مساحة ود

 مساحة ود

من ميكي وسمير إلى الشمس الملتهبة!

عندما كنت صغيرا، كانت مجلتا ميكي وسمير تمثلان جانبا مهما وأساسيا من عالمي. وفي فترة من الفترات كنت أعتقد أن مجلة سمير يكتبها ويرسمها كل أسبوع شخص اسمه سمير، ومجلة ميكي يكتبها ويرسمها شخص اسمه ميكي. وهذا الشخص الذي يصنع المجلة لابد وأن يكون شخصا ضخم الجثة جدا وحكيما ويعيش في كوخ في مكان منعزل لا يعرف أحد عنه شيئا. ثم فكرت أنه لا يمكن أن يكون هناك شخص اسمه ميكي له أذنان كبيرتان وذيل أسود رفيع. ميكي شخصية خيالية غير موجودة، سمير يمكن أن يكون موجودا أما ميكي فلا. بل سمير أيضا غير موجود بدليل هذا العدد الكبير من الأسماء المكتوبة في ترويسة العدد، بالإضافة إلى ذلك فكل قصة مكتوب أسفل عنوانها كتبها فلان ورسمها علان. إذن هناك أشخاص عاديون مثلنا متورطون في مسألة صنع مجلتين كسمير وميكي.

صحيح أنني لم أكن أحب سمير كميكي، فميكي عندي أفضل بكثير، لكنني كنت أشتريها برغم ذلك، لكن لسبب مختلف. فقد كنت أضع مجلات سمير وميكي في كومتين في رف واحد من المكتبة، وكانت كومة ميكي ترتفع باستمرار بينما كومة سمير أقل منها، فكنت أتوقف قليلا عن شراء ميكي وأستمر في شراء سمير حتى تتساوى الكومتان فيكون شكل المكتبة متجانسا، أي أنني كنت أشتري سمير لأسباب جمالية بحتة!

فتنتني فكرة صنع القصص فأردت دائما أن أشارك فيها. ومن كثرة قراءة القصص صار لدي حسّ نقدي تجاهها: هذه لو صارت كذا لكان أفضل، ولم يكن يجب على البطل أن يفعل هذا، وهذه الشخصية مزعجة وغير ضرورية في القصة. لو هرب الشرير لكان منطقيا أكثر، وكيف عرف البوليس بما يحدث ليصل الآن ويقبض على الجميع؟

في إحدى مجلات الأطفال الأخرى رأيت مسابقة لكتابة قصة من الخيال العلمي، وفي الحال أخذت قلما وورقة وأخذت أكتب. كان مفهوم الخيال العلمي في ذهني هو السفر إلى الكواكب، ولأنني لن أكتب قصة تقليدية طبعا فقد اخترت أن يسافر البطل إلى مكان آخر لم يذهب إليه أحد من أبطال الخيال العلمي من قبل، فأرسلت البطل إلى الشمس! قدمت وصفا لسكان الشمس ومدنهم وحيواناتهم وأعدت البطل إلى الأرض بعد أن قطع عهدا على نفسه بألا يخبر أحدا بما رأى كعادة كل القصص المماثلة. بعد أن انتهيت أعدت كتابة القصة بخط أفضل ووضعتها في ظرف وألصقت الطابع وأرسلتها.

نشرت القصة في المجلة، وبجوارها رسم لما تخيلته: صاروخ يصعد إلى الشمس الملتهبة، وهنا تأكّد لي بما لا يدع مجالا للشك أن القصص التي تنشر في المجلات يكتبها أناس مثلنا، والأدهى أن هناك أشخاصا يحوّلون ما تخيله الكتاب إلى رسوم ملونة رائعة.

كان عمري وقت نشر القصة اثني عشر عاما، ومن يومها ذهبت في السكة التي يذهب فيها الإنسان ولا يعود، سكة حب الكتابة وحب الكتب.

 

 

ميشيل حنا