عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

الصيف ونسائم المعرفة

بينما ترتفع درجة حرارة الجو يشعر الإنسان بأنه في أمس الحاجة إلى النسائم الرطبة التي تجلبها المعرفة, وفي هذا العدد تأتي النسائم من مصادر متعددة, ولعل أهمها أن المعرفة الحديثة أصبحت تعيد طرح الأسئلة القديمة بحثاً عن أجوبة جديدة في ظل التطور الهائل الذي تشهده اكتشافات علم الإنسانيات, فالإنسان لم يعد ذلك الكائن المجهول الذي كنا نعتقده في الخمسينيات من سنوات القرن الماضي, وذلك الصندوق المغلق الذي نطلق عليه المخ البشري قد فتح الآن وباح لنا بالكثير من أسراره. لقد استطاعت البشرية أخيراً أن ترى المخ وهو يعمل, وأن تصوّر المادة وهي تتفاعل, وأن ترسم صورة للخريطة التي تحمل الجينات الوراثية مثلماً ترسم خرائط الوديان والأنهار, من هنا تأتي أهمية السؤال القديم/الجديد الذي يطرحه الكاتب والمترجم المعروف شوقي جلال عن أيّهما يحجب الآخر, العقل أم الوجدان? وتؤكد أحدث دراسات علم النفس أنه لا يوجد تناقض يبن هذين الشعورين, فالعقل البشري يتكون من مركز للتفكير وآخر للانفعال, وفي داخل كل منا عقلان إذا صح هذا التعبير, أولهما هو العقل المنطقي الذي يتعلم من خلال الأرقام والكلمات ويهتم بالتفاصيل ويربط بين السبب والنتيجة, ويسعى دائماً إلى البراهين والأدلة, بينما هناك عقل وجداني أو عاطفي متصل بكل خبرات الحياة, ينساق دون دليل أو مبرر لا يهتم فقط إلا بالنتائج التي يود الوصول إليها بغض النظر عن الطرق التي تقوده إلى ذلك.

وغير بعيد عن هذا الموضوع تعيد (العربي) النظر أيضاً في هذه الخبرات الحياتية التي استوعبها العقل البشري ووضعها في مأثوراته الشعبية والأخطار التي تهددها, فهل هذه الخبرة مهددة بالزوال أمام هذا التقدم التكنولوجي الذي نشهده? إن العلم سلاح ذو حدين كما يقال دوماً, وعلينا أن نسير على دربه مفتوحي الأعين فلن يكفينا حد منه مؤنة الآخر.

وترحل (العربي) في هذا العدد إلى الصين لتبحث عن التأثيرات العربية في هذا البلد الآسيوي العريق, ولا يكشف هذا الاستطلاع عن عالم المسلمين الصينيين فقط, ولكنه يكشف أيضاً عن تلك العلاقات الوطيدة التي ربطت الصين بعالمنا العربي من خلال طريق الحرير والسفن العربية التي كانت الأسبق في الوصول إلى شواطئ الصين قبل أن تصل إليها السفن الأوربية بمئات السنين.

وتهب نسائم المعرفة على صفحات مجلة العربي من أزمنة بداية معرفة العالم بأولى تجارب الطباعة, عبوراً إلى زمن البريد الإلكتروني الذي أنتج للبشرية سيكولوجية من نوع خاص, كما تنتقل (العربي) من الطاقة الكهربائية إلى طاقة الوجدان, وتناقش من خلال أبواب الصحة بعضاً من الأوجاع المعاصرة التي يعانيها الإنسان, مثل آلام الظهر, إيماناً من المجلة بأن النفوس الصحيحة لا تكون إلا في أبدان صحيحة.

 

المحرر