الثقافة وتعليم الفن

الثقافة وتعليم الفن

هل تغني كثرة المدارس والمعاهد الفنية في بلد ما، الفن؟

كثرة المعاهد الرسمية والمدارس الخاصة والرسمية لا تزيد من قيمة الفن ولا تغنيه، في لبنان وبيروت، خاصة أن هناك تضخماً في عدد المعاهد والمدارس التي لها فروعها في تعليم الرسم والموسيقى.

منذ خمسين سنة أو أكثر كانت الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة، حيث تخرّج فيها أول فريق من الفنانين اللبنانيين. وكان الفنانون الذين تعلّموا فيها لبنانيين وبولونيين وطليانا وروسا، في ذلك الوقت كانت بعض مراسم فنانين لبنانيين مفتوحة لاستقبال فنانين جدد، كما أن السفارات الأجنبية، ومنها الفرنسية والإسبانية والطليانية، فتحت صالاتها لتقيم معارض لفنانين من بلدانها وفنانين لبنانيين، كما أن بعض اللبنانيين سافر إلى باريس أو روما أو إنجلترا أو نيويورك ليعيشوا الفن ولتكملة ثقافتهم الفنية.

في الستينيات، كانت بيروت مكاناً عالمياً لعرض الأعمال الفنية العربية والعالمية، وكان الفنان العربي لا ينال شهرة في بلده قبل أن يمر ببيروت ويقيم معرضا فيها، وأخص بالذكر الفنانين العراقيين. في الوقت نفسه أصبحت اللوحة «الفنية» منتشرة ببيروت وخاصة كثرة الفنانات والفنانين، وسهولة شراء ألوان وفراشي وخربشة على لوحات بيضاء، فتخلق عندئذ «اللوحة الجديدة»، أريد أن أقول إنه أصبح في كل منزل رسّام. وولدت فوضى من ذلك الوقت في فوضى الكتابة في الفن أي في «النقد الفني» وتعدّد الصفحات «الثقافية والفنية»، وأسماء فنانات وفنانين جدد كل يوم، تقيّم أعمالهم مقالات بالعربية وبالفرنسية من «نقاد» أو بعض النقّاد يكتبون ما لا يفهمونه، وما لا يفهمه القارئ. وكثيرون اعتبروا أن هذه الكتابة هي التعبير الصحيح عن «شرح اللوحة» وشرح اللوحة يتطلب فهماً وثقافة وفلسفة و...

عندما افتتحت الجامعة اللبنانية معهداً للفنون ابتدأ لسنوات قليلة بطريقة صالحة، وكان الأساتذة لا يتعدّون العشرة أو الاثني عشر فناناً. ثم فجأة تحوّل المعهد إلى إدارة توظيفية فأصبح لكل ثلاثة طلاب أستاذ، إذ كثر عدد «الأساتذة»، وتدهورت حالة المعهد، وخاصة في عام 1975 عند ابتداء الحرب، وفي لبنان الآن يتخرج سنوياً ما يقارب المائتي طالب أنهوا تعليمهم «الفني»، وصاروا فنانين أو أساتذة. وكثيرون منهم ينقلون فقرهم الفني وعدم ممارستهم للفن لعدم رغبتهم في الفن ورغبتهم الوحيدة في «الوظيفة».

كنت منذ زمن أرفض أستاذاً أجنبياً للتدريس في المعاهد الفنية، أمّا الآن فإني لا أرى حلاً إلا باختيار اختصاصيين أجانب في تعليم الفن في جميع المعاهد وفي كل الفنون. رسم أم موسيقى. والموسيقى أصبح لها معاهد لا تعد ولا تحصى. هل هذا من الضروريات؟ هل أصبح الفن كطاولة «المازا الشهية»، فيها كل أنواع المأكولات والمقبلات التي لا تفيد المعدة؟ أليس اختصار هذه المازة بصحنين أو ثلاثة أصح للجسم كله، جسم الإنسان وعقله وجسم.. الفن؟

إلى الآن لم يُدعَ فنان لأن يكون مستشاراً في مضمار الفن، في كل الأماكن والمؤسسات الخاصة والحكومية. ولا يوجد تفتيش مالي عمّا يصرف في موضوع تدريس الفن في لبنان. ولم يبحث عن حاجة المعهد أو المدرسة لعدد الأساتذة وحاجتها لهم أو عدم حاجتها لكثرتهم.

نحن ومع الأسف بحاجة لاختصاصيين أجانب لينظروا ويدرسوا هذه الأوضاع التي ليست ضرورية فقط، بل أساسية لمستقبل لبنان الفني الثقافي الذي هو بتروله وغناه إذا وضع على سكة صحيحة وتم إصلاحه.

هذا ليس عيباً، أكثر أساتذة مدارس الفن في العالم ليسوا من البلد نفسه، حيث يديرون ويعلّمون. وكيف بنا ونحن بحاجة ماسّة اليوم حيث فوضى التعليم الفني لا رقيب عليه، ولا من يريد التغيير نحو الأفضل، معتبرين أن الأفضل هو هم، كما هم والأيام تمضي هكذا. وسائرة نحو الهاوية وقد وصلت إليها.

يقال إن معهداً فنياً لا يسمح للتفتيش المركزي أن يدخل إليه ويقوم بواجبه الرسمي، أين المراقبة المالية وغيرها. أتساءل هل هذاصحيح؟ أنا كمواطن لبناني، لي الحق أن أطرح هكذا أسئلة تخصّ بلدي وتخص ثقافته، واحترام المواطنين الذين يدفعون من جيوبهم ودمائهم ضرائب.

إذا تكلمت بهذه اللهجة فلأنه حقّي. أنا أرفض الشخص الذي يبصق على أرض الشارع، الشارع يخصني أيضاً، لا أقبل من يأخذ من جيبي فلساً ليملأ جيوبه دون حق.

 

 

 

أمين الباشا