الصهيونية: المؤرخون الجدد وإعادة بناء الوقائع

الصهيونية: المؤرخون الجدد وإعادة بناء الوقائع

هل يكتب المؤرخون الجدد وقائع التاريخ الصهيوني بكل ما فيه من أهوال ومجازر? وهل يكشفون القناع عن التاريخ المزيف للوجود اليهودي في فلسطين?

الزمان 22 أبريل 1948م, والمكان محطة سكة الحديد ومصفاة البترول في مدينة حيفا, والتي سقطت للتو بأيدي الهاجاناه, بتخطيط ودعم من القائد البريطاني ستوكويل.

والحدث, رئيس بلدية حيفا المعين شبتاي يحاول الإبقاء على حوالي أربعة آلاف فني عربي, من أهل المدينة, ليشغلوا المصفاة والميناء ومحطة سكة الحديد بدلا من اليهود الذين يقاتلون في الميادين.

حين علم بن جوريون بمحاولات شبتاي, أرسل إليه يقول (دعوهم يغادروا, اطردوهم, وليذهبوا إلى الجحيم).

مثل هذه الحادثة وعشرات غيرها, بل وأحداث أكثر فظاعة تختزنها الذاكرة الفلسطينية. عند كل عربي من فلسطين, رواية يحدث بها عن الفظائع التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في طبريا ويافا والرملة واللد وبئر السبع والنقب, في شمال فلسطين, وفي جنوبها, وفي وسطها.

لو قدر لأي فرد زيارة الأرشيف الإذاعي لهيئة الإذاعة البريطانية BBC في لندن, واستمع إلى ما يقتنيه الأرشيف من تسجيلات تخص محطة راديو الهاجاناه, ومحطة الإذاعة اليهودية, وإذاعة صوت إسرائيل للفترة من 11/4/1948م وحتى 15/5/1948م لهالته تلك الحرب النفسية التي شنتها تلك المحطات الإسرائيلية لبث الرعب في نفوس أهل فلسطين لدفعهم إلى ترك أوطانهم والنزوح إلى الأقطار العربية المجاورة, هذا عدا إلقاء المناشير على المدن والقرى تحذرهم من مغبة البقاء في مدنهم وقراهم, وممارسة الترهيب الليلي بالإطلاق الكثيف للنيران واستخدام مكبرات الصوت لحمل الناس على المغادرة وترك بيوتهم.

المجازر المحسوبة

ورغم كل هذه الأساليب, فقد ظل العرب الفلسطينيون في أوطانهم, يقاتلون ويقاومون, وبقي الوجود العربي في فلسطين مشكلة مؤرقة لقادة الحركة الصهيونية, فعمدوا إلى أسلوب آخر, يرونه الأنجع في سرعة تحقيق أهدافهم, وكان تنفيذ عدد من المجازر المحسوبة Calculated Massacres في دير ياسين, ونصير الدين قرب طبريا, وبيت الخوري وسعد الدين والرامة ومجزرة سعسع والدوايمة وعين الزيتون في عكا, ومجزرة مسجد دهمش في اللد, التي نفذها إسحاق رابين, ومجزرة الرملة وبلد الشيخ, وفي دير القديس سيمون بحي القطمون في القدس, وفي قرى المثلث, جبع وإجزم وعين غزال, وفي بيت داراس عليبون وقرى البروة والصفصاف والبعينه ودير الأسد وحواسة والخصاصة وسكرير وغيرها. لقد احتلت تلك المجازر عناوين بارزة في الأدبيات الصهيوينة: (لولا الانتصار في دير ياسين, لما كان هناك ما يسمى بدولة إسرائيل).

مناحيم بيجن, خاطب أفراد عصابة الإتزل وعصابة ليحي من الأرغون وشتيرن الذين نفذوا مجزرة دير ياسين: (لقد صنعتم تاريخاً لإسرائيل). كل هذه الحقائق وأكثر منها معروفة ومتداولة, ترويها الجدات للأطفال في حكايات ما قبل النوم, وتدور أخبارها في الأندية والمجالس والقاعات, ومثلها مئات مازالت محفوظة في الأراشيف العربية, التي لم تر النور بعد, والأراشيف الأجنبية التي فتحت مقتنياتها للباحثين, وحتى الأراشيف الصهيونية والإسرائيلية التي فتحت جزئيا للباحثين.

منذ سبعينيات القرن الماضي, وقد بدأ مشروع قيام دولة إسرائيل يفقد بريقه, بعد أن زها بنصر سنة 1967, وبدأت الحركات الدينية والحركات الاجتماعية في الكيان الصهيوني تصطدم مع الأكاديميين حول تراث الصهيونية, واشتد أوار ظاهرة التمييز بين الأشكناز (اليهود الأوربيين) والسفارديم (اليهود الشرقيين), كتب جيرشون شافير باعتباره أحد مراجعي تاريخ الدولة حول طرد العمال العرب من أماكن عملهم, وكشف بالوثائق إجراءات بن جوريون لكنس العرب من فلسطين, وكتب أيضا حول (رواية ترى الحركة الصهيونية حركة بطولية لتحقيق الاستقلال في حين يراها شافير أنها رواية مثالية أكثر منها حقيقة تاريخية).

وأعقب ذلك انتقاد جوناثان شابيرو قيادة حزب العمل الصهيونية, ودرس عمق وصدق عقيدة قيادات حزب العمل الاشتراكية من عدمه.

مراجعو التاريخ

ومنذ ذلك الحين, عرف الكيان الصهيوني, اتجاها عبر عن نفسه بالمؤرخين الجدد, New Historians أو Revionist ومعناها : (المراجعون, أو الذين يعبدون قراءة التاريخ), وكان من أبرز هؤلاء بني موريس الذي ولد في كيبوتز عين حورش سنة 1948م من أب وأم يهوديين, هاجرا من بريطانيا, حيث عمل والده في وزارة الخارجية, أما بني فشب في الجناح اليساري في الكيبوتز, ومن ثم درس التاريخ والفلسفة في الجامعة العبرية وعمل في هيئة تحرير جريدة جيروزاليم بوست.

شارك سنة 1982م في حرب بيروت, إذ كان مجنداً في وحدة مدفعية المورتر, وأمضى هناك شهوراً كجندي ومراسل لجريدة جيروزاليم بوست, وفي لبنان, زار معسكرات اللاجئين وتعرف على أحوالهم ومعاناتهم, وسمع العديد من حكاياتهم.

أراد بني مورس أن يكتب عن البالماخ, ولكنه لم ينجح في الحصول على الوثائق, وإنما وجد كما هائلا من الوثائق, تتعلق بطرد الفلسطينيين العرب بالقوة, وخاصة ما قام به اسحق رابين من مذابح ضد الفلسطينيين, ورافق ذلك تأثر بني مورس بمقولة الأستاذة انيتاشبيرو (إن الخبرات التاريخية تقدم من جيل إلى الذي يليه, فنحن نقدم خبراتنا لمن بعدنا), فبدأ مورس بكتابة مقالات حول طرد الفلسطينيين, منها: السياسة الإسرائيلية ضد عودة اللاجئين العرب, ابريل ـ ديسمبر 1948م, دراسات في الصهيونية, المجلد 6, عدد سنة 1985, ثم نشر كتابه الوثائقي, طرد الفلسطينيين, ميلاد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين سنة 1947 ـ 1949, ط, كمبردج, سنة 1987م.

ثم توالت كتابات بعض الأكاديميين والسياسيين والمثقفين ورجال الصحافة, كلهم يحاولون إعادة قراءة التاريخ اليهودي, وخاصة الوجود الإسرائيلي في فلسطين, وقيام الدولة والحركة الصهيونية, وكان منهم إضافة إلى بني موريس كل من توم سيغف وآفي شلايم وايليان بيبي وباروخ كمرلنج وشبتاي تيفت وافرايم كارتش واريك وارنر وسمحا فلابان وميخائيل ميمن , ويارام هوزني, زئيف شتيرن هل وإسرائيل شاحاك وغيرهم. من وجهة نظر هؤلاء جميعا فإن الأهداف والأسباب التي دفعتهم لأن يكونوا من المؤرخين الجدد تتمثل في عدة أمور.

إعادة بناء الماضي

هم يهدفون إلى إعادة بناء الماضي على قواعد أكثر موضوعية ونقداً, وهم يستندون بالدرجة الأولى إلى الوثائق التي سمحت الدولة بالاطلاع عليها, وخاصة أرشيف الدولة, والأرشيف الصهيوني المركزي وأرشيف الجيش الإسرائيلي, وأرشيف الهاجاناه, وأرشيف معهد تراث بن جوريون في سديه بوكر, وأرشيف حزب العمل, وأرشيف الكيبوتز الموحد في بيت جابوتنسكي, والأرشيف المركزي لتاريخ اليهود, وأرشيف يادفيشيم, وأرشيف مدينة القدس. إضافة إلى الأراشيف البريطانية والأمريكية المفتوحة وغيرها.

وهم يرون, أن هذا المجتمع يدخل مرحلة ما بعد الصهيونية في تطوره, وأن المجتمع الإسرائيلي غدا أكثر قبولا للأفكار الجديدة, لأنه أكثر انفتاحا, وأنهم ـ المؤرخين الجدد ـ يساعدون المجتمع الإسرائيلي لأن ينظر في المرآة, ويعيد تقييم الروايات الصهيونية التي زودت الإسرائيلي بروايات أسطورية نادرة, حول وجوده, وقيام ونشوء الدولة, وبناء المجتمع.

وهم يعتقدون أن حالة السلام بين إسرائيل والعرب قد دفعتهم لإعادة قراءة عوامل تشكل وجودهم السياسي, فإذا كانت القيادات الإسرائيلية السابقة قد أساءت إلى الفلسطينيين, فستعمل القيادات الحالية على تصحيح الأوضاع, وفي المحصلة يرون أن بإمكانهم خلق الأصول العقائدية للأفكار الجديدة والسياسات الجديدة.

والسؤال الذي يطرح نفسه, ما هي القضايا التي أثارها هؤلاء المؤرخون الجدد, حتى طرحوا هذه الأفكار القديمة المعروفة عند العرب.

يرى الكاتب, بعد اطلاعه على معظم الكتب والأبحاث والمقالات التي صدرت عن المؤرخين الجدد أو الأعمال التي هاجمتهم أو نقدتهم, أن أبحاثهم تناولت المسائل والإشكاليات التالية:

ـ اللاجئون الفلسطينيون, الحركة الصهيونية تشكل التاريخ الإسرائيلي.
المجتمع في إسرائيل, المعتقدات والأساطير الإسرائيلية, مسألة السلام, حق العودة لليهود, المجتمع الفلسطيني, الإرهاب (إرهاب الدولة) في إسرائيل.
ـ فلنر المدى الذي وصلت إليه كتاباتهم, وتأثيرها على المجتمع والسياسة في الكيان الصهيوني.

اللاجئون الفلسطينيون

الرواية الإسرائيلية التي علمت لطلبة المدارس الإسرائيلية, رسمية كانت أم دينية تقول بها حركة شاس, وحركة هاتوراه, وحركة بيتنا جميعا, ان الفلسطينيين قد غادروا جزيئا بسبب انصياعهم لأوامر صدرت من قياداتهم المحلية والعربية (مذكرة شاريت, وزير الخارجية الإسرائيلي إلى ترجيف لي الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 10 أغسطس 1948م.

أما بن جوريون, فأقر بأن إسرائيل قد قامت بطرد العرب جزئيا, بسبب الحرب بين العرب واليهود التي بدأها العرب, غير أن مشكلة اللاجئين إنما اقترفت من قبل البلدان العربية أو الإنجليز أو كليهما, ولكن إسرائيل ليست مسئولة عن خلق مشكلة اللاجئين.

بني مورس, رائد اتجاه المؤرخين الجدد, أول من فتح ملفات ووثائق طرد اللاجئين, وكان أهم ما توصل إليه هو, أنه لم تكن هناك سياسة رسمية محددة لطرد الفلسطينيين, ولكن سياسة الطرد حظيت بدعم بن جوريون, فالأوامر قد أعطيت من منطقة إلى أخرى بضرورة طرد الفلسطينيين وإحراق القرى وبمنهجية مدروسة ثم الاستيلاء على بيوت وممتلكات الفلسطينيين. ونفذت بعض المجازر لإرهاب عرب فلسطين, ودفعهم للهروب, كان الطرد بأغلبيته من قبل القوات الصهيونية, وجزئيا بسبب ظروف الحرب, وبسبب المجازر خلال السنوات 1947 ـ 1948م, وينتهي بتقرير نسب مئوية لأسباب الطرد, وتحمل المسئولية:

73% بسبب اليهود والأعمال الانتقامية والمجازر.
22% بسبب الخوف من الحرب.
5% بسبب نداءات ودعوات الزعامات العربية.

ويتفق بني موريس في النهاية مع القائلين: (كان الطرد عملا اخلاقيا خطأ, ولكن كان من الضروري القيام به, وإلا لما قامت دولة إسرائيل).

كما تناول مسألة طرد الفلسطينيين أيضا كل من افاريم كراشي وسيمحا فلابان.

فقد فحص الأول ودقق مقولة أن العرب تركوا أوطانهم مخدوعين بأقوال زعمائهم, وانتهى إلى عدم وجود وثيقة واحدة تثبت ذلك, لا على الصعيد المحلي ولا العربي. أما الثاني سيمحا فكتب مقالة في 7/1/1998م بعنوان (اليهود أتوا واخذوا أرض العرب, تقرير عن مشكلة اللاجئين 1947م ـ 1948م).

كان سيمحا بقصد المهاجرين الجدد من اليهود الذين عادوا بموجب قانون حق العودة, لأنهم يهود, وبالتالي, يتم الاستيلاء على الأراضي العربية الفلسطينية ويتم إسكانهم فيها. فالمؤرخون الجدد, اثبتوا بالوثائق أن الكيان الصهيوني هو المسئول الأول عن وجود مشكلة اللاجئين الفلسطينيين دون غيره.

زيف الحركة الصهيونية

أولى المؤرخون الجدد معظم عنايتهم لإعادة قراءة تاريخ ومقولات الحركة الصهيونية, فدرسوا السياسة الخارجية, والصهيونية خلال مرحلة الانتداب والقيادات الصهيونية والروايات الصهيونية, المتصلة بالتاريخ ونشأة وتكون الصهيونية.

يرى معظم الدارسين للحركة الصهيونية, أن هذه الحركة قد بان زيفها وفشلها, فلم توجد المجتمع العادل, الإنساني, الاشتراكي في الدولة, كما وعدت وبدلا من ذلك, مارست الحركة الصهيونية سياسة التمييز بين الاشكناز والسفارديم (اليهود الغربيين واليهود الشرقيين), وأن القيادات الصهيونية أعطت المشروع الصهيوني في فلسطين أهمية أكثر, من اشتغالها بإنقاذ اليهود المحتقرين في أوربا, وأن المجتمع في إسرائيل يتجه إما إلى مرحلة ما بعد الصهيونية أو الصهيونية الجديدة (تجديد الصهيونية), وفي رأيهم أن مرحلة ما بعد الصهيونية ستعم في نهاية المطاف, وخاصة بعد هزيمة نتنياهو الذي يعتبرونه نموذج (تجديد الصهيونية), ومن ثم صعود شارون (المحاولة الأخيرة لتجديد الصهيونية وبناء وتنمية عقيدة الإرهاب).

ومن المؤرخين الجدد الذين أعادوا قراءة تاريخ وادعاءات الحركة الصهيونية, أيضا آفي شاليم الأستاذ في قسم العلوم السياسية, كلية انتوني كوليج, والذي كتب مجموعة كتب ومقالات, منها:

نهوض وتكامل الحركة الصهوينية Examination of the rise and Consolidation of the zionist Movement.

أصول الحركة الصهيونية The origins of zionism.

الصهيونية, سنوات التأسيس Zionism, the formative Years.

الصهيونية, المرحلة الحاسمة Zionism, the crucial phase.

وكتب ياراما هوزني (نهوض ما بعد الصهيونية, الدولة اليهودية) The Rise of post - Zionism, The Jewish state.

وكتب إيليان باب: ما بعد الصهيونية, دراسة نقدية لإسرائيل والفلسطينيين Post - zionism, critique on Israel and the Palestinians وتوم سيجاف والذي كشف بالوثائق الرسمية الإسرائيلية الكثير من الأسرار والمعلومات المتعلقة بالنهج الصهيوني في اغتصاب فلسطين ـ من حيث الخطط والأساليب ـ وقدم وثائق مهمة تدين قادة الحركة الصهيونية, وتبين سرقة ونهب الأموال من قبل قادة الحركة, وتشاجرهم حول الغنائم, وفرحهم بتدبير المجازر, ثم الصراع بين اليمين واليسار وتناول سيجاف (خرافة المذبحة Holcoaust بروايتها الصهيونية من خلال كتابه).

The seventh Million, The Israelis and the Holocaust (3991).

وافرام كاراش من خلال كتابه فبركة تاريخ إسرائيل The Fabrication of Israel History و Karsh هو أستاذ ورئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الملكية في بريطانيا, وكتابه يعتبر من أهم مؤلفات المؤرخين الجدد, لاسيما في الفصل الرابع وعنوانه ما بعد الصهيونية Post - zionism

فقد درس ونقد وحلل الروايات الصهيونية حول أسطورة أرض إسرائيل وأكد أن فلسطين ليست أرض إسرائيل, ودرس التحولات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الإسرائيلي, وادعاءات إسرائيل حول رغبتها في السلام ومعارضة العرب لذلك, ورفضهم اليد الممدودة إليهم, وناقش الصهيونية كنوع من أنواع الاستعمار, وعلق على مقولة الصهيونية بأنها كانت ذات فوائد اجتماعية واقتصادية للعرب.

وكان آخر ما صدر سنة 2001 هـ كتابا لبني مورس Righteous victims (حقوق الضحايا), تاريخ الصراع الصهيوني ـ العربي history of the zionist - Arab Conflect, New York, Knopf.1002.

أما على صعيد الاجتماع والتاريخ, فقد كتب فيها كل من باروخ كيمبرلنج, عالم الاجتماع, والمهتم بعلم الاجتماع السياسي, والذي ولد في رومانيا وهاجر إلى إسرائيل سنة 1952م, وكان موضوع رسالته للدكتوراه من الجامعة العبرية (المحددات الحقيقية للأمة الإسرائيلية, نظرة بنبوية), وكتب عن المجتمع المدني في إسرائيل زمن الحرب والسلم ـ ومفهوم العسكرتريا في إسرائيل, من خلال كتابه, الثقافة السياسية الفرعية والعسكرتريا المدنية في مجتمع الاستيطان. Political sub - Cultrue and civilian militarisim inasettler immigrant society.

كما طرحت إنيتا شابيرو للنقاش قانون العودة, الذي يعطي الحق لكل يهودي, بموجب ديانته اليهودية, بالعودة إلى أرض إسرائيل كما تزعم.

وترى الباحثة أن وجود إسرائيل أصبح الآن آمنا, وأن بناء الدولة قد اكتمل, والمجتمع يدخل مرحلة ما بعد الصهيونية, ولذا لم يعد هذا القانون ضرورياً.

وتناول ميشيل ميانين قانون العودة بمناقشة أكثر حدة, وكذا سيمحا فلابان حيث يشير الأول إلى أن السياسيين يريدون قانون العودة ولكن المجتمع لا يريد العائدين ولا قانون العودة.

(إسرائيل تريد الهجرة, غير أن الإسرائيليين لا يريدون المهاجرين), ويتساءل الثاني بصيغة الاستفهام: هل يجب على الدولة إنهاء قانون العودة? وهل يجب على الجيش حماية يهود الشتات, أين كانوا? وهل على المدارس الإسرائيلية أن تدرس وتعلم التاريخي كموضوع خاص بالتاريخ اليهودي? أم عليها أن تكيف نفسها مع التاريخ العالمي!

وينتهي (أنه يجب على الشعارات والأناشيد الوطنية أن تخفف من غلواء يهوديتها, فمن لا يعرف الحقيقة فهو صاحب عقل بليد, ولكن من لا يعرف الحقيقة ويردد الأكاديب زهوا فهو الأفاق.

أما على صعيد التسوية, فقد كتب كثير من المؤرخين الجدد عن دافيد بن جوريون, ورفضه عروض السلام التي تلقاها من الحكام والزعماء العرب مباشرة, أو نقلت له عن طريق وسطاء, وقرر كل من أفي شلايم وبني مورس وتوم سيغف أن ما كان يردده بن جوريون (نحن نريد السلام وهم لا يريدون) كان كذبا, فبن جوريون لا يريد السلام, وإنما يريد التوسع والحرب, فالسلام حسب رأي بن جوريون لم يحن وقته بعد. وعلى منواله كذب اسحاق رابين حين صرح أكثر من مرة:

(نحن الذين عدنا إلى وطننا بعد ألفي سنة من النفي, وبعد المذبحة التي سيق إلى محارقها خيرة اليهود, نحن الذين نبحث عن الراحة بعد العاصفة, نبحث عن مكان نريح فيه رءوسنا, نحن الذين نمد أيدينا إلى جيراننا, وقد رفضوها المرة بعد المرة, ولكن أرواحنا لن تتعب في البحث عن السلام). واليوم وعلى نفس الطريقة والكيفية يمد شارون يده للسلام وهو الذي دعا سنة 1993 في مؤتمر الليكود إلى اعتماد الحدود التوراتية كحدود طبيعية لدولة إسرائيل.

وطرح بعض المؤرخين الجدد, إرهاب دولة إسرائيل ضد الفلسطينيين, وفي اعتقاد البعض منهم (إن إرهاب الدولة في إسرائيل قد وصل إلى درجة العقيدة).

فالإرهاب أصبح عقيدة رسمية للدولة الإسرائيلية, قالها بني مورس وكتبها شترين هل في مؤلفه: ميلاد الأيديولوجية الفاشية: اليمين واليسار. وكان الأكثر جرأة في طرح إرهاب دولة إسرائيل, المؤرخ إسرائيل شاحاك, فكتب المحرقة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين, وكتب إرهاب الدولة ومجرميها من الموساد, وهو لا يفرق في ممارسة إرهاب الدولة بين حزب العمل وحزب الليكود عندما يتولى أحدهما السلطة, وعلى سبيل المثال فإن شمعون بيرس عندما عين رئيسا للوزراء, حزب العمل ـ أصدر أمرا باغتيال يحيى عياش في منطقة أ, وإسحاق رابين أصدر أمرا باغتيال فتحي الشقاقي في مالطا وبنيامين نتنياهو ـ حزب الليكود ـ أصدر أمراً باغتيال خالد مشعل في عمان. كلهم رؤساء وزارات, وكلهم مارسوا إرهاب الدولة ضد الفلسطينيين.

ما هو المستقبل?

وتظل أهم مسألة, بدأ المؤرخون الجدد من أساتذة جامعات وأكاديميين وباحثين وصحفيين ـ يتناولونها بشيء من الجرأة, ويطرحون بصوت عال ولأول مرة, ما هو مستقبل دولة إسرائيل? وما هي حقيقة الأصول التوراتية لتاريخ إسرائيل, فالتاريخ الإسرائيلي كما هو معروف, شكل لوحته البازلتية, اعتمادا على التوراة, وما فيها من قصص ثم الأدبيات اليهودية, التي وظفتها الحركة الصهيونية خدمة للأيديولوجية اللاهوتية. ويناقش المؤرخون الجدد, بعد مئات السنوات من الحفريات المكثفة, وبعد رحلات مئات المستشرقين إلى الأرض المقدسة في محاولة لإثبات المواقع والمراكز والأعلام والقصص والمدن التي ذكرت في التوراة على صعيد الواقع العملي, من خلال علم الآثار, بالتنقيب والحفريات, وكانت النتيجة التي توصل إليها علماء الآثار مخيفة: لم يكن هناك أي شيء على الإطلاق, حكايات الآباء والأجداد مجرد أساطير, لم نحتل البلاد, ولم نهدم أسوار أريحا, لا دولة قوية موحدة لداود وسليمان, والأنكى من ذلك سيكون من الصعب علينا أن نتقبل المعلومة التوراتية القائلة إن إله إسرائيل كانت له زوجة, وأن الديانة الإسرائيلية القديمة, لم تتبن التوحيد إلا في أواخر العهد الملكي, وليس على جبل سيناء).

المؤرخ إسرائيل شاحاك, والبروفسور زئيف هرتزوج, عالم الآثار من جامعة تل أبيب, هما أكثر من درسا الأصول التوراتية لمقولات الدولة التاريخية.

كتب إسرائيل شاحاك في مولفه الذي أصدره 1994 وعنوانه: (التاريخ اليهودي, والديانة اليهودية, عبء ثلاثة آلاف سنة حول الأكاذيب والتحايل والمراوغات الإيدلوجية).

وكتب زئيف هرتزوج (لا إثباتات على الأرض, تفكيك أسوار أريحا).

ويعرض هرتزوج لكل الأبحاث الأثرية التي قام بها علماء يهود من إسرائيل أو علماء من أمريكا وأوربا خلال مئات السنوات. ويؤكد هرتزوج أن هؤلاء العلماء لم يتوصلوا لدليل واحد يثبت صدق رواية توراتية واحدة على الأرض فاحتلال البلاد من أيدي الكنعانيين خرافة, النفي أسطورة, وروايات هوية شعب إسرائيل غامضة ومتناقضة, وداود وسليمان كانا يحكمان ممالك قبلية سيطرت على ممالك صغيرة, والمملكة الإسرائيلية الواحدة ابتدا ع تاريخي جغرافي, والقدس ما كانت إلا قرية صغيرة.

زيف التاريخ القديم

وسؤالنا ما أهمية هذه المقولات والأبحاث والدراسات والمؤلفات التي نشرها المؤرخون الجدد في إسرائيل أو في أمريكا وبريطانيا.

يرى الكاتب, أن هذه الأفكار الجديدة التي ينادي بها المؤرخون الجدد إنما هي أفكار قديمة معلومة عند العرب من أبناء فلسطين, ولكنها من جانب آخر هدمت ركنا أساسيا في بناء الهوية القومية للمجتمع الإسرائيلي اليهودي, وأصابت عصبا مكشوفا متورما من شرايين الدولة الإسرائيلية, وكشفت من الداخل أكاذيب الحركة الصهيونية ومشروعها في الدولة.

ولكن الكاتب يحذر من مغبة الوقوع في شراك هؤلاء المؤرخين الجدد, فلم لا يعملون ضمن برنامج صهيوني جديد! يقضي بالاعتراف جزئيا بأخطاء القيادات الصهيونية والإسرائيلية السابقة, وستعمل القيادات الجديدة على تصويب العلاقات المستقبلية, ومن ثم لابد من التعايش وقبول الاستيطان الإسرائيلي, في فلسطين وقبول الدولة في العالم العربي. يجملون الدولة الإسرائيلية ويسوقونها لدى المثقفين والأكاديميين العرب كما هو شأن بعض الأكاديميين العرب في الجامعات الأمريكية.

ويرى الكاتب أن هذه الاتجاهات الفكرية للمؤرخين الجدد, بدأت تجد أذنا صاغية لها في داخل الكيان الصهيوني وخارجه, ولكنها محدودة على أي حال, فليست من باب الصدفة أن تنشر دراساتهم وأبحاثهم في المجلات الأكثر شهرة وانتشارا في العالم مثل: Foreign affairs, The wallstreet, The washington Post, New York Times.

وتتولى كبرى دور النشر العالمية في أمريكا وبريطانيا وفرنسا طباعة مؤلفاتهم.

فهل هذا مؤشر بعيد المدى على تناقص الدور الوظيفي لإسرائيل والحركة الصهيونية بعد تبين إرهاصات الصراع الدولي المستقبلي في نطاق بحر قزوين وآسيا الوسطى, وفشل إسرائيل في البحث عن وظيفة جديدة,لها رغم اتفاقياتها الثلاث عشرة مع تركيا.

ويعتقد الكاتب أن المشروع الصهيوني في فلسطين دخل في مرحلة صراع ما بين دعاة تجديد التفكير الصهيوني بزعامة نتنياهو وشارون, ودعاة ما بعد الصهيونية, الباحثون عن مستقبل هذه الدولة. والمؤرخون الجدد قد فتحوا للصراع أبوابه.

وأخيرا فما كان لهؤلاء المؤرخون الجدد أن يكتبوا لولا الغزو العسكري الفاشل لجيشهم في لبنان سنة 1982م, والذي هز كيانهم من الأعماق, وكذا تفجر انتفاضة الشعب الفلسطيني سنة 1987, والتي هشمت أجزاء مهمة من الغطرسة الصهيونية, ثم الانتصارات التي حققتها المقاومة الإسلامية (حزب الله) والوطنية في لبنان, وانتفاضة الأقصى المباركة, وصمود سوريا في وجه الضغوطات ومحاولات الاستسلام بأشكالها المتنوعة, وكلها ستعمق مجالات الرؤى أمام المزيد من المؤرخين الجدد, وكلها ستكون علامات استفهام كبرى, حول مستقبل الدولة اليهودية في أرض فلسطين العربية, وإنها بداية النهاية لهذا الكيان فهل هو الحلم? أليست المشاريع الكبرى بدأت بالأحلام?!

 

محمد عيسى صالحية

 
 




إلى متى سيواصلون البكاء على حائط لا يخصهم؟





الحرس القديم من الصهيونية.. احتفالات صاخبة وأساطير زائفة





انتفاضة الحجر والدم هل تكشف زيف الادعاءات الإسرائيلية





ضحايا الأمس هم جلادو اليوم.. العرب يدفعون ثمنا لذنب لم يقترفوه