الهند. دلهي - أجرا - جايبور. سحر المثلث الذهبي.. وتناقضاته! محمد المخزنجي تصوير: سليمان حيدر

الهند. دلهي - أجرا - جايبور. سحر المثلث الذهبي.. وتناقضاته!

إنها الهند. وطن طاغور، وغاندي، وتاج كحل، وحدائق المغول، وأكواخ الفقراء ومعبدالشمس، وقصر الرياح، وشجر التين البنغالي، والأفيال الصاعدة إلى القلعة القرمزية، والأبقار الهاجعة في الشوارع، والقردة المطلة من الشبابيك، والطواويس السارحة في الحدائق، وقصائد العشق المغناة قعودا، وحلاوة وجوه فقيرات راجستان، ولهيب أطباق التندوري، ونظام الاتصالات الفضائية المتفوق، والطاقة الآتية من المحطات الكهرونوية، والعربات التي تجرها الجمال والثيران، ومخازن الكتب العالمية زهيدة الأسعار، ومرقصي الأفاعي والنسانيس والدببة. إنها الهند التي قطعنا على أرضها ألف كيلو متر بين ثلاث نقاط ترسم ما يسمونه بالمثلث الذهبي. وهو ذهب من تنوع الألوان، والأنغام، والروائح، وأصداء التاريخ.. وأصوات العصر...

صدمت، إذ هبطت طائرتنا في مطار انديرا غاندي الدولي بأطراف العاصمة الهندية قبيل الفجر. فلم أر في الأضواء الشحيحة على أول الطريق غير ظلال مديدة، تعبرها كأشباح متهالكة سيارات فيات عتيقة الطراز، وعربات "أوثوركشا" مصنوعة من فسبات "اسكوتر" بنيت عليهـا كبائن تسع بالكاد شخصين أو ثلاثة. ولم يلفت نظري من مهرجان الألوان المأمول غير بائعي قلائد الياسمين الهندي البرتقالي عند كل مفرق. ثم راح الفجر يرسل خيوط ضوئه الأولى، فيذيب إحباطي الأول الوهمي. بل يغرقني على التو في طوفان من الصور، حتى أنني قررت أن أرى وأرى، وانحي جانبا ذلك العمل الصحفي الممل، الذي يسمونه "المقابلات الرسمية"، فلا وقت للمقابلات. إنها عشرة أيام ضنينة، وأشواق الرؤية لا تحتمل الانتظار، والهند- كما وصفتها انديرا غاندي في كتابها البديع الضخم (سرمدية الهند)- كلما رأيتها تتسع..

قلب دلهي

في أول الصباح، الباكر، ألقينا بحقائبنا في الفندق، وانطلقنا على التو إلى ميدان كنوط، وهو مركز حيوي للعاصمة الهندية. دائرة هائلة تحيطهـا أبنيه خفيضة بيضاء على الطراز الفيكتوري تذكر بزمن الاحتلال البريطاني، طوابقها الأولى محال تجارية، وطوابقها الثانية - التي لاّ ثالث لها- مطاعم وفنادق ومكاتب أطباء ومحامين ورجال أعمال. أما وسط الدائرة فحديقة شاسعة زاهرة وظليلة تخبئ تحتها سوقا كبيرا تتوالى حوانيته في متاهة دائرية هائلة تبيع كل شيء.. ملابس. مصنوعات يدوية، من الخشب، والجلد والنحاس، والعاج. مصنوعات مقلدة، وأخرى حقيقية من الذهب الهندي الشهير والأحجار الكريمة التي يحسن الهنود صقلها.

كان الوقت مبكرا، تبعا لتقاليد الميدان، فالمحال لا تفتح أبوابها إلا بعد العاشرة، وهو أمر غريب في بلد حار، خاصة أنهم يغلقون أبوابهم عند الغداء، وينهون أعمالهم في السابعة مساءً! ولقد أتاح لي ذلك أن العاصمة الهندية- القلب التجاري حول ميدان "كنوط" (أعلى) الطريق إلى البرلمان، والقصر الرئاسي عبر" بوابة الهند" (أسفل). أستكشف عالم الحياة الهندية في الحدائق، فثمة بشر يقيمون في هذه الحدائق- إقامة كاملة- تبدأ من توسد العشب عند النوم. وتصل إلى حد الاستحمام، بالسراويل، وغسل الملابس عند مجمع صنابير الحديقة التي رأيتهم حولها وكأنهم يردون حماما عموميا، ويتخذون من أغصان الأشجار (مناشر) لتجفيف ثيابهم القليلة تحت الشمس. ثم، هناك المقاهي في ظل الأشجار وعلى الأرصفة، مقاعدهم العشب، ومناضدهم (أفاريز) المماشي. ولا يخلو الأمر من تحويل ركن من أركان الحديقة إلى ملعب كريكيت يتبارى فيه صبية حفاة بمضارب من ألواح خشب الصناديق ودروع من الخرق حول قصبات سيقانهم.

بدأت الأكشاك الصغيرة في الميدان تفتح أبوابها أولا، ومن أحد هذه الأكشاك أجريت اتصالا دوليا، بيسر شديد ومبلغ متواضع، وبجهاز متقدم يستخدم تقنية الأقمار الصناعية التي تملكها الهند، والجهاز يوضح كل شيء على شاشة رقمية مضيئة.. الرقم المطلوب، والثواني التي تمر أولا بأول، والسعر تبعا لذلك، ثم يطبع النتيجة النهائية فور انتهاء المكالمة. لقد ذكرني ذلك بأن الهند - بلد العجائب والمتناقضات- هي إحدى الدول العشر الأكثر تقدما علميا على مستوى العالم. وهو مكتفية غذائيا، بل توشك على تصدير القمح أيضا. ولها حلول مبتكرة، فسيارات الفيات قديمة الطراز المنتشرة في طرقاتها هو صناعة هندية مائة بالمائة، لأنهم اشتروا مصنعا كاملا لهذا الطراز أراد منتجوه الغربيون أن يتخلصوا منه فأخذه الهنود بسعر زهيد وعملوا على ترميمه وتطويره، وما دام يكفيهـم فلا يهم الشكل. شيء مشابه يفعلونه بالاسكوتر (الفسبا)- التي تعتبر الهند أكبر منتج لها في العالم - فهم يبنون عليهـا كابينة تسع شخصين إضافة إلى السائق وتنطلق بثلاث عجلات في أسراب هائلة صفراء وسوداء في شوارع الهند. حتى الدراجات أحالوها إلى عربات مكشوفة ترى فيها سيدات أنيقات ورجالا محترمين يجلسون بوقار بينما هذه ( السايكل ريكشا ) المنطلقة بقوة أقدام فتى نحيف يعمل بهمة على (البدال).. توصلهم إلى أهدأ فهم.

اكتمل نشاط الميدان، وكأنه يستيقظ دفعة واحدة عندما تفتح المحال أبوابها، وخلف الواجهـات كانت واضحة آثار الانفتاح الهندي، من إنتاج مشترك لأحدث ما تعرضه لندن وباريس ونيويورك وروما. ملابس وأحذية ونظارات وغير ذلك من صرعات "الموضة"، إلى جانب السواري الهندية وجلابيب البنجاب. أما الذي جذبني واستغرقني طويلا فهي المكتبات، ويسمونها "مخازن الكتب".

وهي حقا فراديس للكتب كما تقول الدعاية الهندية، حتى أنني رأيت كثيرا من السياح الغربيين يقتعدون الأرض وسط أكوام الكتب لينتقوا منها، بأرخص الأسعار، كتبا عالمية باللغة الإنجليزية مطبوعة في الهند ومنها سلسلة "بنجوين" الشهيرة، إضافة إلى الكتب الهندية الخالصة، باللغة الإنجليزية. فرصة حقيقية لاقتناء مكتبة عالمية بأرخص الأسعار. لم أفوتها، وإن انتزعت نفسي منهـا انتزاعا لأخوض في عالم الرؤية.. في عاصمة الهند، ثم، ومع السائق والدليل الهندي الرقيق "بيرام" في جولة استطالت ألف كيلو متر توصل بين مدن ثلاث، عبر ولايات ثلاث، هي: دلهي، وأوتار براديش، وراجستان.

اكتفاء.. وعوز

دلهي القديمة، أو دلهي المسورة، تمتد غربي القلعة الحمراء. والطريق إليها، وعبرها يخترق عالما من زحام البشر والألوان والروائح والأصوات. ونغرق في زحام سوق الحوانيت "شاندني شواك " الذي قيل إنه كان أثرى شوارع العالم في فترة من الفترات، وصمم عريضا ليتسع لموكب الإمبراطور "شاه جيهان" إذ يخترق المدينة. الآن صار سوق الحوانيت لجة من الزحام والضجيج الهندي تتوزع حوله مجموعة من المساجد الصغيرة والمعابد الهندوسية وتصطخب في قلبه حركة الناس والتجارة. هنا أفضل العطور الهندية الطبيعية الثقيلة والتوابل التي تكتشف لها طعما آخر في الهند، طعم الطازجة. زيوت الياسمين والنرجس والورد واللوتس والهال الأخضر والفلفل والكاري والشطة. روائح.. روائح.. روائح. وألوان.. ألوان.. ألوان. وتنفض بالكاد مجموعة من الصبية يتعلقون بك سائلينك شيئا بالإنجليزية: "أو مستر. فيفتي روبي. فيفتي روبي، لا يسألونك أقل من خمسين روبيه، حوالي دولار ونصف، وهم يشيرون إلى أفواههم كناية عن لزوم، الطعام. ما أن تزيح واحدهم حتى يعود للتعلق بك آخر.أجسامهم نحيفة وخفيفة ولون عيونهم مثير للدهشة. بني طحيني فاتح.. عيون واسعة وذكية وجميلة، وبرغم النحول وبقع سوء التغذية والحفاء إلا أنني لم أحس بفقرهم وفقر ذويهم. هم أنفسهم لا يحسون بالفقر. وأفكر في أن الإنسان لا يكون فقيرا أبدا إلا إذا كسره الإحساس بذلك.. لا ليسوا فقراء. أنه نمط من أنماط الحياة وسط الزحام. ففي وقت لاحق كنا نمر عبر الطريق المؤدي إلى أكبر مساجد آسيا وأكثرها بؤسا "المسجد الجامع"، وعلى جانبي القناة التي جفت مياهها وفي حوضها المغبر كانت أكداس البشر المهلهلين تنداح وتتحرك بائعو عاديات وخرق قديمة وانتيكات مكسرة وأطعمة رصيف حريفة وبذورات من الحمص والحلبة المنبتة وحب العزيز. ومتسولون مبتورو الأعضاء وماعز تسرح على هواها. ومجموعة تتحلق في وجوم حول مكبر صوت صغير يتعلق بعريشه مقهى متواضع. يسمعون حديثا دينيا صاجا له نبرة ومذاق أحاديث "الشيخ كشك" وإن باللغة الهندية. وتحت مظلة مهلهلة على الرصيف تمدد رجل نحيف شبه عار يقرأ رواية لنيبول باستغراق شديد واسترخاء. كان منظره طريفا وراح سليمان حيدر يصوره. وعندما انتبه إلينا نهض بجدية صائحا بالإنجليزية: "أوكي أوكي.. مائة روبيه للصورة الواحدة" وابتعدنا مقهقهين فما كان منه إلا أن أشاح عنا بازدراء لحظي وعاد إلى القراءة والاسترخاء في رحاب مملكته الترابية التي لا تمتد أكثر من نصف متر من الظل فوق رأسه، على الرصيف. لا ضغينة ولا انكسار. إنه نمط حياة وسط طوفان البشر. وهو ما تجسده صورة " الفقير الهندي" التي رأيتها مرارا على امتداد رحلتنا.. لا كآبة برغم أن الجلد على العظام، وكل ما في هؤلاء الناس خفيف، حتى أحسب أنه يمكن طي الواحد منهم طيا وحمله تحت الإبط. حتى جلستهم المقعية في انتظار المواصلات على الطرق وتحت الأشجار تنبئ عن هذه الخفة المرهفة، فلا لحم ولا شحم، حتى ما يسترهم، مجرد خرقة.. لكنها ملونة! خفة وقناعة أحسب أنهما وراء تلك المأثرة الهندية التي جعلت هذا البلد الكبير المزدحم مكتفيا غذائيا، بل يصدر القمح. فليس السبب الوحيد في ظني هو تلك الثورة الخضراء التي فجرتها الهند في الستينيات واعتمدت على استنباط سلالات غزيرة العطاء وطرق زراعة جديدة مجزية، بل أظن أن هذا الاكتفاء راجع في جانب منه إلى قناعة الملايين من هؤلاء الهنود الخفاف. فماذا يأكل الواحد منهم؟ لا بد أن أقل القليل يكفيه!

وهذا الاكتفاء أظنه سيستمر في الهند إن لم تقع أو توقع في مصيدة الاحتراب الداخلي، حتى عندما يصل تعدادها إلى مليار وثلاثمائة مليون نسمة عام 2550، كما تقول التوقعات، حيث ستبدأ رحلة تفوقها في التعداد على الصين الشعبية التي تتبع برامج صارمة لتحديد النسل لا يخضع لمثلها الهنود وإن كانت تجري عمليات تعقيم بعض الرجال بجراحة المناظير، وتنشط - دعائيا - برامج تنظيم الأسرة الانفجار السكاني قادم لا محالة في الهند، لكن الهند لن تجوع، كما أرى، وبالاستناد على ما لاحظته من خفة سوادها الأعظم، وانفساح حقول وآفاق اختفت منها الزحمة تماما.. وبمجرد العبور من دلهي، إلى نيودلهي ثم الريف بعد ذلك.

كل ديانات العالم

ما أبعد العمق اللوني للقلعة الحمراء المكسوة بالحجر الرملي الأحمر التي بناها شاه جاهان - منشئ تاج محل - إمبراطور القوة المغولية والعشق والجنون وحب الجمال.

عبرنا تحت قوس بدايتها الشامخة ومضينا في النفق الهائل المضيء، بين محال الحرير والنحاس والجلد وسائر مصنوعات الهند اليدوية البديعة. وكنا نتدافع بالمناكب وسط زحام السياح والزوار والمتسولين، ثم توقفنا لحظة لنصور رجلا من السيخ وابنيه اللذين حسبتهما "صبايا" لفرط حسن ملامحهما وربطة الرأس التي تشبه "تربيعة" البنات اللاتي يلففن شعورهن بها. لقد كانا صبيين بدا بلف شعرهما الذي لن يقصاه شأن أبيهما الذي يلف شعره كلما طال ثنايا العمامة، اتساقا مع اتباع نظام الإبرار ( الخلسا ) الذي يعتبر الصورة الحقة للإيمان عند السيخ حيث تمتزج الواجبات الدينية والاجتماعية بالسياسة أيضا في نظام واحد هو نظام الخلسا الذي يلزم اتباعه بخمسة أشياء تبدأ بحرف الكاف وهي: كيش (عدم قص الشعر)، وكانجا (مشط تصفيف الشعر)، وكيربان (خنجر أو مدية)، وكارا (سوار من الصلب)، وكاخ ( وهو سروال قصير لا يتجاوز الركبة). هذا إضافة إلى تحريم تدخين الغليون. وبالطبع فان هذه مجرد مظاهر أما جوهر هذه العقيدة فهو ما بشر به المعلم ناناك الذي ولد عام 1469 وفي عام 1500 تبنى حياة الزهاد والمتجولين وأنشأ منظومة من التعاليم تمزج بين الفشنافية (أي عبادة المحبة)، وتنبذ عبادة الاصنام، وتبجل من قدر العبادة الباطنية فهي متأثرة بقدر بسمات التصوف الإسلامي. وبالمناسبة فإن المسلمين الذين يبلغ تعدادهم حوالي 75 مليونا في الهند، لأتعود جذورهم الأخصب إلى المغول بل إلى تأثير الزهاد المتصوفين الذين وصلوا إلى الهند قبل أن يفتحها المغول.

تعاليم عقيدة السيخ تقول بوحدانية الله، الأزلي، الذي لا يوصف، الحاضر في كل مكان. وهي (نظام رؤية لطريق الخلاص،، ينبغي أن يقوم به - إلى جوار البصر الخارجي- البصر الداخلي، أي التأمل الباطني. وهدف الخلاص هو الفكاك من عبودية العالم ومن التعلق بالقيم الدنيوية فهذا التعلق يقود الإنسان في سوى، المهرة، اسرار تطعيم الرخام بالأحجار الملوثة. الوقوع في عذاب الموت بعد الموت، أي دورة التناسخ، بدلا من الفرح الأزلي بالرؤية السعيدة. وبرغم وجود المعابد السيخية المسماة " جوردوارا" التي يلتقي فيها أعضاء أسرة السيخ مع إخوتهم الأكبر، أي الابرار (الخلسا)، لقراءة نصوص من كتبهم المقدسة بعد النهوض من النوم والاغتسال مباشرة إلا أن نظام العبادة يحرر السيخ كثيرا عندما يقول إن المعبدالحقيقي يكون في القلب البشري.

وبرغم التباين بين السيخ والمسلمين والهندوس، وبرغم وجود نقاط للتشابه، إلا أن المراجع للعقائد في الهند على اختلافها قد يلمح سمتا هنديا لا شك فيه، حيث الباطنية والتأمل لمسات مشتركة تلحق بدرجة أو بأخرى بهذه العقيدة أو تلك.

على أية حال، وبرغم الاتفاق والاختلاف، فإن من رأيتهم في رحاب القلعة الحمراء كانوا هنودا: مسلمين وهندوسا وسيخا ضمهم رحاب تلك القلعة التي بناها شاه جاهنا بين عامي 1639 - 1648 لتكون حصنا لحكمه في دلهي. لكن الحصن لم يحم ساكنيه إلى الأبد إذ سقط المغول وجاء الإنجليز ثم مضوا عندما وقف أول رئيس وزراء هندي وهو البانديت جواهر لال نهرو ليعلن استقلال الهند في منتصف أغسطس 1947 ويرفع فوق القلعة الحمراء علم الهند ذا الألوان الثلاثة الأخضر والأبيض والبرتقالي الذي يتوسط بياضه رسم للنول الشهير الزي كان يغزل به غاندي خيوط ثيابه. ومن شرفة القلعة الحمراء العالية أطللت على دلهي المترامية، وكان أوضح الصروح التي يمكن لمحها من فوق أسوار القلعة! و "مسجد جاصي " أي مسجد الجمعة. وهي مآثره معمارية أخرى لشاه جاهنا، وإن عبثت بها يد الزمن، والإهمال المتعمد، أو غير المتعمد.. لا أدري.

الآن يبدو المسجد رثا برغم ضخامته التي لا يضارعها شيء من مساجد آسيا كلها. فالطريق إليه كأنها طريق الآلام حيث أكداس البشر المهلهلين وتجارة الأرصفة البائسة والقذارة التي لا حد لها. لم أخش من الطاعون - الذي أخذت دواء وقائيا ضده قبل وأثناء السفر- إلا في هذا المكان الشامخ والمهمل. بات مرتعا لذوي العاهات والمجاذيب والكلاب الضالة والماعز والأوربيين "إله يبز"، الذين يمكن للواحد منهم صعود المئذنة بعد دفع روبيات زهيدة. وإن بقي من تقاليد المكان أن المرأة لا يسمح لها بصعود المئذنة إلا مع زوج أو محرم!... وبرغم تشوقي للصعود والأطلال على دلهي من قمة مئذنة المسجد الجامع إلا أنني وسليمان حيدر- وقد بذلنا جهدا للتنفس وتغطية انوفنا مع ذلك - فررنا فور الانتهاء السريع من الإطلالة.

هذه الصورة من الرثاثة الفاشية ليست طابعا يسم كل الصروح الإسلامية وآثار المغول التي رأيناها في الهند، ففي دلهي أيضا قيض لنا أن نشاهد مقبرة الإمبراطور المغولي "هومايون" ومجمع منارة الكتب " كوتوب مينار"، وكلاهما - برغم آثار الزمن - مازال ساحة من النظافة والرحابة والزهور والخضرة والشموخ، وهي سمات تتصف بها إنجازات المغول المعمارية الذين يتألق في آثارهم ولع مشبوب بحب البساتين وقنوات المياه، فكأنهم كانوا يتخيلون المكان في البداية بستانا ثم ينثرون في أرجاء البستان أبنيتهم، حتى المقابر، وهي ليست مقابر بالمعنى المقبض للكلمة، بل هي نوع من الترحيب بقضاء الله في مخلوقاته، حيث الموت سكينة ممتدة وعظام تستريح على حنو الثرى وأرواح يطيب لها أن تطوف في رحاب الظل والخضرة ورقرقة الماء. فمقبرة الإمبراطور المغولي "هومايون" أشبه بمدينة للسكينة، مزهرة..فبعد مدخل شامخ، يمر بنفق تحت قوس طابية منيف، يمتد الطريق الطويل على جانبي قناة (جف الآن ماؤها) ومن يمين ومن يسار تمتد البساتين. وأصعد الدرج إلى مقبرة الإمبراطور.. أضرحة في الساحة لبعض من موتى الحاشية الإمبراطورية، أما الإمبراطور وخاصته فقبورهم تحت قبة هائلة يقول لي حارسها الهندي المسلم " سيد": "إنها قبة مزدوجة تردد الصدى مرتين"، ويصيح ليؤكد لي ذلك: "الله" فيرد الصدى - حقا - مرتين: "اللـ اااه. اللـ اااه.". وأشعر بـالرهبة، والرغبة في البكاء،! إذ يجاوبني الصدى بعد أن صحت باسم الجلآلة، مرتين: اللـ اااه. اللـ اااه. النظافة ذاتها والزهور والخضرة رأيتهما في مجمع " كتوب مينار" ذي المئذنة الغريبة الساحرة والمائلة برغم طولها البالغ 80 مترا ويرجع تاريخ بنائها إلى عام 1193 - كما قال لي أحد الأدلة الهنود ويدعى "مولات" - تأريخا لانتصار المسلمين ودخولهم دلهي، وقد أمالها زلزال في عام 1803 فظلت مائلة يدوخ ميلها وروعة زخارفها التي يصنعهـا تناسق الطابوق من ينظر اليها.

وفي ساحة قريبة من المئذنة المائلة شاهدت جمعا يعتلي منصة ينتصب في وسطها عمود فولاذي يحاول أفراد من الجمع أن يحيطه كل منهم بذراعيه من خلاف حتى تلامس أطراف أصابع يديه بعضها بعد أن يلصق ظهره بالعمود. يتمنى ما يتمنى وإن نجح في جعل أصابعه تتلامس فهذه بشارة تؤكد أن أمانيه ستتحقق. البشر لا يكفون عن الحلم حتى وعيونهم مفتوحة وعلى مرأى من الناس خاصة عند وجود أدنى تبرير لوجود الأسطورة.

ولهذا العمود أسطورة. فبرغم عمره الذي ترجعه أقوال إلى ألف عام بل حتى ألفي عام، فإنه لم يصدأ، ولم يجد العلماء تفسيرا لسر نجاة حديد هذا العمود من الصدأ. لكن البشر وجدوا في مقاومته الغامضة هذه تكأة للحلم في وضح النهار. ولم أبخل على نفسي بإحاطة العمود بذراعي من خلاف والحلم مثلهم، وإن لم تبرحني الآلام لمدة يومين إذ بذلت مجهودا سريعا وممزقا للعضلات حتى تتلامس أنامل يدي معا.. لعل وعسى. ولعل وعسى.. رددتها في داخلي مرة أخرى، في مكان آخر، وتحت قبة هائلة من المرمر تمثل جوف زهرة لوتس في معبد بهاي. مكان شديد النظافة والأناقة وجمال التنسيق وسط أحد أحياء دلهي الفقيرة حيث الأكواخ من الخرق والصفيح والدروب الترابية والبشر النحاف والأبقار والماعز المختلطين في الدروب البائسة. فجأة تعبر المدخل فيتراءى عالم استثنائي من النظافة والزهور والخضرة وقنوات المياه الفيروزية الشفافة، وقطارات من البشر في ممرين بين الزهور والماء. قطار ذاهب وآخر عائد. والهدف هناك.. زهرة لوتس هائلة، بيضاء بياضا نقيا يتألق تحت شمس الهند الساطعة يستقبلك على مداخلها العديدة فتيات وفتيان غربيون وشرقيون ويتحدثون بلغات عديدة، ويدعونك للدخول لتدعو الله تبعا لدينك ومعتقدك، في صمت - إنه " مشرق الأذكار البهائي". وإنها لنقطة حرجة سأتوقف عندها كمستطلع، فالديانات في الهند معادلة صعبه، شديدة الصعوبة، حيث كل ديانات الأرض موجودة في الهند. وإذا كان أبو الريحان البيروني، ابن القرن الخامس الهجري، قد سافر إلى الهند وقضى فيها أربعين عاما درس خلالها لغتها السنسكريتية القديمة حتى أتقنها ليطلع على تراث الهند الديني ويكتب كتابه المشهود "تحقيق ما للهند من مقولة، مقبولة أو مرذولة". فأنتي بالأيام العشرة التي قضيتها في الهند والشهور الثلاثة التي أنفقتها في قراءة عن الديانات في الهند قبل السفر وحتى الآن، أكذب إن زعمت أنني بصدد "تحقيق ما للهند من مقولة". كل ما أستطيعه هو أن أسجل رؤية وأن أدلى بانطباع.

في كل الشوارع التي مررنا بها كانت هناك معابد هندوسية ترى الشموع تحترق فيها دون توقف والزهور تغمر جنباتها وينعطف إليها الناس العائدون من أعمالهم ليقدموا نذورهم من زهور أو حبوب فيما يسمونه "بوجا". وطوال رحلتنا لم تنقطع عن الظهور أمام أعيننا تلك المعابد، في القرى، وعلى الطرق، وبأشكال وأحجام مختلفة. مما يقطع بأن التدين عنصر غالب وسائد في الحياة الهندية. فعلى جدران المحال وفي داخل التاكسي والأوثوركشا وعلى اللوريات صور دينية لشيفا ولرمز الشمس الدوارة الذي يعتبر أقدم الرموز الدينية (ومنه أخذ النازيون رمزهم وإن عكسوا اتجاه الشعاع ضد حركة عقارب الساعة) ويخبرني مرافقنا بيرام أن بكل منزل نموذجا مصغرا لمعبد تؤدى الطقوس أمامه كما أن الميسورين يخصصون غرفة مستقلة للعبادة في بيوتهم. أما الرزنامات فهي تعج بالتذكير بالأعياد الدينية. فالهندوس الذين يشكلون 83% من سكان الهند إنما يسبحون في نهر الحياة بروح التدين تلك. ولقد رأيت في إحدى المكتبات رجلا يفتش في ركن الديانات الهندية القديمة اسمه "تريفور" أخبرني خلال حديثنا القصير أن "التدين" "عمل يومي" لا ينقطع أبدا. فالهندوسية نظام اجتماعي وديني، ولا جانب يطغى على الأخر. وهي إطار للتعامل مع الطبيعة - بكل مكوناتها - وما وراء الطبيعة بكل ما فيها من مجهول وغامض. وكما شبهها أحد الدارسين، فهي إسفنجة تمتص كل شيء وتستوعبه من معتقدات روحية وخرافية. والعبادة مروحة ألوانها بلا عدد - فيها الشمس والسماء والنباتات والجبال والأنهار والأفاعي والشجر وكل قوى الطبيعة الخلاقة على اعتبار أنها جميعا تجليات لما هو أبعد وأخفى. والتلخيص الشديد - الذي آمل إلا يكون مسفا - للهندوسية يكمن في المفهومين الدينيين الأزليين: العمل والجزاء، ولكن بمنطق آخر حيث يتجلى ذلك في الحياة الدنيوية وما بعدها وهذه تلخصها عقيدة "الكارما" القائلة بأن المرء يجني نتيجة أعماله في الدنيا كما في الحياة المقبلة بعد حياته - والإشارة هنا إلى عقيدة "السمسارا" القائلة بأن النفس تموت وتولد متجسدة في كائن حي جديد وعلى قدر حسن العمل أو سوئه يكون شكل التجسد، أما من أحسن عملا، بشكل لا شائبة فيه فهو ينعتق من عناء تكرار الميلاد والموت ليلحق "بالموتى الأبرار" في "قبة السماء". وهذه هي درجة " النرفانا". هذا هو الثالوث المشترك بين معظم فرق الهندوسية بل في ديانات هندية أخرى كالجينية والبوذية. أما طرق الخلاص فترسمها خطوط عديدة لعل أوضحها هو القول بالزهد، والتأمل (كالتأمل في اليوجا)، كما أن هناك فرقا تؤكد دور القرابين والحج والتعبد. وهناك من يبسط طريق الخلاص إلى حد بعيد فهي في محبة الله "بختي" كما في أناشيد قديسي "مارثا". وهي في قيام الإنسان بواجبه كما في تعاليم "الجيتا". وهي في الامتناع عن الأذي "اهمسا" كما عند غاندي.

ولقد كانت المنصة التي أحرق عليها جثمان غاندي عند نهر يامونا هي آخر ما رأيناه في دلهي، وقد كتب عليها آخر كلمة تلفظ بها وهي "آي رام" أي "يا الله".

أجرا.. تاج محل

غادرنا العاصمة الهندية فكأننا نغادر عالما لندخل آخر في مروحة ألوان شبه القارة الهندية المدهشة، فعلى امتداد كثر من مائتي كيلو متر هي المسافة بين دلهي وأجرا إضافة لنحو 50 كيلو مترا من التفرعات التي غصنا فيها أو توقفنا عندها، لا لم نر إلا آفاقا واسعة من الحقول، وقرى صغيرة وعبر الطريق كانت تقابلنا كل حين عربة جرار تحمل عمالا زراعيين من النساء في صندوقها، وهو منظر مدهش بألوان ملابسهن الصاخبة حمرة وخضرة وصفرة، فاتنة كلها برغم بؤس الحال، وسيارات مبنية على جسم دراجات نارية موتوسيكلات أو فسبات سكوتر تحمل جمعا متضاغطا من البشر، وكثيرا ما كان يقطع علينا الطريق عابر سبيل يعرض علينا برنامجا من رقصة كوبرا يحملها في سلة معه إضافة إلى المزمار الهندي، أو نسناس يطيع الأوامر، أو القديمة اسمه "تريفور" أخبرني خلال حديثنا القصير أن "التدين" "عمل يومي" لا ينقطع أبدا. فالهندوسية نظام اجتماعي وديني، ولا جانب يطغى على الأخر. وهي إطار للتعامل مع الطبيعة - بكل مكوناتها - وما وراء الطبيعة بكل ما فيها من مجهول وغامض. وكما شبهها أحد الدارسين، فهي إسفنجة تمتص كل شيء وتستوعبه من معتقدات روحية وخرافية. والعبادة مروحة ألوانها بلا عدد - فيها الشمس والسماء والنباتات والجبال والأنهار والأفاعي والشجر وكل قوى الطبيعة الخلاقة على اعتبار أنها جميعا تجليات لما هو أبعد وأخفى. والتلخيص الشديد - الذي آمل إلا يكون مسفا - للهندوسية يكمن في المفهومين الدينيين الأزليين: العمل والجزاء، ولكن بمنطق آخر حيث يتجلى ذلك في الحياة الدنيوية وما بعدها وهذه تلخصها عقيدة "الكارما" القائلة بأن المرء يجني نتيجة أعماله في الدنيا كما في الحياة المقبلة بعد حياته - والإشارة هنا إلى عقيدة "السمسارا" القائلة بأن النفس تموت وتولد متجسدة في كائن حي جديد وعلى قدر حسن العمل أو سوئه يكون شكل التجسد، أما من أحسن عملا، بشكل لا شائبة فيه فهو ينعتق من عناء تكرار الميلاد والموت ليلحق "بالموتى الأبرار" في "قبة السماء".

وهذه هي درجة " النرفانا".

هذا هو الثالوث المشترك بين معظم فرق الهندوسية بل في ديانات هندية أخرى كالجينية والبوذية.

أما طرق الخلاص فترسمها خطوط عديدة لعل أوضحها هو القول بالزهد، والتأمل (كالتأمل في اليوجا)، كما أن هناك فرقا تؤكد دور القرابين والحج والتعبد.

وهناك من يبسط طريق الخلاص إلى حد بعيد فهي في محبة الله "بختي" كما في أناشيد قديسي "مارثا".

وهي في قيام الإنسان بواجبه كما في تعاليم "الجيتا".

وهي في الامتناع عن الأذى "اهمسا" كما عند غاندي.

ولقد كانت المنصة التي أحرق عليها جثمان غاندي عند نهر يامونا هي آخر ما رأيناه في دلهي، وقد كتب عليها آخر كلمة تلفظ بها وهي "آي رام" أي "يا الله" أجرا.

تاج محل غادرنا العاصمة الهندية فكأننا نغادر عالما لندخل آخر في مروحة ألوان شبه القارة الهندية المدهشة، فعلى امتداد كثر من مائتي كيلو متر هي المسافة بين دلهي وأجرا إضافة لنحو 50 كيلو مترا من التفرعات التي غصنا فيها أو توقفنا عندها، لا لم نر إلا آفاقا واسعة من الحقول، وقرى صغيرة وعبر الطريق كانت تقابلنا كل حين عربة جرار تحمل عمالا زراعيين من النساء في صندوقها، وهو منظر مدهش بألوان ملابسهن الصاخبة حمرة وخضرة وصفرة، فاتنة كلها برغم بؤس الحال، وسيارات مبنية على جسم دراجات نارية موتوسيكلات أو فسبات سكوتر تحمل جمعا متضاغطا من البشر، وكثيرا ما كان يقطع علينا الطريق عابر سبيل يعرض علينا برنامجا من رقصة كوبرا يحملها في سلة معه إضافة إلى المزمار الهندي، أو نسناس يطيع الأوامر، أو دب منزوع الأسنان ينتصب ويرقص قهرا على ضربات الدفء كل شيء قابل للرقص تحت إمرة فقراء الهند. لا زحام!، وقرى متواضعة تهجع تحت ظلال الأشجار وعلى حواف الترع، تماما كأنها قرى من ريف مصر ببيوتها المتواضعة وأقراص الوقود اليابسة المأخوذة من الروث بعد تجفيفه، ومقاهي الريف الفقيرة التي تبدو أحيانا بلا مقاعد فترى زبائنها يحتسون الشاي في ظل سقيفة من القش وقد جلسوا احتباء تساعدهم أجسامهم الرقيقة التي يسهل طيها ويسهل استقرارها عند الطي!

وقبل أن ندخل أجرا بعشرة كيلو مترات توقفنا في مدينة صغيرة، أو قرية كبيرة تدعى "سيكاندرا"، واتجهنا نحو مقبرة الإمبراطور "أكبر العظيم "، وبرغم التقاليد الإسلامية في عمارة المقبرة التي ترقد في بذخ معماري وسط البساتين ذات الطراز المغولي، فإن الملامح الهندوسية للحياة اليومية كانت تمضي في طريقها بهدوء.. أبقار متهادية في الشوارع ومعابد هندوسية صغيرة هنا وهناك وبائعو عقود الياسمين الهندي لقاصدي الزيارة قرب المعابد. ورأيت بعض الخنازير القليلة تجري في أحد الشوارع فسألت "بيرام " عمن يقتنيهـا أو يأكلها، فأخبرني أن الطبقات الدنيا من الهندوس، وهم يعملون أيضا بأحط المهن، يمكن أن يأكلوا لحم الخنزير.

دخلنا الصرح الذي يضم مقبرة أكبر.. بوابة هائلة وساحة تخترقها قنوات الماء ثم بناء شامخ يشبه المسجد وإن بأبراج وزخارف هـندية، تؤدي إليه بوابة باذخة أخرى ثم منصة وتحت القبة الكبرى المزدوجة أيضا يتوضع قبر أكبر.. ويشير لي حارس الأثر أن أنظر، وأنظر.. شيء مدهش، فخط النظر من نافذة المقبرة يمتد فيعبر كل المداخل من وسطها.. هندسة عجيبة وضعت كل المداخل على خط واحد وعلى امتداد عدة كيلو مترات بين ضفتين من البساتين. شجن مؤلم لو تصورنا أن الروح تهفو إلى الدنيا فتراها منافذ للضوء تضيق وتضيق حتى تغدو نقطة ضنينة في عتمة البعيد. ولا يبقى للروح غير الطواف فوف سكينة وبهاء البستان. لم أقرأ في أي من الكتب عن الهند.. لكن هذا ما أحسست به. فالموت سؤال له طعم خاص جدا جدا، أوقفني طويلا وأنا داخل مقابر المغول، وسيوقفني أطول وأكثر بين يدي الزوجين الأسطوريين النائمين متجاورين في صمت أبدي تحت قبة المرمر.. في تاج محل.

تاج محل.. يا الله...

هتفت " يا الله" وأنا أقف - بعد أن عبرت البهو وانعطفت إلى المدخل - في مواجهة تاج محل... انه شيء آخر، مختلف تماما عن كل الصور التي رأيتها، برغم جودة معظمها الفائقة. أنه إحدى عجائب الدنيا السبع بحق، والأعجوبة فيه لا تكمن في دقة معماره وكمال تناسب أجزائه والصفاء المطلق لبياضه المقدود من المرمر الخالص. لا، الأعجوبة في الإحساس به عند مشاهدته، فقد أحسست حياله وكأنني في حلم، وكان لدي هاجس خافق بأن هذا المبنى البديع الضخم خفيف ومسحور إلى درجة أنه يوشك على الارتفاع والطيران والاختفاء في صفاء زرقة السماء أو التلاشي في بياض السحب. إنه إحساس عجيب، لهذا لا أستغرب ما قاله الكاتب "ادوار لير" عندما رأى تاج محل لأول مرة، لقد تولته الرهبة والانبهار حتى أنه قال: "من الآن فصاعدا يجب أن يقسم سكان الأرض إلى فئتين، أولئك الذين شاهدوا تاج محل، وأولئك الذين لم يشاهدوه ". وإنني لأؤيد قوله.

تاج محل تحفة، وقصة، وموقف فلسفي وجدت نفسي أتساءل خلاله: ترى ما هو الامتحان الأعمق للحب، أن تصطفي من تحب ليكون إلى جوارك في صخب الحياة أم في سكينة الموت؟ لقد طرحت على نفسي السؤال وأنا أطوف مع الطائفين بقبري الزوجين الأسطوريين شاه جيهان وممتاز محل ( وقبراهما الحقيقيان يقعان في قبو أسفل قبرين للتمويه تحت قبة تاج محل، وهذه الحيلة رأيتها تتكرر مرارا في مقابر المغول، وهو خوف الأباطرة من تقلب الأيام واحتمال أن يقوم ناقم بنبش مقابرهم، فالنقمة كالنعمة قرائن لا يكاد يفلت منها إمبراطور أو حاكم مطلق) وتاج محل، ذلك الحلم المتلألئ في رداء من المرمر، نفسه.. لا يخلو من تكرار (تراجيديا) الحكم المطلق، تراجيديا دوران الزمان والقصاص الدنيوي العجيب الذي يؤكد أن هناك عدالة في الدنيا كما في الآخرة؟ وإن تأخرت أو غامت. فشاه جاهنا الإمبراطور المغولي الخامس بين أباطرة حكام الهند المغول هام حبا بممتاز محل الجميلة وقتل زوجها لتئول إليه. تمنعت في البداية، ثم قبلت وبادلته الحب وصارت الأثيرة لديه طوال زواجهما الذي استمر 19 عاما أنجبت منه أربعة عشر ابنا عاش منهم سبعة، وماتت في ولادتها الرابعة عشرة، وحزن عليها شاه جاهنا حزنا عميقا. وتخليدا لذكراها وحبه العظيم لها أمر بتشييد هذا القصر الضريح الذي أنجزه عشرون ألف عامل من أبرع الحرفيين في كل الدنيا وعلى مدى أحد عشر عاما وسط حدائق غناء وعلى ضفة نهر "يامونا" وكأنه لؤلؤة أسطورية وسط الزبرجد وعلى حافة الماء. وعلى امتداد البصر من تاج محل ينتصب "حصن أكبر" الذي بناه "أكبر العظيم" ليعزز قوة أجرا. ومن أجمل ما يضمه هذا الحصن برج مثمن الأضلاع يطل من بعيد على تاج محل مباشرة ويسمى "برج سليمان" وفي هذا البرج أكمل القدر دورته إذ استولى ابن شاه جيهان على الحكم وقاده الجشع الإمبراطوري إلى حبس والده في هذا البرج ليقضي فيه أيام عجزه الأخيرة ووحشته التي لم يكن يسري عنه فيها إلا مرآة وضعت أمامه لتعكس صورة تاج محل أمامه، فيرى المكان الذي ترقد فيه زوجته الحبيبة قبل أن يلحق بها. تراجيديا من جنون العشق والحكم. ومآثره معمارية مضيت حافيا في رحابها، يدغدغ قدمي العاريتين ابتراد أرض الرخام في تاج محل، وتتلمس أصابعي حريرية البرفانات المحفورة من المرمر والجدران المطعمة بالعقيق تحت قبة الضريح الملحمي.

لقد باد حكم المغول في الهند، ولم تبق غير السيرة والآثار، لكن المدهش أن سلسال الحرفيين المسلمين المتخصصين في تطعيم الرخام بالأحجار الملونة الكريمة وشبه الكريمة لم ينقطع أبدا منذ أتوا إلى أجرا لتشييد تاج محل، فمازال أحفادهم يحفظون سر الصنعة البديعة ويرصعون صفحات المرمر بزهور خرافية في ورش تطعيم الرخام التي زرناها ولم نمكث بين روائعها على هوانا كما تمنينا، إذ باغتتنا هيلاري كلينتون وابنتها اللتان جاءتا لزيارة المكان فأبعدتنا عنه مع غيرنا قوات الأمن.

النساء يوقعن بالدببة!

خرجنا من أجرا في الصباح الباكر باتجاه جايبور فكنا نودع ولاية هندية لندخل أخرى، نترك "أوتار براديش" لنوغل في "راجستان.. اجستان الملونة، الغنية بالألوان برغم امتدادها على حافة صحراء "شار" التي لم أر أثرا لها، لم أر إلا ألوان الحياة البسيطة البهية، وكان الطريق إلى عاصمتها "جايبور" مليئا أيضا بالألوان... أنها "راجستان" التي لم تنكسر أبدا لغاز، حتى المغول وإن كان الإمبراطور أكبر قد غزاها بالمحبة صهرا، عندما تزوج من إحدى بنات حكامها، إنها سمية أبطالها "الراجبوت " المقاتلين الذين لم يخشوا أحدا وردوا كل الطامعين عن أرضهم. ويبدو أن الحرية تمنح الأرض- حتى الأرض - والناس جمالا، فبرغم ما يقال عن أن راجستان هي أكثر ولايات الهند فقرا، فإنني لم أر الفقر الذي يعني لدي ضآلة الأرواح وانطماس الوجوه الضوضاء والقذارة. لا شيء من ذلك في راجستان، برغم أن نحافة الأعواد أكثر، ورقة الحال أشد. وعلى طول الطريق الممتد من أجرا إلى جايبور والذي يبلغ أكثر من مائتين وخمسين كيلو مترا، غير التفريعات التي انعطفنا عندها، ذبت وجدا فيما رأيت، حتى أن روحي الآن، وأنا أكتب، تهفو إلى دروب راجستان من جديد...

الكافور الوارف والتين البنغالي السابغ وما لا أعرف من شجر الهند ظل يظل الطريق.. وفي بقع الظل والأفاق المشمسة رأيت أحلى وأرق بشر رأيتهم.. الفلاحات الهنديات اللائي يحملن الجرار وهن يدارين وجوههن خجلا منا بأطراف (شيلانهن) الملونة (برغم أن بطونهن عارية كما هو شأن الساري الهندي).. ورعاة القطعان البيضاء من الأغنام بملابسهم البيضاء الخفيفة وعصي الرعي الطويلة والعمائم على رءوسهم تشتعل ببهجة الألوان المشتقة كلها من نارية الأحمر وزهو الأصفر وائتلاق الأخضر. حتى العاملات البائسات في الحقول، كانت وجوههن الحنطية تقطر حلاوة وهن يراكضن في ثيابهن الملونة لتحيتنا على الطريق. أما الطيور فقد لفتت نظري بينها كثرة من عصافير كبيرة مشقوقة ذيولها الطويلة وكانت خضراء يضئ لونها بألق مفسفر وهي تنتقل كأنها تنداح بين هامات الشجر. رأيت الأطفال يتعلمون في مدارس مفتوحة تحت ظل الأشجار الكبيرة. ورأيت موكبا رقيقا من البشر أظنه لأفراد قرية كاملة نساء ورجالا وأطفالا كانوا عائدين من المعبدفي صف طويل يمضي في حبور بينما علامة البركة الحمراء مطبوعة على جباههم وأطواق الياسمين البرتقالي تطوق أعناقهم. أعواد نحيلة جدا وأقدام أكثرها حافية لكنهم كانوا يمضون في حبور. وعند إحدى القرى توقفنا مع توقف حركة السير إذ إن أهل القرية أخذوا على عاتقهم إقامة عائق يقلل من إسراع السيارات على حافة قريتهم حتى ينجوا الأطفال من مصير الدهس. الزمن مستريح شأن تلك الوجوه في قرى راجستان. وبرغم التعطل إلا أنني لم أضجر من البقاء طويلا داخل السيارة أو الالتزام بالحركة المحدودة فيما حولها. فقد كانت القرية تفيض بوجوهـها علينا. الأطفال البديعون الذين كانت بينهم صبايا في سن التاسعة والمعاشرة، تلتصق بجوانب أنوفهن علامة الزواج من " الترتر" الفضي البراق. إذ إن زواج الأطفال - وهو زواج ديني - مازال ساريا في الهند برغم تحجيمه بالقانون المدني. ففي ولاية أوتار براديش التي غادرناها للتو عرفنا أن هناك حالات زواج للأطفال ما زالت تقام بكثرة في زحام هذه الولاية كثيفة السكان وثمة زيجات تمت لأطفال عمر الذكر منهم عشر سنوات والبنت سبع سنوات لكنهما بعد العرس يبقي كل منهما في بيت والديه حتى يبلغا أشدهما هذا "الأشد" يتعين غالبا باخضرار شارب الولد ! ومن الطريف أن العريس يتلقى مهرا من والد العروس، والمهر على قدر الممهور، تبعا للمهنة والتعليم والعائلة.

وبرغم القوانين فان تقاليد الزواج قوية، ومازال هناك إصرار على إتباع نظام الطبقات الاجتماعية المغلق في الهندوسية القديمة حتى في إعلانات الزواج التي قرأت كثيرا منها في طبعات الأحد من جرائد "تايمز" الهندية و"هندوستان تايمز" فهي تقول مطلوب: عروس شأنها كذا وكذا.. براهمية. فالتقاليد ما زالت قوية في الهند، وذات منشأ ديني، حيث لم نر خلال جولتنا فتى وفتاة متشابكي الأيدي في مشية حب، كما أنه يند وجود جوارب نايلون الساري سابغ وسروال الشالوار كاماز الذي ترتديه نساء الشمال سابغ أيضا. ولا فرق بين غني وفقير من حيث مراعاة التقاليد- في الحياة العامة- باستثناء مثقفي الصالونات وبشر قناة التليفزيون الانجليزية بالطبع. وعلى سبيل المثال فان هناك حكاية شهيرة عن زواج الاطفال تحكى في الهند عن وزير المناجم السابق بولاية راجستان الذي زوج ابنته - في عمر 13 سنة وعندما اتهم بأنه أحد الحكام الذين يستغلون مناصبهم لكسر القانون قال إنه "يطيع القانون الأقوى". والزواج في النظام الهندي الديني والاجتماعي، ذو شأن جوهري وفاصل، فالرجل الأعزب طريد الطبقات، والمرأة لا ترسيم دينيا لها إلا بعد الزواج. هذا ومن الطريف أن الزواج لا يتم إلا بعد أن يقرأ العراف طالع العروسين ويقر بمناسبة نجم كل منهما لنجم الأخر. لهذا تنتشر في الجرائد الإعلانات عن هؤلاء المنجمين!.

مضينا على الطريق إلى عاصمة راجستان "جايبور". وتناولنا تحت مظلة في الهواء الطلق - عند الضحى الجميل المنير - أحلى إفطار على النمط الهندي: أطباق صغيرة بها مانجو بالتوابل والشطة، وبطاطس بالصلصلة والكاري والبهار، وفطيرة "شاباتي" رقيقة حارة. باختصار: إفطار يشعل فيك النار الحامية، لكنه لا يترك مشتعلا إذ إن هناك طبقا مليئا باللبن الخاثر البارد تطفئ به لظى فمك وإن ظل داخلك يتوهج.. لعلك تظل مستيقظا لبهجة الأرض ودفء الناس. ويالبهجة الأرض، ودفء الناس، وطرافتهم أيضا.. فعلى الطريق كانت العربات التي تجرها الجمال تتهادى. وكان النساك المتجولون "الصادو"، يخبون في تؤدة بمآزرهم الملونه كما عماماتهم التي تتدلى منها خصلات شعورهم الطويلة يطوفون على أقدامهم بطلاب "المعرفة" وينثرون المواعظ مزدردين لقيمات هنا ومرتشفين جرعات ماء هناك.

لم يخرج عن هذا السياق في راجستان غير ملمحين غريبين مررنا بهما على الطريق: قرية كاملة لبنات الهوى تفتح كامل أبوابها ونوافذها لنداء العابرين - من الهنود فقط - وترى طرائف الصور للمتجملات تحت الشجر والفتنة الملونة الفقيرة.. على قدر حال الراغبين!

القرية الغريبة الأخرى، قرية مرقصي الدببة.. فعلى امتداد الطريق المار بالقرية، فسحاتها المشجرة ومنظر الدب المربوط في شجرة أمام البيت يتكرر. انها قرية مرقصي الدببة. وقد أخبرنا أحدهم بكيفية اصطياد الدببة من الشمال الهندي عند تخوم الهملايا. فالصيادون يرسلون امرأة شابة في الغابة، ولأن الدب مجنون بالنساء فانه يتبع المرأة مطأطئا فاقدا كل أرادته، ناسيا شراسته وأنيابه ومخالبه.. وعقله. عندئذ يقع في الفخ الذي تقوده إليه امرأة! فتش عن المرأة، حتى في مأساة الدببة! وهي مأساة تدعو إلى التأمل، فالدب الذي يوقع به هواه في الفخ، يكبل، وتقتلع أسنانه كلها، وتنزع مخالبه، وعندئذ تفك قيوده، فلا يملك إلا الطاعة.. يرقص ببؤس وانكسار، خوفا من عصا الراعي، وحرصا على الطعام الذي يلقمه إياه

إذ يغدو عاجزا حتى عن جلب طعامه بنفسه!

مكثت أتقرى أصداء حكاية الدببة، حتى بعد أن غادرنا قريتها بعشرات الأميال، بينما راجستان الملونة لا تكف عن إبهار عيوننا بألوانها. ثم بدأت الأرض تغير تضاريسها، فاختفى انبساط السهل، ولاحت الجبال، وكنا على مشارف جايبور.

المدينة الزهرية

أنها مدينة التناقضات والتناسقات الجميلة "جايبور"، ومعناها أرض الملوك. وما زالت تحمل ذلك الطابع الباذخ تاريخيا وعصريا برغم ازدحامها وتنوع سكانها ونشاطها الحرفي والتجاري العارم. فما أن اقتربنا منها حتى ظهرت آثار التاريخ على سلاسل الجبال المحيطة بها. ذلك هو حصن جيفار المنتصب فوق المرتفعات الصخرية. يؤرخ لشدة بأس محاربي جايبور التي لم تخضع لقاهر وإن انثنت بالمحبة فأعطت احدى بنات ملوكها من سلاسل كتشواها آمر الهندوسية للإمبراطور المغولي العظيم " أكبر ". وما أن توغل في قلب المدينة حتى تعرف سر وصف جايبور بالمدينة الزهرية، فالقطاع القديم المسور من المدينة مشيد كله من حجارة لها لون زهري وفي ظلال عمارة "هوا محل" ( أو قصر النسيم)، المنمنمة الدافئة الحمرة وعلى امتداد القلب العتيق الزهري كله، تموج الحياة بشكل لا يصدق كأن دولابا لم يدور بدور دواليب يدور تصطخب ولا تضطرب، عربات تجرها الجمال وعربات تحركها ( موتوسيكلات) و (فسبات) سكوتر. ودراجات، وشاحنات، وأبقار تجتر على مهل عند المفارق، لا تزعج أحد ولا يزعجها أحد. وقردة نسانيس تتمشى في ظلال قصر النسيم أو تطل بمطأنينة من نوافذ الأبنية المجاورة. القرد - النسناس - مقدس، ويخبرني بيرام أنه إذا دهست سيارة نسناسا يسرع الناس إلى تغطية بالزهور حتى ينقل في ركب مهيب إلى المعبدفهو "هانومان" الروح الحارس مساعد راما العلوي!

تجولنا في جايبور المدهشة، وتصاعدت دهشتنا في ورش طباعة الحرير وصقل الأحجار الكريمة ونسج السجاد المأخوذة خيوطه من شعر ذقن الحملان الرضيعة لهذا يفوق سعره سعر سجاد الحرير. شربنا حليب "اللاسي" المسكر البارد في أكواب فخارية، وكسرنا الأكواب كما يفعلون فور الانتهاء منها. أما ذروة تحليقنا ظهور الفيلة...

امتطينا ظهر فيل موسد بكنبة خفيضة مثبتة بالأحزمة الملتف حول بطن الفيل المدثر بالشراشف المنقوشة والملون وجهه برسوم الزهور وصعدنا في موكب الأفيال نحو عاصمة القلاع والحصون في "آمر" التي تبعد 11 كيلو مترا عند طرف جايبور الشمالي الشرقي. إنها ذورة تشهد بامتزاج كبرياء سلالة "كتشواها" الهندية بالرقة الماثلة في أحد جوانب الشخصية المغولية. إنها مدينة من الحصون والقصور المتداخلة، وكانت تجبة الصعود إليها على ظهر فيل تجربة فريدة. فلهذا الحيوان المتمهل الضخم اختضاض مرهق وفخم، يعتصر الجسد بين رواح ومجيء ويملأ النفس بتسام يذكر بأن الفيل كان المركبة الملكية الهندية المفضلة في العصور الوسطى.

دخلنا عبر بوابة الأسد "سينغ بول" فترامى تحت أبصارنا مجمع الملاعب والتلال والقصور والبحيرة التي تترقرق في السفح محيطة بهذه الذروة. إن هذه القلعة سكنها آخر مهراجات جايبور، ومع ذلك تشهد بالتراضي السمح مع المغول، هذا التراضي الذي تظهره فنون الهندسة المغولية الشهيرة. الأعمدة المزدوجة والصالات الشبكية والبوابات المزخرفة.

لقد تركت نفسي في معية مجموعة من السياح اليابانيين داخل متاهات عاصمة القلاع حتى لا أفقد طريقي، فثمة حكايات عن زوار أوغلوا فرادى بلا أدلة فاختفوا إلى الأبد في "آمر". وهي متاهة حقيقية، ضمن قاعاتها واحدة تسمى قاعة المرايا.. آلاف من قطع المرايا تخفيها الظلمة، وما أن أشعل الدليل شمعة حتى كادت القاعة أن تتحول إلى سماء مضيئة بالنجوم فشهق اليابانيون - رجالا ونساء - معا: " هي ي ي ي "، لم أصرخ شاهقا من الدهشة، لأن ذهول التعجب كان يلجمني، وشهقات الدهشة، لا من قاعة المرايا وحدها، بل من آلاف مرايا ما شاهدته في المثلث الذهبي كله.. ما زالت، وستظل تتردد في داخلي مضمخه بالدهشة.. كل الدهشة.

 

محمد المخزنجي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




صورة الغلاف





الهند: دلهي - أجرا - جايبور سحر المثلث الذهبي وتناقضاته





وجوه من الهند





العاصمة الهندية - القلب التجاري حول ميدان كنوط





الطريق إلى البرلمان والقصر الرئاسي عبر بوابة الهند





خريطة جمهورية الهند





في ساح القلعة الحمراء





في شوارع دلهي العاصمة أنكاط عديدة من البشر ووسائل شتى من الموصلات





جرة هائلة على الرأس وحلية مفضضة بركن الأنف





جيلا بعد جيل ومنذ بناء تاج محل يتوراث الصناع المسلمون أسرار تطعيم الرخام





ضريح الإمبراطور المغولي أكبر صرح مهيب للموت، وحدائق ترف عليها الروح





العريس فقير لكن دندشة الألوان لا تعرف الفقر





في راجستان عاملة زراعية والفقر لا يمنع عذوبة الابتسام





السهل والجبال وبينهما ألوان تتجاوز حدود الفقر





الأبقار هادئة وهانئة وسط الطريق فالبقرة سقت شيفا من لبنها فهي أم مقدسة





يأكل النار ويرقص علة حواف السكاكين، هندي من فرقة استعراض راجستانية





في راجستان أيضا صالون على الرصيف





بوابه الجزء القديم في جابيور زهرية اللون كما كل الأسوار والأبينة لهذا تسمى المدينة الزهرية





عازف ربابة هندية على مدراج قلعة جايبور





بناية قصر النسيم هوا محل





المدينة المعاصرة صخب متجدد وسط الحي القديم





المدينة المعاصرة صخب متجدد وسط الحي القديم