أوكلاهوما.. بين التعصب وحرية الإعلام أحمد عبدالملك

أوكلاهوما.. بين التعصب وحرية الإعلام

منذ اللحظات الأولى للانفجار وقد أدخل المسلمون والعرب إلى قفص الاتهام دون مبرر.. وارتفعت درجة عداء المجتمع الأمريكي إلى حد إزهاق الأرواح ففقدت امرأة عربية جنينها وتعرض مواطن آخر إلى استجواب شرس ومعاملة قاسية.

لعل هذه التغطية الإخبارية تذكرنا بحوادث أخرى حصلت في العالم، وكانت وسائل الإعلام الأمريكية سباقة في " سرعة إلقاء اللوم " على جماعات معينة، وبالتالي " تأجيج " الجماهير ضد المقصودين بالحوادث، ومنها ما تعرض له المسلمون في أمريكـا إبـان حادث احتلال السفـارة الأمريكية فيطهران، أو حوادث خطف الطائرات، أو حتى محاولة قتل البابا يوحنا الثاني.

هذه التغطيات " المتلهفة".. اعتماداً على السبق التجاري لمحطات التلفزيون الأمريكية تجاوزت حقوق الآخرين، وسببت لهم مشاكل عدة، لا بد أن توصل في المحاكم" العـادلة " في الـولايات المتحـدة، ولا بد لكل الكتاب العرب من المشاركـة في دعم هذا الاتجاه؟ وتأييد مطالب العرب والمسلمين الذين تعرضوا للأذى من جراء التغطية " الاتهامية " للعرب والمسلمين.

لكن ما يهمنا من النظرة الأكاديمية لحقيقة التغطية الإخبارية - في بلاد متحضرة إعلاميا كالولايات المتحدة -هـو أن هذه التغطية اعتمدت على ممارسة خالفت النظرية الليبرالية في الإعلام، وصبت جـام غضبها على مجموعة معينـة، اعتماداً على " تماثل الحدث".. وليس على الحقيقة، وهذا موقف يحتاج إلى دراسة مستفيضة من معاهد البحث الإعلامي في الولايات المتحدة خصوصاً.المستشار الإعلامي لمجلس التعاون الخليجي - الرياض.وقد دلت دراسـات سابقـة على أن المجتمع الأمريكي يعتمد على التلفـزيون في تكـوين آرائه بدءا من اختياره للطعام، وصولاً إلى اختياره للرئيس.

هل نضج الإعلام حقا ؟

فبرغم تبلـور النظريـة الليبرالية في الإعـلام ونضجها خصوصا في الولايات المتحـدة واعتمادها على السوق الحرة، Free Market إلاّ أن ذلك مقرون بإتاحـة الفرصة لجميع الأفراد في قـول ما يعتقدونه صحيحـاً وعلى نحو متكافئ للجميع.

كما أن المجـرم بريء حتى تثبت إدانتـه، ومـا حصل بالنسبة للمسلمين والعرب تجاوز هذا المفهـوم، وهذا راجع إلى تلمس وسـائل الإعلام الأمريكية طـريق " إعلام الموقـف " بـل والموقف المسبق، ممـا أبعـدهـا عن الحقيقة ؟ وبما لم يترك فرصة لجميع أطراف القضية للتعبير عن آرائهم ! ، وهذا أوجـد" غضباً " أمريكياً على المستوى الشعبي ضد العرب والمسلمين قد لا ينتهي بسرعة ؛ لأن عملية الاتصـال عمليـة تراكمية ، " وأنها تدعم الآراء المكتسية دون أن تحدث التغيير".

وإذا ما اعتمدنا على هذه النظرية - والتي تدرسهـا الجامعات الأمـريكيـة حتى تاريخه - فإن التراكـم"الاتهامي" لكل ما هو مسلم وعربي يـدعم وجهـة نظر المجتمع الأمـريكـي، ويحتم وجود ردة فعل قـوية تجاه هذه الفئـة، وبـالتـالي حدوث الإساءات القوليـة والفعلية ضدها.

وهنا نصل إلى قضية " الاستعداد " التي حاولت وسائل الإعلام الأمريكية، إيجادها ضد المسلمين والعرب باستغلال حادث التفجير المذكـور الـذي أثبتت التحقيقات الأولية تـورط الأمريكان أنفسهم فيه، ولم يوجد رابط واحد - حتى تاريخه - يشير إلى وجود علاقة لمسلم أو عربي واحد بالحادث.

وهذا يجزنا إلى الحديث عن القيـم الإخباريـة التي وضعتها المدارس الأمريكية ومع الأسف خالفتها الممارسة الفعلية لعمليـات التغطيـة الإخبـاريـة لحادث الانفجار ؛ هذه القيم تفرق بين " الإشاعة " و " الحقيقة " ولكي كـما يقول Jermy Tunstall وهو أحد المتبحرين في علوم الاتصـال والصحافـة : " تـبرز الإشاعـة عندما لا يكون هنالك توازن بين الطلب الملح للمعلومة والفشل في التزويد بالخير، حيث يتسع مجال الإشاعة في السوق لدواع مالية، أو الأزمات أو الكوارث، أو المعجزات، أو الدراما أو الصراع .

ودوماً يتغلب الجانب السلبي في " الإشاعة " على جانبها الإيجابي، أو أن استخـداماتها في الجوانب السلبية تبدو أكثر وضوحاً وممارسة من جوانبها الإيجابية، وغالياً مـا تـرتبط الإشـاعـة بحياة شخص محدد أو مؤسسة ، وهكـذا نجد أن تأثيراتها تكون محدودة ومحددة لأنها تخص دائرة معينة من البشر، أما في الحالة التي نحن بصددها - حادث التفجير بأوكـلاهوما - فإن ترويج وزج اسم مسلمين عرب يخرج من دائرة الإشاعة، وأنها عملية منظمة وموقـف مدروس استنـادا إلى تراكـمات سابقـة عجلت بتوضيح صورة إعلام الموقف .. ، وهذا ما نأى بها عن الواقع ؛ أو أن تكون مجرد إشاعة .

تجربة من بريطانيا

ويذكرنا هذا الخروج على قـواعـد ومبادئ نظريات الإعلام بموقف السلطة البريطانية من الصحافة إبان حـرب فوكـلاند . فقـد كتب المحرر الوطني لصحيفة الـواشنطن بـوست يقول : " لقد - وضعت وزارة الدفاع البريطانية نظاما رقـابيـاً على التقارير من خـلال( لـوبي ) من مـراسلي وزارة الـدفـاع ، ولا يتمكن سوى هؤلاء المراسلين من الحصـول على التصريحات خلال الحرب بينما المراسلون الآخرون وهم الغالبية كانوا يتابعون الحرب من لندن حيـث التصريحات شحيحـة في المؤتمرات الصحفية ".

وقد أقامت معاهد الإعلام والصحف الدنيـا ولم تقعدها على ذلك التدخل السـافر في التغطية الإخبارية لحرب الـ " فوكـلاند " ،ونتـائجهـا ليس على الرأي العام، ووصول الأكفـان الخاصة بـالجنود البريطانيين الذين سقطوا في أرض المعـارك فحسب، بل إن الموضوع سبب امتعاضاً للأمريكيين حيث بدا الاعتماد واضحا -في التقـارير - على المصادر الـرسميـة فقط، وبرر هذا الامتعاض بأن التلفزيـون البريطـاني تردد في انتقاد الحكومة خلال الحرب، وما هي المواد التي تمت مراقبتها قبل البث.

من هنـا يصح لنـا القول بـأن نظريـات الإعلام يتم تجاوزها في أقـوى وأعتى الدول ديمقراطيـة في العالم، بل وتنحدر النظـرية الليبرالية إلى أسفل حضيض النظرية التسلطية في الإعلام، وهذا يؤيد ما يـذهب إليه كتاب العالم الثـالث من أنه " في الـدول التي تنادي بنظرية الحرية الإعلامية تسيطر الاحتكارات الرأسمالية فتشوه الحقائق وتفسد العقول وتهتك المبادئ وتصبح وسائل مضللة هدامة تكبل تفكير الشعوب بالأغلال حيث إنها تشل قوة تفكيرهم وتحاصرهم بدعاية مغرضة".

ولقد حدد تيـودور بيترسـون مجمـوعـة من أوجه النقد التي تساق ضد الصحـافـة في المجتمعـات الديمقراطية، كالتالي :
1- أنها تستغل قوتها الهائلة في خدمة أهدافها الخاصـة،فـيروج أصحابها لآرائهم وخاصة في الشؤون السياسية والاقتصادية على حسـاب الآراء المعارضة .

2 - أنها تضع نفسها في خـدمة الأهداف الرأسمالية الكبيرة ،وطالما سمحت للمعلنين بالتـدخل في توجيه سياسة التحرير ومادته .

3 - أنها تقاوم التغيير الاجتماعي .

4 - أنها كثيرا ما تفضي اهتماما مبالغا فيه على الأمور التافهة والمثيرة أثناء تغطيتها للأحداث الجارية وغالبا ما تتسم أبوابها الترفيهية بالسطحية .

5 - أنها تعرض الأخلاق العامة للخطر .

6 - أنها تقحـم نفسهـا في حيـاة الأفراد الخاصة دون مبرر عادل .

7 - أن هنـاك طبقة اجتماعية اقتصادية واحدة تتحكم في أصحاب الأعمال الصحافة هي طبقة الاحتكاريين.

لا بد من الاعتذار

إزاء ما تقـدم فإن طابع التغطية الإعلامية لحادث التفجير في أوكلاهوما خـرج عن التقاليد الصحفية العريقة، وبالتالي ظلم العرب والمسلمين على السواء من جراء الممارسات القاسية التي تناولتها الصحف العربية أو قنوات التلفزيون، وهذا ألقى بتبعات وظلال قاتمة على مستقبل حياة المسلمين والعرب في الولايات المتحدة .

وإذا كـان من حـق المسلمين والعـرب شعوبا وحكومات الـوقـوف ضـد هـذا الشكل من أشكال العنصرية، فإن الإعلام الأمريكي - والغربي - مطالب بأن يعيـد الصـورة الحقيقيـة للـرأي العام الأمريكي.. ويعتذر بقـوة، ويطالب الشعب الأمريكي بضرورة الالتـزام بـالقـواعد الحضـاريـة لحيـاة الأمم والشعوب ويكف عن مضـايقـة العرب والمسلمين في حياتهم ووظائفهم وشعائرهم.

وإذا كان المجتمع الأمريكـي يحرص دوماً على نفسية المواطن و" استواء " الشخصية الأمريكية وعدم تعريضها للأذى والمضايقة مما يترتـب عليه انحـرافـات نفسيـة سلبية، فإن القضاء الأمريكي مطالب اليوم بإنصاف من تعرضوا للضغوط النفسية من الطلاب والمهنيين والعمال العرب والمسلمين في الولايات المتحدة .

وعلى الجانب الأيمـن من الأطلسي ،فإن حضارة الديمقراطية في بريطانيا لا شك سوف تحقق في سوء المعاملة التي تلقاها المواطن العربي إبراهيم أحمد على يد الشرطة البريطانية وهو بريء ممـا نسب إليه . والـواجب أن تنشط الدبلوماسية العربيـة والإعلام العربي لإعادة الاعتبـار للعرب والمسلمين ، والدخول في تحقيقات طويلة مع السلطات ووسائل الإعلام حـول التلفيقـات والتهم التي ألصقت بالعرب والمسلمين .

كـما أن الدبلـوماسية العربيـة في واشنطن يجب أن تنشـط من أجل التحقيـق فيحـادث إسقـاط المرأة العربية لجنينها من جراء المعاملة القـاسيـة التي لقيتهـا ،تماما كـما هـو الحال مع زوجـة إبراهيم أحمد حيث نشرت صورة الزوج في وسـائل الإعلام، وقام مواطنون أمريكيون بالتحرش بها وبصقوا عليها وألقوا القمامة في حديقة منزلها ؛كـما جاء على لسان زوجها .

واليـوم وقد ثبتت بـراءة المذكـور، وبراءة كل العرب والمسلمين الذين تلقوا إهانات ومضايقات، لا بد من أن تنشط الدبلوماسية العربية لوضع الأمور في نصابها والرد على كـل تلك الأوضاع حسبما يقتضيـه القانـون سواء في أمريكا أم في بريطانيا .

ولئن كنا نعلم جيداً مدى تغلغل النفوذ الصهيوني في وسائل الإعلام الأمريكيـة والأوربية على السواء، وتصيد هذا النفوذ لأية حـادثـة مروعـة للزج باسم العرب والمسلمين، فإن " دوائر الضغط العـربيـة " إن وجدت مطالبة بـوقف هذا الهجوم الأيديولـوجي، وإن الولايات المتحدة - على اتسـاعها - معـرضة لمثل هـذه الحوادث لاعتبـارات كثيرة، ولكن هذا لا يعني أن كل حـادث تفجير أو إرهاب يكون وراءه مسلمون أو عرب .

أصابع الاتهام

فلا يغيب عن بال الإدارة الأمريكية حـال 40 ولاية أمـريكيـة تعـاني من مشـاكل اقتصاديـة، والتنظيمات المسلحة للمجموعات التي تعاني من عمل الحكومة، بل وتعاني من عدم اهتمام السلطات الفيـدرالية بها، ناهيك عن الاتهام الذي أورده المتحدث باسم " الاتحاد الوطني لميليشيا المواطنين " ، من أن يكون الانفجار قد تم تنفيذه في إطار مخطط اتحادي لتشويه سمعة " الوطنيين ".

أما إن كان الانفجار بالون سياسة داخلية للاختبار لأن أصـابع الاتهام موجهـة "إلى قطاع يميني محافظ وأبيض متطرف داخل المجتمع الأمريكي يدعي أن لديه" ظلامات "ضد الحكومة الفيدرالية " ، فإن ذلك أيضاً لا يدخل العرب أو المسلمين في قائمة الاتهام . ولا يسوغ إهانتهـم ، وتعريضهم للأذى، ونشر صورهم بواسطة وسائل الإعلام قبل ثبوت الإدانة.

وإذا استشعر بعض الإعلاميين من كـلام الرئيس الأمريكي كلينتون بأنها اتهامات لهم، ومنهم أبرز مذيعي اليمن ( ليمبو ) ولـه برنامـج يبث على 660 محطة ،ويسمعـه الملايين حيث يقول: " يجب ألا يخطئ أحـد أن الليبراليين ينـوون استعمال هـذه المأسـاة لتحقيق مكاسب سياسية "ولئن أدار المذيع المشهور ( بـرناردشو ) وجهه لكاميرا تلفزيون (MBC) لتجنب الرد على سـؤال مهم حـول التـورط الإعلامي الأمـريكي في تغطيـة أحـداث أوكلاهوما، فإن مصداقية هذا الإعلام يجب أن توضع في ميزان جديد .

وأخيراً ، فإن هنالك بعدين أساسين للتحرك العربي حول هذه القضية:
الأول- البعـد القانوني .. ويشمل محاكمة الذين عرضوا المسلمين والعرب للإهـانة والمضايقة والاعتداء الفيزيائي.

الثاني - البعد الإعلامي .. الذي يجب أن تنشط فيه المحطات الناطقة بالإنجليزية والصحف أيضاً، في إنارة الرأي العام الأوربي والأمريكي وتوضيح الخطأ الفادح الذي وقع فيـه البعض في تـوجيه الاتهامات الجزافية للعرب والمسلمين، ويشمل هذا البعـد الدبلوماسية العربية في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية.

 

أحمد عبدالملك

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات