بعض أمراض السفر

بعض أمراض السفر

توجهت الأنظار الطبية أخيرا إلى الاهتمام بمجموعة لا يستهان بها من الأمراض التي يحملها أو يتلقاها المسافر من بلد إلى بلد. ورغم أن تلك الأمراض المنتقلة عن طريق الأسفار معروفة منذ أمد بعيد، وكذلك اللقاحات التي كانت ومازالت تطلب من المسافرين إلى مناطق معينة من العالم فإن اهتمامي بالموضوع أخيرا يعود إلى غزو التكنولوجيا الحديثة لوسائط النقل التي سمحت بأن يتناول المسافر طعام الإفطار مرتين بنفس اليوم في بلدين يفصل بينهما آلاف الأميال، مثل المسافر من لندن على متن طائرة الكونكورد الذي إذا تناول إفطاره في لندن في التاسعة صباحا وغادر لندن في الساعة (11) صباحا، فإنه يصل إلى نيويورك في التاسعة صباحا من اليوم نفسه؟!

المهم بالأمر أن السفر بالطائرة الذي بات أكثر استعمالا من أي واسطة نقل أخرى سهل موضوع السفر والانتقال من بلد لآخر وبنفس الوقت سهل موضوع انتقال المرض والعدوى بنفس التواتر.

في دراسة للدكتور برادلي كورنر ( Bradley Corner ) مؤسس الجمعية الطبية العالمية للسفر.

بينت هذه الدراسة أن من بين كل مائة ألف مسافر عشوائي فإن، خمسين ألفا سوف يصابون بنوع من الأمراض ذات العلاقة بالسفر خلال عودتهم من رحلة أسبوع:

ـ 8 آلاف يتطلب مرضهم استدعاء طبيب.

ـ 5 آلاف يجب أن يمكثوا في الفراش خلال الرحلة.

ـ ألف ومائة يصبحون عاجزين عن العمل خلال هذه الفترة.

ـ ثلاثمائة يتطلب مرضهم المكوث بالمشفى.

ـ خمسون يتطلب مرضهم حجرهم.

ـ واحد يموت.

وإصابة رجال الأعمال بالأمراض عن طريق السفر أصبحت تشكل مشكلة نظرا لكثرة أسفارهم وتنقلاتهم، وذلك لأن شركاتهم أصبحت ممتدة بين أمريكا واليابان أو كوريا على سبيل المثال.

يجب ألا يخطر ببالنا أن المقصود بالأمراض المنتقلة بالسفر هي الأمراض البسيطة كالرشح أو النزلة الوافدة والتي لا تشكل مشكلة كبيرة، ولكن الغاية من هذا البحث هي التنبيه إلى انتشار الأمراض الخطيرة خلال رحلة بالطائرة، ففي عام "1994" نقلت مسافرة مصابة بالسل العدوى إلى مسافرين معها على متن الطائرة من شيكاغو إلى هاواي، والمصابون كانوا من المسافرين القريبين لها جدا، ولم ينتشر المرض في هواء الطائرة الذي يخضع لتوازنات وترتيبات متنوعة، حيث يتم ترطيبه وتعطيره وفلترته بشكل متجدد طوال الرحلة. والاهتمام بهذه الأمور يختلف بين شركات الطيران الناقلة، لأن بعض الشركات غير المهتمة بدقة بهذه الأمور تؤمن وسطا ملائما لنمو كل أنواع البكتيريا والفيروسات. أما الضغط الداخلي للطائرة فيحافظ عليه ليكون ضمن الحدود المقبولة، وهو يشابه الضغط المتوقع على جبل ارتفاعه 2000 متر فوق سطح البحر.. وطبعا فإن هذا ليس المستوى الطبيعي في الجو العادي نظرا لأن أغلب المسافرين يقطنون قرب مستوى سطح البحر.. فالارتفاع إلى هذا العلو قد يسبب ازعاجا وتوترا أو شدة ( STRESS ) قد تكون ملحوظة لدى البعض خصوصا المدخنين، لأن نسبة أول أوكسيد الكربون في الدم مرتفعة أصلا، مما يقلل تحمل المدخن للارتفاع كون دم المدخنين أصلا على ارتفاع 2000 متر قبل مغادرتهم الأرض، وهذا يجعلهم أكثر عرضة لانقطاع النفس أو الجفاف المتزايد وإذا أضيف إلى هذا مزيد من المشروبات الكحولية والتعب فإن مقاومة الجسم تضعف بشكل أكبر مؤدية لازدياد خطورة الإصابة بالالتهاب وكنصائح عامة للمسافرين الذين لديهم:
1ـ احتشاء في عضلة قلبية.

2ـ خناق صدر جهدي.

3ـ مرض صدري شديد مزمن.

4ـ خثرات دموية متكررة في الساقين أو الرئتين.

5ـ ارتفاع توتر شرياني غير مسيطر عليه.

6ـ داء الصرع ( EPLPSY ).

7ـ التهابات أذنية مزمنة والتهابات جيوب متكررة.

كل هذه الأمراض تشكل خطورة على السفر بالطائرة فاللجوء إلى الطبيب أمر مهم لأخذ نصيحته، وهو لن يمنع بالنتيجة المسافر وإنما يعطيه بعض النصائح والاحتياطات الواجب اتباعها قبل وأثناء السفر.

الأوبئة الطائرة

من الأمور التي تثير فزع الأطباء هو عودة انتشار بعض الأمراض التي اعتقدوا أنها أصبحت من الأمراض التاريخية، مثل السل والملاريا حيث باتت هذه الأمراض تشاهد بشكل متزايد لدى المسافرين العائدين إلى إنجلترا وهذه الأمراض الخطيرة تتطلب جهودا جبارة في الطب الحديث لتطوير أنواع جديدة من الأدوية لمعالجتها، حيث هناك 200 مليون حالة ملاريا منتشرة عالميا، وهناك اعتقاد بأن سخونة الكرة الأرضية المتزايدة قد تؤدي بالنتيجة إلى جعل الملاريا أكثر انتشارا، ورغم أن لقاح الملاريا مطلوب من المسافرين للمناطق الموبوءة، فإن بعض رجال الأعمال يهملون اللقاح على اعتقاد أنهم في مأمن، خصوصا إذا كان سفرهم لبضعة أيام، وأنهم سوف يمكثون في فنادق ضخمة، علما بأنه يكفي وجود بعوضة صغيرة في غرفة الفندق لتنقل المرض.

أما السل فهو يشكل خطورة حقيقية للمسافرين في هذه الأيام، وخطورته تعتبر أشد خطورة من مرض السرطان وأمراض القلب مجتمعة وتواتر حدوثه متزايد حتى في الدول الغربية، يضاف إلى هذا عدم جدوى الأدوية المضادة للسل التي كانت فعالة بالسابق.

في أجواء الانحلال

ننتقل إلى موضوع الأمراض الجنسية، التي ما كانت موضوعا "سهلا" أبدا وأصبحت أكثر خطورة من ذي قبل، خصوصا بعد أن تطورت صناعة الجنس بشكل واسع، وأصبحت تساهم في جعل الأمراض الجنسية تنتشر بشكل أشبه بنمو الفطر.

وبالرغم من أن الأمراض المنقولة عن طريق الجنس قديمة جدا منذ أكثر من قرنين من الزمان، حيث كان مرض الزهري شبحا مخيفا أدى لوفاة الكثيرين قبل اكتشاف علاجه وكيفية الوقاية منه، فإن انتشار الأمراض الجنسية في الوقت الحاضر يشكل خطورة قصوى نظرا لتطور طرق الانتقال وسرعتها وإمكان الانتقال من بلد لآخر، يضاف إلى هذا الثورة الكبيرة في عالم الإغراء الذي أصبح يقفز قفزات واسعة ومتطورة بشكل يسبق الخيال إن صح التعبير مما شد الكثيرين وشجعهم للارتماء في أحضان الرذيلة، والتي باتت أسهل من الحصول على علبة عصير من أحد المحلات التجارية على أرصفة الشوارع.. إضافة إلى أن نظرة المجتمع الغربي، خاصة وبعض أجزاء شرق آسيا إلى الحرية الجنسية على أنها ظواهر طبيعية وحاجات فيزيولوجية غير مستنكرة مما أزال عنصر الحرج الذي كان من ضمن العوائق سابقا. والأهم من هذا بالنسبة للمسافر أنه في منأى عن أي رقابة بعيدا عن زوجته وأولاده ومعارفه مما يتيح له الفرص بلا حدود للانغماس في رذيلة قد تكون سببا في دماره، حيث أصبح الإيدز أخيرا من أكثر أسباب الوفاة شيوعا في الرجال فوق سن الـ 35 في أمريكا وهذا ليس غريبا إذا اطلعنا على بعض المجلات الإباحية الموجودة في كل مكتبة و"كشك" جرائد وما تقدمه من دعايات براقة وطرق حديثة ومتنوعة لجذب اهتمام القارئ وشده إلى عالم واسع من الفسق والفجور، وعن طريق إجراء اتصال هاتفي مدفوع سلفا من قبل هذه المؤسسات الإباحية.

ويضاف إلى الإيدز في الاتصالات الجنسية المشبوهة مرض التهاب الكبد الوبائي "فيروس B" الذي زاد انتشاره أيضا. وللعلم فإن جرثومة التهاب الكبد (B) قد استوطنت بأكثر من "200" مليون شخص بالعالم.

الرحلات الطويلة السريعة

والآن لنترك موضوع انتقال الأمراض جانبا وننتقل إلى مساوئ السفر الأخرى التي هي شخصية، والتي يمكن تجنبها إذا كان هناك وعي لدى المسافر. والمسافرون ليسوا في حالة فعالية صحية خلال السفر، حيث إن هناك فترات طويلة من الركود والجلوس في كرسي الطائرة خصوصا بالطائرات التي تعبر المحيط والرحلة تستمر لبضع ساعات وما يترتب على هذه السفرات من اختلاف في الساعة الداخلية للجسم، حيث يكون معتادا على النوم في أوقات محددة تكون تلك الأوقات هي فترات النشاط في بلد آخر. ولتوضيح هذه النقطة مثلا المسافر من الكويت أو السعودية أو دمشق يكون أكثر فعالية وجاهزية للعمل في الساعة العاشرة صباحا بينما يكون الوقت في أمريكا الساعة "2" صباحا أو "3" صباحا تبعا للمدينة في أمريكا، حيث هناك مثلا تباين في الوقت بين نيويورك وشيكاغو.. وهكذا تحدث اضطرابات في النوم خلال الأيام الأولى للسفر، ويصبح الأمر أسوأ إذا كان المكوث في الخارج لفترة قصيرة فقط. فقبل أن يعتاد الجسم على التوقيت الجديد نجبره على العودة إلى برنامجه السابق وهكذا. وإضافة لهذا فإن المسافر ليس لديه الوقت أو المجال لإجراء التمارين الرياضية للمحافظة على لياقته ويجبر خلال السفر على الركود الذي تحدثت عنه، وإضافة لهذا فإن المسافرين ـ خصوصا ركاب الدرجة الأولى ـ يتاح لهم الطعام والشراب بأوقات متقاربة ومختلفة عما اعتاد عليه الشخص، وهنا كل شيء مباح مجانا وبأساليب خدمة مشجعة قد تدفع الشخص سواء للمجاملة أو الرغبة بالحصول على أكبر خدمة ممكنة، خصوصا أنه يشعر أنه دفع مبلغا كبيرا مسبقا للحصول على خدمات جمة، لذا ترى أغلب المسافرين يسرفون في المأكولات والمشروبات، يضاف إلى هذا ساعات نوم قليلة وضغوط نفسية متكررة سواء لتأخر الطائرة أو تغيير في موعد الإقلاع وما يترتب عليه من تأخير في موعد الهبوط، وعدم اللحاق بطائرة ثانية (Missed Connection) كل هذا يحمل الجسم إرهاقات متكررة خلال فترة زمنية وجيزة ويكون الضغط النفسي على أشده إذا كان على المسافر اللحاق بمؤتمر مهم هو المحاضر فيه أو التأخر عن موعد تجاري مهم سيؤمن له المكاسب الكبيرة إن وصل بالوقت المناسب، وهذا يجعله أكثر توترا وانفعالا لأي تأخير. النقطة الأخيرة هي الاعت داءات الشخصية على المسافر أو أمواله، حيث يشكل المسافرون هدفا سهلا للعصابات وهي عنيفة لدرجة أن المسافر قد يفقد حياته لسبب تافه.. ولكننا في منطقة الشرق الأوسط لم نألف هذه الاعتداءات التي قد تتم في وضح النهار وعلى مرأى من البوليس في بعض الأحيان الذي يقف عاجزا عن تقديم أي عون. وأخيرا ، أود أن أشير إلى أنني تجنبت التعرض والتفصيل لعدة أمراض قد تكون ناجمة عن السفر حتى لا تضيع الفائدة المرجوة ويصاب القارئ بالإحباط.. كما إنني أغفلت التحدث عن أمراض قد تكون بديهية مثل الاسهالات التي تكثر عند الانتقال من بلد لآخر، والمعروفة لدى أغلبية الناس والتي سببها تغير الفلورا المعوية "زمر الجراثيم الساكنة بالأمعاء بشكل طبيعي" من بلد لآخر.. وعلى الغالب تحدث لدى المسافرين من أوربا وأمريكا إلى الشرق الأوسط بشكل أكبر. مما سبق نجد أن هناك الكثير من الأمراض يمكن تجنبها أو الابتعاد عنها.. سواء بأخذ اللقاحات اللازمة أو الالتزام بسلوك شخصي يحافظ فيها المسافر على حياته ويعود من سفره بكامل صحته ونشاطه.

 

 

محمد أكرم خوجة

 
  




شتاء أو صيفاً.. هناك أعرض للسياحة والسفر





ليس الطيارون وحدهم من يعانون من مشاكل السفر





عصيات السل





عصيات السل





عصيات الكوليرا





عصية كوليرا





شكل آخر لعصية الكوليرا





فيروس التهاب الكبد الانتاني B





فيروس التهاب الكبد الانتاني A