طروادة بين الإلياذة وهوليوود

طروادة بين الإلياذة وهوليوود

مازالت جامعات أوربا تُدرِّسْ الإلياذة، من دور المرأة في اندلاع الحرب، ودورها في غضب أخيل. هوليود تقدم لنا أدبا رفيعا لا يجد معظم الناس وقتا لقراءته، لكنَّها تُحرِّفُ فيه بحسب ضرورات الإنتاج وتكاليف المشاهد.

فيلم طروادة أو Troy من إخراج ولفجانج بيترسن، وفريق ممثلين زاخر بالنجوم، براد بت بدور أخيل، الممثل الأسترالي إيريك بانا بدور هكتور، سين بين بدور أوديسيا، أورلاندو بلوم (الجني في ثلاثية سيد الخواتم وويلي في قراصنة الكاريبي) بدور باريس، بريان كوكس بدور الملك اليوناني القديم آجاممنون، الحسناء عارضة الأزياء الألمانية الموديل الألماني ديانا كروجر في دور هيلين, حيث إنَّ جمالها الباهر كان مؤثرا في أداء دورها في مشاهدة الرجال تتعارك من أجلها، بيتر أتول بدور الملك بريام، الفاتنة الأسترالية روز براين أدت دور الراهبة العذراء بريسيس التي تم أسرها وكانت الوحيدة التي تهدئ من روع أخيل.

بعد أن ترشح الفيلم لجائزة أوسكار الأكاديمية للعام 2005 عن أفضل أزياء، اشترى المتحف البريطاني أزياء الفيلم، لتقديم الحقيقة التاريخية بصورة مقربة لزواره عن إلياذة هوميروس الأسطورية بشكل أفضل.

البعد التاريخي

حرب طروادة، موصوفة في إلياذة هوميروس وأساطير يونانية أخرى، وقد حدثت حوالي سنة 1200 قبل الميلاد، وفي 1870 اكتشف عالم الآثار الألماني هنريك شيلمان Heinrich Schliemann خرائب مدينة طروادة، وهي تقع في بلاد الأناضول في تركيا، والإلياذة أول الشعر القديم وأعظمه، تبدأ بسرد تفاصيل الخصام الذي وقع في السنة العاشرة للحرب بين الملك Agamemnon عاهل Mycenae في اليونان، ملك قبائل الإخائيين، والذي يأمل توسيع إمبراطوريته، وبين أخيل أفضل آلاته الحربية، وهو قليل الانضباط أو عديمه مثل لورنس العرب، والفرق بينهما أنَّ لورنس ذو ولاءٍ قوي للمملكة المتحدة، وأخيل في الفيلم ولاؤه لمجده ولا يطيع أوامر الملك آجاممنون ويعتبره الأخير شوكة ثابتة في جانبه، كتب الشاعر الأعمى هوميروس الإلياذة سنة 900 قبل الميلاد، في 16000 بيت شعري، وتبدأ الإلياذة بخصام الحلفاء أخيل وآجاممنون وتنتهي بمأتم هكتور، ولكن الروايات المتواترة أتمت القصة، ولم يتمكنوا من الاستيلاء على طروادة إلى أن أرشدهم حكيم اليونان آنذاك الملك أوديسيوس إلى خطة الحصان الخشبي.

أحداث الفيلم

يذكر الفيلم أحداثا قبل حرب طروادة عن انتصارات آجاممنون، ولتعزيز أسطورة أخيل في حادثة بواكريوس مفارقة تاريخية/سينمائية لنوع غير عادي من أساطير البطولة، حيث يطلب آجاممنون من ملك آخر، أن يبرز رجلا ليبارز رجلا من جيشه، فإنْ انتصر بواكريوس ينسحب آجاممنون، وإنْ انتصر أخيل يدخل الملك في طاعة آجاممنون، فينادي الملك، بواكريوس ويخرج رجلٌ ضخم جدا، فينادي آجاممنون أخيل، ويكرر دون جدوى، يقترب فارس منه ليخبره أن أخيل ليس في الجيش، فيدمدم آجاممنون بأنَّه سيجلده حال انتهاء المعركة، ويضحك ملك بواكريوس ويضحك جيشه، ويقول إنَّ لرجله تأثيرا بالغا في فرار الرجال من أمامه، وهنا يخرج أخيل من خيمته ويمتطي حصانه، ويسرع نحو المعركة، ويقول له صبي: إنَّ عدوك هو أضخم رجل رأته عيناي، ألا تخاف؟ فرد عليه: إذا كنت تخاف فلن يذكرك أحدٌ بعد موتك، يقترب أخيل منه دون مبالاة، بهرولة خفيفة، يرمي الاثنان رمحهيما، يخطئان، ويقترب المحاربان لمعركة السيف النهائية، باندهاش، يركض أخيل نحو بواكريوس، يقفز قفزة ملتوية، يغرز سيفه يمين رقبة بواكريوس، خلال العضلة العليا بين عظام الترقوة، وخلال القلب، يقطع الشريان الأبهر، أو نقطة حيوية أخرى، أعطي أخيل دقة عالية في علم التشريح، ومهارة عظيمة في التصويب، يسقط بواكريوس كثور يخور، يتمايل للأمام خطوة واحدة، تركز الكاميرا على انهيارات ظاهرة على عضلات وجهه.

حفل في إسبارطة يقيمه مينالاوس شقيق آجاممنون يحضره هكتور وباريس، بمناسبة عقد السلام بينهما، تهرب زوجة المضيف هيلين مع الضيوف بعد أن يغويها باريس، يريد أخّاه Menelaus انتقاما من أمير طروادة باريس، تلتقي رغبته مع رغبة آجاممنون في ضم طروادة ليبسط سيطرته الكاملة على بحر إيجة، المحارب هيكتور يغضب حين يعلم بهذه القضية، وعندما يعود إلى طروادة، يحثّ أباهم، الملك بريام ، لإرجاع الشابة إلى اسبرطة، لكن بريام يترك العقل ويضع ثقته وإيمانه أكثر من اللازم في كهنته الكبار وتفسيرهم، يحشد اليونانيون أكبر قوة بحرية، ألف سفينة لكل سفينة خمسين محاربا، معهم أخيل وابن عمه الأصغر والعديم الخبرة، باتروكلوس, أخيل الذي أقنعه الملك أوديسيوس الملك الوحيد في اليونان الذي يحترمه أخيل، وأمّ أخيل، تيتيس، تنصحه بالانضمام إلى الجيش، وتخبره نبوءة أنَّه إذا لم يذهب إلى الحرب، سيجد السلام والسعادة وعائلة لكنّه في النهاية سينسى، وإذا ذهب إلى طروادة، سيخلد اسمه وسيموت هناك، أخيل لا يستطيع مقاومة سر الخلود الذي سحر جلجامش والكثيرين قبله.

يهبط اليونانيون على ساحل طروادة، يسيطرون على الشاطئ في اليوم الأول من الحرب. أخيل ورجاله، مفيدون جدا ودائما في المعركة، يدنّس معبد طروادة وأبولو بشكل خاص، يضرب أخيل عنق تمثال أبولو ورجاله يقتلون كاهنين غير مسلّحين، بريسيس، ابنة عم هيكتور، تؤخذ كجارية إلى خيمة أخيل لتسليته، أجاممنون يقرّر أخذ بريسيس من أخيل، أخيل يحتجّ، لكن كلمات بريسيس تمنع أخيل من القتال، أخيل يقرّر ألا يشترك في المعركة القادمة، من غضب أخيل يبدأ هوميروس الإلياذة أي من السنة العاشرة، تبدأ المعركة بتحدي باريس، وهو رجل عديم الخبرة في الحرب، لقتال مينالاوس في مبارزة يرفضها الملك آجاممنون الذي لا يريد أن تنتهي الحرب قبل بسط نفوذه على طروادة، ويقبل بها هكتور الذي يعرف أنّ اليونانيين لم يبحروا كل هذه المسافة بسبب زوجة رجل واحد، لكن شقيقه يتوسله ويشير عليه ببدء المعركة حال انتهائه من باريس، ينتهي مينالاوس قتيلا على يد هيكتور الذي يمنعه من قتل أخيه باريس الذي فرَّ من أمام مينالاوس، تنتهي بخسارة اليونانيين وانسحابهم إلى سفنهم، يعلم أخيل أنّ بريسيس أعطيت إلى بعض الرجال من قبل الملك بعد أدائهم السيّئ في المعركة لترفع روحهم المعنوية، يصل وينقذها قبل أن يوسمها الجنود ويغتصبوها ويأخذها إلى خيمته، يسبق المشهد، عتاب الملوك لآجاممنون على إغضابه أخيل، ويأمر بإعادة الجارية إليه ويقول إنَّه لم يلمسها، أخيل يقرّر العودة إلى دياره في الصباح، تلك الليلة، يستيقظ فجأة ليرى بريسيس قد وضعت سكينا لحزّ حنجرته كي لا يقتل أكثر من الطرواديين، على الرغم من أنَّه لا يبدي أية مقاومة، بل على العكس يقول افعلي، لكنّها لا تستطيع، وبدلا من حزِّ رقبته تقع في حبّه، يأخذ ابن عمه باتروكلاوس درع أخيل، ويقود المورمنديين لصدِّ هجوم الطرواديين العنيف على معسكرهم، يقاتل ببسالة مقلدا حركات أخيل حتى يظنه الجميع هو، يتقابل مع هكتور وبسهولة يحز له رقبته، ثم يكتشف أنَّه ليس أخيل، ويقول له الملك أوديسيا إنَّه ابن عمه، غضب أخيل الثاني هذه المرة ينصب على هكتور، فيذهب عند الفجر في عربته منفردا ليقف أمام الحصن ويظل ينادي هكتور ليخرج له، قبل بدء القتال ينقل الفيلم حوارا من نصِّ هوميروس، لكن من دون تفخيمات هوميروس، يطلب هكتور أن يتعاهدا بعدم التمثيل بالجثة، وأن يسلم المنتصر جثة الآخر إلى قومه ليحصل على دفن محترم، لكن أخيل يجيبه (لا يوجد اتفاق بين الأسود والبشر)، وبعد أن يقتتلا بالرمح قتالا لا يختلف عن القتال الخيالي الكونج فو، ينتقلان للقتال بالسيف بعد تكسر رمحيهما، يقتل هيكتور ويجره أخيل إلى المعسكر اليوناني، على مرأى من جميع الطرواديين دون أن يجرؤ أحدٌ على إنقاذ جثة أميرهم، في وقت لاحق من ليلة مقتل هكتور، يدخل الملك بريام يقابل أخيل سرّا، يركع عند قدميه ويقبل يديه، ويقول لقد فعلت ما لم يفعله بشرٌ قبلي، قبلت يدي قاتل ابني، ويتوسل معه لاسترجاع جثة هيكتور، يعجب بشجاعة بريام يعيد أخيل جثة هيكتور ويسمح لـ «بريسيس»، بالذهاب مع عمها بريام العائد إلى تروي، ويطمئن بريام أيضا بمنحه هدنة مدة (12 يوما) لاستكمال مراسيم جنازة الأمير الشجاع هكتور.

أثناء الأيام الـ12 التي يندب شعب تروي موت هيكتور، اليونانيون يبتكرون خطة لاقتحام المدينة، باستعمال حصان خشبي ابتكر من قبل الملك أوديسيوس. ويترك اليونانيون على الساحل جثثا تدل على مرض الطاعون، فيفترض الطرواديون النصر، يجرون الحصان إلى المدينة ويحتفلون طوال الليل، يخرج اليونانيون المختبئون داخل الحصان، في هجوم مباغت على حرس الحصن يفتحون البوابة للجيش المنتظر خلف الأسوار، يبدأ أخيل بالبحث عن بريسيس، في هذه الأثناء مجموعة طروادية من ضمنهم هيلين تهرب من المدينة، ويقتل الملك بريام من قبل أجاممنون، باريس يرفض المغادرة قبل أبيه، يسلم سيف أبيه الذي أعطاه عند تحديه مينالاوس لشاب طروادي يافع ويقول له ما قاله له أباه، طالما بقي سيف تروي في أيد طروادية، هناك مستقبل لشعب طروادة.

يبحث أخيل عن بريسيس بشكل مسعور، يمسكها أجاممنون ويقول لها كدت تتسببين في خسارتي للحرب، سآخذك جارية تمسح أرض قصري، تقتله بسكين مخفي، يهجم عليها حراس أجاممنون عندما يصلها أخيل ويقتلهم، باريس يرى أخيل يرميه بسهم يصيبه في كعبه (عقب أخيل) ويعقب سهمه بثلاثة أسهم أخرى، تصرخ بريسيس لباريس أن لا يقتله، يسحب الثلاثة أسهم من صدره، يغرزها أمامه ليعبر عن موته.اليونانيون يكتشفون أنّ أخيل مات، يؤدّون الطقوس الجنائزية له الصباح التالي. تنتهي القصّة بـ «أوديسيوس» وهو يروي «إذا ذكرتك قصّتي أبدا، فاذكروا أنني مشيت مع العمالقة، الرجال يرتفعون ويسقطون مثل حنطة الشتاء، لكن هذه الأسماء لن تموت، قولوا إنني عشت في زمن هيكتور، مروض الخيول، عشت في زمن أخيل».

طروادة على الشاشة

عروض تروي كسبت 133 مليونا في الولايات المتّحدة، بعد أن تكلفت 175مليونا في إنتاجه، اعتقد البعض بفشل الفيلم ماليا، وتوقّع العديد من النقّاد فشله، عندما لم يحقق سوى 50 مليون دولار بالكاد في عطلة نهاية أسبوعه الأول في أمريكا، وبعض النقّاد كان عندهم ميل لتقويم الفيلم ضمن صنف الملاحم التاريخية الفاشلة الأخيرة، مثل ألكساندر (2004)، Alamo (2004)، الملك آرثر (2004) ومملكة السماء (2005). لكن أكثر من 73% من عائداته جاءت من خارج الولايات المتحدة، حتى وصلت إلى 497 مليون دولار، وسنذكر أدناه بعض الاختلافات، لأنَّ كتابا كاملا لن يحصي الاختلافات كلها:

1- تروي تجنّب وجود الآلهة اليونانية الأولمبيين، التي أسهب في ذكرها هوميروس، وهو بحسب أفلاطون كان مجبرا، لأنَّ الشاعر كان مذموما، ما لم يكن شعره في مدح الآلهة والناس الأخيار، وباريس تنقذه أفروديت وتنقله إلى غرفته ويبقى مينالاوس حيا إلى نهاية الحرب كأخيه آجاممنون.

2- تجاهل الفيلم مغامرة شجاعة قام بها ملكان بطلان توغلا ليلا إلى معسكر الطرواديين وأجهضا محاولة هكتور للتجسس على معسكرهم، وأعملا فيه قتلا وعادا سالمين إلى معسكرهما، وكذلك تجاهل المخرج مغامرات كثيرة لا تقل أهمية عن هذه.

3- يموت أخيل قبل صناعة الحصان الخشبي بسهمٍ من أبولو ولا يدخل طروادة ولا يسلم بريسيس للملك بريام، بل يأمر آجاممنون بإعادة خريسا خادمة المعبد خوفا من غضب الآلهة ومعها مائة من الذبائح، وأحد الزعماء ليتأكد أنَّ الأمور قد سارت على ما يرام، ويترك بريسا لأخيل، مولا يبكي هكتور ويركز الفيلم كثيرا على ضميره الشفاف الحيوي وتألمه للموت والدمار الذي يخلفه، ويقاتل في الفيلم ليكون المحارب القوي خلال كل العصور، وهو ما لم يذكره هوميروس.

4- يقتل أخيل قبل هكتور بساعات أخويه فوليذر وليقاون في معركة يفر فيها الطرواديون إلى داخل السور ويبقى هكتور خارجه، وهي صورة أكثر واقعية من أخيل الواقف بمفرده تحت السور وفي مرمى سهامهم، وكان هكتور يفكر في التنازل لأخيل بأن يعده بإعادة هيلين والكثير من الذهب والأموال ليعود إلى دياره، لكنه حين رأى مقدم أخيل فرَّ من أمامه وانطلق أخيل يطارده ويقول هوميروس (وكان الهارب شجاعا أمَّا المُطارِدْ فكان أشدُّ بأسا)، هوميروس-الإلياذة-ترجمة عنبرة سلام-دار العلم للملايين-1982-ط5-ص253، وأخيل لم يدفن ابن عمه القتيل إلا بعد أن ثأر له وقتل هكتور لكن في الفيلم يدفنه قبل الانتقام.

5- تغاضى عن أبطال كثيرين لا يقلون أهمية عن أخيل، كنسطور الذي تجاوز عمره المائة سنة، وذيوميد واياس الكبير والصغير وغيرهم بل إنَّ الإلياذة كانت مليئة بالأبطال، والفيلم لم يكن فيه سوى أخيل وهكتور.

6- أفروديت تخفي باريس عن الأعين وتنقذه بنقله إلى فراشه، من مينالاوس في الإلياذة، وفي الفيلم ينقذه هكتور، وتوبخه هيلين لجبنه بينما في الفيلم تعذره وتقول له لا يهمني أنَّك فررت، وذلك لأنَّك تحبني ولهذا فررت، وتقول له «أنا لا أريد بطلا فقد كان مينالاوس بطلاً ومحارباً عظيماً، ولكني أريد رجلا أهرم في حضنه».

 

 

 

عبدالكريم يحيى الزيباري

 




 





نموذج الحصان الشهير الذي استخدم في الفيلم





برادبيت مؤدياً دور أخيل في فيلم طروادة





من ملصقات الدعاية للفيلم





أزياء الفيلم بعد أن اشتراها المتحف البريطاني لعرضها للجمهور