شهادة مخرج كويتي: السينما.. العالم الذي سحرني
شهادة مخرج كويتي: السينما.. العالم الذي سحرني
في هذه الشهادة الموجزة يقدم مخرج (الصمت) ذلك الفيلم الكويتي النادر رحلته مع عالم السحر والخيال ويلقي الضوء على تطور الدراما في الكويت بأشكالها المختلفة. السينما كانت حلمي وأنا صغير لا يتجاوز عمري الأعوام العشرة. كنت عندما أشاهد فيلما مصريا عربيا مثل (عنتر وعبلة ـ الفارس الملثم ـ انتصار الشباب) في بيوت الجيران مع شلة من أصدقاء الحي أذهب الى البيت متأخرا في بعض الأحيان وأبيت على عتبة الدار إلى الصباح بسبب نوم الأسرة وعدم وجود من يفتح لي الباب. كنا ننام فوق سطح الدار في الهواء الطلق أيام الصيف الحار وكانت بعض النسمات تهب علينا عند ساعات الفجر. وعند مشاهدتي للفيلم أظل صاحيا أتقلب على فراشي أفكر بمشاهد الفيلم وأحلم بأن أكون في يوم من الأيام أحد أبطاله أردد بعض أغاني فريد الأطرش واسمهان من فيلم (انتصار الشباب) وأغاني كوكا من فيلم (عنتر وعبلة) وأتخيل نفسي فريد شوقي في فيلم (رصيف نمرة خمسة). زاد عشقي لمشاهدة السينما وحبها لدرجة الجنون. كنت لا أنام ليلا وأظل أبحث عن أفلام المساء في الحواري القريبة من منزلنا الكائن في حي القناعات والمزيدي في منطقة الشرق لمدينة الكويت. في البدايات كانت الأحواش في المنازل تزدحم بالمشاهدين يوما بعد يوم شيوخاً وشباباً. وسبب هذا بعض المشاكل والمشاجرات عند البيوت من زحمة الناس حتى وصل أمرها للحاكم المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح أمير إمارة الكويت, كان ذلك في عام 1953م, وجعلته هذه الحوادث المتكررة يعلم مدى أهمية السينما في حياة الشعوب من وسيلة ثقافية وترفيهية, فما كان منه إلا أن أعطى توجيهاته بإنشاء شركة الكويت للسينما في 7 أكتوبر 1954م, فقامت أول سينما في منطقة شرق تطل على البحر اسمها (السينما الشرقية) فكانت آنذاك تتسع لـ(400) شخص وكانت تعمل في موسم الصيف فقط بعد زوال الشمس ولعرض واحد في اليوم وهي مكشوفة من السقف حيث كان يهب عليها هواء الصيف العليل. كانت السينما تعرض الأفلام الهندية والأفلام المصرية التي لها طابع عاطفي وإنساني وبعض الأفلام الغنائية والاستعراضية, فكانت تتناوب بالعرض ضمن الأفلام الهندية التي حظيت بنجاح كبير فيلم (آن) وفيلم (بادل وماذرانديا) ومن الأفلام المصرية الجميلة: افلام فريد شوقي (رصيف نمرة خمسة) و(الفارس الملثم) وغيرهما. وأفلام فريد الأطرش وعبدالحليم حافظ. ومع مرور الأيام زاد الإقبال على السينما وحب الناس لمشاهدة الأفلام. ولكن السينما كانت توقف عروضها طوال موسم الشتاء لسقوط الأمطار وبرودة الطقس حتى قامت الشركة بسقف السينما بقماش (الطربال) المشمع وإدخال بعض التحسينات لها وإقامة بعض محلات الكافيتريات (السندويش ـ المرطبات) لخدمة الرواد وانارة مدخل السينما وغيرها. فقد كانت شركة الكويت للسينما بحق نشطة ومتطورة في خدماتها. يوماً بعد يوم زاد الرواد ورجعت نفس المشاكل السابقة من مشاكل وعراك عند مدخل السينما لعدم توافر تذاكر دخول وحجز أماكن, فما كان من الشركة إلا الاستجابة لرغبات الجمهور فقامت بإنشاء عدة سينمات في محافظات الكويت مثل سينما حولي الصيفي وسينما الحمراء وسينما الفردوس للتخفيف من التزاحم على السينما الشرقية فكانت دولة الكويت من أوائل دول الخليج العربي التي توفر دور عرض للأفلام السينمائية آنذاك وكانت بعض الجماهير الخليجية تأتي إلى الكويت لمشاهدة السينما والاستمتاع بهذا الفن السابع الجميل. الاستقلال والوعي الجديد وقد استمر الحال حتى عام 1961 عندما استقلت دولة الكويت فأنشأت الدولة محطة تلفزيون الكويت الرسمية.. نقف هنا.. لنتأمل الفترة السابقة من بدايات سواء من المسئولين عن جهاز الإعلام أو من الدولة حيث برز شباب واعٍ أمثال محمد السنعوسي والمرحوم عبدالوهاب سلطان وخالد الصديق وهاشم محمد وتوفيق الأمير وغيرهم من عشاق هذا الفن الجميل. وكان يشغل منصب وزير الإرشاد والأنباء (الإعلام) المرحوم الشيخ جابر العلي السالم الصباح طيب الله ثراه الذي كان يدعم ويحب صناعة السينما لذا فقد قام بانتاج فيلمين مع المخرج العربي مصطفى الحموري عام 1958 أحدهما بعنوان (الغوص) والفيلم الثاني (الزواج قديما في الكويت) وأمر أيضا بإنشاء قسم للسينما بتلفزيون الكويت لصقل المواهب الكويتية ودعمها ومشاركتها بالمهرجانات السينمائية الإقليمية والعالمية إلى جانب انتاج جريدة سينمائية مصورة شهرية تعرض بدور السينما. وقد تطورت الفكرة وبتشجيع من القائمين على وسائل الإعلام مثل وكيل الوزارة آنذاك الأستاذ سعدون الجاسم الذي لم يكن يبخل بشيء ويعمل على تسخير جميع الإمكانات المادية والفنية لخدمة هذا الفن. في عام 1964 أنتجت الوزارة أول فيلم سينمائي كويتي اسمه (العاصفة) من إخراج الفنان المخرج محمد السنعوسي وقصة الكاتب عبدالأمير التركي وبطولة الفنان عبدالحسين عبدالرضا والفنان خالد النفيسي وصور الفيلم في جزيرة فيلكا وكانت أحداثه تحكي قصة دخول المادة وطفرة النفط ونسيان الماضي الجميل وهجر بعض العادات الجميلة. ولاقى الفيلم نجاحا كبيرا على المستوى الشعبي والرسمي, ما دفع بالزميل المخرج خالد الصديق لإخراج فيلم (بس يا بحر) وكان فيلما روائياً طويلا بالأبيض والأسود ومن تأليف الكاتب عبدالرحمن الصالح وبطولة سعد الفرج ومحمد المنصور وحياة الفهد, فأحدث نقلة نوعية حيث عرض بدور السينما الكويتية فحقق نجاحاً كبيراً, وكتبت عنه الصحافة المحلية وأشادت بالطفرة السينمائية وتشجيع الدولة وكان من إنتاج وزارة الإعلام آنذاك. ثم استمر الحال حتى عام 1979 حيث قام شابان كويتيان أحدهما المنتج وهو الفنان أحمد العامر والآخر المخرج هاشم محمد كاتب هذا المقال بإخراج الفيلم الكويتي الثالث وهو (الصمت) وكان بالألوان الطبيعية بدعم وتشجيع من وزارة الإعلام ـ ومراقبة السينما في التلفزيون. وعرض بدور العرض والسينما الكويتية ولاقى إقبالا جماهيريا كبيرا ونجاحا باهرا واشترك في مهرجانات عدة, ونال العديد من شهادات التقدير. وبدأ العطاء يتدفق من باقي الزملاء الفنانين المبدعين والعائدين من الخارج والدارسين لهذه الصناعة الراقية أمثال عبدالمحسن حيات وإبراهيم قبازرد وغيرهما من الشباب الواعد أمثال الفنان عبدالله المحيلان وعامر الزهير, ومن المصورين أمثال مدير التصوير الفنان توفيق الأمير والفنان المصور عبدالرحمن عبدالكريم وحسن الجسمي ويوسف العطار وغيرهم. ولقد أفرزت الساحة السينمائية الكويتية عناصر أخرى مبدعة في فن المونتاج أمثال مساعد المنصور وإسماعيل الشطي ومحمد اسليطين. الغزو يدمر السينما توقفت الأفلام الروائية ولكن ظلت الانتاجات مستمرة بالأفلام الوثائقية والبرامج السينمائية الجميلة والأغاني الكويتية, فأنشأت الدولة معامل التحميض الملونة بجميع المقاسات وشراء الكـاميرات الحديثة والأجـهزة المتطورة. وتم إنشاء مبنى ضخم للسينما مقره بتلفزيون الكويت ووضعت الخطط المستقبلية على أن يكون معدل الإنتاج للأفلام الكويتية الروائية الطويلة فيلمين في السنة وأدرجت الميزانيات لذلك. وكان هناك تأثير إيجابي وفاعل لوجود مراقب السينما الفنان الراحل عبدالوهاب سلطان ذلك الشخص الطموح والنشط الذي بنى مراقبة السينما وجمع بين ردهاتها ما يقارب مائتي موظف وأغلبهم من العناصر الكويتية وأرسل مجموعة منهم للخارج لتكملة دراستهم وكان يشجع الكفاءات. حتى أتى اليوم الأسود في التاريخ يوم الغزو العراقي الغادر بتاريخ 2/8/1990 فحطم الأخضر واليابس ودمر البنية التحتية لدولة الكويت ومن ضمنها معدات السينما, فقتل آمال وطموحات مئات من الشباب الكويتي الواعد بمسيرة سينمائية مميزة, فتوقف كل شيء ليومنا هذا. الشباب موجودون بإبداعاتهم ينقصهم فقط الدعم المادي والفني المتمثل بالأجهزة والمعدات. وسوف يظل الأمل كبيراً بأن تعود صناعة الفيلم السينمائي الكويتي إلى سابق عهدها وأكثر لأن السينما أصبحت اليوم من الوسائل المهمة في حياة الشعوب والدول وأصبحت تلعب دوراً كبيراً في اقتصاديات وميزانيات ودخل بعض الدول. الدراما التلفزيونية الدراما التلفزيونية الكويتية بدأت منذ إنشاء تلفزيون الكويت الرسمي في عام 1961م, عند استقلال الكويت. كانت هناك نخبة من الشباب المتحمس والمحب للتمثيل أمثال الفنان القدير عبدالحسين عبدالرضا والفنان القدير سعد الفرج وغانم الصالح وغيرهم إلى جانب العنصر النسائي والمتمثل بالفنانات الكويتيات مريم الغضبان ومريم الصالح وحياة الفهد, وقد بدأوا العمل منذ بداية التلفزيون بأعمال درامية قصيرة وكانت آنذاك على الهواء مباشرة لعدم وجود جهاز الفيديو ولم تسجل هذه الأعمال. وقد لاقت تلك الأعمال إعجاب المشاهدين لما كان يقدمه الفنانون من تمثليليات كوميدية وأعمال اجتماعية مثل أبوعليوي وأم عليوي, ثم أتت مجموعة من الشباب باسم فرقة (بوجسوم) كانت عبارة عن أسرة تمثل الأب أبو جسوم والأم أم جسوم والولدين جسوم ورويشد, قدمت هذه الفرقة أعمالا كوميدية تمس الأسرة الكويتية البسيطة فلاقت نجاحا كبيرا. لم تكن تمر أمسية الا وهناك عمل تمثيلي في التلفزيون. ولم يكن الناس في تلك الفترة يشاهدون إلا تلفزيون الكويت, فلم تكن توجد فضائيات ولا محطات تلفزيونية قريبة للكويت. عندما برزت هذه العناصر الشابة من الممثلين رأت الدولة أن تصقل تلك الكفاءات فأنشأت المعهد العالي للفنون المسرحية, وكان عميده هو الفنان المصري الراحل زكي طليمات الذي وصع أسسه وجعله من المعاهد الراقية والمعترف بها على المستوى العربي والذي خرج نخبة كبيرة من الفنانين وحتى يومنا هذا. مع مرور الزمن نمت حركة درامية كبيرة متمثلة بالتلفزيون والمسرح, فصار المسرح يغذي التلفزيون بالطاقات الشابة وصار يفرز المواهب الجديدة حتى أصبحت الكويت هي الرائدة في منطقة الخليج العربي بنشاطها الدرامي, خصوصا بعد أن قامت وزارة الإعلام بتقوية الإرسال التلفزيوني وصار التلفزيون الكويتي يشاهد في أقاصي الخليج وزادت ساعات البث اليومي من ثلاث ساعات حتى أصبحت في نهاية الستينيات سبع ساعات في اليوم. وقد أصبح النجم والممثل الكويتي يحظى بحب وإعجاب المشاهدين داخل وخارج الكويت. لقد بنى الفنان الكويتي قاعدة جماهيرية ليومنا هذا في الوطن العربي وهذا لم يأت من فراغ بل من جهد ومثابرة وإخلاص وسهر طويل واختيار النصوص بعناية إلى جانب تشجيع الدولة السخي والكبير للفنان. واليوم أصبحنا نشاهد على مدار الساعة الأعمال الدرامية الكويتية في القنوات الفضائية لما لها من معجبين ومحبين, ناهيك عن اللهجة الكويتية الجميلة والتي ترتبط بلهجات الخليج,.واليوم أيضا أصبحت الدراما التمثيلية التلفزيونية قالبا ثقافيا يقدم للمشاهد بقالب شائق وجميل. وسبب غزارة الإنتاج الدرامي اليوم يرجع لوجود التقنية العالية والاستديوهات المجهزة بالمعدات المتقدمة, هذا ما يساعد الفنان لكي يبدع ويقدم الكثير وهو مرتاح لا يجد أي مشقة أو تعب حيث توجد الآن بعض الكاميرات الحساسة والتي تصور دون اضاءة ليلاً وبصورة نقية, كل هذه عوامل زادت الإنتاج الدرامي. نستطيع القول إن للدراما التلفزيونية الكويتية حظا أوفر من السينما وللأسباب التي ذكرناها. لكن تظل السينما هي الأجمل والأشمل من التلفزيون بدليل أنك تذهب للسينما ولكن التلفزيون يقتحم دارك شئت أو رفضت.
|