الحوار المعاصر مع الغرب والمقتضى

  الحوار المعاصر مع الغرب والمقتضى
        

          لقد أشاع مؤرخو الثقافة الغربية أن هذه الثقافة تخلصت نهائيا من عاهات الاستعلاء العنصري العرقي، والتمييز الطائفي والديني والطبيعي، بفضل مساهمات مفكري وفلاسفة عصر العقل والتنوير في القرن الثامن عشر، وأن هذه الثقافة عندما صاغت مبدأ التسامح Tolerance فقد أزاحت بواسطته جميع أنواع التمييز بين البشر, خاصة أن مواثيق ودساتير المجتمعات - والدول - الغربية جسدت مبادئ ثورات الغرب - السياسية والاجتماعية الكبرى - وأكدت اعتناقها لهذا المبدأ في صياغات لغوية، كان أشهرها، شعار الثورة الفرنسية في ختام القرن نفسه: الحرية والإخاء والمساواة.

          لكن ربما كان ابتعاد الواقع التاريخي الغربي الفعلي - السياسي والاجتماعي - وابتعاد ممارساته عن كل معاني مبدأ «التسامح» هو السبب في الغياب الكامل لتلك المعاني عن «الخطاب الفلسفي» الغربي المعاصر في بحثه عن جذور وأسباب «الإرهاب» في عصرنا، وذلك بالصورة التى يتجلى بها هذا الخطاب الفلسفي في الحوار الذي أجرته الفيلسوفة «جيوفانا بواردوري» الأستاذة بكلية «فاسار بنيويورك» مع الفيلسوف الكبير «جاك دريدا» الفرنسي، و«يورجن هابرماس» الألماني.

          تغييب معاني المساواة والإخاء والعدل المتكافئ لجميع البشر دون تمييز في هذا الخطاب الفلسفي الغربي، ربما تحت تأثير التاريخ الغربي العقلي، وذلك في مقابل التحديد الواضح لمعنى التسامح، الذي قدمته المنظمة العربية لمناهضة التمييز في وثيقة مبادئها وأهدافها، والذي يؤكد أن المعنى المحدد للتسامح هو: المساواة والعدل، وفقا لما نزلت به الأديان، ولما أكده «فكر الاستنارة» على مر العصور، وفي تعارض يقاوم نتائج التاريخ الفعلي: تاريخ العدوان والتسلط والظلم.

          يؤكد لنا «جاك دريدا» - وهو يهودي فرنسي - على أن التسامح في التراث الغربي لم يكن له مدلول سياسي أو اجتماعي، وأنه كان يشير فقط إلى فضيلة دينية مسيحية، وأكد أن «الشخص المتسامح» هو صاحب المكانة الاجتماعية الأعلى وأنه الأقوى أيضا القادر على الإبعاد والنفي، بل إن من حقه أن يستبعد الآخر، الأضعف والأقل مكانة، وأن ينفيه، ولا يرى لهذا الآخر - الديني أو العرقي - أي حقوق، ولكنه بصفته «فاضلا متدينا» يتسامح فيمنح الآخرين ما يراه من حقوق كما يستطيع، ويملك الحق في أن يسحبها في أي وقت.

          فالتسامح هنا مجرد نوع من الإحسان، صدقة، وليس قيمة ملزمة اجتماعيا وسياسيا، ويشير إلى أن عبارة «سقف التسامح» التي شاعت في المجتمعات الغربية أخيرا، كانت تعني وتصف «الحد الأقصى الذي لا يمكن بعده أن نطالب أي جماعة قومية بأن ترحب بالمزيد من الآخرين الأجانب، أو المهاجرين ومن يشبههم».

          غير أن «دريدا» يطرح اقتراحا بمفهوم أو بمعنى جديد للتسامح ويطلق عليه اسم «الاستضافة» أو «الضيافة» Hospitality. وتقول «جيوفانا بورادوري» إن دريدا لا يتلاعب بالدلالات اللغوية ولا يلعب بالكلمات، وإنما يعتمد على بناء فكري كامل، خاص به يتعلق بالتفاعل بين الأخلاق والسياسة، ويتركز حول «الالتزام الفريد الذي يحمله كل واحد منا إزاء الآخر، حتى لو كان هذا الآخر» غريبا غربة كاملة.. ولم توجه إليه الدعوة، ولم يكن ُمنتظرا، ولكن ينبغي قبوله قبولا كاملا، غير مشروط باعتباره زائرا ومقيما؛ لا ينازعه أحد في أي حق من «حقوقه» بوصفه صاحب البيت والأرض والإقليم.. أستقبلك وأستضيفك بشكل مطلق ودون شروط.

          وينقد المفكر «سامي خشبة» هذا التوجه في التسامح، حيث يرى - ومعه كل الحق - أن الفيلسوف هنا لا يفعل أكثر من تقديم فكرة «وعظية» تبدو بالرغم من أخلاقيتها - أقل قيمة وأقل تأثيرا بكثير من معنى «التسامح» الذي رفضه في البداية، لأنه رآه مجرد فضيلة خلقية، وسوف ندرك أن «دريدا» زاد كثيرا من قدرات «المضيف» صاحب البيت، وهو نفسه «المتسامح» القديم، بينما أضعف كثيرا من الحقوق المقررة المؤكدة للزائر، الضيف، الآخر، ولم يقدم لهذه الحقوق أي (ضمانات) أكثر من سماحة صاحب البيت.

الغرب وأنساق القوة الجديدة

          في أعقاب حرب رمضان أكتوبر عام 1973م برزت فكرة الحوار العربي الأوربي، وعقدت مجموعة من اللقاءات بين مفكرين وسياسيين عرب وأوربيين، ورصدت عدة دراسات حول الموضوع، أهمها دراسة «روجيه جارودي» الذي دعا الغرب إلى التخلي عن غروره وغطرسته، ودعوته إلى إنشاء حوار مع الحضارات الأخرى، وبخاصة «حضارة القرآن» التي لا شك - عند جارودي - أن الحوار معها سوف يعود على الغرب وحضارته بفوائد لا تحصى، أقلها تخليص العالم من مركزية الغرب وأبعاده الأحادية، وإخراج الغرب ذاته من سجن مركزيته التي سجن نفسه بها إلى آفاق الثقافة العالمية.

          واتهم جارودي الغرب بأنه قد هدم حضارات أسمى من حضارته بكثير، خاصة في علاقة تلك الحضارات بالطبيعة والمجتمع والقضايا الإلهية. واتهم غرور الغرب العرقي الذي جعله يتوهم أن منابع حضارته تكمن في الإغريقية والرومانية والنصرانية وحدها، فلم يلتفت إلى أن هذه المنابع نفسها لم تكن لتوجد لولا البيئات الحضارية الخصبة في آسيا وإفريقيا. وأن الغرب أنجب الرأسمالية والاستعمار اللذين أضرا بالبشرية كلها. وأكد أن التفوق الغربي لم يكن تفوقا ثقافيا، بل هو تفوق أدى إلى العدوان على الثقافات والحضارات الأخرى.

          ولقد اعتبر جارودي أن «حوار الحضارات» المخرج الأساس للغرب لتجديد ذاته والخروج من أزماته، إذ إن الحوار - من وجهة نظره - ليس هو الصراع الذي يمكن أن يولد مشروعا كونيا يخلق نسيجا ثقافيا واجتماعيا جديدا على مستوى العالم ليدخل الناس في السلم كافة. والطريقة في دعوة جارودي إلى حوار الحضارات أنه حّمل الغرب ذاته مسئولية تجديد نفسه وإعادة صناعة كل شيء فيه بحسب القواعد التي تنسجم مع الحضارات الأخرى.

          وتلته دراسة للعالم الدكتور «حامد ربيع» ودراسة أخرى للدكتور «أحمد صدقي الدجاني»، وفى كلتيهما نجد دعوة مماثلة لدعوة جارودي من ناحية التأكيد على الغربيين بأن يعيدوا تجديد ما بلي أو تقادم من حضارتهم، وأن يحسنوا فهم الآخرين ليكونوا قادرين على إنشاء حوار حضاري جاد، أو ليصبحوا في مستوى شريك حضاري قادر على الحوار.

          وقد تركز هذا الحوار في حينه - إضافة إلى ذلك - على قضايا سياسية وحضارية وفكرية متعددة، ولكن الدعوات الثلاث لم تلق من الغرب أو من العالم الإسلامي قدرا ملحوظًا من الاهتمام إذا ما قيس بمقدار الزخم الذي أحاط مقولة «صموئيل هنتنجتون»؛ وذلك لأن الطرف الأوربي كان يقصد بالحوار أهدافا سياسية واقتصادية ينافس بها الولايات المتحدة الأمريكية على نفوذها في المنطقة، فتحول الحوار إلى صيغة تفاوضية ولم يُعد حوارا معرفيا فكريا حضاريا.

          كذلك تعددت لقاءات وندوات الحوار الإسلامي المسيحي أو الإسلامي الكاثوليكي، ولم يحطها أيضا زخم إعلامي أو اهتمام عربي، ولم تلق اهتماما يتوازى مع أهميتها؛ ولعل ذلك - كما يذكر الدكتور «طه جابر العلواني» - يعود بالأساس إلى عاملين أساسيين:

          أولهما: أن الغرب الآن يطلق مقولة «حوار الحضارات» وتتضمن في جوهرها صدام وصراع الحضارات ويمهد لذلك، وقد كشفت أحداث سبتمبر عن ذلك.

          وثانيهما: أن حوار الحضارات في طرحه الأخير يتسق مع المعطيات التاريخية والسياسية والإستراتيجية للعالم الغربي بعد انتهاء الشيوعية، وبعد تطهير البيت الأوربي من الانقسام الأيديولوجي ما بين شيوعية ورأسمالية، والتحول إلى محاولة صنع أعداء من خارج النسق الحضاري الغربي، خصوصا في حوض حضارة الإسلام. وهذا يؤكد مرة أخرى على أن القضية التي قد تم طرحها ليست فقط في غير أوانها بالنسبة لنا، وإنما أيضا على غير وجهها وبغير مضمونها.

          وهذا يوضح كيف يصم الغرب آذانه عن أي حوار يمكن أن ينشأ مع الإسلام والمسلمين، وعلى الرغم من أن الحضارة الغربية وإن كانت تحمل في طياتها أرقى الاكتشافات والتنظيمات البشرية التي تبعث على الدهشة إلا أن هذا التطور نفسه وضع الإنسان كنوع وجها لوجه أمام تجرع الفناء.

          ورغم تعدد الحضارات وتنوعها، فإن هناك خطابين كونيين بارزين، الخطاب الإسلامي والخطاب الغربي، وإذا كان الخطاب الإسلامي يستمد كونيته من عوامل داخلية ذات علاقة بالدين الإسلامي بوصفه دين كل البشر، وبحثه على قيم العدل والمساواة، وباحتضانه لكل الديانات والعقائد، فإن كونية الخطاب الغربي خارجية قسرية، لكن كيف ندعّي أنها قسرية وعهد الاستعمار قد ولى وكل دولة مشتغلة بتحقيق التنمية؟!

          يصرح Christian Maurle «إذا أرخنا للمعارك فقد أخفق الاستعمار، ويكفي أن نؤرخ للعقليات، لنتبين أننا إزاء أعظم نجاح في كل العصور، أن أروع ما حققه الاستعمار هو مهزلة تصفية الاستعمار، لقد انتقل البيض إلى الكواليس، لكنهم لايزالون مخرجي العرض المسرحي».

          فما هي أنساق القوة الجديدة؟ «لقد غربت الشمس منذ وقت طويل على أوربا العجوز، أصبحت الحروب الصليبية منسية، وشاخت الملحمة الكولونيالية بضربة واحدة من سنوات قمرية عديدة، ولم يعد العالم المسيحي التجاري والصناعي يمتلك أي سر ليسيطر به على العالم، ولم يعد مجد الرجل الأوربي سوى أثر مؤقت من الماضي، ومع ذلك فإن آلة اجتثاث الجذور من أجل اجتثاث جذورها ذاتها(الغرب) خارج مسقط رأسها تظل أكثر شبابا مما كانت في أي وقت مضى، فهي تشكل العالم في تكنبول (قطب تقني) ضخم، ساحقة كل الشعوب في دواليبها الشرسة، متأثرة بالنُخب، نابذة نفاية الأجساد المستنزفة والمخلوعة الأوصال، والواقع أن الاقتصاد والتقنية هما قلب النسق ولكنهما ليسا بدايته ولا نهايته».

          فكيف تتحقق كل هذه السيطرة؟! في كل ثانية تتدفق ملايين الرموز والإشارات والمعلومات والمعايير من دول المركز نحو الأطراف.. والمُشكلة أن «سوق المعلومات شبه احتكار لأربع وكالات: أسوشيتد برس ويونايتد برس (الولايات المتحدة) ورويترز (بريطانيا العظمى) وفرانس برس (فرنسا)، وتشترك في هذه الوكالات كافة إذاعات العالم، وكافة شبكات تلفزيون العالم، وكافة صحف العالم، ويتدفق 65 % من (المعلومات) العالمية من الولايات المتحدة، من 0.3% إلى 0.7% من البث التلفزيوني مستورد من المركز، وهذا الفيض من المعلومات لا يمكنه إلا أن يشكل رغبات وحاجات المستهلكين، وأشكال سلوكهم، وعقلياتهم، ومناهج تعليمهم، وأنماط حياتهم، وتعد هذه الدعاية الخبيثة (هبة) لا تقاوم، تشهد على الحيوية الطاغية للمجتمعات العالية التطور، لكنها تخنق كل إبداع ثقافي لدى الأسرى السلبيين للرسائل».

          وهذا هو جوهر كونية الخطاب الغربي، فهو خطاب عالمي بنجاح، شرط محو الثقافات الأخرى. بات من الواضح أن العلاقة بين الحضارات تحرث في حقل غير حقل الصدام أو الحوار، فتفاعلها دائم ومستمر وعميق، وهي ليست دوائر مغلقة منفصلة حتى تتماشى لتتلاقى وتتصادم، إنها فروع شجرة الإنسان مذ كان الإنسان يتغذى من تجاربه ويقوي بعضها بعضا وما يذبل يأخذ مكانه الأكثر اخضرارا وحياة.

          أما الحوار والصدام فهما شأنان يختصان بنزوع ما عند البشر، أو بعض البشر، الذين يمتحون من معين حضارة من الحضارات.. وتكون هي الضابط المقوم في حال امتلائها المعرفي والعملي، بجميع مكامن القوة، بمعنى الحيوية الفاعلة. وفي حال الضعف والتهاوي تتكوم الحضارة على نفسها، وتتآكل عبر الانسلالات التي تنخرها.. وليست كلتا الحالتين إلا نزوع كامن في صلب تكونها... ونظرا إلى اتساع الدور الحضاري وعمقه، فإن التفاعل القائم خفي عن الحد والحصر المباشرين. فهو أبعد وأعمق، بل أكثر ثمارا من الحوار المتعارف عليه بين الجماعات... وهو فعل انسيابي أقرب إلى الفيض... ولابد أن يتدفق عند الاقتراب من ملازمات الإبداع، عنصر الحضارة الأول.

الشراكة بين الأنا والآخر

          لكي ندرك مدى الأهمية البالغة للتواصل مع الآخر، تواصلا ثقافيا واجتماعيا، فضلا عن بقية أنواع التواصل، التي يمكن أن تنشأ بين الإنسان وأخيه الإنسان، فإننا يجب علينا أن نحلل أولا المعرفة، لنكشف ضرورة وأهمية الآخر في هذه المعرفة.

          «الناس أعداء ما جهلوا» كما يقول المثل العربي، والجهل يولد العدوان، وحتى يزيل المرء هذه العداوة بينه وبين محيطه الطبيعي والإنساني فإن عليه أن يلجأ إلى المعرفة الحقيقية: معرفة نفسه، ومعرفة العالم من حوله، ومعرفة من يعمر هذا العالم أيضا. ولكن كيف يعرف المرء نفسه، وكيف يعرف العالم حوله؟

          إن المعرفة الإنسانية: معرفة الذات ومعرفة الآخر، والوعي بالهوية والإفصاح عنها، ومعرفة النفس الإنسانية تاريخيا وآنيا، لا تتم جميعها إلا من خلال شراكة في إنتاج المعرفة بين (الأنا) و(الآخر)، فليس ثمة ذات يمكن أن تعرف نفسها دون إقامة شراكة معرفية مع الآخر الذي تحتاجه ليكون منها مرآة تعي بها هذه النفس وتصح عنها، مثلما تحتاج إليه لتميز نفسها إزاءه، إنها لتنطوي على هذا الآخر، بل على كثرة منه.

          ولعل في صيغة «إنسان» العربية المشتقة من إنس ما يشير على نحو خفي إلى هذه الصلة مع الآخر، فالصيغة بانتهائها بالألف والنون تحمل علامة التثنية وإن كانت تدل على الفرد. ولذلك نجد الباحث «عبد النبي اصطيف» يؤكد على أن الشراكة المعرفية بين (الأنا) و(الآخر) لا تقتصر على المستوى الفردي من العلاقات الإنسانية في هذا العالم، وثمة مستوى جمعي لها تشهد عليه الإنجازات الإنسانية التي تحققت للبشرية حتى يومنا هذا.

          والمتأمل في تاريخ الحضارات الإنسانية يتبين له أنها، وإن حملت أسماء وصفات مستمدة من لغة ما، أو أمة ما، أو قارة ما، أو دين ما، حضارات مُولدة (بالمعنى الذي تداوله العرب بالعصر العباسي) تدين بوجودها ونشأتها ونموها وتطورها لإسهام الأمم الأخرى، وأنها في الحقيقة مؤسسة على شراكة معرفية تتجاوز حدود الزمان والمكان واللغة والجنس والعرق والدين واللون.

          إن عبارة «حوار الحضارات» تدل على التبادل المقيد بين الثقافات، في حين أن «مونولوج الحضارات» لفظة مناسبة جدا للأوضاع التاريخية التي كانت فيها إحدى الحضارات تفرض ثقافتها مباشرة أو غير مباشرة على المجتمعات التابعة لها، وتحصر اللغة الثقافية فيها.

          وتاريخيا كان «مونولوج» الحضارات مرتبطا نوعا ما بالقوة الاقتصادية أو السياسية، وينحصر بالبقعة الجغرافية المحدودة للحضارة التي تريد أن تفرض نفسها على الحضارات الأخرى، وقد ظهرت عهود الحوار بصورة عامة بعد عهد «المونولوج».

          لكن، من الجدير بالذكر، أن أهم تجليات «حوار الحضارات» تكمن في ابتكارات المشاهير العالمية وقادة الفكر السياسيين، وقد زاد، لحسن لحظ، في العقود الأخيرة مؤيدو ضرورة الحوار بين المشاهير والقادة، ولا شك أن الترحيب الذي لقيه اقتراح السيد خاتمي في عام 2000م تحت عنوان «حوار الحضارات» مرده الاهتمام الواسع بهذا الموضوع.

          ولقد كنا شهودا أخيرًا، في جميع أنحاء العالم الإسلامي في مايو العام 1999م على البيان الذي نشره الممثلون العلميون والثقافيون لرؤساء البلدان أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي في «طهران» حول «حوار الحضارات»، الذي كان تعريفا كاملا لإدراك ضرورة «حوار الحضارات».

          ولقد تبين لنا - فيما سبق - وبكل وضوح أن الشراكة المعرفية حقيقة من حقائق حياتنا الإنسانية في الماضي والحاضر، وأنها تكاد تكون الأمل الأكبر وعدا بمستقبل أفضل للبشرية. ولهذا فإن علينا أن نفكر في هذه الشراكة تفكيرا جادا ونرتقي بها تخطيطا وتنظيما وتنفيذا وفاعلية بغرض خدمة مصالح جميع الأطراف التي تجمع هذه الشراكة فيما بينها.

          كما أن هذه الشراكة ينبغي أن تؤسس على قاعدة من الثقة المتبادلة التي لا تتأتى إلا من خلال تمسك جميع الأطراف بالمبادئ والقيم والمعايير الإنسانية، أو بعبارة أخرى، من خلال إقامة هذه الشراكة على أساس أخلاقي يجسد حصيلة ما أجمعت عليه البشرية من قيم عبر الزمان والمكان. إن كل ما تسعى إليه هذه الشراكة ينبغي أن يكون للجميع: تقدما ورفاهية وخيرا وديمقراطية وأمنا وسلاما، وعندها يكون كل منا بخير ما دام جاره ينعم بالخير نفسه.
----------------------------------
* أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسقة والاجتماع كلية التربية - جامعة عين شمس

 

بركات محمد مراد