عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

الخطرُ القادمُ .. والخطرُ المقيمُ!

أيُّ الأخطار أشدُّ فتكًا بالبشرية؟ سؤالٌ حاول العلماءُ والمؤرخون أن يجدوا إجابة عنه طوال عمر كوكب الأرض وأبنائه. لكن الخطرَ يزدادُ، والإجابات تتعسرُ. دراسات واستطلاعات وآراء كتاب «العربي»؛ الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والبيئية، تبحث في أخطار متعددة بأقطار شتى.

هذا العدد يدق رئيس التحرير في حديثه الشهري ناقوس خطر يتمثل في وساطات إقليمية لحل منازعات عربية! ألا يعكس ذلك خطرًا يشي ـ بل ويؤكد ـ غياب القوى العربية المؤثرة عن ساحتنا لمصلحة الأطراف الأجنبية؟ إن المعنى الضمني لهذه الظاهرة اللافتة يعد دليلا على تلاشي الهوية العربية بعد أن فقدت عناصر وأسباب وجودها، وفقدان مؤسسات العمل العربي المشترك مصداقيتها!

جنبًا إلى ذلك، هناك أخطار تتهدد ثقافتنا، يثيرها مقال المفكر المصري السيد يسين، ومخاطر تحيق بلغتنا يحذر منها حديث المفكر الجزائري عبدالملك مرتاض، وسياسات خطرة تريد أن تهيمن علينا كما ينبه مقال المفكر المغربي كمال عبد اللطيف عن الفرنكفونية.

وخيار التنمية في القارة السمراء تواجهه كوارث عدة، فليست الموارد الناضبة وحدها هي المأزق، بل السياسات التي تحكم هذه الموارد، والبنى التحتية التي تجعل مصادر الدخل من استثمار يرحل وسياحة تهرب ومواطن يهاجر.

أما الخطرُ الذي يحدث في الصين المسلمة فيأتي ـ كذلك ـ من افتقار منطقة شينج يانغ إلى بنى تحتية، وإلى مشاريع ثقافية، وإلى ترميم لمساجدها ومدارسها وآثارها الإسلامية، وعوزها لشراكة اقتصادية جادة، فهذه الأمور وحدها هي التي تؤازر مسلمي الأويغور، مجتمعيا ودينيا وثقافيا، ولمواجهة خطر الانفصال والحرب يدعو كاتب المقال إلى تأسيس مدارس للغة العربية، وطبع بعض من تراث الأويغور الثقافي والفكري، وإنشاء مساجد في منطقتهم مترامية الأطراف، لأنها بستان متفجر بالحياة من كل لون، ينتظر من يغرس أشجار التوت ليجني خيوط الحرير.

في زاوية الإنسان والبيئة يعرض الكاتب لخطر داهم يتهدد الدلتا، في أنهار نيل مصر، وبو إيطاليا، ويانجتسي الصين، وكريشنا الهند، وكلورادو المكسيك، ورون فرنسا، وساو فرانسيسكو البرازيل. الجميعُ يدرك الخطر، وقد انتقلت المخاوف من العلماء إلى العامة كما يتحرك الماء ليغمر يابسة العقول المتيبسة بعدم مواجهة ذلك الخطر.

مواجهة الخطر ضرورة، فلا نريدُ لكل شيءٍ أن يصبحَ تاريخًا، كما هي أطلال طروادة في تركيا اليوم، التي تكتشفها رحلة «العربي» المصورة إلى أرض واقع تلك الأسطورة، ولا أن يتحول منجزنا إلى ماض، كما هو الحال في الدراسة التي تناولت تاريخ الإسلام في البرتغال. بل نريد أن ندرأ ــ معًا ــ الأخطار، وأن نجتمع على الفكرة ــ الحلم التي تتحول إلى واقع. وإذ تنبِّهُ «العربي» ــ في معظم صفحات هذا العدد ـ لأخطار قادمةٍ، فإن هناك خطرًا مقيمًا؛ لأننا حين نعود للبحث عن أشدِّ الأخطار فتكًا بالبشرية، فسيكون البشر وحدهم! فهم الأشد خطرًا حين يتركون مهمة إعمار الحياة، التي خُلِقوا لها، إلى قصْدِ تدمير تلك الحياة، وهو مَرَضٌ ألمَّ بهم يصعبُ شفاؤه، أو يكاد.

 

 

 

المحرر