إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

من القراءة الأولى إلى القراءة الثانية وبالعكس

أتذكر أن السؤال الأول الذي كنا نتبادله ـ ونحن في بدايات الشباب ـ حين نلتقي بعد غيبة أو حتى من دونها هو:

ـ ما آخر كتاب قرأت?

هكذا كنا نتعرف على الكتاب الجديد, نشتريه أو نتبادله أو نستعيره من إحدى المكتبات العامة.

وأحيانا وبعد أن نستمع إلى أسماءالكتب الجديدة يقول أحدنا:

ـ آه, هذا الكتاب قرأته! موضحا بذلك أنه لن يكون في حاجة إليه!

متى بدأنا نكتشف أن قراءة واحدة ـ وبخاصة في بدايات الشباب ـ لا تكفيك بالنسبة لنوعية خاصة من الكتب الإبداعية على الأقل?

من المؤكد أن ذلك قد حدث بعد أن تقدم بنا العمر, وتعمقت التجربة, وحين كانت الظروف وحدها تدفع بأحدنا إلى إعادة القراءة في كتاب سبق أن قرأه في سنوات الشباب الأولى, فقد كان يرى في هذا الكتاب, في ضوء التجارب التي مر بها, والأحداث التي عايشها, ما لم يكن يراه وهو في سن الدهشة والانبهار أمام ما لم يكن يعرف!

وأتذكر أن شيئا من هذا قد حدث لي حين قرأت للمرة الثانية بعض روايات لديستيوفسكي و(الفتنة الكبرى) لطه حسين, و(دون كيشوت) لسرفانتس, و(أرض البشر) لأنطوان سانت أكسويري, وغيرها.

وأتذكر أيضا أننا في هذه الأثناء كنا نتحدث عن أهمية أن تكون هناك جهة ما تقوم بنوع من الإرشاد الثقافي لإنقاذ القاريء من وهم أنه قد قرأ هذا الكتاب, ومن حمى البحث عن الجديد, وأن الجديد ليس هو فقط ما تقدمه المطبعة اليوم أو غدا, بل قد يكون الجديد هو ما نصبح نحن اليوم قادرين بفضل تجارب الحياة التي مررنا بها على إدراكه واستخلاصه من الكتب التي قرأناها من قبل وبخاصة إذا كانت من النوع الذي أشرت إليه!

وكنا نتحدث أيضا عن أن القراءة الثانية سلاح ذو حدين فكما أنها تجعلنا ندرك الأهمية الكبرى لبعض الكتب فإنها قد تبدد الهالة التي كانت لا تزال في خيالاتنا لكتب أخرى بهرتنا في سنوات العمر الباكر.

تذكرت كل هذا الذي كنا نقوله ونعيده ونزيد فيه بعد أن فرغت من قراءة الكتاب المهم (الثقافة العربية وعصر المعلومات) للدكتور نبيل علي في سلسلة (عالم المعرفة).

ففي عصر ثورة الاتصال التي فتحت الأبواب أمام ثورة المعلومات مما أدى إلى تفجر المعرفة وتدفق فروعها المختلفة مكتسحة تلك الحدود الوهمية التي كانت تفصل بين مجالات العلوم الإنسانية والطبيعية والحيوية في جزر منعزلة ليتاح لهذه العلوم أن تتبادل المناهج والحوار وتقترب من ذلك الحلم بعيد المنال حول تحقيق فعلي لفكرة وحدة المعرفة.

في ضوء كل هذه القضايا التي يحدد أبعادها هذا الكتاب الخطير يبدو أن السؤال عن أهمية القراءة الثانية وكأنه يتراجع إلى الوراء, وأن الجهة التي كنا نقترحها لتقوم بنوع من الإرشاد الثقافي لنوعية الكتب التي يجب أن تحظى بقراءة ثانية, هذه الجهة عليها أن تنقسم إلى عدة كتائب بل عدة جيوش لإرشاد القاريء المسكين إلى نوعية الكتب ـ مقروءة أو مرئية ـ التي هي أجدر بقراءة أولى لمعرفة ما يمكن معرفته من هذا الطوفان الكاسح الذي يتدفق من شتى مصادر المعرفة!

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

 

أبوالمعاطي أبوالنجا