاد لا تتجزأ واحـدة عن الأخرى، وعلى المدى سوف نوجـه الـدعوات إلى الـدول الشقيقة بأن تمد لنا يد المساعدة في هذا المجال، وليس هناك مانع من ذلك لوجود الروابط بين دولنا الشقيقة، والمشكلة الكـبرى الحادثة بين الشعب القمـري والثقـافـة العـربيـة والإسلامية هي أن الشعـب القمري 70% منه أقل من 25 سنة في حاجـة إلى تدريس، ولكن المدارس غير كافية هنا.

والحل هو المساعـدة من الإخوة في البلاد العربية بأن يرعوا هؤلاء الشباب في المدارس وغيرها.

وبالنسبة للتمثيل الدبلـوماسي، فليست هناك إمكانات لإرسال بعثات دبلوماسية في كل مكـان أو أي ممثل كـان ولكن التواصل قائم ومتطور مع الدول الشقيقـة، وربما كان السبب في أن الدول العربية حتى الآن لم تقدم أية مساهمة خاصة، ربـما يعود إلى بعد المسـافة بين جزر القمر حيث تقع بعيـدا عن منطقة الوطن العربي.

وفيما بين فـرنسـا وجـزر القمر، لم يتغير شيء لا سياسيا ولا اقتصاديـا ولا ثقافيا، إلا أنهم أصبحوا غيورين الآن منذ انضمام جزر القمر إلى جـامعـة الـدول العربيـة، الآن يريدون أن يطوروا مجال التلفزة والراديو، ولكن نحن الآن نحبـذ أن تكـون هـذه الأشياء (أي التطوير وخلافه) عن طريق الـدول العربية وليس عن طريق فـرنسـا. وأتسـاءل لماذا لم تقم فرنسا بالتطوير قبل ذلك؟ الكـلام الفرنسي حاليا عن التطـوير جـاء متأخـرا، وتفسيري لهذا هـو الغيرة كـما قلت بسبب انضمام جـزر القمـر لجامعـة الـدول العربية. أما عن الحالة الاقتصادية وبالنسبة لتخفيض سعر الفرنك القمري فقد كـان أثر ذلك شديدا، لأن الأسعار ارتفعت والمنتجات المحليـة لا يوجـد أحد يقوم بشرائهـا مثل القرنفل وغيره من المنتجـات المحلية، نحن نعيش بقدرة الله، ثم العمالة التي تعمل في الخارج، خاصة الذين يعملون في فرنسا، لأن هذا هو الباب الوحيد الـذي نخرج إليه للذهاب للعمل، وليت الأبواب تكون مفتوحة في دول الخليج حتى نتمكن من إرسال الشباب للعمل هناك.

هذا ما يسرنا وهذا ما نأمل ونود أن يكون في أقرب وقت ممكن، أما عن سؤالكم حـول ما يمكن أن نقدمه من التسهيلات اللازمة للبقاء هنا - فسوف نقدم لهم كل ما باستطاعتنا.. لا نملك بعض البيوت الجميلة ولكن نملك الأراضي. وهذا ما نأمله ونريده، لأن هذا يسهل التواصل بين جزر القمر والدول الشقيقة.

أما عن السياسـة داخليا فقد كبر دور البرلمان بعـد الانتخابات، والحكومة يمكن أن تقدم قرارا للبرلمان إذا شاء البرلمان أن يوافق، وإن لم يوافق فيترك الأمر. والبرلمان (أي الحزب الفائز بأغلبيـة الأصوات) هو الذي يشكل الحكـومة، والرئيس يعين رئيس الوزراء من هذا الحزب

هذا ما أخبرنا به رجل جزر القمر الشاب ورئيس مجلس النواب السيـد محمد عبدالله مشنفما الـذي يستيقظ باكـرا ليبدأ عمله في السادسة ويستمر حتى العـاشرة ليلا، وهو خريج الجامعات الأوربية ولـه دراية واسعة بالسياسة العالمية إذ عاش فترة طويلة في أوروبـا وعاد ليعيش في جزر القمر ويصبح أحـد سياسيها اللامعين وهو يفتخر بالتجربة الديمقراطية في جـزر القمر التي تقـوم على أساس دستـوري واحترام للتعدديـة حيث يوجد 14 عضوا معـارضا يحضرون اجتماعات لجان البرلمان المختلفـة ويعبرون عن رأيهم بحرية، وتنقل الإذاعة مداولات البرلمان على الهواء. ومن خلال زيـارتنا للسيد محمد عبدالله مشنفما عرفنا أن هناك ستة أحزاب في البرلمان، وقبل عام كـان هناك أربعـة وعشرون حزبـا أما الآن فأصبحت ستة أحزاب، وقد أقامت اجتماعا تحالفيا فيما بينها.

حول البراكين وفوقها أخيرا

أوشكت زيارتنا لأرخبيل العطور على الانتهاء وانتهى تطوافنا بجزر القمر الأربع، لكننا مكثنا نختزن صورة البراكين في ذاكرتنا إذ لم تغب عنا سيرة البراكين وصورها طوال جولتنا. وعلى شاطئ شوموني الواقع على الساحل الشرقي لجزيـرة القمر الكبرى كـانت مقذوفات البراكين تطفو على سطـح المياه. إذ يوجد في هذه الجزيرة بركـان شهير يسمى "كـارثالا" ترتفع فوهته 2631 مترا. ولم نتسلق جسم البركان لنصل إلى الفوهة فـالرحلة تستغرق يومين كـاملين، لكننا اكتفينا ببعض الصعود حتى غمرتنا الغابات بالعطور البديعة المنطلقة من أوراق وأزهار أشجارها، فحملنا هذا الأريج في صدورنـا ونحن نهبط، وعندما طرنا فوق موروني من جديد كانت هناك لحظة مررنا عبرها فوق البركان والغابات من حوله وكانت الطائرة تبتعد عن أرخبيل العطـور، لكننا ظللنـا نحتفظ ببعض أريج جزر القمر في أنفسنا.

الموقع الجغرافي: تقع جزر القمر في مضيق موزمبيق بـين مدغشقر والساحل الإفريقي، وتضم أربع جـزر رئيسية وعددا كبيرا من الجزر المرجانية الصغيرة.

المساحة 236، 2 كيلو مترا مربعا (863 ميلا مربعا).

عدد السكان: 700.000 نسمة (تقديرات 1991) المدن الرئيسية: موروني (العاصمة) موتسامودو، فومبوني. اللغة الرسمية: العربية والفرنسية (معا).

الصادرات الرئيسية: فانيليا، كبش القرنفل، لب جوز الهند المجفف.

الواردات الرئيسية: المحروقات العربات، السكر، الأرز.

العملة: فرنك القمر.

تاريخ الانضمام للمنظمة الإسلامية: 1976.

تاريخ الانضمام للأمم المتحدة 12 نوفمبر 1975.

تاريخ الانضمام للجنة الأولمبية الدولية: 1976.

تاريخ الانضمام إلى الجامعة العربية: 20/ 9/ 1993.

العيد الوطني للدولة: 6 يوليو

والجزر الأربع لجمهورية القمر هي:

  • هنزوان: ويسميها الأوربيون إنجوان. إنها الجزيرة المعطرة.. ثانية الجزر سكـانا (9700 نسمة) مساحتهـا 424 كيلومترا مربعا.. أشهر مدنها متسمودو، ودوموني، بها عدد كبير من شلالات الماء.
  • القمر الكبرى: ويطلق عليها العرب اسم (انجاريجة) طولها 70 كيلومترا وعرضها 34 كيلومترا عدد سكانها 140 ألف نسمة. بها بركـان كارتالا الثائر، أشهر مدنها موروني عاصمة البلاد، وميساميهولي، وإيكوني، وفمبوني. مايوتـه أو ماهوري: ويسميها الأوربيون مايوت.. أقرب الجزر إلى مدغشقر.. مسـاحتهـا 374 كيلومترا مربعا.عدد سكـانها 39000 نسمة.. تضم سهلا خصبا كان مزروعا بقصب السكـر، أشهر مدنها: زاوزي التي كـانت عاصمة البلاد حتى عام 1966 ثم ماموتزو، وشنجدني..
  • موالي: ويسميهـا الأوربيون مهيلي.. الجزيرة الخضراء، وهي أصغر الجزر: 295 كيلو مترا مربعا.. عدد سكانها 10500 نسمة.. بجوارها 8 جزر صغيرة غير مأهولة.. أشهر مدنها: فمبوني، ونيوماشوا

 

أنور الياسين 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية   
اعلانات




صورة الغلاف





جزر القمر عرب في أرخبيل البراكين والعطور





خريطة جمهورية جزر القمر الإسلامية الفيدرالية





الجزر الأربع لجمهورية القمر وعلم جمهورية جزر القمر





رئيس الجمهورية سيد محمد جوهر





لقاء مدير التحرير مع رئيس جمهورية جزر القمر





وزير الخارجية محمد احمد السقاف





رئيس مجلس النواب محمد عبدالله  مشنفما





الطائرة الوحيدة في اسطول جزر القمر تنتقل بين جرز القمر ومورشيوس





النساء يبعن ثمار الأرض في سوق موروني





سيدة قمرية تحمل عثق الموز وهو من الفواكة التي تنبتها الجزر





ثمار جوز الهند ماؤها يروي العطش ولحمها يشبع الأفواه





على الشاطئ الصخري يغسلن الثياب





منظر من الجو لجزيرة موالي





جزيرة القمر الكبرى - العاصمة  موروني





الشيرومان أغرب حجاب تتوارى خلفه النساء في جزر القمر





اوراق اليلانج تملأ جزر القمر وتصدر إلى فرنسا لتستقطر منها أغلى أنواع العطور





كل الملامح في سوق موروني





قناع لترطيب البشرة من عجينة الياسمين والنرجس





ملامح من حفل عرس قمري. السيرة النبوية العاطرة تنشد على إيقاع الدفوف





الرجال يستمعون للسيرة النبوية في العرس القمري





العروسان في حفل الزفاف





يد العروس مطرزة بالحنة ليلة الفرح





وجه قمري عينان عربيتان ولون إفريقي وملابس تجمع كل العناصر