البطن أحد أجزاء الجسم الكبيرة، وفي تجويفه المتسع عدة أجهزة حيوية من معدة إلى أمعاء إلى كبد، ويتمتع البطن بالقدرة على الغباء الفائق، لدرجة أن العقل (الإنساني مثلا) يقضي معظم عمره - أو كل عمره بمعنى أصح - في فك اشتباك البطن مع الآخرين، إلا أن الكل يشهد بأن البطن هو المدخل الصحيح للحقيقة المجسمة، فكل ما هو خارج البطن وهم: الأكل والمشروب والمثل العليا والرغبات والطموح، لكن هذا الوهم يبدأ بالتحقق فور وصوله إلى المعدة - أولى محطات خطوط قارة البطن، حيث تبدأ الحياة حقيقتها الغامضة الكبرى، سواء من أعلى البطن أو من أسفله، أو حتى بالثقوب الطبية، إن البطن هنا قادر على الامتصاص والهضم والفرز ما بين مستحلب غذائي أو هرمون للإنضاج أو طاقة للشعر والقصة والأحلام والإفرازات والصراعات، أو مهدئ للاسترخاء والإمعان والمصالحة، وفي بعض الحالات يمكن للبطن أن يتحمل تكوينا آخر ذا بطن جديد- أو بطون جديدة أيضاً، إن الكرش العظيم..

وأكبر البطون في الأفيال، ومقرئي فتحات المقابر، ومستقبلي النذور، ومراقبي الإنتاج، والحيتان، ونظّار العزب، وشهود الزور، وأصحاب مطاعم لحمة الرأس (المسمط)، وقدامى مدربي رجال الشرطة، وخدم المستشفيات، ولا يوجد حد أدنى لصغر البطن، فذوو البطون المتقلصة أو النحيلة عالم آخر واسع من الفراشات، والديدان، والفيروسات، والقانعين والمتحكمين في أهوائهم، والطاعنين في العمر، والممنوعين من تشغيل البطن بأوامر حازمة من الأطباء..

والبطين حجرة صغيرة في القلب، وصفة لمن يستبطن الأسرار ومنزل من منازل القمر، والباطن: ضد الظاهر، والباطن: السريرة بصفتها جوفاً يتضمن ما يجب ألا يعلن، وحفر الباطن: منطقة صحراوية شمال شبه الجزيرة العربية دارت فيها ومنها حرب إجلاء العراق عن الكويت في السنوات الأخيرة، والباطون: لغة عامية مصرية تستخدم مبالغة في وصف ذي النهم والجشع، والباطنون: جزء في طاحونة الغلال خلال تحويله إلى دقيق يقع تحت القادوس مباشرة، والباطون: الثور البقري الضخم العاجز عن أداء مهام وظيفته - عامية مصرية أيضاً..

والباطنية.. فرقة من الشيعة تعتقد أن للشريعة ظاهراً وباطناً، والباطنية: حي سكني معروف في القاهرة عندنا يتمتع بشهرة واسعة في التعامل بأنواع المخدرات، وله تكوين خاص بشوارعه وحاراته الثعبانية تحول دون حركة الغرباء بحرية دون مراقبة، ويخضع هذا الحي للهجمات المتوالية من الشرطة، ومن الاهتمام القوي من دارسي البحوث الاجتماعية، ومن الزيارات المرحة من بعض المشهورين من نجوم السينما والكتابة وضيوفهم.

والبواطن: هي الأسرار وما لا يصح إفشاؤه من أمور، وتسري البواطن حديثا على ما يدور في دهاليز أصحاب السلطة، وعلى القصائد الحديثة جدا من الشعر الحديث المعمى الغامض، وعلى الإشارات والايماءات والرموز التي يتم تدبيحها في الأحجية والتمائم، طلباً للعلاج، أو انتقاماً، أو حلاَّ لمعضلة سرية تكتنف أداء المهام الخطيرة في السفر والتباحث والعشق والزواج، والبواطن أيضاً الحركة غير المرئية كقولهم بواطن الغيطان رمزاً للصوص وقطاع الطرق، وبواطن الغيب: لا يزال مستقراً دون إعلان في المستقبل، ومنه قولهم: القدر بواطن، ويمكن لنا إطلاق البواطن - قياساً على كل ذلك - على كل ما يجري ولا نستطيع إدراكه أو الإمساك به معنى أو معنوياً، وتجد كثيرا من شرحه في مذكرات شوارزكوف التي كتبها عن قيادته للفيالق التي أجْلت العراق عن الكويت، وفي كتاب ( لعبة الأمم ) لكوبلاند الأمريكي الذي حلل كثيرا من الحركات البواطن التي نشطت في الغرب ضد جمال عبدالناصر في الستينيات، وفي كتاب ( الطب الشرعي) للطبيب الشرعي الإنجليزي سيدني سميث الذي كتبه عن مصر سنة 1923م، ويحمل قدراً مذهلاً من وسائل تعطيل السلطات عن الوصول إلى أسباب مقتل الأفراد: سماً أو حرقاً أو غرقاً أو شنقاً.

ويكاد البطن - تكوينا ولغة ومجازاً، ومعاني متولدة منه - أن يشمل نشاط الخليفة، ويختصرها فيجوفه، ويفرزها في أنزيمات حياته، وفي مظاهر حركته وبواطنها، وقدرة هذه الخليقة على هضم كل شيء في الوجود ابتداء من كتل اللحم إلى تلال الباطل إلى ملايين من هكتارات القمح والذرة والبرسيم وقصب السكر، ما دام لكل كائن على الأرض: بطن وباطن.