متـنفس الكويت الأول بين أيد أمينة: (فريق الغوص)... تجربة مهمة في إنقاذ البيئة

متـنفس الكويت الأول بين أيد أمينة: (فريق الغوص)... تجربة مهمة في إنقاذ البيئة

في الوقت الذي كان اهتمام العالم يتركز على البيئة, وتتجه الجهود لأجل إنقاذها, كانت بيئة الكويت تشهد تدميراً غير مسبوق في فداحته.

إن ما قام به النظام العراقي من تدمير متعمّد للبيئة البرية والبحرية في الكويت خلال غزوه لها عام 1990, حدث غير مسبوق في تاريخ البشرية, ففي الوقت الذي نتج عنه تزايد في أعداد المصابين بالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي, استهدف هذا العدوان القضاء على الكويت حاضراً ومستقبلاً عن طريق إحداث دمار شامل في بيئتها. من هنا كان اهتمام الكويت بهذا المجال, ففي مارس 1974, تأسست الجمعية الكويتية لحماية البيئة التي يتشكل مجلس إدارتها من سبعة أعضاء ينتخبون لمدة سنتين, وتحصل على مواردها من الدعم الذي تتلقاه من وزارة الشئون الاجتماعية والعمل, ومن رسوم القيد والاشتراك السنوي والإعانات الحكومية والتبرعات, أما الهدف من إنشائها, فهو العمل على حماية البيئة ومكافحة أسباب التلوث في جميع المجالات, واتخاذ كل الإجراءات الوقائية والعلاجية والعمل على إيجاد تفكير بيئي علمي وإعداد التشريعات الهادفة للقضاء على التلوث البيئي بالاهتمام بالنواحي التربوية والإعلامية والاجتماعية والثقافية المتعلقة بالبيئة وحمايتها والسعي لتحقيق المساهمة الفاعلة في توعية المواطن ورفع مستواه العلمي والثقافي في الأمور المتعلقة بالبيئة.

بعد ما حدث للكويت من اعتداء سافر وبث للغازات السامة والخطرة وبكميات تنذر بكارثة بيئية من خلال تفاعل النفايات كيميائياً, وما حدث من إغراق السفن في مياه الخليج, وتدمير للبنية التحتية, إضافة إلى إحراق 789 بئراً نفطية, وتلويث مياه الخليج بتسريب من ستة إلى ثمانية ملايين برميل نفط إليها سواء عن طريق السفن الموجودة في موانئ الكويت والعراق, أو ما تسرب من ميناء الأحمدي, أجريت دراسات لقياس نسبة التلوث بالكويت في منتصف التسعينيات, بينت أن نسبة تركيز الملوثات فيها هي أقل من مثيلاتها في طوكيو ولندن مثلاً, ومع هذا فإن هذه النسبة لا تبشر بالخير حيث إن هذه الدراسات أيضاً أثبتت في الوقت نفسه أن الجسيمات الصغيرة ذات القياس أقل من 10 ملم مثل ثاني أكسيد الكربون ترتفع عن معدلاتها الطبيعية ما يعد مشكلة بيئية في الكويت.

ولا يخفى على أحد أن صحة الإنسان وسعادته مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنظافة البيئة التي يعيش فيها, فقد أصبح الحفاظ على البيئة والاهتمام من أولويات العمل في الدول المتحضّرة, فتقدم الشعوب والمجتمعات يقاس بمدى التزامها بالقيم الحضارية المختلفة من تطبيق للقوانين مثلاً, والاهتمام بالتعليم ووضع اقتصادي مستقر وأخلاق إنسانية سامية بين الأفراد. ومن ضمن الأخلاق الإنسانية الالتزام بالمحافظة على نقاء البيئة التي نعيش فيها, واستمرار نظافتها وخلوّها من كل ما يعكّر صفو العيش بها. وهكذا, فقد قامت الكثير من الدول المتقدمة, وبإنشاء مؤسسات بيئية وسن الكثير من القوانين, والتي تلزم مجتمعاتها من خلال الاهتمام بالبيئة وعدم تلوثها والتسبب في دمارها.

فريق الغوص

بتجمع بسيط للغواصين الهواة في سنة 1983, كانت البذرة الأولى لفكرة إنشاء فريق للغوص يعتمد على الأجهزة الحديثة قليلة العدد آنذاك, وبعزم من الشباب الكويتي حملة الشهادات التخصصية في علوم ومجالات الغوص المختلفة, وقد وظف هؤلاء عملهم وهوايتهم للقيام بمشاريع تطوعية جادّة تخدم البيئة البحرية, وتؤكد على أهمية الرسالة التطوعية, واعتماد العنصر الكويتي في إعداد كوادر وطنية متخصصة في العمليات والمشاريع البحرية وتوثيق كل الأعمال والإنجازات ونشرها محلياً وعالمياً.

نظراً لحجم الدمار الذي عانت وتعاني منه البيئة البحرية الكويتية التي مازالت تئن تحت وطأة الدمار الذي لحق بها جراء الغزو العراقي الغاشم والاستنزاف الجائر الذي يمارسه مرتادو البحر, فكان لابد من ظهور بوادر للعمل التطوعي من قبل أفراد حملوا على عاتقهم حمايتها من كل الشوائب التي تعكّر صفو جمالها.

ولإكمال المسيرة البيئية التي قامت في 1974 قام الفريق والذي بلغ أعضاؤه أكثر من 130 عضواً من مختلف الأعمار والتخصصات بالعمل يداً واحدة من أجل بيئة الكويت, والتي كان من أبرزها انتشال السفن والقوارب الغارقة التي تعد قنابل موقوتة لدمار البيئة بما تحتويه من ملوّثات ووقود وغيره, إضافة إلى انتشال - وحتى الآن - أكثر من 218 يختاً وسفينة وقاربا متعددة الأحجام والأوزان.

مشروع رفع الشباك

تعتبر نقعة (الصقر) أحد أهم المرافئ التاريخية في الكويت, فمنها انطلق الآباء والأجداد لخوض البحار والمحيطات طلباً للرزق, ويقع هذا المرفأ على مساحة 6000 متر مربع, ويستوعب أكثر من 50 سفينة خشبية , وقد تعرض هذا المرفأ للكثير من الأذى, فكان واجباً على فريق الغوص أن يحافظ عليه وعلى غيره من المرافئ سواء من النواحي التاريخية أو البيئية, لذا عزم الفريق بالتعاون مع اللجنة الكويتية للعمل التطوعي على إنجاز مراحل عدة لوضع حد لهذه التجاوزات والقيام بخطوات عملية لإرجاع الموقع التاريخي لطبيعته وحماية الكائنات البحرية من هذا التلوث.

فقد قام الفريق بانتشال كل القطع البحرية الغارقة, ورفع كل المخلفات والانقاض والبراميل, وأكثر من 25 طناً من الشباك الجاثمة في القاع باستخدام الرافعات التي نصبت بجانب الرصيف بعدما بذل الغواصون جهوداً كبيرة في ربطها. إضافة إلى رفع خمسة قوارب خارج المرافئ. وتم وضع آلية عمل مشتركة لتطوير خدمات المرفئ بما يحافظ على النظافة العامة مع تشديد الرقابة على المخالفين ومحاسبتهم وعمل مركز فني دائم ليصبح المرفأ واجهة حضارية على شارع الخليج العربي الذي يقع مقابل مبنى مجلس الأمة الكويتي.

وتقول الشيخة أمثال الأحمد الصباح - رئيسة اللجنة الكويتية للعمل التطوعي المساندة والملازمة دائماً لأعمال فريق الغوص: (قمنا بعمل فتحة من المرافئ على البحر لدخول الماء فيها حتى تصبح عملية تجديد الماء في المرافئ أسهل مما كانت عليه), وتضيف: (هذا المعلم الأثري مرفأ أجدادي لن أتركه أبداً حتى يتم تنظيفه نهائياً, وهذه ليست المرة الأولى التي نقوم بتنظيفها ولكننا نسعى دائماً إلى الاستمرار في الأعمال التطوعية التي تساهم في حماية وبناء الوطن دون كلل أو ملل, ورغم معوقات العمل المتمثلة بالقاع الطيني لموقع المشروع وتداخل المخلفات بالصخور وقصر فترة العمل لقصر مدة انحسار ماء البحر في المرافئ, وصعوبة نقل المخلفات من مواقعها إلى سيارات النقل).

وقد قام الفريق برفع الشباك والأنقاض في خور المفتح وهو أحد الممرات المائية في جنوب الكويت. إضافة إلى قيامه بحملات عدة مثل حملة تأهيل شاطئ (عشيرج) وتمكنت مجاميع العمل من رفع 20 طناً من الشباك العالقة على الصخور, وعلى مساحة كيلو متر مربع أثناء فترة انحسار مياه البحر باستخدام الجرّافات التابعة لبلدية الكويت نظراً لضخامة الشباك العالقة.

الحيتان الروسية

وكان لفريق الغوص الكويتي تجربة مهمة في إنقاذ الحيتان الروسية تلك التي تعيش في مناطق المياه المتجمّدة في القارة القطبية, وتلد كل ثلاث سنوات وتتميز بطبقة شحمية يصل سمكها إلى ثلاث بوصات وهي من الكائنات البحرية بطيئة الحركة, ويعتبر الإنسان العدو الأول والأساسي لهذه المخلوقات حيث إن هناك شعوبا تتغذى على لحومها وشحومها, كما تتميز بأن لها قدرة على تحديد طعامها. وقد جلبت هذه الكائنات لتقديم عروض فنية للجمهور, وقد بدا عليها الضعف بسبب تلوث مياه الحوض الذي أثر بشكل مباشر على جلدها ما أضعف نشاطها وحركتها وعرّضها للخطر. وقد نجح هذا الفريق التطوعي الكويتي في إنقاذ مجموعة الحيتان في مجمع أحواض السباحة التابع لشركة المشروعات السياحية, حيث وضعت خطة محكمة لتوصيل مياه البحر المالحة والنقية تقدر كميتها بـ25 ألف غالون كل يومين لتتمكن الحيتان من العيش دون أضرار, إضافة إلى حفر بئر بعمق أربعة أمتار محاذية للساحل بمسافة بين البئر والحوض تقدر بنحو ثلاثمائة متر ووضع أربع مضخات ومضختين مغمورتين لسحب المياه والعمل على ضمان وصولها نقية وسليمة للحوض, وكان للفريق تجارب عدة في إنقاذ السلاحف البحرية من أخطار تهدد حياتها, فالجميع حريص على القيام بالأعمال التي تعكس الحرص على حماية الكائنات البحرية ومساعدتها على العيش ورفع الضررعنها وإنقاذها.

جون الكويت

وكان للمنطقة الشمالية الغربية لبحر الكويت التي تعرف بجون الكويت موقعها على خارطة اهتمامات الفريق, فهذه المنطقة تعد من أهم المناطق خليجياً لغناها البحري بالكائنات البحرية باعتبارها موطئاً لتكاثرها وتحتوي المنطقة على مساحات عدة شاسعة من الأراضي التي تنحسر عنها المياه في حال الجزر لتولد جزرا عدة مما يستقطب أنواعاً كثيرة من الطيور النادرة.

ونظراً لأهمية هذه البقعة والحفاظ عليها من التلوث, قام فريق الغوص برحلة بحرية جوية بالتعاون مع سلاح الطيران الكويتي وتلفزيون الكويت بطائرة الهليوكبتر بهدف تصوير الموقع جوياً وتقييم الأضرار البيئية هناك والمساهمة في معالجتها, حيث تبين من التصوير الجوي مدى الضرر الكبير الذي لحق ببعض المواقع جراء سكب مياه المجاري غير المعالجة, إضافة إلى المحميات الشمالية مثل محمية الجهراء التي تعاني أضراراً جسيمة تهدد وجودها وتنذر بخطر كبير سيقع على الطيور والكائنات التي تحتمي فيها. وقد حرص الفريق على الاهتمام بالموضوع وتنظيف الموقع من أكبر كمية ممكنة من الملوثات والأخطار المهددة لكائناتنا البحرية.

إنقاذ الشعاب المرجانية

وتشهد بيئة الكويت البحرية تنوّعاً كبيراً للمرجان يؤمن بيئات ملائمة لنمو الكثير من الاحياء كالديدان المروحية وذوات المصراعين الثاقبة والسلج وأنواع كثيرة من القشريات تكيفت للعيش بين الصخور المرجانية وبشكل خاص الروبيان الرملي الذي يمكن سماع صوت اذرعة بشكل واضح تحت الماء.

وتحتل الاسماك مكانة مهمة في تنوع الاحياء ضمن مجتمع الشعاب المرجانية فبعضها يقوم برعايتها والدفاع عنها وآخر يتغذى على الطحالب الرخوة كسمك الجراح بينما يتغذى سمك الفراش على الزوائد اللحمية للمرجان أو على العوالق. ومنها ما يختبئ في الشقوق والفجوات الموجودة في الصخور المرجانية. علاوة على أهمية الشعاب للكائنات الفطرية البحرية فإن البعض يعتبرها من أكثر الانظمة البيئية البحرية انتاجية لأنها تعتبر مأوى وملاذا لأعداد هائلة من مختلف شعب الحيوانات والنباتات البحرية التي تعتبر مصدرا غذائيا مهما للانسان.

وبناء على أهمية الشعاب المرجانية فقد أنشأ فريق الغوص غرفة عمليات دائمة لعمليات رفع الشباك عن الشعاب المرجانية, واتخاذ الكائنات البحرية العالقة فيها أطلق عليها Reef Rescue, كما أعد بحثاً علمياً يقدم عرضاً لمشكلة حقيقية واقعة على الشعاب المرجانية في الكويت تلمسها متطوعو الفريق ورغبوا في مساعدة الأجهزة الحكومية المعنية من خلال خبراتهم وإمكاناتهم لترسيخ المبدأ النبيل في ضرب نموذج راق للعمل التطوعي ولتأمين الشعاب المرجانية وعدم تعرّضها لما يؤذيها, وقام مجموعة من الفريق بتوثيق هذه العمليات بالتصوير التلفزيوني والفوتوغرافي من أجل نقل المشكلة لمرتادي البحر وضرورة نشر التوعية اللازمة بالآثار السلبية الناتجة عن وجود هذه الشباك. فقد قام فريق الغوص برفع أكثر من 32 طناً من المخلفات والأنقاض الضارة بالبيئة البحرية عن جزيرتي قاروة وأم المرادم.

يقول وليد الفاضل رئيس فريق الغوص الكويتي: (إن الفريق بدأ بتقطيع الأنابيب المعدنية الكبيرة إلى قطع صغيرة تم رفعها بعد ذلك إلى السطح بواسطة حقائب هوائية, ثم جمعت وأخرجت من الماء. وقد استمرت عملية إزالة الأنقاض مدة ثلاثة أيام بلغت ساعات العمل 16 ساعة غوصا يومياً. كما قام في السابق برفع شباك الصيد عن الشعاب المرجانية في منطقتي (رأس الزور) و (ميناء عبدالله) جنوب الكويت, حيث إن تلك المخلفات الجاثمة على الشعاب المرجانية تفرز المواد السامّة التي تقتل تلك الكائنات, كما أن الأنابيب الاسبستية تسبب سرطان الرئة والجهاز التنفسي والالتهاب الرئوي).

وبعد القيام بمسح شامل للمناطق للتأكد من خلوّها ضمن مشروع رفع الشباك العالقة بالشعاب المرجانية وحماية الكائنات الحية وضمن أكبر وأول محاولة لإعادة زراعة المرجان على مستوى الشرق الأوسط والوطن العربي, قام الفريق بمشروع بناء المستعمرات الاصطناعية للشعاب المرجانية والأسماك في جزيرة أم المرادم وكبّر وجزيرة قاروه, وهو مشروع يقوم بوضع مجسّمات خرسانية في قاع البحر بطريقة عملية مدروسة بهدف تهيئة مكان مناسب لاستقرار الكائنات الحية البحرية, وإعادة تأهيل البنية التحتية لها, حيث وضعت المستعمرات على شكل مربعات مفرغة يبلغ وزن الواحدة منها 40 طنا من الخرسانة المعالجة وعلى عمق 25 إلى 30 قدما في منطقة تتميز بالتيارات المعتدلة, كما ساعدت رافعات شركة النفط بثقل المجسّمات الخرسانية وإنزالها إلى القاع.

تقول الشيخة أمثال الأحمد: (إن فريق الغوض يعد مثلا رائعا لتأصيل مبدأ التطوع في أهل الكويت حيث جبلوا على هذه الاعمال الطيبة بمختلف المستويات).

مرابط بحرية

وعلى الرغم من جهودهم لحماية الشعاب المرجانية من الشباك والمخلفات والانقاض فقد ذهب الفريق لأبعد من ذلك حيث انشأ مرابط بحرية (اوتادا) في أماكن الشعاب المرجانية ذات عوامات تقوم بدور المخاطيف حول الجزر والسواحل. فبدلا من أن يرمي صاحب اليخت أو السفينة المخاطيف الحديدية (السن أو البوره) في قاع البحر ويدمر الشعاب المرجانية ما عليه الا ان يربط بإحدى هذه العوامات ويتمتع بالصيد أو الغوص دون تعرض الشعاب للخطر واستطاع الفريق عمل 54 مربطا بحريا واستبدال جديدة بالتالفة في اماكن الشعاب والسواحل بطريقة متطوره وعلمية. وقد طلبت شركة سويدية تعمل في دبي من الفريق عمل مرابط بحرية لها لما توفره هذه المرابط من بيئة آمنه لرواد البحر في اماكن وجود الشعاب. ويهدف المشروع إلى زيادة ونشر الوعي البيئي والحد من تدمير البيئة البحرية وإبراز الدور الحضاري للكويت من خلال محافظتها على البيئة.

كما كان للفريق خبرات اضافية في رصيد العمل البيئي الذي انتهجته فقد قام بعملية انشال كمية من الانابيب الاسبستية الموجودة على طول 100 متر من شاطئ السلام بالقرب من ميناء الشويخ وهي اربعة انواع: الكريسوتايل, الاموزيت, الكروسيدلايت, الانثوفيلايت. بقدار 56 طنا من الانابيب المعروفة بضررها البالغ الاثر على الانسان والبيئة.

تجفيف الأهوار

ولا تتوقف معاناة البيئة الكويتية عند حدود ما ارتكب بتعمّد خلال الاحتلال وعقب انسحاب قواته, ولا يتوقف أيضاً عند الممارسات الخاطئة للأفراد التي تضر بالبيئة بشكل كبير, ولكن البيئة الكويتية مازالت تعاني أيضاً من الكثير من الأمراض التي تتطلب جهوداً كبيرة لإنقاذها.

ففي منطقة الشعيبة (جنوب الكويت) وهي منطقة صناعية كبيرة تعد مركزا مهما لكثير من الصناعات الثقيلة, وتقع على مساحة 22,98 مليون متر مربع, وتضم 38 مصنعاً, يتم تصريف المياه المستعملة من الصناعات القائمة قدرت بحوالي 30,000 متر مكعب في اليوم الواحد إلى البحر, وجزء من هذه المياه يتم معالجته مبدئيا, أما الجزء الآخر فلا يعالج على الإطلاق, ويتم تصريفه إلى البيئة البحرية من ملوثات نفطية وغير نفطية. وأدى ذلك إلى تغيير في الطبيعة الهيدروجرافية (التغير في حركة دوران المياه بسبب التغير في الأعماق) إضافة إلى تغير في نسبة العوالق الرسوبية والتي تصاحبها العديد من الملوثات, ومن ثم التأثير على الناحية الإيكولوجية المتمثلة في الثروة السمكية. وقد أظهرت نتائج البحث الذي قام به معهد الكويت للأبحاث العلمية وجود ملوّثات بترولية في المنطقة الشمالية من (خور الصبية) وكذلك المنطقة الواقعة شرق جزيرة (فيلكا), ويمكن إيعاز وجود هذه الملوّثات إلى تأثير المنطقة بعملية تجفيف الأهوار في جنوب العراق وانتقال الملوثات من جنوب العراق إلى شمال المنطقة البحرية للخليج عبر ما يسمى بـ (النهر الثالث) والمتصل حالياً بخور الزبير, وأظهرت صور الأقمار الصناعية إلى جانب الدراسة التي قامت بها جامعة (إكستر Exter) من المملكة المتحدة أن نسبة خطر الملوحة في الأراضي عالية جداً, وأن تأثيرات ضياع مناطق المياه ربما يمتد إلى أبعد من مناطق الأهوار, كما أن الأعمال والأشغال قد تؤدي إلى انقراض بعض الكائنات الحية وانخفاض كبير في نسبة الكائنات ذات الأهمية العالمية.

كما أن نتائج فحص قامت بها وزارة الصحة باشتراك أكثر من 30 طبيبا و 220 مفتشاً قاموا بسحب عينات من المياه من مختلف مناطق الكويت ليتم فحصها بكتريولوجيا في عام 2000 أثبتت أن إجمالي العينات المسحوبة 10026 منها 2338 غير صالحة.

وذكرت منظمة السلام الأخضر العالمية (غرينبيس) المعنية بشئون البيئة في جنيف أن 40% من احتياطيات المياه الجوفية في الكويت ملوّثة بسبب الآثار الفادحة التي خلّفها الغزو العراقي لدولة الكويت 1990. حيث قام بحرق 789 بئراً نفطية وسرب آلاف الأطنان من المواد النفطية إلى البحر مما أثّر سلباً على المياه البحرية الكويتية والخليجية بشكل عام.

وتعتبر الأسماك جزءاً مهماً في سلسلة الحياة الغذائية في البيئة البحرية, ولذلك فإن أي تأثير على التجمعات السمكية مثل حوادث نفوق الأسماك, سيكون له آثار بالغة تصيب الأسماك بالتسمم وخطرها يمتد إلى الطيور البحرية والأحياء الأخرى التي تتغذى عليها. إن أي نشاطات تعمل على اضطراب البيئة البحرية تؤدي إلى قتل جماعي للأسماك والأحياء البحرية الأخرى.

انتشال القطع البحرية

وتحت مياه الخليج الهادئ, تقبع عشرات السفن والقطع البحرية في سبات عميق تهدد بدورها أمن وسلامة مرتادي البحر والكائنات البحرية التي فيها. وتعتبر أعمال انتشال ورفع وتعويم وسحب القوارب والقطع الغارقة من أول أعمال الفريق منذ تأسيسه, فقد تمكن من انتشال بقايا ناقلة جنود عراقية غارقة في المدخل الشمالي لمرفئ البدع, وقد استخدم الفريق حقيبة هوائية بقوة رفع طن بهدف رفعها من القاع وذلك بسبب تعرض الكثير من قوارب الصيادين للاصطدام بها أثناء حالة جزر الماء, إضافة إلى انتشال يخت أمريكي بطول 36 قدماً ووزن 16 طنا غارقاً في منتزه الخيران التابع لشركة المشروعات السياحية. واستخدمت إلى جانب الحقائب الهوائية مكائن ضغط الهواء ومضخات سحب الماء. وبعد تعويمه استخدمت رافعة بقوة 120 طنا لرفع اليخت لليابسة لمباشرة اصلاحه, كما تم تعويم قارب إماراتي يزن أربعة أطنان وانتشال مقطورة غارقة بوزن 950 طنا بطول 140 قدما, وسحب مياهها المخلوطة بالوقود والزيوت بكمية 250 طنا.

إن عمليات انتشال السفن والقطع البحرية عمل مهم, حيث يتم خلاله إزالة الملوّثات التي تسببها تلك القطع الغارقة, إضافة لفتح الممرات الملاحية لمرتادي البحر بأمان. ومن أهم أعمال الفريق تعويم السفينة الخشبية (فتح الخير) التي تعتبر القطعة الأثرية الوحيدة من تراث الأجداد السابقين بعدما أعادها الكويتيون سالمة بأمر من صاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح, فقد بنيت عام 1938, وهو من نوع البوم السفار يزن 100 طن وجد في ميناء دبي عام 1991 مستمراً بنقل البضائع من موانئ إيران إلى الإمارات, فقامت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بشرائه من مالكه, ونقله للكويت, حيث ظل في ميناء الدوحة بعد ترميمه في 1992 من قبل صانعه الذي كان على قيد الحياة حتى عام 1999.

بعد إنشاء المركز العلمي التابع للمؤسسة بمنطقة السالمية, قام فريق الغوص بعمليات متتالية عدة لتعويم البوم (السفينة) وسحبها لمقرّها الأخير, إلا أن الفريق لم ينجح إلا في المرة الرابعة دون كلل أو يأس. وقد بثت قناة CNN الاخبارية تقريراً مصوّراً ومباشراً عن إنجازات الفريق خلال العمل الذي استمر أكثر من 40 يوماً تفانى الجميع في الإنجاز الوطني الكبير نظراً للعمق التاريخي لهذا البوم الذي حمل الأجداد والآباء في الماضي وساهم في إبقاء آخر السفن البحرية القديمة على قيد الحياة بعد ما دمّر الغزو العراقي سفينة المهلب الأثرية التي كانت أمام المتحف الوطني إبان الغزو العراقي لدولة الكويت.

الروح التطوعية

كان حادث غرق سفينة (كاليبسو) في ميناء سنغافورة عام 1995 بداية اتصال الفريق بعالم البحار الفرنسي ميشيل كوستو, فقد طلب الفريق المشاركة تطوّعاً بانتشال السفينة التي تزن 80 طنا, وذلك نظير ما قام به كوستو من أعمال ومشاريع مهمة في خدمة البيئة البحرية على أوسع نطاق, ورحب البحار الفرنسي بمبادرة الفريق. يقول وليد الفاضل رئيس الفريق: في عام 1998 عزم ابن البروفسور ميشيل جاك كوستو على إنتاج فيلم عن الدمار العراقي للبيئة البحرية أثناء الغزو العراقي بالتعاون مع الهيئة العامة للتعويضات, وقد أبدى إعجابه بالروح التطوعية التي ينتهجها الفريق بكل عزيمة وإصرار, وردد عبارته الشهيرة (الناس تدافع عما تحب) منذ تلك اللحظة, وهو على علم واطلاع دائم على أخبار الفريق وإنجازاته. كما أكد كوستو على أهمية الحملات التي يقوم بها الفريق وإيجابيتها والاستمرار بالتوجه العالمي نحو بيئة بحرية عالمية أفضل, وذلك بإعداد النشء وتعليمهم عشق وحب البيئة البحرية وكائناتها.

وقد تبنى فريق الغوص الحملة الوطنية لحماية الكائنات البحرية وارتباطها بالنشء والمتمثلة بتوصيل رسالة للطفل الكويتي بأهمية المشاركة في أعمال وفعاليات الهيئة, وذلك بالدخول للمدارس ومراكز الشباب لعرض أفلام ووسائل تعليمية مثل المجسمات والصور بأسلوب محبب للأطفال والشباب حيث تجاوب الأشبال بدورهم, وتحمّسوا لتلك العمليات طالبين المشاركة. وقد كان لهم ما أرادوا خلال عملية إنقاذ السلاحف من الهلاك التي قام بها الفريق سنة 1995 وسنة 2000 بإعادة تلك السلاحف (الفواقص) إلى بيئتها الطبيعية, وكان ذلك بمنزلة تدريب عملي لهم للمحافظة على سلامتها والتعلق بكل عمل تطوعي وبيئي.

التوثيق والتصوير

استطاع الفريق أن يرتقي بعمله الإعلامي وفي هذا المجال تمكن من إنتاج 20 فيلماً وثائقياً عن إنجازات مرتبطة بالبيئة البحرية, إضافة إلى التقارير المصوّرة التي عرضت في القنوات الفضائية العربية والأجنبية, كذلك المطبوعات وأنشطة أخرى متعلقة بعلوم الغوص وتحديداً فيما يتعلق بالتصوير الفوتوغرافي والفيديو تحت الماء, وتوثيق تلك البيئة البحرية, بحيث تكون هذه الأفلام سنداً تاريخياً حقيقياً لعطاء الشباب الكويتي الصادق ومرجعاً للدارسين بها عند الحاجة.

وقد اشادت الصحافة الامريكية بحملة انقاذ السلاحف التي قام بها الفريق.

وقام الفريق بجهوده الذاتية من بإنشاء صفحة خاصة به على شبكة الإنترنت العالمية وهو مشروع يقوم على تأسيس قاعدة من المعلومات المتجددة لرفع قدرة الفريق في المجال البيئي والعلم ولايصال صوت الكويت إعلاميا في مجال البيئة البحرية والأعمال المتصلة بها وتحقيق العالمية من خلال ثورة المعلوماتية ليتناسب والالفية الثالثة وهي بمثابة مرشد ودليل وحلقة وصل للباحثين عن المعلومة. كما تمثل غرفة عمليات عالمية يشارك الجميع في حل المشكلات التي تتعلق بالبيئة والاعمال التطوعية المرتبطة بها, وقد حازت تلك الصفحة على وسامين عالميين في مجال الإنترنت من الولايات المتحدة الأمريكية, ويتم تجديد تلك الصفحات بشكل دائم ومستمر لتكون متجددة المظهر, دائمة في عطائها المتميز, باسم (www.kuwaitdriver.com).

كما حصل فريق الغوص الكويتي على جائزة الإنجاز البيئي العالمية بإجماع أعضاء لجنة اختيار الأعمال المتميزة في أكبر منظمة دولية لمدربي الغوص (NAUI) وتمت كتابة اسم الفريق على نصب تذكاري دائم في مبنى مقر المنظمة في الولايات المتحدة الأمريكية, وجاء هذا الاختيار للإنجازات التي حققها الفريق عام 1999 والمتعلقة بحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها.

وتعتبر منظمة (NAUI) إحدى أكبر المنظمات الدولية المتخصصة في مجال الغوص تأسست عام 1960 وهي منظمة غير انتفاعية تهدف لنشر العلوم ورياضة الغوص والمساعدة في الحفاظ على البيئة وحمايتها ويبلغ عدد أعضـائهـا سبـعـة ملايـين غواص.

وحرصاً على استمرار كفاءة أداء الأعضاء العاملين ضمن مجاميع عمل الفريق, كان لابد من تأسيس مركز التدريب وفقاً لمنهج مدرسة NAUI الأمريكية العالمية يتم تأهيل وتدريب المدربين وإعطاء المحاضرات والدروس النظرية والعملية, كما يقدم المركز برامج تعليمية لرفع قدرات ومهارات الأعضاء ومنحهم الشهادات التخصصية الدولية في هذا المجال مما يساهم في رفع قدرات الفريق ورفع مستوى الأداء العام واستعداداً لسد أي نقص أو حدث مفاجئ. كما قام الفريق بتأسيس ورش فنية متنقلة بأنظمة متطورة لسد احتياجات ومتطلبات العمل البحري, وما يتعلق بمجال صيانة المعدات والأجهزة والقوارب, وتصنيع ثلاثة أنواع من الحقائب الهوائية وتركيب وتجميع كمبروسورات الهواء وغيرها Air Banks.

وقد حظي الفريق بشرف تكريم ولقاء صاحب السمو أمير دولة الكويت لعدة مرات كان الفريق خلالها يستمع لنصائح وتوصيات الامير الشيخ جابر الاحمد الصباح لابنائه. وقد اهدى الفريق لسموه جائزة ناوي (NAUI) العالمية والتي حصل عليها الفريق كأفضل فريق في العالم من حيث الانجاز البيئي التطوعي.

ويذكر رئيس الفريق وليد الفاضل ان صاحب السمو الأمير مازال يقدم الكثير للفريق من الدعم المادي والمعنوي مما كان له الاثر الكبير بعد الله تعالى في استمرار عطائه وخدمته للبيئة البحرية.

هذه الجهود المتفانية والعطاء المتنامي لخدمة البيئة البحرية الكويتية, إنما هما مدخل من بين مداخل عدة لعالمية أبناء الكويت من جيل اليوم, ليكون على نهج مسيرة العمل البيئي البحري كما كان الأجداد روّاداً في العمل البحري وتجارته وأسفاره.

أرقام وحقائـق خلال 10 سنوات من العطاء المستمر

- انتشل الفريق 214 سفينة وقاربا بوزن 7380 طنا وبطول 7879 قدما.

- أنشأ الفريق 9 مستعمرات اصطناعية خرسانية للشعاب المرجانية والأسماك بوزن 460 طنا وبمساحة 4 آلاف متر مربع وتحتوي على 3115 فتحة كمخابئ للأسماك والكائنات البحرية.

- قام بإنقاذ 3 سلاحف نادرة من منطقة الشعيبة الصناعية.

- أنقذ 3 حيتان روسية في مجمع أحواض السباحة التابع لشركة المشروعات السياحية.

- أنجز 14 عملية لرفع الشباك العالقة بالشعاب المرجانية.

- أنتج الفريق أكثر من 20 فلماً وثائقياً يحكي عن الإنجازات والمشاريع التي نفذت وعرضت هذه الأفلام في العديد من الوكالات والقنوات الإعلامية.

- يعتمد الدعم العام للفريق على الجهات الحكومية بشكل رئيسي إضافة إلى بعض المؤسسات الوطنية والأهلية والأفراد.

- يمتلك الفريق حالياً 8 أجهزة اتصالات تحت الماء للغواصين وجهازاً علوياً على السطح حيث يتمكن الغواصون من مخاطبة بعضهم أثناء العمليات بكل سهولة ويسر.

- استطاع الفريق أن ينتشل سفينة غارقة وزنها 950 طناً في شمال الكويت وأفرغ منها 350 طناً من الوقود والزيوت قبل انتشالها في حاوية مخصصة لهذا الأمر.

- يبلغ عدد أعضاء الفريق 130 عضواً أكبرهم 45 سنة وأصغرهم 7 سنوات.

- يقوم مركز الفريق بإصدار شهادات دولية للغوص على النظام الأمريكي والفرنسي.

- يمتلك الفريق مجموعة من الأعضاء المتمكنين جيداً من مهارات التصوير التلفزيوني والفوتوغرافي في الماء.

- ينظم الفريق حالياً برامج وأنشطة خاصة للنشء الأطفال بهدف الوصول إليهم وغرس حب البيئة لديهم.

 

 

وفاء جوهر

 
 




صورة الغلاف





 





سمو أمير الكويت يتلقى هدية تذكارية من رئيس الجمعية الكويتية لحماية البيئة د. مشعان المشعان ورئيس فريق الغوص وليد الفاضل





إزالة الأنقاض من السواحل الكويتية خلال فترة الجزر





الشيخة أمثال الأحمد رئيسة اللجنة الكويتية للعمل التطوعي ومتابعة مستمرة





إنقاذ السفينة الماليزية الغارقة في مياة الخليج





أول مشروع في الشرق الأوسط لبناء المستعمرات الصناعية للشعاب المرجانية





مدفع عراقي من مخلفات الغزو تحت المياه الكويتية





أحد أفراد الغوص يقوم بإنقاذ الشعاب المرجانية داخل مياة الخليج





متابعة من عالم البحار الفرنسي د. ميشيل كوستو لأنشطة فريق الغوص





رفع المخلفات في نقعة الصقر





الأطفال الصغار يشاركون في حملة تنظيف المرابط البحرية





جانب من العمليات التدريبية لأفراد فريق الغوص تحت الماء





المخلفات الناتجة عن عملية تنظيف ساحل عشيرج بمساعدة أصدقاء البيئة





أطنان هائلة من الشباك تم انشائها من سواحل منطقة شرق





عملية انتشال السفينة النهرية العراقية الغارقة في منطقة الصبية شمال الكويت





قطع حديدية تم انتشالها بعد تقطيعها