عبدالملك مرتاض: إذا انعدمت المروءة والنخوة من مسيرة العرب فالله المستعان!

عبدالملك مرتاض: إذا انعدمت المروءة والنخوة من مسيرة العرب فالله المستعان!

من بين المناصب العديدة التي شغلها د. عبدالملك مرتاض رئاسة اتحاد الكتّاب الجزائريين بالإضافة إلى رئاسة تحرير مجلة «الحداثة» التي صدرت في وهران ومجلة «دراسات جزائرية» إضافة إلى تأسيسه مجلة «اللغة العربية» بالمجلس الأعلى للغة العربية، وغير ذلك العديد من المناصب الأكاديمية.

لكنه أولاً وأخيراً يعد أحد حراس اللغة العربية الكبار الذين لعبوا دوراً كبيراً - ولايزالون - في استعادة وهج هذه اللغة التي تستقطب اهتمام العالم والغرب الآن، بسبب المستجدات الراهنة على الساحة السياسية التي تعود لأحداث الحادي عشر من سبتمبر.

وهو لا يرى أن الأزمة تتعلق باللغة العربية وإنما بالأمة العربية وممارساتها التي تؤدي بها إلى الجنوح للضعف والخنوع، وما ينعكس سلباً على المجالات كافة وبينها اللغة.

في هذا الحوار حاولنا أن نلقي الضوء على رؤى الدكتور مرتاض حول أزماتنا العربية, وفي القلب منها اللغة العربية, وكيفية الخروج من هذه الأزمة.

  • منذ سنوات بعيدة والجهود تُبذل في الجزائر، والمغرب العربي كلّه، من أجل التعريب بعد سنوات طويلة من الاستعمار الذي هدف فيما هدف، إلى فرْنسة الجزائر، على الخصوص. ولكن هذه الجهود لم تُعط ثمارها على النحو المرجوّ بدليل أن الحديث عن التعريب مازال متواصلاً منذ ثلث قرن دون أن يؤدّي إلى النتيجة المبتغاة، وبدليل الانتصارات المتوالية للفرنكوفونية في أقطار الشمال الإفريقي، وفي طليعتها الجزائر. لقد ذكر لي أحد المثقفين الجزائريين أخيراً أنه مقابل كل رواية تصدر بالعربية في الجزائر تصدر عشر روايات أو أكثر بالفرنسية.

- لا أوافق على هذا الطرح، ولعله يحمل مغالطة، وهو في أحسن الأحوال يتسم بالتشاؤم الشديد، والمبالغة البادية، والتعريب في العالم العربي تعريبان اثنان: تعريب الإدارة والتعامل اليومي، وهذه السيرة سائدة في كل الأقطار العربية بما فيها الجزائر، حيث تعطى كل الوثائق الرسمية (عقود الميلاد، الوفاة، الزواج، الدفتر العائلي، بطاقة التعريف، كل العقود والأحكام من الموثقين والمحامين والقضاة..) وتعريب العلوم والتكنولوجيا، وهذه مسألة تعني العالم العربي كله مشرقه ومغربه، ما عدا سورية، وعلى الهيئات المكلّفة بالتعليم في مراحله الثلاث، والمؤسسات اللغوية أيضاً، أن تبذل أقصى ما يمكن بذله من أجل أن تغتذي اللغة العربية لغة تدريس العلوم في كل مستويات التعليم، وخصوصاً في مرحلة التعليم الجامعي.

حقاً، إن الوضع اللغوي في المغرب العربي بعامّة، وفي الجزائر بخاصة، ليس على ما يرام، ولكنه ليس من السوء على النحو الذي يتصوّره الإخوة في المشرق العربي. وفي رأيي أن الفرنكوفونية لم تستطع أن تسجّل في المغرب العربي إلا انتصارات هزيلة، ولو انتصرت حقاً لكانت استطاعت أن تمحو اللغة العربية من هذه الأقطار محواً كاملاً، وقد أتيح لها أن تستعمرها لفترات متفاوتة الطول، أطولها ما مكثته في الجزائر التي هيمنت عليها مائة واثنين وثلاثين عاماً، وذلك كما تمكّن الاستعمار الفرنسي من التمكين للغته تمكيناً تاماً في بعض الأقطار الإفريقية التي اتخذت من اللغة الفرنسية لغة رسمية لها دون حياء.

فعلى الرغم من الجهود المضنية التي بذلها الفرنسيون لفرض لغتهم على أقطار المغرب العربيّ، فإن اللغة العربية لاتزال هي اللغة الرسمية فيها، ولعل الذي أفسد على الاستعمار الفرنسيّ أمره، وخيّب خطّته، أن الإسلام مجسّداً خصوصاً في القرآن الكريم الذي ظلّ النّاس يحفظونه ويحاولون فهم نصّه في الأرياف والبوادي، خصوصاً هو الذي حال دون تحقيق مبتغاه، فقد «حيل بين العير والنزوان»، كما تقول العرب في أمثالها، مما جعل أقطار المغرب تحافظ على شخصيتها العربية الإسلامية إلى حد بعيد، ولولا القرآن، في رأينا نحن على الأقلّ، لأصبحت العربية في هذه الأقطار في خبر كان.

لكنّ ذلك، مع كل ذلك، لا يعني أن الاستعمار فشل فشلاً مطلقاً في مشروعه الحضاريّ الغربيّ برمّته، ذلك لأن اللغة هي البوابة الحقيقية للدخول إلى أي حضارة أو ثقافة أجنبية.

ولقد أتيح للاستعمار الفرنسي تحقيق كثير من ذلك بعد أن نالت تلك الأقطار استقلالها، حيث كان الوطنيّون في بلاد المغرب، أيّام المقاومة، يحاولون رفْض اللغة والثقافة الفرنسيتين، لكن هذه السيرة انزاحت من طريق الفرنسيين فور أن حصلت هذه الأقطار على استقلالها، فأمسى الناس في بلاد المغرب يدرسون الفرنسيّة ويتنافسون في إتقانها للتمكين للثقافة الفرنسية من حيث يشعرون طوراً، ومن حيث لا يشعرون أطواراً أخرى، وبالمجان، وتحت تأثير الحب الأعمى لما لا ينبغي أن يُحبَّ!

وأمّا عن مسألة صدور رواية واحدة باللغة العربية في الجزائر، مقابل عشر بالفرنسية، فهذا الادّعاء غير صحيح على الإطلاق، بل العكس هو الصحيح يقيناً. فإذا كانت الفرنسيّة تصول اليوم وتجول في الجزائر، فذلك ينحصر خصوصاً في اللغة الإعلامية الهزيلة الركيكة في كثير من أطوارها. أما الكتابة الأدبيّة الرفيعة باللغة الفرنسية، من مستوى مالك حدّاد مثلاً، فقد اختفت من الجزائر، وذلك لضعف مستوى التعليم من وجهة، ولإقبال التلاميذ والطلاب على تعلّم لغات أجنبية حيّة أخرى كالإنجليزيّة من وجهة أخرى، بل حتى عدد النسخ المسحوبة من الصحف الفرنسية اللسان في الجزائر، مجتمعة، لا تعادل عدد النسخ المسحوبة يومياً من جريدة «الخبر» اليومية مثلاً، حيث يجاوز سحبها اليومي أكثر من خمسمائة ألف نسخة، وهو عدد قياسي، فيما نتصوّر، بالقياس إلى كل الصحف العربية في المشرق والمغرب جميعاً، ألا يدل ذلك على ارتفاع المقروئية باللغة العربية في الجزائر؟ أم ليس هذا الدليل على ذلك دليلاً؟!

  • ولكن هذه الشريحة التي تكتب بالفرنسية شريحة ثقافية واجتماعية، ذات شأن لأنها أيضاً نخبة؟

- حقاً إنها، في عامّتها نخبة، وهي ذات نفوذ في الإدارة والتسيير، غير أن هذا النفوذ مرتبط بمرور زمن معيّن عليها ليتلاشى، أو على الأقل ليضعف، تأثيرُها في الحياة العامّة مستقبلاً. ونحن نعتقد أنّ الذين يعرفون اللغة الفرنسية معرفة صحيحة، ورفيعة، من هذه النّخبة، هم في عامّتهم من شيوخ الجيل القديم، أي ممن تجاوزت أعمارهم الستين والسبعين وحتى الثمانين. وعلى إقرارنا بتأثير هؤلاء في الحياة العامّة في الجزائر، فإن عددهم قليل. أما الشباب في عامّتهم، فهم إما معرّبون، وإما أن لغتهم الفرنسية هزيلة وركيكة ولا تجاوز مستوى فرنسية الخدم، وإلا فأروني شاعراً أو روائياً جزائرياً بلغ المستوى الأدبي العالمي إذا استثنينا مَن هو باق من الجيل القديم أمثال آسيا جبّار، ومحمد ديب - الذي توفي أخيراً بفرنسا ودُفن بها. وإذا كان مستوى اللغة الفرنسية ضعُف لدى الشباب في الجزائر ضعفاً يمزّق نياط الفرنكوفونيين حزناً وكمداً، فلا يجوز التمكين لحضارة بلغة أجنبيّة ضعيفة.

ولعل من أجل ما أصابهم من انتكاس وارتكاس، نادوا في الجزائر بالويل والثبور، وعظائم الأمور من أجل أن يعودوا بالأطفال الجزائريين إلى الحافرة، وذلك بإدخال اللغة الفرنسية، من جديد ابتداء من السنة الثانية الابتدائية. ولولا شيءٌ من الحياء، والتخوّف من ردّ الفعل العنيف، لكانوا أعلنوها لغة رسمية للبلاد والعباد، واستراحوا!

  • وإلامَ يعود ذلك في رأيكم؟

- لعل ذلك يعود إلى أن المدرسة الأساسيّة في الجزائر كانت نهضت بوظيفتها على أحسن ما يرام، أو على شيء مما يرام على الأقل، وذلك على الرغم من أن الاتجاه الفرنكوفوني، وخصوصاً الاتجاه «الفرنكوفيلي»، - وبينهما فرق - يدين هذه المدرسة ويقضي بفشلها، أفناً وخطلاً.

  • هذه اللغة الفرنسية في الجزائر، وبقية الشمال الإفريقي، ليست مجرّد لغة أجنبية، لقد دخلت في نسيج الشخصية المغاربية. باتت من لزوميّات الحياة الإدارية والثقافية، إن لم يكن من أسس الشخصية الوطنية. هذا وضع قد لا يسرّكم ولا يسرّني. بل إننا ندينه، ولكنه وضع قائم ينبغي تدبّره والبحث عن حلول له. لسنا بالطبع ضد اللغات والثقافات الأجنبية، بل نحن نطالب بحوار معمّق في الآخرين، ولكن ما هكذا يكون الحوار؟

- أوافقك تماماً على هذا الطرح الجيد لهذه الإشكالية. ولكني فقط أريد أن أذكّر بما قلت منذ قليل حول غياب اللغة الفرنسية، عملياً ونظرياً، من الإدارة العمومية - باستثناء المالية التي لا يبرح التعامل فيها بالفرنسية إلى جانب العربية - وإني أتمثل هذه المسألة مثل العولمة التي هي كلمة حقّ يراد بها باطل، فكما أنّ العولمة في دلالتها السياسية الحقيقية تعني هيمنة العالم المتطور على العالم المتخلف، فكذلك تعلّم اللغات الأجنبية التي لا يفكّر أحد في كيفية نشرها وتطويرها بفعل جاد في العالم العربي بعامّة، كما يفعل أهل الغرب بلغاتهم في مجامعهم ومؤسساتهم اللغوية النشيطة. فالفرنسية تغلغلت في ألسنة أهل المغرب على حساب اللغة العربية. وإذا كانت اللغة العربية أثّرت في اللغة الفرنسية المعاصرة بفعل احتكاك الفرنسيين بالمغاربيين، فإن تأثير الفرنسية ظل هو الأقوى. وكان يمكن نشر العربية في فرنسا بشيء من المروءة السياسية لو حرص كل أهل المغرب على ذلك.

وأيّا كان الشأن، فمن الخطأ الاجتزاء، على عهدنا هذا، بتعلّم العربية وحدها، فالإنجليزية هي مفتاح العلوم والتكنولوجيا والعلاقات الدولية، والفرنسية هي مفتاح الأدب والموضة، والألمانية هي مفتاح اللسانيات والفلسفة، والإسبانية تفتح أبواباً على نصف القارّة الأمريكية، وهلمّ جرّا، وأمام هذا الوضع، علينا العضّ بالنواجذ على المحافظة على العربية وإتقانها إتقاناً عالياً، وتعلّم لغات حيّة بجانبها، من أجل تطويرها وإرْفادها، لا من أجل أن تصبح اللغات الأجنبية المتعلّمة ضرّات ينافسْن العربية ويسعين لتقليص إتقانها الذي أصبح لدى كثير من شباب المتعلمين في العالم العربي كالكبريت الأحمر!

  • وهل يمكن أن يصل الأمر إلى حدّ أن تصبح اللغة العربية هي لغة الكيمياء والفيزياء والطب؟ هل تسير الجزائر في مثل هذه السياسة؟

- كثيراً ما تُتهم الجزائر، أو يُراد لها أن تحتمل أكثر مما يجب أن تحتمل من العبء الحضارى القومي، وكأن أمر العربية موكول للجزائر وحدها لتنظر في شأنه، فأن تصبح العربية لغة العلوم والطب ليس أمراً مستحيلاً. بل هناك دولة عربية عمدت إلى تعريب كل ذلك منذ أكثر من نصف قرن، ولم يقتلها التخلّف، ولم تسكن أجساد مواطنيها الأمراض، بل إن سكانها لا يكابدون من أي سوء في الأحوال الصحية، بل ربما يتمتعون بصحة أجود ممن اتخذوا من الفرنسية أو الإنجليزية لساناً لتدريس الطب والعلوم، فالمسألة تتعلق بالقرار السياسي، لا بكفاءة العربية أو عدم كفاء تها، في مجال العلوم. فهذه الكفاءة لا يطعن فيها إلا مكابر أو حاقد، ونحن نعلم أن الصهاينة أحيوا لغتهم بأن بعثوها من المقابر، فأمست في ظرف قصير لغة الإعلام والسياسة والتعليم في كل مراحله، وذلك على الرغم من أن العبريّة تدين في نموها دينونة كاملة للعربية، وعلى الرغم أيضاً من أنّها لم تعط الإنسانية شيئاً من الحضارة كما فعلت العربيّة.

  • وماذا بعد؟

- إن الإشكالية التي تعانيها العربية في عصرنا هذا أن الذين يعرفون العربية - وهم في عامّتهم أدباء ولغويّون - لا يلمّون بالعلوم ولا يعرفون شيئاً منها ذا بال، على حين أن الذين يعرفون العلوم لا يعرفون من العربية العالية ما يمكّنهم من التفكير بها إلى درجة إبداع المعرفة بها. وفيها. ومتى يلم العلماء العرب بالعربية إلماماً كافياً يتيح لهم التعبير، بواسطتها، بكفاءة عن وظائف الآلات، تصبح العربية في مستوى أي لغة عالمية، فالعيب لا يعود إلى العربية، ولكنه يعود إلى العرب ومناهجهم التعليمية الرديئة.

وأيّا ما يكن الشأن، فإن مستقبل العربية مسألة قومية، ولا ينبغي أن يتحمّل قطر عربي وحده مئونتها، ولعل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والمؤسسات اللغوية مثل المجامع اللغوية أن تكون معنيّات أكثر من سواها باحتمال هذا العبء.. فهل هي من الفاعلين؟

  • هناك مَن يرى من المثقفين العرب أن اللغة العربية في مأزق، وأنها تحتضر، لسبب أو لآخر: هل توافق على مثل هذا التوصيف؟ أم أنك ترى العكس؟

- بل يجب أن نعكس تركيب المساءلة فنقول: هل الأمة العربية تحتضر؟ وهل انتهى دورها من التاريخ؟ وهل كل الأمم في العالم أفضل منها حتى تحتضر هي وحدها، لتنقرض فتنقرض معها لغتها؟ وهل يجوز للغة يصلي بها مليار ونصف مليار من المسلمين يومياً خمس مرات أن تحتضر؟ وهل يجوز للغة أسست الرياضيات العالـمية، واخترعت أسس الطب الكبرى، واستكشفت البارود، ومنحت العالم الأرقام أن تحتضر؟ وهل يجوز للغة مرسّمة في كل المنظمات والهيئات الدولية في مستوياتها العليا أن تحتضر؟ وهل يجوز للغة يمتلك أهلُها أكثر من ربع ثروات العالم، ولا تغرب الشمس على جغرافيتهم أن تنقرض لغتهم بهذه البساطة؟ إلا إذا انعدمت المروءة والشرف والنخوة من سيرة العرب وطموحهم، فالله المستعان!

  • هل أنتم فرنكوفونيّون؟

فأما إذا كانت ميم الجمع من قولكم: «أنتم» يراد بها: إليّ شخصياًِ، فأنا خرّيج السوربون بباريس، وأتقن الفرنسية وأقرأ بها يوميّاً، ولكنّي لست فرنكوفونيّاً، وأنا بالمقابل حفظت القرآن الكريم وختمته إحدى عشرة مرّة في سنّ الصبا المبكر، ولاأزال أتعلّم العربية يوميّا بحفظ شواهد اللغة - الشعرية والنثريّة - والنحو وتدقيق القواعد العليا فيها.. وإذا كنتم تريدون بقولكم: «أنتم» إلى الجزائر، فالجزائر لم تنضم رسميّاً إلى منظمة البلدان الفرنكوفونيّة التي تقودها فرنسا إلا بعد أن رأت حتى البلدان العربية التي لا يقيم جميع أهلها جملة واحدة سليمة باللغة الفرنسية أصبحت عضواً في هذه الهيئة اللغوية السياسية، ولكن هذا الانضمام المتأخر، بكل حزن، أفضى إلى تقليص وظيفة اللغة العربية العلمية في مؤسسات التعليم بالجنوح إلى تدريسها بلغة بالزاك!

  • هو سؤال التواصل الثقافي بين المشرق والمغرب. هل أنتم راضون عمّا تمّ حتى الآن على هذا الصعيد؟

- أبداً! بل أنا غير راضٍ، بل أنا غير مرتاح إلى حد السّخط والاغتياظ. فإذا استثنينا المبادرات الفرديّة القليلة التي تتم بين المثقفين (كما هو الشّأن في هذا الحوار الذي يشترك فيه ثلاثة أطراف: «العربي» الكويتية لأنها تنشره، وصحفي لبناني مرموق لأنه وضع أسسه، وجزائريّ لأنه حاول أن يحلله ويجيب عنه) فإنّ القطيعة الثقافية هي القاعدة المتّبعة إلا من بعض مؤسسات النشر الكبرى، وإذا استثنينا ما ينهض به المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت وخصوصاً في توزيع مجلة العربي (أكثر من ثلاثمائة ألف نسخة في الشهر)، وكتاب «عالم المعرفة» (ما يعادل أربعين ألف نسخة في الشهر)، فإن باقي المؤسسات العربية الثقافية، وخصوصاً مؤسسات النشر لم تستطع تجاوز حدود الألف والألفي نسخة من العنوان الواحد، ولا توزّع إلا في سنوات طوال، ولا تكاد تجاوز الحدود الوطنية التي طُبعت وراءها؟ إن هذا الوضع مزعج للثقافة العربية ولا يُفضي إلى ازدهارها، ومن ثمّة لا يساعد على التواصل الثقافي والفكري بين العرب في المشرق والمغرب.

وأمّا الأسباب التي تكمن وراء هذا الشرّ، فبعضها ماليّ اقتصادي، وبعضها سياسي أيديولوجي، ولعل المستقبل كفيل بإزالة أسباب هذا الداء، ولكن إذا حسنت النيّة، وزالت الأنانيّة، وإلا فإننا لا نأمن أن يأتي علينا يوم سيُمسي فيه كلّ بلد عربي منزوياً على نفسه، وواضعاً حراساً غلاظاً شداداً على حدوده حتى لا يتسرّب منها إليه أيّ عمل إبداعيّ أو فكري، من بلد عربيّ آخر. ونرجو ألا يأتي ذلك اليوم على كل حال.

سطور من السيرة الذاتية

  • وُلد عبدالملك مرتاض - بن عبدالقادر بن أحمد بن أبي طالب بن محمد بن أبي طالب، وابن زينب بنت أحمد سوالي - في العاشر من يناير 1935 بمجيعة (وأصل نطقها فيما يبدو لنا «نجيعة»، حيث إن العوام في تلك الناحية يقلبون النّون ميماً، فكأن هذه القبيلة نجعت من أرض بعيدة إلى حيث استقرّت بها النّوى هناك)، بلدة من عرش مسيردة العليا، ولاية تلمسان، الجزائر: من أم وأب جزائريين، مسلمين، سنيين.
  • حفظ القرآن العظيم وتعلّم مبادئ الفقه والنحو في كُتّاب والده الشيخ عبدالقادر بن أحمد بن أبي طالب بن محمد بن أبي طالب، بقرية الخماس التي تبعد عن الحدود المغربية الشرقية زهاء ثمانية عشر كيلومتراً.
  • التحق في أكتوبر من عام 1954 بمعهد ابن باديس بقسنطينة، ولاندلاع الثورة الجزائرية أغلق المعهد وتفرّق طلاّبه شذر مذر في شهر فبراير من عام 1955، فغادر هذا المعهد فيمن غادروه إلى الأبد.
  • التحق بجامعة القرويين بفاس (المغرب) في شهر أكتوبر من عام 1955 وقطن بالمدرسة البوعنانية التي أصيب فيها بمرض السل، فنُقل إلى مستشفى مدينة فاس (دار الدّبيبغ) وظل يعالج قريباً من عام كامل.

وبعدها بخمس سنوات التحق بكلية الآداب جامعة الرباط (المغرب).

وفي عام 1960 تسجّل في كلية الحقوق والعلوم السياسية، ومعهد العلوم الاجتماعية بجامعة الرباط.

  • وفي عام 1961 التحق بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط، وكان عضواً للمنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني (1956-1962).
    وهو متزوّج، وأب لخمسة أولاد.
  • انتُخب سنة 1975 رئيسا لفرع اتحاد الكتّاب الجزائريين لولايات الغرب الجزائريّ لدى استحداث هذه الهيئة لأول مرة.
  • انتُخب سنة 1981 عضواً في الهيئة المديرة لاتحاد الكتّاب الجزائريين وفاز بأغلبيّة أصوات الكتّاب في مؤتمرهم العام.
  • عيّن مديراً للثقافة والإعلام لولاية وهران، لدى استحداث هذه المديرية لأول مرة، (1983-1986)، وظل محتفظاً أثناء ذلك بمنصب الأستاذية في جامعة وهران.
  • رأس تحرير مجلة الحداثة التي كان يصدرها معهد اللغة العربية وآدابها في جامعة وهران.
  • أسس مجلة «دراسات جزائريّة»، معهد اللغة العربية وآدابها، جامعة وهران (1998).
  • أسس مجلة «اللغة العربية» بالمجلس الأعلى للغة العربية، وكان يرأس تحريرها، حين كان رئيساً لهذه المؤسسة التابعة لرئاسة الجمهورية (1998-2001).
  • 1998 (يناير) عيّنه ونصّبه، شخصياً، رئيس الجمهورية عضواً في المجلس الإسلامي الأعلى، رئاسة الجمهورية، الجزائر، وهو منصب دستوري.
  • 1998 (سبتمبر) - 2001 (يونيو) عيّنه ونصّبه، شخصياً، رئيس الجمهورية في منصب رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، رئاسة الجمهوريّة، الجزائر، وهي وظيفة تساوي درجة وزير.
  • 1999 عيّن عضواً في المجمع الثقافي العربي ببيروت.

 

 

 

حاوره: جهاد فاضل

 




 





 





د. مرتاض مشاركاً في برنامج أمير الشعراء





د. مرتاض مع الروائي الألماني جونتر جراس