طفلي عصبي.. لماذا؟

طفلي عصبي.. لماذا؟

إنها مشكلة تواجه العديد من الأمهات. وحالات عصبية الطفل لا تعود إلى أسباب نفسية فقط بل إن هناك عوامل جسمية تؤثر في عدم استقرار الطفل، ومهـمة الوالدين هي محاولة فهم الأسباب الكامنة خلف هذه الأعراض العصبية ومساعدة الطفل على التخلص منها بطريقة غير قهرية.

يرى بعض علماء النفس أن أهم أسباب عصبية الأطفال وقلقهم النفسي ترجع إلى الشعور بالعزلة والعداوة وكذا الشعور بالعزلة. وكل هذه المشاعر السلبية ترجع إلى حرمان الأطفال من الدفء العاطفي وعدم إشباع حاجاتهم إلى الشعور بالحب والحنان والانتماء والقبول وإلى سيطرة الآباء في سطوة متجبرة.

ولعلنا كثيراً ما نرى أن الآباء يخطئون في حق أبنائهم حينما يفرقون بين طفل وآخر فهذا طيب وهذا خبيث أو ابننا فلان ذكي وابننا فلان غبي، كذلك التفريق في المعاملة بين الولد والبنت، كذلك ترجع عصبية الأطفال إلى تناقض البيئة بما ينطوي على الغش والخداع فالآباء يعدون أطفالهم ثم لا يفون بوعودهم.

والجدير بالذكر أن العوامل والأمراض الجسمية قد تتسبب أيضا في عدم استقرار الطفل وعصبيته ومن هذه العوامل اضطرابات الغدد كـزيـادة إفراز الغـدة الدرقية، وكذلك سوء الهضم والإصـابـة باللوز والـديدان ومرض الصرع... لذلك يلـزم علينا التأكـد أولا من خلو الطفل من الأمراض العضويـة التي تـؤثر على صحته العامة، فإن وجـد سليما من الناحية الجسمية تكون بالتالي أسبـاب العصبيـة نفسية يتحتم علاجها.

وهناك مراحل لتطور النمو الانفعالي تتمثل فيما يلي:
1 - في فترة الرضاعة: (مـن أسبوعين إلى عـامين) يلاحظ أن الرضيع الذي ليس في حاجة إلى غذاء أو ماء أو نوم أو نظافة فإنه يظهر عليه الهدوء والسعادة، أما إذا كان الحال عكس ذلك فـالتوتر والغضب والعصبية وغير ذلك من أنماط سلوكية تكون متوقعة حتى لأتفه الأسباب.

ويـؤدي كـذلك التـوتـر والاضطـراب الانفعالى إلى عـدم استقرار الرضيع وإلى بعض اللزمات العصبيـة مثل: مص الإبهام، أو كثـرة التبـول، وكثـرة الصراخ والتخريب أو الانسحاب.

2 - الطفولـة المبكرة: (من 2 إلى 6 سنوات) يزداد تمايـز الاستجابات الانفعالية، وتزداد الاستجابات الانفعالية اللفظية لتحل تدريجياً محل الاستجابـة الانفعالية الجسميـة. وتتميـز الانفعالات بأنها شديدة ومبالغ فيها (غضب شديد، كراهية شديدة)، وتتميز كـذلك بالتنوع والانتقال من انفعـال لآخر (من الانشراح إلى الانقباض ومن الهدوء إلى العصبية).

وتظهر الانفعالات المركزة حول الـذات مثل الخجل والإحسـاس بالذنب والشعور بالنقص ولوم الذات وكذلك مشاعر الثقة بالنفس والاتجاهات المختلفة نحو الذات.

3 - في الطفولة المتأخرة: (من 9 إلى 12 عاما) تقل مظاهر الثورة الخارجيـة، ويتعلم الطفل كيف يتنازل عن حاجاته العاجلة التي قد تغضب والـديـه، ويحاط الطفل ببعض مصادر القلق والصراع، ويستغرق في أحلام اليقظة.

ولاشك أن الأب الذي يعـاني من العصبية والتوتر فإنه ينقل هذه المظاهر إلى أطفاله، لأن الطفل في حقيقة الأمر يلاحظ سلوك أبيه وينقل تصرفاته وبذلك فإنه يتعلم أسـاليب جـديـدة لـلاستثارة الانفعالية.

والأم الثائرة الحانقة تعلم أطفالها العصبية والتهور والرعونة بدلاً من أن تعلمهم مجابهة الحياة بتو وهدوء دون انفعال أو عصبية مبالغ فيها.

والأم التسلطية تصبح مصدراً محبطاً للطفل فيقاومها كلما تمكن من ذلك، بعكس الأم المرنة الهادئة التي يحبها الطفل ويثق فيها وبالتالي يخضع لمشيئتهـا وينفذ مطالبها بكل اقتناع وهدوء.

ومعنى هذا أن كل الانفعالات والأساليب السلكية والعادات والاتجاهات سواء أكانت مرضية أو صحية، سوية أو شاذة تتمركز حول الآباء باعتبارهم مصادر السلطـة، وحينما يكبر الطفل ينقل هذه الانفعالات والأساليب ويبدأ في تعميمها فالمعلمة تصبح البديل أو القرين لأمه وكذا المعلم البديل أو القرين لأبيه.

لذلك لا غرو إذا كانت التربية الحديثة تؤكد على تربية الآباء قبل تربية الأبناء وتربية المعلمين قبل تربية التلاميذ الصغار.

وإذا كانت القسوة تؤدي إلى عصبية الأطفال وتوترهم، فإن التدليل المبـالغ فيه والإفراط في الحماية يؤديان إلى عصبية الأطفال وانفعالاتهم المرضية وتوترهم الدائم، ذلك لأن التدليل ينمي في شعور الطفل صفة الأنانية ويجعله دائم التمركز حول ذاتـه. وكأن ذاته هـذه هي محور الكون ومركز اهتمام البيئة، فيتعلم ضرورة إجابة طلباته دون تأجيل، ويثور ويتوتر إن لم تجب رغباته.. إنـه يحس بوجـدانـه المريض أن المجتمع كله يضطهده والدليل في نظره أنه لم يحقق رغباته ومطامحه، دون أن يدري بالقطع أننا لا نستطيع تلبية جميع رغباتنا في آن واحد.

نماذج غير سوية

1 - الطفل الوحيد يكون مركز الاهتمام وبؤرة التدليل والرعاية، ينال رعاية كبيرة ومركزة، تنحصر فيه آمال الأبوين، ويتوقعان منه إنجـازات رائعة، لأنه كل الأولاد، وبالتالي يقع الوالدان في خطأ الرعاية والحماية المفرطة له، ويدللانه تدليلا مبالغاً فيه، فوالداه يشعران أنهما لن ينجبا غيره فيخافان عليه من كل شيء، وبالتالي يستجيبان لكل رغباته طائعين لا يحاولان إطلاقاً رفض طلباته، يسرعان إلى تهدئة خاطره واسترضائه، مما يؤثر تأثيراً سيئـاً في نمو شخصيتـه فيصير الطفل معتمداً عليهما في كـل صغيرة وكبيرة، وبالتالي لا يستطيع أن يتحمل المسئوليـات المناسبة لسنه.

ومما يزيد الأمر سوءا، هو منع الطفل من اللعب مع رفاق سنه خوفا عليه من تعرضـه للحـوادث والإصابات مثلاً، فيحاولان جاهدين استبقاءه في المنزل حتى يكون في مأمن، والـواقع أن هذا المسلك يجعله يجد صعوبات جمة في تفاعله وتوافقه الاجتماعى مع رفاق سنه، ولذلك فليدرك أبوه أنه يجب أن يعرض الطفل الوحيد عن إخوته بعدد مناسب من الأصدقاء والرفاق ممن هم في سنه حتى ينمو اجتماعياً النمو المناسب والمعقول من خلال تفاعله معهـم، ومما يفيد الطفل هنا إلحاقه مبكرا بدار حضانة جيدة، كذلك شغل وقت فراغه بالهوايات الممتعة مثل تربية طيور الزينة، مع معاملته معاملة طبيعية جدا.

2 - الطفل الأول يمثـل دائماً البداية الجديدة لأي أسرة شابة، فهـو أول خبراتها في مجال الأبوة والأمومة. ولاشك أن النظرة الأولى للطفل يكون ملؤها الفرح والسعادة لمقدمه بغض النظر عن أن صورته المتخيلة في ذهنهما لم تطابق الواقع.

ومع نمـو الطفل الأول فإنـه يصبح محط أنظار والـديه وبؤرة اهتمامهما ومطامحهما يدفعـانه إلى تحقيقها، وقـد ينال الطفل الأول الكثير من الحماية الزائدة والتدليل المفرط وهذا هو الخطأ الذي سبق وأن نبهنا إليه، من جهة أخرى يشعر الطفل الأول أنه مركز اهتمام الأسرة وقد يشعر حين يأتي الطفل الثاني- إذا لم يكن قد أعد لذلك إعدادا خاصاً- أن كارثة قد حلت به وتنمو لديه "عقدة قابيل".

3 - الطفل الأكبر الموجود مع إخوته وأخواته الأصغر منه هو أيضا الطفل الأول بالنسبة لوالديه، وهو يستقبل الكثير من عنايتهما وحبهما ورعايتهما أكثر من إخوته، وهو يلقى حماية زائدة واهتماماً بالغا، وهو أقرب الأطفال إلى والديه من ناحية السن، والطفل الأكبر يتوقع منه أن يكـون رائدا لإخوته وأخواته الأصغر منه، وهو يشعر بالزهو والفخر بالنسبة لهم لأنه كبيرهم ورائدهم وقد يتسلط عليهم إذا وجد الضوء الأخضر من والديه.

الطفـل الأكبر يتمتـع ببعـض المزايا فلا يوجد من هو أكبر منه من الإخـوة يمارس معـه السلطة والتسلط، وعادة يشير الـوالـدان إليـه كنموذج لأطفالهما أمام الأهل والأصدقاء وهنا يستلـزم من الوالـدين مراعاة شعور إخوته وأخواته الصغار.

وقد يفضله الوالدان بدرجة زائدة ويدللانه ويرفعان مركزه وقدره باعتباره الطفل الأكبر، ومن المفـروض ألا يحصل الطفل على أية مزايا لهذا السبب على حسـاب إخوته وأخواته.

4 ـ الطفل الأصغر يمثل مكاناً خاصاً في قلب والده أو والدته لأنه الأصغر والأضعف، ومن مظاهر التـدليل والحمايـة الزائدة تلبيـة رغباته بشكل مبالغ فيه على أنه "الصغير"، فيحصل على امتيازات ومميزات بهذه الحجة، وقد يخطئ الصغار فينال الجميع عقاباً صارماً ولكن هذا العقـاب لا يطبق بنفس الحزم مع الطفل الأصغـر وحجة الوالدين في ذلك أنه لا يدري ولا يعي فقد قلد إخوته الأكبر منه.

الضعف العقلى ومستوى الذكاء المنخفض يكون غالباً مصحوباً بالتوتر والعصبية وعدم الاستقرار، وقد تصل العصبية إلى حد التحطيم والتخريب، وتزداد عصبية ضعاف العقول كلما حاوليت البيئة (المنزل أو المدرسة) أن تمارس ضغوطاً عليهم كأن يحسنـوا أراءهم أو تحصيلهم ويكـون هـذا أكبر من قـدراتهم وطاقاتهم الذهنية والفكرية، ومما يزيد من عصبية هؤلاء الأطفال تأنيبهم ومقارنتهم بأقرانهم مقارنة ظالمة ليست في صالحهم فيشعرون بالنقص والدونية والشقاء وخيبة الأمل فيـزدادون تـوتـراً نفسيـاً وعصبياً.

وعلى الآباء التعجيل بـالعلاج الطبي اللازم حسب الحالة، مع إعـادة تـربيـة هؤلاء الأطفال بـالأساليب التربـوية الخاصة واستثمار ذكائهم المحدود، ويلزم كـذلك مساعدتهم على التوافق الاجتماعي المطلوب وحمايتهم من استغلال الآخرين، وإعداد وتوجيه الوالدين لكي يتحملا هذه المشكلة وقائياً وعلاجيا.

أما على الجانب العام فلابد من نشر المعرفة ورفع وعي المواطنين بخصوص الضعف العقلي، وتوجيه وإرشاد الوالدين قبل الإنجاب وذلك بالفحص الدوري للأم الحامل ووقاية الأطفال أثناء الولادة، والتعرف المبكر على الاضطرابات الوراثية التي يمكن أن تتسبب في إنجاب أطفال ضعاف العقول.

الطفل الذكي قد يعاني أحياناً من العصبية والتوتر وعدم الاستقرار وذلك لأن مستوى تفكيره يختلف كثيراً عن مستوى تفكير أقرانه، فيدرك ويستوعب كل ما يقال له أسرع وأعمق.

ونحن نلاحظ أنه كلما استرسل المعلم في الشرح بالإعادة والتكرار، شعر الطفل الذكي بالملل والضيق والتبرم لأنه يستوعب بسرعة ملحوظة فنراه يستخف بالدراسة، وحتى في المنزل لا يبذل جهداً كبيراً في التحصيل والاستذكار.

ومن المعروف عن هؤلاء الأطفال الأذكياء أنهم كثيرو الأسئلة، ولديهم ملاحظات قد تتسبب في إحراج المعلمين والآباء على حد سواء، فيواجه مثل هذا الطفل أو ذاك بالعقاب البدني أو السخرية منه والازدراء واللامبالاة.. بحجة أن هذه الأسئلة وتلك الاستفسارات إنما تعيق العمل داخل الفصل وذلك حينما يتطرق هذا الطفل إلى موضوعات خارج نطاق المقرر المعمول به، مما يتسبب في تعطيل أغلبية التلاميذ عن الفهم.

زد على ذلك لو أن موقف الأبوين في المنزل هو نفسه موقف المعلمين في المدرسة. كل هذا بلاشك يدفعه إلى الشعور بالضيق والتبرم والقلق النفسي والإحباط فيلجأ إلى أسلوب العصبية والعدوانية، وقد تؤدي به هذه المطبات النفسية والعصبية الشديدة إلى التبول اللاإرادي أو أمراض الكلام كالتهتهة أو اللجلجة أو اللعثمة، وفي تطورات أخرى قد تؤدي به إلى انحرافات سلوكية كالسرقة أو الكذب.. وكل هذه الأعراض والأمراض تؤدي به في النهاية إلى دوامة التخلف الدراسي ومن ثم الفشل.

وقضية الطفل الذكي أو المتفوق لا تقل خطورة بحال من الأحوال عن قضية الطفل الغبي، كما أن الطفل الذكي لا يعتبر مشكلة في حد ذاته، كل ما في الأمر أنه يشعر بأن مستواه العقلي ومن ثم مستواه الدراسي أعلى بكثير من مستوى أقرانه، ولذلك يشعر بالملل من حضوره إلى المدرسة فهي لا تشبع طاقاته وقدراته العقلية العالية، والأخطر من هذا أنه قد يستخف بأداء واجباته ويهملها معتمدا على قدراته العالية في الفهم والتحصيل والاستيعاب.. الأمر الذي قد يؤدي به سوء حظه إلى أن تخونه قدراته أحياناً فيتأخر دراسياً أو قد يرسب في الاختبارات ومن ثم يحبط فتزداد عصبيته وثورته وقد يصاب بحالات مزمنة من القلق والاكتئاب.

لذلك فإننا ننادي بأن تكون بكل مدرسة فصول للمتفوقين تختلف فيها الدراسة كما وكيفا عن باقي الفصول العادية، كما أنه من المفروض أن يقوم بالتدريس (في مثل هذه الفصول) معلمون على مستوى عال من التأهيل الأكاديمي والتربـوي حتى يتسنى لهم مجاراة هؤلاء الأطفال الأذكياء..

وفي هذا الصدد يمكن للمدرسة أن تكشف عن هـؤلاء الأطفـال المتفوقين والأذكياء بإجراء اختبارات تكشف عن السمات السيكولوجية التي تتوافر بـدرجة كبيرة في مثل هؤلاء الأذكياء وهي على سبيل المثال لا الحصر: استقلال التفكير، دقة الملاحظة، قوة الذاكـرة، سرعة الفهم وعمقه، القدرة على الابتكار والتجـديد، الثقة بالنفس وعدم التردد، قوة الإرادة والمثابرة، الرغبة في التفوق وبذل الجهد، سرعة النمو التحصيلي.

ولذلك كـان لزاماً، والأمر جد خطير أن تتبنى المؤسسات التربـوية كـالأسرة والمدرسـة الاهتمام بهؤلاء الأذكيـاء بتشجيعهم على القـراءة والاطـلاع الخارجـي، وإلحاقهم بنوادي العلوم، ومنحهـم المكافآت التشجيعيـة من رحلات ومعسكرات.

وكـما أوضحنا فـإن الطفل الذكي المتفوق ليس مشكلة في حد ذاته، بل إن مكمن الخطر هو أسلوب معاملته.. فالآباء الذين يصرون دائما على اعتبار أبنـائهم من الموهوبين والعباقرة فيساعد هذا المسلك على إذكاء روح التمـرد والشعور المتزايـد بالثقة في النفس التي قـد تصل بهم إلى حـد الغرور وتكـون النتيجة عكسية وفي الاتجاه المضـاد تمامـا فيهمل الأطفـال الاستـذكـار ويتهاونـون في أداء واجباتهم فتتراكم عليهم الدروس فيفشلون في التحصيل المثالي وقد يرسبون في الاختبارات.

ونحن لا نطلب من الآباء سوى تنمية مواهب أطفالهم لكن بدون أن يدفعوهم إلى الغرور، وألا ينتقدوهم لكثرة استفساراتهم بل يجيبوا عليها بروح الود والقبول، ولا مانع إطلاقاً من شراء اللعب المختلفة التي تنمي قـدراتهم وإمكـاناتهم الـذهنية والعقلية.

ويجب أن ننبه الآباء والمعلمين إلى خطورة الاهتمام بالأطفال على أنهم أذكيـاء وعباقـرة فيطلبـون منهم الـوصول إلى مستـوى عـال من التحصيل هم في حقيقة الأمر أقل مستوى من الوصـول إليه، فيصاب الأطفال بالإحباط والشعور بالمرارة لعجـزهم المتوقع وبالتالي العصبية والتوتـر والجنـوح أو إلى الانـزواء والإغراق في أحلام اليقظة.

أعراض العصبية

* مص الإبهام أو الأصابع ضرب من الساديـة الفمية التي يمارسها الطفل حـين يعمد إلى وضع إبهامه في حلقه أو إلى مص إصبعه بشكل عام. ويعتبره المحللون النفسيون من الظواهر الدالة على مغزى جنسي له علاقة بالكبت والاستعاضه عن وضع الثديين.

ومص الأصابع في الشهور الأولى عمليـة طبيعيـة يلجأ إليهـا كل الأطفال، وتقع الخطورة الحقيقية إذا استمر مص الأصـابـع إلى سن متقدمة كالعاشرة مثلاً، وفي هذه الحالة تعتبر هذه الحركة عرضا من أعـراض الاضطـراب النفسي والعصبي، وقـد يصـاحب ذلك أحلام يقظة أو سرحـان أو اكتئاب، ويزداد بالتالي مص الأصابع عند مواجهة بعض المشـاكل أو عنـد الفشل أو الإخفاق، والمعلوم أنه لا يجدي تحذيـر الآباء للطفل وتنبيههم لـه بالإقلاع عن هـذه العـادة.. وإذا أردنا عـلاج هذه الحركة فـلابد من عـلاج الحالة النفسية للطفل، وكـذلك الحالة الأسريـة التي يعيش في كنفهـا الطفل.

وقد تكون إحدى وسائل العلاج النـاجحـة هي شغل وقت فـراغ الطفل بنشاط يدوي وذهني يحول بينه وبين وضع يده في فمه ويشعره باللذة في الإنتاج والهواية النافعة أما استعمال العقاب والتأنيب والتوبيخ كعلاج لهذه الحالة فإنه يعقد الحالة ويزيد من اضطراب الطفل نفسياً.

* قضم الأظافر: عادة قوامها اللجوء من جـانب الأولاد والبالغين إلى عض الأظافر النامية في أصابع اليدين ومحاولة قضمها. وهي من العـادات التي يتعذر استئصـالها بسهولة وحمل المرء على الإقلاع منها تماما.

وقضم الأظافر وقرض الأقلام أو حتى عض الأصابع ظاهرة تدل على انفعال الغضب أو الشعور بالحرج وهو من ظواهر أعراض التوتر النفسي والعصبي، وقد يكون نتيجة لعدم القدرة على التكيف مع البيئة أو عدم مـواجهة بعض مواقف الحياة. وكثيراً ما تزداد هذه الحالة عند التلاميذ أثناء الامتحانات، أو عند تعرضهم لمواقف حرجة أمام أقرانهم، بـذلك يمكن أن يفسر قضم الأظافر بأنه وسيلة سلبية لاستنفاد التوتر النفسي والعصبي، ووسيلـة للهروب من مواجهـة الواقـع، وكما ذكرنا فإن العقاب أو التوبيخ لا يجدي في علاج هذه الحالة كما في مص الإبهام.

ومما يساعد على علاج هـذه الحالة إجراء التصحيحات اللازمة في علاقـة الطفل بوالديه ومعلميه وكل من في البيئة لإشباع حاجاته النفسية ثم مساعدته على إثبات ذاتـه بأسلوب توافقي مع الاهتمام بالأنشطـة الترويحية مثل زيارة المتاحف والأماكن الأثرية وقيامه بالـرحلات العلمية والترفيهية ومشاهدة برامج التليفزيون الهادفة والمفيدة وكذا التنزه في الحدائق.

هذا وقـد أجرى علماء النفس عدداً من التجـارب البارزة حيث توصلوا إلى طريقة الإيحاء العلاجي في أثناء النـوم، ونجحـوا في جعل الـذين اعتادوا قضم أظافـرهم يقلعون عن تلك العادة.

* قد يعاني بعض الأطفال من حركات عصبية لا إرادية تتخذ صفة العادة ومنها: هز الساق بطريقة شبه مستمرة، رمش العين في تلاحق مستمر، تحريك الأنف ذات اليمين وذات اليسـار، تحريك جـوانب الفم، تحريك الرقبة يميناً ويساراً أو إلى الخلف، وكلها بطريقة عصبية تلقائية متتابعة، وحينما تتأصل في الطفل فإن مثل هذه الحركـات هي في الـواقع وسـائل للتخلص من التـوترات العصبيـة النـاتجة عن اضطرابات نفسية حادة.

ونذكر أن محاولات التنبيه والزجر والتوبيخ والعقاب لا تفيد في الشفاء من هذه الحركات بل تزيدها وتثبتها وذلك لـزيادة عصبيـة الأطفال وتوترهم.

ومن خلال التجارب الواقعية نؤكـد أن إهمال هذه الحركـات العصبية وعدم التنبيه إليها سواء من الوالدين أو غيرهم يؤدي إلى تحسن الحالة مع ضرورة الاهتمام باختلاط الطفل بالأقران لممارسة وسائل اللهو واللعب الجماعي، مع إقـلال الوالدين من القلق على الطفل، أو التدليل المفرط، وإشباع حاجـاته النفسيـة من حب وأمن وتقديـر وتأكيـد ذات وانتماء، مع ضرورة تعاون المدرسة مع الأسرة في العلاج كأن تشجعه على ممارسة الأنشطة الرياضية والثقافية والترويحية.

حتى نقي أطفالنا

* عدم التفريق في المعاملة بين الأبناء أو إيثار الأبناء الذكور على الإناث، اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول صلى الله عليـه وسلم في حـديث رواه الترمذي: "من كـانت له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو اختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة.".

* الأبناء الـذين يعانـون من العصبية عاشوا في منازل يسودها التوتر والقلق، ولذلك يجب على الآباء ضبط سلوكهم واشاعة جو من الهدوء والأمن والسعـادة في المنزل. كثير من الآباء يتدخلون في كل كبيرة وصغيرة من شئون أطفالهم بحيث لا يشعرون بحريتهم يتهم وذاتيتهم فينشأون معتمدين على الآخـرين، لذلك يجب على الآباء عدم التدخل في شئون أطفالهم إلا بالقدر المعقول من التوجيه والإرشاد، وأن يتركوا لهم حرية التصرف في شئونهم بالقدر المناسب من النصح والتبصير.

* من الآباء من يتحمس لفكرة عدم اختلاط الأبنـاء مع أترابهم وأقرانهم، إما خوفاً من الحسد أو من فـرط الخوف عليهم، فيشب هـؤلاء الأطفال دون نمـو كـاف لشخصياتهم اجتماعياً، ولذلك على الآباء إتاحة الفرص لأبنائهم لممارسة نشـاطهم الاجتماعي السـوي مع الآخرين.

* إشبـاع الحاجات النفسيـة للأبناء كشعورهم بالحب والإيثار والتقبل والتقديـر والأمن والأمان بدرجة معقولة دون تدليل مفرط أو مبـالغ حتى لا نخلق منهم أفـراداً يميلون إلى السيطرة على البيئة.

* كثير من الآباء يعتمدون في تـربيتهم لأطفـالهم على القسـوة والتحقير والتعنيف، وهي أساليب من شأنها أن تؤثـر سلبا في نمو شخصياتهم ولا تؤتي إلا بالعصبيـة والعـدوانيـة أو الانسحـابيـة والانطواء.

* وتؤكد الدراسات أن عصبية الأطفال ليست وراثية بيولوجية عن طريق الدم من الآباء إلى الأبناء كـما كـان يعتقـد في السابق، إنما هي سلـوك مكتسب ومتعلم أو نتيجـة لكبت الآباء للأبناء، ولذلك يلزم التحلي بروح الهدوء والاتزان والاناة في التعامل مع الأطفال.

* كثير مـن المدارس تهمل الهوايات والرياضات البدنية ومزاولة الأنشطة الفنية والموسيقية والكشفية على اعتبار أن هذه الأنشطة إنما من قبيل الأهـداف الهامشيـة أو لأنها مضيعة للوقت في مواجهة الكم الهائل من المعلومات والمعارف، ولذلك يجب على المدرسة أن تغير من دورها التقليـدي الجاف حتى تستطيع مـدارسنا في كل البقـاع العربية مواجهة تحديات المستقبل بخلق جيل من المبدعين والرياضيين والعلماء والأدباء والقـادة ورجال الدين حتى تصبح أمتنا خير أمة أخرجت للناس..

 

وفيق صفوت مختار

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات