سيكولوجية الطفل الكحولي

سيكولوجية الطفل الكحولي

الإدمان مرض اجتماعي خطير يؤثر بشكل سلبي على نسيج العلاقات الاجتماعية والإنتاجية السائدة في المجتمع. وأطفال الأسر التي يدمن فيها أحد الوالدين أو كلاهما يكونون عرضة للكثير من المشكلات الصحية والنفسية بصورة أكثر مقارنة بأقرانهم الذين يعيشون في أسر سليمة لا يعاني أفرادها من إدمان المشروبات الكحولية.

أظهرت الدراسات المقارنة التي تناولت عينة من الأطفال يدمن آباؤهم المشروبات الكحولية بشكل مرضي مع عينة أخرى لا يعاني أفرادها إدمان الكحولية, أن المحاولات الانتحارية في العينة الأولى أكبر بسبع مرات مقارنة بالعينة الثانية, وأكثر عرضة للأمراض النفسية, وأكثر التحاقا بدور الأيتام وأكثر بمرتين احتمالية الزواج المبكر. كما تعاني الأسرة التي ترزح تحت وطأة الكحولية خللا وظيفيا dysfunction سببه يعود إلى ضغوط نفسية واحداث انعصابية Stress فضلا عن معاناتها الكحولية.

الضحايا هم الأطفال

في ظل هذا الجو المضطرب المتوتر يصبح التكتم نمطا يميز حياة الأسرة, وبالطبع الأطفال هم الضحايا الأكثر تأثرا, ذلك أن الأبوين اللذين ينهل منهما الأطفال القيم والمعايير السلوكية يعيشان في عالمهما الخاص. إنهم يخافون التحدث وبصورة علنية عن مشكلاتهم والتصريح عما يعتريهم من مخاوف, لذا يشبون منغلقين على ذواتهم, في الوقت الذي يعانون فيه من الأحلام والكوابيس المزعجة والتي تكون بمثابة المتنفس الوحيد عما يعتري عوالمهم الداخلية من ضغوط ومشاكل. كما يسعى الطفل إلى إخفاء فضائح أسرته وستر عيوبها, ويصبح التكتم والسرية والكذب سمات مألوفة لحياة الأطفال, وغالبا ما يضطر الطفل أن يلاحظ عدم التناسق بين ما يجري في البيت وما يقال. لذا يبدأ الأطفال بعدم الثقة بما يرون وما يسمعون, إن نقص الثقة بالنفس يحدث نتيجة محاولات الطفل الالتزام بالنظام من أجل أن يشعر أنه إنسان مخلص, ثم إن رؤية الطفل أبويه وبشكل متواصل وهما يستفز كل منهما الآخر, ويتشاجران ويتخاصمان, يؤدي به ذلك إلى إتقان أساليب مماثلة في علاقاته المتبادلة ومواقفه تجاه الناس عموما, وتصبح العدوانية طبـعا ثابتا لا سيما بالنسبة للطفل الذكر. كما يلجأ الأطفال إلى التأخر والغياب المتعمد عن البيت بهدف تجنب ما يمكن أن يحدث لهم. ويظل الخوف يؤرق الطفل ولا يفارقه بتاتا الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تلوين حياة الطفل بأشكال من القلق والتوتر والهواجس الداخلية البشعة. ويشعر أولئك الأطفال بالغموض والإبهام يلف حياتهم, إنهم يختلفون عن الأطفال الآخرين لكنهم لا يعرفون بأي شيء يختلفون, وهذا ما يسبب لهم الكدر وعدم الطمأنينة.

سمات وأدوار

لا يولي أعضاء الأسرة الكحولية اهتماما تجاه بعضهم بعضا, فمعاملة الأبوين لأطفالهما سيئة, اضافة إلى أن العلاقات الأسرية استبدادية تسلطية, ويستخدم الأبوان أشكالا من الاضطهاد والتنكيل الانفعالي في الوقت الذي يسعى فيه أفراد الأسرة إلى اخفاء أسرارهم, وفي مثل هذه الأجواء ينشأ أطفال يتصفون بسمات سلبية منها:

التشويش وعدم دقة الحدود: إذ إن غالبية الأطفال في ظل الأسرة الكحولية لا يعرفون ماهية مشاعرهم السوية في الوقت الذي يمس فيه التناقض الانفعالي Ambivalence حياتهم.

النفي والنكران: لاشك أن حياة الأسرة الكحولية قائمة برمتها على دعائم من الكذب والخداع, وبالتالي يصبح من الصعوبة بمكان أن يدرك الطفل ويفهم حقيقة ما يدور حوله.

التقلب: مادامت حاجة الطفل لا تشبع بشكل متواصل فإنه يشعر برغبات عارمة بهدف استرعاء الانتباه لذاته بمختلف الوسائل, بما في ذلك السلوك الجانح.

التقدير الذاتي المنخفض: إن الضوابط التربوية السائدة في مثل هذه الأسر تجبر الطفل على أن يقتنع أنه مسئول وبدرجة ما عما يحدث, وأنه مصدر الأخطاء والمشكلات وأن كل تصرفاته خاطئة.

ويمكننا أن نتوقع من أطفال هذه الأسر الكحولية أن يلعبوا أحد الادوار التالية:

بطل الأسرة: يكون التحصيل الدراسي لهذا الطفل من مستوى جيد, يضع اهتمامات الآخرين في المقام الأول وهو نشيط وغالبا ما يكون الطفل الأكبر في الأسرة وهكذا فإن بطل الأسرة بحاجة إلى النمو السريع لأنه يعتبر نفسه مسئولا مسئولية كاملة عما يحدث حوله.

الطفل المشكل المتمرد: يستخدم أنماط السلوك السلبية لجذب الاهتمام إليه, كما يشعر أنه مرفوض من الناحية العاطفية, يتورط دائما في مواقف صعبة, وينخرط وبمنتهى السهولة بجماعة أقرانه المدمنين على الكحولية.

الطفل المرتبك والحائر: ينعزل هذا الطفل عن بقية أفراد أسرته ليعيش في عالم من التخيلات يعتبره الأبوان ليس بحاجة إلى الرعاية لأنه هو الذي يعتني بنفسه كما تعتبر مشكلاته أقل أهمية من مشكلات الآخرين, إذ يتنازل للآخرين عن كل شيء ويمكن أن يلجأ إلى إدمان المخدرات بدعوى بلوغ النشوة النفسية.

محبوب الأسرة: غالبا ما يكون الطفل الأصغر في أسرته, لا يتقبله الوالدان بسبب صغر سنه, عابث, أحمق, أرعن, يهدف إلى استمالة الانتباه إليه لهذا السبب يلعب دور المهرج وينشأ لديه وبمنتهى السهولة تعلق بالكحولية والمخدرات.

العلاج البيئي

إن إحداث تعديلات في سلوكيات الآباء أو اتجاهاتهم قد يكون أشد تأثيرا في تغيير سلوك الطفل أو شخصيته من عدد كبير من ساعات العلاج وجها لوجه مع متخصص نفسي, ويقر الكثير من المعالجين بصعوبة القيام بعلاج الطفل إذا كان يعيش في وسط اجتماعي يسوده العقاب والإدمان, لذلك يتم التركيز على تغيير بيئة المريض.

العلاج البيئي للكبار: يتوجه لهم مع العلم بأن الكبار يقضون معظم أوقاتهم خارج المنزل وفي العمل. إن موقف العمل غير المشبع للفرد يجعله عاجزاً عن تحمل الإحباطات الصغيرة. وفي بعض المواقف وبسبب ضغوط العمل والمسئوليات يكون من الضروري مساعدة الفرد في الحصول على عمل آخر كما تتضمنه خطة العلاج, بحيث نقلل من الضغوط والإحباطات ونزيد من شعور الأب بالتقبل الذاتي, وفي حالات أخرى نعمل على تغيير اتجاهات الأفراد المتصلين بالمدمن وهذا يشكل دعماً وسنداً اجتماعيا قوياً.

العلاج البيئي للطفل: إن إيداع الطفل في مؤسسات قد يسبب مشكلات كثيرة له ومنها شعوره بأنه منبوذ, لذلك تلعب المخيمات والأندية دورا مهما في تعويض النقص الذي يتصف به جو الأسرة غير الصحي عن طريق التعليم الاجتماعي الذي يكتسبه الطفل خارج الأسرة وبين أقرانه. وعندما يحتاج جو المنزل إلى أن يستكمل بمجموعة من الأقران الأصحاء, والتي قد لا تتوافر, يصبح من الأهمية بمكان وضع الطفل في مجموعة منتقاة خصيصا تساعده في أن يحصل على تقبل الآخرين, وتقبل ذاته والاستقلالية. وقد تكون الأندية والمخيمات ذات فائدة بحيث تتيح للطفل فرصة التنفس ولوالديه أيضا إذا كان جو المنزل يسوده النبذ والعنف والصراع.

المدرسة: يأتي دور المدرسة مكملا لدور الأسرة إذ يكتسب الطفل الكثير من الخصال من المدرسة. فيجب أن يساعد الجو المدرسي الطفل في الوصول إلى توافق أفضل فعن طريق الأداء الناجح له وتعزيزه وإبراز مواهبه والاعتراف بها تشبع حاجات الطفل للحب والتقبل والتقدير. وتقوم معظم أساليب العلاج النفسي على حل مشكلات الطفل النفسية مثل العزلة والتمركز حول الذات, ضعف الدافعية.

يعتبر علاج الآباء أساسيا لعلاج أطفالهم, فبغض النظر عن وضع الطفل في مخيم أو ناد وما تستطيع المدرسة القيام به فإنه لا يمكن إحداث تعديلات مفيدة إلا بالعلاج المتركز على الآباء وبيئة الطفل المنزلية, ومن هنا يتم التركيز في علاج الاباء على تغيير اتجاهاتهم وأساليب تعاملهم ونظرتهم لأنفسهم ومشكلاتهم.

وتستخدم تقنية العلاج الأسري Family Therapy باعتبارها أحد أشكال العلاج الجمعي, حيث يتناول هذا العلاج أعضاء الأسرة كجماعة وليس كأفراد, وذلك للكشف عن المشكلات الناتجة عن التفاعل بين أعضائها كنسق اجتماعي, ومحاولة التغلب على هذه المشكلات عن طريق تغيير أنماط التفاعل داخل الأسرة.

العلاج الجمعي للآباء

تعتمد طريقة العلاج الجمعي لمدمني الكحول على المباديء التالية:

على العلاج الجمعي أن يميز بين كل مظاهر حياة المدمن (الشرب, العمل, المدرسة, العلاقات الاجتماعية, احداث الحياة السابقة أو أوقات الفراغ) وإذا لم يكن باستطاعة المريض التوقف عن الشرب يجب استعمال مضادات سوء الاستعمال Antabuse.

مساعدة المدمن على تغيير حالته الشعورية ومن دون استعمال أدوية لأن أكثر المدمنين يلجأون للشرب من أجل تغيير حالتهم الشعورية.

إعادة الاستيعاب

وهي الخطوة الأخيرة من العلاج, ومعنى ذلك أن الهدف الأخير لإجراءات إعادة الاستيعاب هو إعادة تطبيع مدمن الكحولية بحيث يعود إلى القيام بالأدوار الاجتماعية التي كان يقوم بها قبل ادمانه.

وأخيرا فإن اللجوء إلى اجراءات الوقاية يعتبر خطوة بالغة الأهمية من أجل التصدي للكثير من المشكلات الاجتماعية والاضطرابات النفسية والجسدية.

وتبقى التنشئة الاجتماعية الصحيحة هي الوقاية باعتبار الأبوين القدوة التي ينهل منها الطفل قيمه ومعاييره السلوكية.

 

 

وليد أحمد المصري

 
 




تعديل سلوكيات الآباء أشد تأثيرا من تغيير سلوك الطفل





أطفال الاسر الكحولية يشبون منغلقين على أنفسهم