سينما الأوسكار: التاريخ المجهول لأشهر جائزة سينمائية

سينما الأوسكار: التاريخ المجهول لأشهر جائزة سينمائية

إنه يلمع, يا له من تمثال ذهبي اللون. ليس كباقي التماثيل, لأن كل العاملين في حقل السينما يحلمون به, إنه تمثال جائزة الأوسكار.

الفوز بهذه الجائزة ـ الأوسكار ـ يتيح للحاصل عليها أن يحمل هذا التمثال الأنيق, ليرفعه عاليا, يلوح به, يضمه إلى صدره, وأن يلقي كلمة ـ إن أراد ذلك ـ أمام المشاهدين الذين يواصلون التصفيق الحاد للفائز, سواء كان واحدا من الذين يمارسون فنهم أمام آلات التصوير السينمائي أو الذين يبدعون خلفها.

سيصاب عشاق السينما بالدهشة عندما يعلمون أن جوائز (الأوسكار) لم تكن تعرف بهذا الاسم عند البدء في تقديمها بل كانت تسمى (جوائز المجمع التقديرية).

وفي ذلك إشارة واضحة إلى الجهة التي تمنحها وهي (مجمع الفنون والعلوم السينمائية) وتقديم هذه الجوائز يأتي بين العديد من الأنشطة التي يمارسها المجمع منذ إنشائه وظهوره للوجود في العقد الثالث من القرن العشرين.

ترجع فكرة إنشاء هذا المجمع إلى الوقت الذي أصبحت فيه صناعة الفيلم السينمائي رابع أضخم صناعة في الولايات المتحدة الأمريكية, وأصبحت هوليوود عاصمة السينما في العالم.

فعلى مأدبة عشاء في منزل المنتج السينمائي لويس ماير جرت مناقشة حول مسألة العمل على رفع شأن صناعة الفيلم السينمائي بتكوين منظمة. وبالتحديد ولدت فكرة إنشاء (مجمع الفنون والعلوم السينمائية) في شهر يناير سنة ألف وتسعمائة وسبع وعشرين ميلادية.

تجمع في فندق (السفير) في الحادي عشر من نفس الشهر ستة وثلاثون شخصا من أهم المشتغلين في حقل السينما, وصدقوا على ذلك الاقتراح بحماس.

ثم أقيم احتفال في الحادي عشر من مايو سنة 1927 حضره ثلاثمائة شخـص, انضم منهم مائتان وواحد وثلاثون شخـصا إلى عضـوية المجمع في تلك الليلة التي كانت في (فندق بلتيمور).

وأعلن المجمع في بيان عن أهدافه في العشرين من يونيو سنة 1927, ومما تضمنه هذا البيان أن (المجمع سيعمل على تقوية أواصر التآلف والتعاون بين أعضاء فروعه المختلفة), كما أنه (سيعمل على تسوية الخلافات الداخلية التي قد تحدث), وكذلك (سيشجع التطويرات والتحسينات الخاصة بفنون وعلوم المهنة عن طريق تبادل الأفكار البناءة وعن طريق الجوائز التقديرية للإنجازات القيمة).

وقد اشتمل المجمع في باديء الأمر على خمسة فروع هي: المنتجون والممثلون والمخرجون, والكتاب, والفنيون. وتم تمثيل هذه الفروع في مجلس إدارة المجمع.

لجنة الجوائز

كانت لجنة الجوائز التقديرية واحدة من اللجان التي شكلت عند تأسيس المجمع, وقد قامت هذه اللجنة بتقديم اقتراح الجوائز رسميا إلى مجلس إدارة المجمع الذي وافق عليها في يوليو 1928, وتقرر أن تمنح الجوائز للأفلام السينمائية من بين الأفلام التي عرضت في دور العرض التجارية بمنطقة (لوس أنجلوس) في الفترة التي تقع ما بين اليوم الأول من أغسطس 1927 حتى اليوم الأخير من شهر يوليو 1928. ومنطقة لوس أنجلوس هذه تضم هوليوود, وكلاهما تقع داخل ولاية كاليفورنيا. وتم إرسال أسماء هذه الأفلام إلى أعضاء المجمع كي يقوموا بترشيح ما يرون أنه أفضل الأفلام, وحدد يوم الخامس عشر من أغسطس 1928 موعدا نهائيا لاستلام الترشيحات.

ثم تم تعيين خمس لجان من المجمع تمثل فروع المجمع الخمسة لاختيار المرشحين العشرة الأوائل, ثم قامت لجنة مركزية شكلت من خمسة أعضاء يمثل كل منهم فرعا من فروع المجمع باختيار الذين سينالون هذه الجوائز. ويتم اختيار الفائزين في المرة الأولى التي يمنح فيها) مجمع الفنون والعلوم السينمائية) جوائزه التقديرية في الخامس عشر من فبراير 1929, وأعلنت النتائج للصحافة بعد ذلك ببضعة أيام تمهيدا لتوزيع الجوائز على الفائزين يداً بيد.

أول مرة

كان (فندق هوليوود روزفلت) هو المكان الذي تم فيه احتفال توزيع جوائز المجمع التقديرية في عامها الأول, وكان ذلك في السادس عشر من مايو سنة 1929. ويحصد فيلم (أجنحة) جائزة أفضل فيلم وهو واحد من خمسة أفلام رشحت لنيل هذه الجائزة.

أما جائزة الإخراج فقد ظفر بها المخرج فرانك بورزاج عن فيلم عنوانه (السماء السابعة) وكان معه في الترشيحات المخرج هيربيرت برينون عن فيلمه (فرس وولد), والمخرج كينج فيدور عن فيلمه (الازدحام).

ويفوز كذلك المخرج لويس ميلستون بجائزة أفضل إخراج فيلم كوميدي عن فيلمه (ليلتان عربيتان) وقد كان مرشحا مع هذا المخرج اثنان من المخرجين, هما شارلي شابلن عن فيلمه (السيرك), وتيد وايلد عن فيلمه (متسرع).

ويتم ترشيح ثلاثة ممثلين لجائزة أفضل ممثل, ويحصل عليها (إيميل جاننجز) وتحصل جانت جانيور على جائزة أفضل ممثلة عن أفلامها الثلاثة التي قامت ببطولتها, (السماء السابعة), (ملاك الشارع), (شروق الشمس).

أما التصوير فيفوز بجائزته المصوران شارلز روشر وكارل سترس اللذان اشتركا معا في تصوير فيلم (شروق الشمس), وأيضا يتم ترشيح الأول بمفرده عن فيلميه (العاصفة) و(فتاتي المفضلة), والمصور الثاني ـ بمفرده أيضا ـ عن فيلمه (طبول الحب).

ويشتمل مجال كتابة نصوص الأفلام السينمائية على ثلاث جوائز. الجائزة الأولى جائزة كتابه أفضل نص مقتبس عن نص أدبي, ويتم ترشيح ثلاثة أفلام فاز منها (بـ السماء السابعة) لمؤلفه بنجامين جلازر.

والثانية جائزة كتابة أفضل نص أصلي ـ أي غير مقتبس عن نص أدبي ـ ويفوز بها فيلم (الجحيم) لمؤلفه بن هشت متفوقا على الكاتبين الآخرين اللذين قاما بكتابة فيلمين تم ترشيحهما معه في نفس هذا الفرع.

وقد تأخذنا الدهشة عندما نعلم أن ثالثة جوائز الكتابة ـ لذلك العام فقط ـ هي كتابة أسماء الأفلام. يبدو أن الأمر اختلط بين المعنى الحرفي للفظة (الكتابة) ومعناها المجازي ـ أي التأليف ـ وتحتم علينا الأمانة التاريخية أن نذكر أن الأفلام الخمسة التي تم ترشيحها فاز منها ثلاثة وهي التي قام بكتابتها مصمم الخطوط جوزيف فارنهام.

وتتنافس ثلاثة أفلام على جائزة (درجة جودة الإنتاج الفنية) وهي الجائزة المخصصة لـ (شركة الإنتاج أو المنتج الذي أنتج الفيلم صاحبأرفع مستوى فني) ويحصل فيلم (شروق الشمس) على هذه الجائزة.

وينطبق الأمر نفسه على جائزة المؤثرات الهندسية حيث تتنافس ثلاثة أفلام مرشحة للفوز بالجائزة التي تقدم للشخص الذي يحرز تفوقا في عمل مؤثرات, أيا كانت طبيعة الحصول عليها, سواء كان ذلك بوسائل هندسية أو ميكانيكية) ويحصل عليها روي بوميروي عن فيلم (أجنحة).

وتتنافس أفلام (اليمامة), (العاصفة), (السماء السابعة), (شروق الشمس) للفوز بجائزة (تصميم المناظر) ويفوز بها وليام كاميرون عن تصميمه مناظر فيلمين هما (اليمامة) و(العاصفة).

وتذهب جائزتا المجمع الخاصتان إلى كل من شركة (إخوان وارنر) لإنتاجها فيلم مغني الجاز لأنه (يعد تقدما في صناعة الفيلم السينمائي) وإلى شارلي شابلن لـ (مواهبه المتعددة, ونبوغه في كتابة وتمثيل وإخراج فيلم (السيرك).

لماذا (أوسكار)?

ولم تمر سنوات النصف الأول من عقد الثلاثينيات إلا وبدأ اسم آخر أطلق على جوائز المجمع التقديرية في الذيوع والانتشار وهو (أوسكار). ومما يروى أن أول أمينة لمكتبة المجمع هي السبب وراء هذه التسمية لأنها قالت ذات يوم أن هذا التمثال يذكرها بعمها (أوسكار), أما الرواية الثانية فتذكر أن أحد الصحافيين هو الذي أطلق اسم (أوسكار) على التمثال حين سئم من استخدام كلمة تمثال في مقالاته.

جوائز جديدة!

ولا يستمر الحال على مجالات الجوائز كما جاءت في أول عام لتقديمها, بل أضيفت جوائز في مجالات جديدة على مدار الأعوام التالية. وذلك تبعا للمتغيرات والتطورات التي طرأت على طبيعة عمليات تنفيذ وإعداد الفيلم.

على سبيل المثال يتم في العام الثالث استحداث جائزة أفضل صوت ويفوز بها فيلم (المنزل الكبير). وبداية من العام الخامس تستحدث جائزة الفيلم القصير, وتم تقديمها في ثلاثة فروع. أفضل فيلم كارتوني, وأفضل فيلم كوميدي, وأفضل فيلم روائي.

بينما يتم تقديم جائزة أفضل مساعدي المخرجين بداية من العام السادس ويحصل عليها في أول مرة لتقديمها سبعة من مساعدي المخرجين الذين يعملون في الشركات السبع الرئيسية في هوليوود وهي بارامونت, إخوان وارنر, فوكس, الفنانون المتحدون, متروجولدن ماير, يونيفرسال, راديو R.K.O..

وتأتي جائزة إخراج الاستعراضات لتصبح هي الجائزة المستحدثة في العام الثامن, فقد كانت الثلاثينيات هي العصر الذهبي للأفلام الموسيقية. وهذه الجائزة ظهرت كي تقدم للفنانين الذين (يقومون بتصميم الاستعراضات المبتكرة التي تستحق أن لا تنسى). وتستحدث في العام التالي مباشرة جائزتين هما جائزة أفضل ممثل في دور مساعد, وأفضل ممثلة في دور مساعد. في حين يتم إعطاء جائزة أفضل (مؤثرات خاصة) لأول مرة في العام الثاني عشر لفيلم (هطلت الأمطار), أي قبل ظهور جائزة الفيلم التوثيقي بعامين.

جوائز قصيرة العمر

من الجدير أن نشير إلى أمور معينة تلفت الانتباه في تاريخ جائزة (الأوسكار) ومنها عدم الاستمرار في تقديم بعض الجوائز, إذ تم إلغاء مجالات الترشيح لها. ومن هذه الجوائز التي تقرر إلغاؤها جائزة (المؤثرات الهندسية) ويحدث ذلك بعد أن قدمت مرة واحدة هي نفسها ـ كما أسلفنا ـ في المرة الأولى التي قدمت فيها جوائز (الأوسكار).

وأيضا تم إلغاء جائزة (درجة جودة الإنتاج الفنية) في العام الثاني, لأنه كانت توجد صعوبة شديدة في إدراك الفرق بين جائزة (درجة جودة الإنتاج الفنية) وجائزة (أفضل فيلم).في حين يأتي إلغاء جائزة مساعدي المخرجين بعد أن تم تقديمها خمس مرات متتالية متفوقة بذلك على عدد مرات تقديم جائزة إخراج الاستعراضات وهي ثلاث مرات فقط.

تعديلات

ثاني الأمور اللافتة للانتباه هي إجراء تعديلات على المجالات المخصصة لبعض الجوائز, فبعد تخصيص ثلاثة فروع في جائزة الفيلم القصير يتم تعديلها إلى أربعة فروع هي: الفيلم الكارتوني والفيلم الملون والفيلم ذو البكرة والفيلم ذو البكرتين. وقد حدث هذا التعديل ابتداء من العام التاسع. والبكرة هي تلك التي يلف عليها الشريط السينمائي تمهيدا لعرضه. وتطلق لفظة (البكرة) أيضا على مقدار الشريط السينمائي الملفوف, ومقدار الشريط يعني طوله وكلما زاد طوله زادت مدة عرضه على الشاشة.

وقد حدث أيضا أن تم تعديل جائزة أفضل تصوير. فأصبحت هناك جائزتان للتصوير, واحدة لأفضل تصوير فيلم ملون والثانية لأفضل تصوير فيلم أبيض وأسود, وقد ظفر فيلم (ذهب مع الريح) بجائزة أفضل تصوير فيلم ملون في المرة الأولى بعد هذا التعديل الذي جاء في العام الثاني عشر.

وعدلت كذلك جائزة أفضل تصميم مناظر من جائزة واحدة إلى جائزتين.

أحدهما أفضل تصميم مناظر فيـلم ملون والأخرى أفـضل تصميم مناظر فيلم أبيض وأسود, ويأتي هذا التعـديل في العام الثالث عشر من عمر جائزة الأوسكار.

وعلى الرغم من أن الفائزين لا يحصلون على أي نقود فورية ـ ولا حتى معبأة في (شيك) ـ إلا أن جائزة الأوسكار ذلك التمثال الذهبي الأنيق, كانت ومازالت وستظل هي الحلم الجميل والحلم الكبير والجائزة المشتهاة دائماً.

 

عاطف الصبروتي

 
 




المنتج السينمائي لويس ماير مصافحا أحد الأشخاص





لأفلام الرسوم المتحركة فرع من الجوائز





شارلي شابلن أثناء تصوير أحد أفلامه





الفرحة بادية على الوجوه





صورة للذكرى بجوار أشهر جائزة سينمائية





الفنانة جوليا روبرتس





وجوه سينمائية وعروض تتطلع للفوز