الحج الشامي والخط الحديدي الحجازي

الحج الشامي والخط الحديدي الحجازي

قبل استخدام وسائط النقل الآلية (براً وبحراً وجواً)، كانت بلاد الشام بموقعها الجغرافي مركز تجمع للحجاج المسلمين القادمين من تركيا وسائر البلدان الإسلامية الشرقية، نظراً لأن الطريق البري بين دمشق والحجاز هي الأقصر لقوافل الحجاج المتوجهين لأداء فريضة الحج، وكذلك للقوافل والرحلات التجارية منذ القديم وقبل الإسلام. وقد كرم الله تعالى هذه الرحلات بذكرها في القرآن الكريم برحلة الصيف إلى بلاد الشام.

كان لتجمع الحجاج في دمشق مردود اقتصادي جيد لأهلها. وقد ذكر بدر الحاج في كتابه (دمشق صور من الماضي 1840 1918) أن هذا المردود يقدر في حينه بما لا يقل عن ربع مليون من الدنانير الذهبية، لكن هذا المردود تراجع بعد افتتاح قناة السويس سنة 1869م. إذ فضل الحجاج الطريق البحري، نظراً لأن قافلة المحمل الشامي كانت تتعرض لهجمات قطاع الطرق، وكذلك تراجع الإقبال على التوجه بواسطة القوافل البرية إلى الأماكن المقدسة بعد افتتاح خط سكة حديد الحجاز بين دمشق والمدينة المنورة عام 1908.

وعن الصعوبات والمشقات التي كان يلاقيها الحجاج في رحلتهم يكتب محمد كرد علي في كتابه: «إن المسلمين يلاقون صعوبات ومشقات في ذهابهم وإيابهم إلى الأرض المقدسة لأداء فريضة الحج كل سنة، فكان يستغرق سفر الحاج الشامي أربعين يوماً من دمشق إلى المدينة المنورة وعشرة أيام من المدينة إلى مكة المكرمة «خمسون يوماً يقضيها الحاج بين دمشق والمدينة فمكة»، وعشرون يوماً على الأقل يمضيها في القيام بالمناسك وزيارة قبر النبي المعظم (صلى الله عليه وسلم)، ويقضي خمسين يوماً في عودته. فهذه أربعة أشهر كاملة للحج الشامي. أما التركي والإيراني وغيرهما من أهالي الممالك الإسلامية النائية فقد كان يحول الحول على أحدهم دون الوصول إلى بغيته». (خطط الشام، ج5).

لحماية قافلة الحج الشامي من هجمات قطاع الطرق، كانت الحكومة العثمانية تعين أميراً للحج يصحب معه عدداً من الجنود والمدافع. وفي هذا المجال يذكر عبد العزيز محمد عوض في كتابه (الإدارة العثمانية في سورية 1864 1914م): «تقديراً من الدولة لأهمية الخطر، أُسندت إمارة الحج إلى والي دمشق بعد أن كانت تعهد به لحاكم نابلس وعجلون. بدأ والي الشام يتولى إمارة الحج اعتباراً من عام 1671 لغاية عام 1866. حين رأت الدولة أن غياب الوالي عن مقر ولايته مصحوباً بعدد كبير من الجند بضعة أشهر من كل عام يؤدي إلى اضطراب الأمن في المدينة، فقررت الفصل بين منصبي الولاية وإمارة الحج، وعينت قائد الجندرمة أميراً أو محافظاً للحج. وكان قائد الجندرمة عادة من الضباط الأكراد من بيوت معينة.... ).

التحضيرات والإجراءات لقافلة الحج الشامي

الدورة: هي جولة تفتيشية يقوم بها الباشا مع بعض جنوده في أواخر رجب أو في أوائل شعبان لجمع المال من سكان المناطق الجنوبية من الولاية ليستعين بهذه الأموال في إعداد قافلة الحج والمحمل، ثم يعود إلى دمشق في أوائل شوال.

الصرة: في منتصف شهر رمضان أو الأسبوع الثالث منه يصل ركب (الصرة أميني) أو أمين الصرة من استانبول، وهي المال الذي ترسله الدولة العثمانية لأشراف الحجاز ولرؤساء القبائل المرابطة في طريق الحج. وتتضمن الصرة أيضاً التي تدعى (الصرة السلطانية) والتي تُجهز بدمشق زيوتا وشموعا وماء الورد والزهر التي ترسل لغسل الكعبة والحجرة النبوية.

المحمل الشريف: كان تجهيز المحمل وانطلاقه من دمشق يبدأ من عيد الفطر ويستغرق الاحتفال بتجهيزه ثلاثة أيام.

في اليوم الأول يبدأ العمل بإخراج السنجق وهو عبارة عن قطعة من القماش المتين زهري اللون، وقد كتب عليه بالخيوط الذهبية الآيات القرآنية ويمر بحي الميدان باتجاه ضاحية القدم، حيث يوضع في مكان يسمى «العسالي» وفي اليوم الثاني تحتفل الهيئات الدينية والشعبية بأجمعها مع البشوات ومشايخ الطرق، ويجمعون كميات كبيرة من الشموع والزيوت ويحملونها إلى موقع «العسالي» وتوضع في الصناديق تمهيداً لإرسالها مع موكب الحج.

وفي اليوم الثالث تشترك الحكومة المحلية بصورة رسمية، فيحضر المشير والوالي وكبار الضباط والعلماء والموظفين ومشايخ الطرق وقطاعات مختلفة من الجيش والمدارس بأجمعها وذلك لوداع المحمل الشريف، الذي يحمله جمل عظيم في ضخامته ونظافته.

ويكون الاحتفال أمام قصر المشيرية الذي كان قائماً في شارع النصر بدمشق ومكانه الآن القصر العدلي. وينطلق هذا الموكب مع السنجق الذي أُعيد في اليوم السابق من العسالي، وكان المحمل يودع في جامع السنجقدار، ماراً بطريق الميدان. أما الكسوة الشريفة فقد كانت تصنع من قِبل صنّاع مهرة يقيمون بدمشق ويتقاضون رواتبهم من الدولة.

الجردة: تختار الدولة العثمانية أحد وزرائها أو أحد ولاتها ويدعى (سردار الجردة) لإعداد قافلة الجردة، وهي قافلة مؤن تُعد لإسعاف الحجاج في طريق عودتهم إلى بلاد الشام خشية أن يكون ما عندهم منها قد نفد، ويصحب الجردة عدد من الجند لحراستها.

الجوخدار: هو أحد رجال أمير الحج ويُعرف بالجوقدار أو الجوخدار يسبق قوافل الحجاج إلى دمشق ليبشر أهلها بسلامة القافلة إذا عادت سالمة، أو يطلب إليهم النجدة إذا تعرضت للعدوان وهو ينفصل عن الركب في تبوك باتجاه دمشق في حراسة بعض الجنود متقدماً القافلة بسبعة أيام وفي إثر الجوخدار يكون الكَتَّاب - وهو شخص يكلفه أمير الحج - ليحمل كتب الحجاج إلى ذويهم فيصل إلى دمشق بعد الجوخدار بثلاثة أيام وقد يكون لدمشق ولكل من حماه وحلب كَتَّاب آخر. وفي إثر الكَتَّاب بعد يومين أو ثلاثة يبدأ وصول الحجاج إلى دمشق فيصلونها بين 2 و 5 صفر ويستمر دخولهم إلى المدينة نحو خمسة أيام، وفي إثرهم يدخل أمير الحج وسردار الجردة.

الكادر ووسائط النقل في رحلة الحج

إن التنقل والسفر إلى مسافات بعيدة قبل استخدام وسائط النقل الآلية، استدعى نشوء مهن وحرف ومعدات تُخفف المشقة عن المسافرين. فرحلات الحج من بلاد الشام إلى الديار المقدسة، كان لها كادر متخصص في خدمة الحجاج وتأمين راحتهم من ركوب وإقامة وطعام. ومما ذُكر في هذا المجال ما جاء في كتاب (قاموس الصناعات الشامية الجزء الأول. لمحمد سعيد القاسمي الشهير بالحلاق) ما يلي:

«المقوم»: هو من يتعهد بمشال الركب الحجازي حين قصده السفر لجهة الحرمين الشريفين. وصاحب هذه الحرفة يكون مستعداً لوجود عدد وافر من الجمال تكون عنده من جميع ما يلزمها من عِدَد، وهي الخيم ومعداتها، التخوت، والمحاير، والشباري وغيرها، للركوب بها. مع وجود أنواع الخَدَمة، من عكّامة وغلمان، وطباخين، ومهاترة، وسقاية، وغير ذلك من أصحاب هذه الحرفة، المذكور بحرفته مما لا يستغنى عن كل منهم.

وعند دخول موسم الحج يأخذ صاحب هذه الحرفة في الاستعداد وتهيئة كل ما يلزم من تفقد أحوال جميع ما ذكر، وما يلزم إلى السفر. وحينئذ يقصده من يرغب في الحج، فيستأجر منه ما يلزم لركوبه ومأكله من دمشق إلى المدينة أو مكة، كل على قدر سعته. فمن كان غنياً استأجر تختاً. وتبلغ أجرته على حسب رواج الموسم، وذلك من ثمانين ليرة إلى مائة ليرة. والمتوسط يستأجر محارة، وتبلغ أجرتها من خمس وعشرين ليرة إلى أربعين. والأدنى إما أن يستأجر شبرية أو جملاً.

وعند دخول وقت السفر يكون المسافر متهيئاً لجميع حوائجه. فإن المقوم يقوم بمشالها. وحينئذ يُنقِده المستأجر قسماً من الأجرة، والقسم الثاني عند وصول المحل المقصود. وفي الإياب أيضاً يعقد المقوم الشرط فيما بينه وبين من يرغب في الاستئجار معه في رجوعه إلى الشام.

(العكام): من أهل الجَلَد والقوة على المشي يتسلم جملاً وعليه المحارة يركبها شخصان يسحب الجمل بهما في الطريق ويتولى خدمتهما وكل ما يلزم الراكبين المذكورين من طبخ وغيره.

(الشبرية): مثل الصندوق راكبها لا يرى زميله، بخلاف المحارة فإنها أرفه لراكبها وأكثر أُنساً، إذ يأنس برفقته ويتحادث معه وما بينهما إلا قتب الجمل. والشبرية يرغبها الفقراء من الناس لرخص أجرتها بالنسبة إلى المحارة.

(المهتار): ووظيفته القيام على خيم الحجاج الموجودين عند المقوم من أمر نصبها عند نزول الحجاج للراحة، وفكها عند سير الركب وهلم جرا... وتكون حركته في كل مرحلة يسبق الركب، وعند نهاية المرحلة ينصب الخيام ويهيئها للحجاج. وهذه وظيفته في الذهاب والإياب، وله أجرة معلومة من المقوم.

أما عبد العزيز العظمة فيذكر في كتاب مرآة دمشق، تاريخ دمشق وأهلها عن وسائط الركوب للحجاج ويدعوها (المطايا) ما يلي: «مطايا الحجاج ثلاثة أنواع تخوت ومحائر ورهاوين، فالتخت كوخ خشبي ذو باب ونافذتين يُحمل على جملين أو بغلين متقابلين ويجلس فيه رجل واحد مرتاحاً، والمحارة محفة تُحمل على جمل وتُغطى بأقمشة مزخرفة على طراز أقمشة الخيام من نسيج مدينة دمشق، ولها مقعدان يجلس ويرقد فيها حاجان معاً. والرهاوين يختارها بعض الحجاج، ويفضلونها على المحارة، لأنها تساعد على النزول في الطريق، حيث توجد مقاهٍ سيارة ترافق الركب على آخره، لأن طول الركب عند المسير يتجاوز الساعة أو أكثر. وجُل مساحات المراحل طويلة لا يقوى الركب على قطعها دفعة واحدة، فيجعلون في منتصف المساحة ساعة استراحة ينزل فيها الحجاج، ويقضون حاجاتهم، ويصلون، ويأكلون، ويشربون، ويطعمون دوابهم، ثم يرحلون على أصوات المدافع أيضاً».

مما سبق يتبين أن قافلة الحج الشامي كانت تستخدم في سفرها (جمالا خيولا بغالا) دون استخدام العربات التي تجرها الحيوانات لعدم توافر طرق بين دمشق والديار المقدسة تصلح لسير هذه العربات.

وكذلك الحال في بلاد الشام فقد كان أول طريق تم إنشاؤه بين دمشق وبيروت لهذه العربات بحصول الكونت (أدمون دوبيرتوي) وهو فرنسي كان يقيم في بيروت في شهر يوليو 1857 على امتياز لإنشاء واستغلال طريق للعربات بين بيروت ودمشق وكانت أول قافلة محملة بالبضائع وصلت إلى دمشق من بيروت في الأول من يناير 1862م.

الخط الحديدي الحجازي

كان إنشاء الخط الحديدي الحجازي الذي يصل دمشق بالمدينة المنورة عملاً مهماً لخدمة الحجاج المسلمين وتطوير العلاقات الاقتصادية بين بلاد الشام والحجاز.

لم تكن رحلة الحاج نزهة، كان الحجاج المنطلقون من دمشق يقضون في رحلة الذهاب والإياب نحو أربعة أشهر (من شوال إلى صفر)، وأخبار تلك الأيام التي سبقت إنشاء الخط الحديدي الحجازي تشير إلى ما كان يلاقيه الحجاج في كثير من الأحيان من أخطار الطريق، ومن أحوال الطقس القاسية كالحر اللاهب والبرد القارس والسيل الجارف، أو من عدوان بعض العشائر البدوية، فيموت منهم الألوف ويعود الباقون وقد أنهكتهم الرحلة.

فكرة الإنشاء

بدأت هذه الفكرة في عام 1864 م أثناء العمل في فتح قناة السويس، حيث تقدم الدكتور زامبل الأمريكي (ألماني الأصل) باقتراح تمديد خط حديدي يربط بين دمشق وساحل البحر الأحمر، ولكن هذه الفكرة لم تجد آذاناً صاغية آنذاك. وسبب ذلك يعود إلى عدم سيطرة السلطان العثماني على لواء الكرك في الأردن، ولكن هذه الفكرة سرعان ما عادت للظهور وذلك في عام 1880م عندما قدم وزير الأشغال العامة في الأستانة مشروعاً أوسع من السابق، إذ يقضي بمد خط حديدي من دمشق إلى الأراضي المقدسة وأيضاً هذا المشروع لم يجد صدى كالسابق وذلك بسبب الصعوبات المالية التي حالت دون تحقيقه من ناحية وسهولة المواصلات بالوسائط البحرية ورخصها من ناحية ثانية. وبقي هذا المشروع مهملاً إلى أن أتى عزت باشا العابد العربي السوري، والذي كان يحتل مركز الأمين الثاني للسلطان عبد الحميد وطرح الفكرة على السلطان ووجدت صدى في عام 1900م عندما تم البحث في هذا المشروع بشكل جدي، وبتدخل من السلطان حيث تبين أن نفقات إدارة الحج تكلف الدولة نحو مائة وخمسين ألف ليرة عثمانية ذهبية يضاف إليها نحو ستين ألف ليرة قيمة هدايا وأعطيات.

أعلن السلطان عبد الحميد عن المشروع من دمشق إلى المدينة المنورة في أوائل أبريل من عام 1900م وبالإضافة إلى خط برقي يمتد بمحاذاته وأقام دعاية واسعة له في العالم، من حيث إنه سيسهل سفر الحجاج ويؤمن راحتهم وأنه مشروع ديني خيري يجب على المسلمين أن يعملوا على إنشائه إضافة لهذا الهدف الديني كانت هناك أهداف أخرى هي:

أهداف سياسية: ربط البلاد الإسلامية بطريق حيوي وسهل وإزالة مظهر الدولة العثمانية بمظهر العاجز أمام الدول الأجنبية.

أهداف عسكرية: تشديد قبضة السلطان عبد الحميد على الولايات العربية التي يمر بها الخط وجعلها تحت السيطرة بأسرع وقت.

أهداف اقتصادية: تعمير وتطوير المناطق الواقعة في مسار الخط وتطوير الزراعة وتنشيط اقتصاد الجزيرة العربية باتصالها ببلاد الشام وساحل البحر الأبيض المتوسط.

أهداف اجتماعية: تموين التجمعات السكانية والقبائل الواقعة على مسار الخط.

التمويل والاكتتابات

بعد الإعلان عن المشروع وأهدافه الدينية افتتح السلطان عبد الحميد الثاني الاكتتابات حيث تبرع بثلاثمائة وعشرين ألف ليرة عثمانية ذهبية، وتبرع شاه إيران بمبلغ خمسين ألفاً, وخديو مصر بكميات هائلة من الأخشاب ومواد البناء، وتشكلت جمعيات عديدة لمساندة المشروع، ففي الهند تشكلت مائة وست وستون جمعية لمساندته وجمع التبرعات له، فقد أرسل أهالي مدينة لكناو مبلغ اثنين وثلاثين ألف ليرة عثمانية، وأهالي رانجون ومدراس مبلغ ثلاثة وسبعين ألف ليرة، وأرسل الميرزا علي من كلكوتا مبلغ خمسة آلاف ليرة ومثله جريدة الوطن في لاهور.

ثم أعلن السلطان عن منح أوسمة وشارات وألقاب لمن يتبرع للخط, ووضعت الضرائب لمصلحة الخط، وتبرع الموظفون براتب شهر كامل ثم حسم من راتبهم عشرة بالمائة لمدة عام وأحدثت الطوابع التذكارية له، وجمعت جلود الأضاحي وبيعت لمصلحة الخط كما أوقفت عليه أراض ومشروعات أهمها ينابيع الحمة المعدنية ومرفأ حيفا. وقد نجح المشروع نجاحاً كبيراً لم يكن أشد المتفائلين يتوقعونه ولولا تبدل الأوضاع السياسية، وخاصة خلع السلطان عبد الحميد الثاني لوصل الخط إلى مكة المكرمة وينبع وجدة واليمن كما خطط المشرفون عليه آنذاك.

إنشاء الخط

أصدر السلطان عبد الحميد أمره بانتقاء مساحين لتحديد مسار الخط، فقام مهندس تركي يدعى مختار بك بهذه المهمة، واستخدم لتحقيق غايته قافلة من الإبل كانت تنقله من مكان إلى آخر، ويقال إن الفرصة لم تسنح له باستقصاء أي اتجاه آخر سوى المسار والاتجاه الذي سلكته القوافل منذ القدم، وفي عام 1901 عين مهندس ألماني يدعى (مايسنر) منح فيما بعد لقب باشا للإشراف على تنفيذ المشروع وانضوى تحت لوائه 43 مهندساً من جنسيات مختلفة: 17 تركياً 12 ألمانيا 5 إيطاليين 5 فرنسيين نمساويان بلجيكي واحد يوناني واحد، وقام بأعمال المساحة ضباط أتراك.

كانت محطة القنوات بدمشق وكان مهندسها الإيطالي (فرديناندو دا رنكو) نقطة انطلاق الخط الحديدي الحجازي وفيها كان ينتهي الخط الحديدي الآتي من بيروت الذي افتتح في عام 1894م بعرض1050 مم لذلك اختار (مايسنر) عرض الخط الحديدي الحجازي نفسه أيضاً لتمكين الحجاج من السفر مباشرةً من بيروت إلى الأماكن المقدسة في الحجاز.

كان العمل شاقاً ومرهقاً في ظروف جوية قاسية تجاوزت درجة الحرارة الخمسين درجة في بعض الأحيان، ولم يكن هناك مناص من اللجوء إلى الجيش لتوفير اليد العاملة لبناء الخط الحديدي وتركيب الخط البرقي المحاذي له، ولقد بلغ أحياناً عدد الجنود الذين أعارتهم الدولة لبناء الخط (7500 جندي) دفعة واحدة، وكان مايسنر يتولى الإشراف على أعمال المقاولين النمساويين والإيطاليين والعرب فضلاً على إشرافه على الجنود الذين يحضرون من سورية والعراق.

بدأ العمل في الخط في شهر سبتمبر من عام 1900م أي بعد الإعلان عنه بنحو ستة أشهر وذلك في القسمين: دمشق درعا و درعا مزيريب في آنٍ واحد.

استغرقت أعمال الإنشاء لكامل الخط حوالي سبع سنوات إلى عام 1908 حيث تم انجازه إلى المدينة المنورة فقط وكان من المُقرر أن يصل إلى مكة المكرمة وفي المرحلة الثانية عن طريق جدة، ثم إلى عدن في اليمن كمرحلة ثالثة، إلا أن هذه الفكرة تم صرف النظر عنها، وبقيت المواد اللازمة لإنشاء المرحلتين الثانية والثالثة في مستودعات المدينة المنورة حتى عام 1916م واستخدمت فيما بعد لصيانة الخط ولتمديد خط فلسطين مصر الذي أنجزته الحكومة البريطانية.

مراحل الإنجاز

تم إنجاز الخط الحديدي على مراحل متعددة ابتداءً من عام 1900م ولغاية عام 1908م.

الافتتاح

وصل أول قطار إلى المدينة المنورة قادماً من دمشق في الثاني والعشرين من شهر أغسطس سنة 1908 ميلادية في رحلة استغرقت زهاء خمس وخمسين ساعة. وجرى الافتتاح رسمياً في الأول من شهر سبتمبر من العام نفسه المصادف لعيد جلوس السلطان عبد الحميد الثاني. وقد حضر الافتتاح ثلاثون ألف مدعو وممثلون عن الصحف الأجنبية.

تخريب الخط وإصلاحه:

عند نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914م استخدمت الدولة العثمانية هذا الخط في تنقلات جيوشها وعتادها الحربي، مما دعا الثورة العربية ضد الحكم العثماني، والتي شارك فيها الكولونيل لورنس الانجليزي إلى تدمير معظم أقسام الخط، وخاصةً في الأراضي الحجازية.

وقد قامت الحكومات المتعاقبة بعد الحكم العثماني في كل من سورية والأردن بإصلاح الأقسام المخربة في أراضي كل منها (من دمشق وحتى جنوب الأردن). ومازال القسم المتبقي في أراضي المملكة العربية السعودية بحاجة إلى إصلاح وإعادة إنشاء ليتم استخدامه بكامل مساره لخدمة مئات الألوف سنوياً من المسافرين والحجاج والمعتمرين ونقل البضائع، وكواسطة نقل مريحة ورخيصة وأكثر أماناً إضافة لوسائط النقل الأخرى البرية والبحرية والجوية.

---------------------------------------

إذا القومُ قالوا مَن فَتًى ؟ خِلتُ أنّني
عُنِيتُ فلمْ أكسَلْ ولم أتبَلّدِ
أحَلْتُ عَلَيْها بالقَطيعِ فأجذَمتْ،
وقد خبَّ آلُ الأَمْعَز المتَوَقِّدِ
فذلك كما ذالت وليدة مجلس
تُري رَبّها أذيالَ سَحْلٍ مُمَدَّدِ
ولستُ بِحَلاّلِ التِّلاَعِ مخافةً
ولكن متى يستَرْفِد القومُ أرْفد
فان تبغني في حلقة القوم تلقَني
وإن تلتمِسْني في الحوانيت تصطد
متى تأتني أصبحتَ كأساً رويةً
وإنْ كنتَ عنها ذا غِنًى فاغنَ وازْدَد
وانْ يلتقِِ الحيُّ الجميع تُلاقيني
إلى ذِرْوةِ البَيتِ الرّفيع المُصَمَّدِ

طرفة بن العبد

 

 

خالد عمر كيكي

 




 





درب الحاج الشامي أيام العباسيين وبعدهم (من أطلس تاريخ الاسلام)





وصل أول قطار إلى محطة المدينة المنورة قادماً من دمشق في الثاني والعشرين من شهر أغسطس سنة 1908 ميلادية في رحلة استغرقت زهاء خمس وخمسين ساعة . وجرى الافتتاح رسمياً في الأول من شهر سبتمبر من العام نفسه المصادف لعيد جلوس السلطان عبد الحميد الثاني





محطة القنوات بدمشق - وكان مهندسها الايطالي (فرديناندو دارنكو) - نقطة انطلاق الخط الحديدي الحجازي وفيها كان ينتهي الخط الحديدي الآتي من بيروت الذي افتتح في عام 1894م